16 ذو الحجة 6 هـ
30 نيسان 628 م
يوميّات غزوة خيبر ووادي القُرى ومُصالحة أهل فَدَك وتَيْماء: اليوم الحادي عشر

غزوة خَيْبَر (الإقامة بالرَّجيع اليوم الرابع) (حصن الصعب بن معاذاليوم الثاني)
وفي ليلته أمسى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم ومعه المسلمون عائدين للمُعسكر خارج خيبر، فساروا حوالي 1.5 كم …

في ثلث ساعة تقريبًا حتى وصلوا #~~~الرّجيع~~~#، فصلوا المغرب والعشاء وأقاموا الليل وهي الليلة الرابعة، وجاءت غطفان بقيادة عُيينة بن حِصن الفزاري فنزلوا خيبر يعينون حلفائهم من اليهود، وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم سعد بن عُبادة أن يخرج إلى عُيينة بن حصن فيتفاوض معه للرجوع عن نصرة يهود خيبر.
فخرج سعد بن عُبادة حتى جاء عُيينة ومن معه فقال: “إن رسول الله أرسلني إليك يقول: إنّ الله وعدني خيبر، فارجعوا وكُفّوا، فإن ظهرنا عليهم فلكم تمر خيبر سنة”، قال عُيينة: “إنا والله ما كُنّا لنُسلِم حلفاءنا  لشيء، وإنا لنعلم ما لك ولمن معك بمن ها هنا طاقة، هؤلاء أهل حصون منيعة ورجال عددهم كثير، وسلاح، إن أقمت هلكت ومن معك، وإن أردت القتال عجّلوا عليك بالرجال والسلاح، ولا والله ما هؤلاء كقريش قومٌ ساروا إليك، إن أصابوا غرّة منك فذاك الذي أرادوا وإلا انصرفوا، وهؤلاء يماكرونك الحرب ويُطاولونك حتى تُمهلهم!”، فقال سعد بن عُبادة: “أشهدُ ليحضرنّك في حصنك هذا حتى تطلُب الذي كُنّا عرضنا عليك فلا نُعطيك إلا السّيف، وقد رأيت يا عُيينة من قد حللنا بساحته من يهود يثرب، كيف مُزّقوا كل مُمَزَّق”، ورجع سعد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم فأخبره وقال: “يا رسول الله، إن الله منجز لك ما وعدك ومظهر دينه، فلا تُعط هذا الأعرابي تمرة واحدة يا رسول الله، لئن أخذ السيف ليُسلمنّهم ليهربن إلى بلاده كما فهل ذلك قبل اليوم في الخندق”، وأصاب فزارة الخوف هذه الليلة، وسمعوا صائحًا يصيح لا يدرون من السماء أو من الأرض: “يا معشر غطفان، أهلكم، أهلكم الغوث، الغوث بحيفاء -أرض غطفان بنجد-”، “الغوث بحيفاء”، “الغوث بحيفاء، لا تُربة ولا مال!”، فخرجوا مفزوعين ليلًا راجعين إلى بلادهم -وهي من مُعجزاته صلى الله عليه وآله وسلَّم وتأييد الله له-.
وساق بعض المسلمين مجموعة من الحُمُر الأهليّة أخذوها من عند حِصن اليهود، فذبحوها وأوقدوا النيران يطبخون لحومها وهم جياع، فمرّ بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم، فسأل عنها فأخبروه، فأمر من يُنادي في الجيش: “إن رسول الله ينهاكم عن الحُمُر الأهليّة، وعن مُتعة النّساء، وعن كل ذي ناب ومِخلب”، فكفوا القدور وامتنعوا عن الأكل، وأذِن لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم بأكل لحوم الخيل.
ولمّا كان الصبح، صلّى الناس خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واستخلف على من في المُعسكر عُثمان بن عفّان، ثم خرج بهم للقتال سائرين إلى خيبر، يحملون الرايات والسلاح ويلبسون الدّروع، سائرين حوالي 1.5 كم في ثلث ساعة تقريبًا حتى دخلوا خيبر من جهة #~~~النَّطاة~~~#، وعرف كنانة بن أبي الحُقيق بانصراف عُيينة ومن معه، فسقط في يديه وخاف وأيقن الهلكة، وقال: “كنا من هؤلاء الأعراب في باطل، إنّا سرنا فيهم فوعدونا النّصر وغرّونا، ولعمري لولا ما وعدونا من نصرهم ما نابذنا محمدًا بالحرب، ولم نحفظ كلام سلام بن أبي الحُقيق إذ قال: لا تستنصروا بهؤلاء الأعراب أبدًا فإنّا قد جرّبناهم، واستعنّا بهم على نصر بني قُريظة فضيّعوهم، فليس عندهم وفاء لنا، وقد سار فيهم حُييّ بن أخطب وجعلوا يطلبون الصُّلح من محمد، ثم زحف محمد إلى بني قُريظة وانكشفت غطفان راجعة إلى بلادها!”، وأقام المسلمون النّهار يقاتلون اليهود.
وجاء قطيع من الغنم لرجل من اليهود كانت ترعى خلف الحِصن، واليهود يدخلونها الحصن، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من رجل يطعمنا من هذه الغنم؟»، فقال أبو اليُسر[^1] رضي الله عنه: “أنا يا رسول الله”، وخرج يعدو متخفيًا مثل الظّبي، فلمّا نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «اللهم متّعنا به»، فأدرك الغنم وقد دخل أوّلها الحصن فأخذ غنمتين من آخرها فاحتضنها بيديه، ثم عاد يعدو خفيفًا وكأنّه لا يحمل شيئًا، وغربت الشَّمس وهم هناك.

بعث مُحيصة بن مسعود إلى يهود فَدَك
وفي ليلته أمسى مُحيصة بن مسعود رضي الله عنه عند #~~~فَدَك~~~#، وقد أرسله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لليهود بها يدعوهم للإسلام ويحذرهم غزوهم كما غزا خيبر، فصلى المغرب والعشاء وأقام الليل، ثم دخل كبارهم صباحًا فكلّمهم ودعاهم، ولم يجيبوه بشيء يقولون: “في النَّطاة عامر وياسر وأُسير والحارث وسيد اليهود مرحب!، ما نرى محمدًا يقرب منطقتهم، إنّ بها عشرة آلاف مُقاتِل!”، وهم ينتظرون على أحرّ من الجمر أن تأتيهم أخبار خيبر فيجيبوا مُحيصة حتى لا يخسروا التفاوض، وغربت الشمس وهو هناك.

[^1]: ولقد طال بأبي اليُسر العمر حتى كان من آخر أصحابه موتًا لدعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم له “اللهم متعنا به”.