7 ذو الحجة 6 هـ
21 نيسان 628 م
يوميّات غزوة خيبر ووادي القُرى ومُصالحة أهل فَدَك وتَيْماء: اليوم الثاني

غزوة خَيْبَر (الطريق إلى خَيْبَر)
وفي ليلته أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم المسلمين بالتهيؤ لغزو خيبر وقد وعده الله إياها بعد الحُديبية، ونادى في القبائل العربيّة …

التي أسلمت حول المدينة أن يأتوه متهيئين، وجاء قوم يريدون الخروج معه يرجون الغنيمة، وقد تخلّفوا في الحُديبية، وهم المنافقون المرجفون، فقالوا: “نخرج معك إلى خيبر، إنّها ريف الحجاز، وأكثره طعامًا ودسمًا وأمولًا”، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «لا تخرجوا معي إلا راغبين في الجهاد، أما الغنيمة فلا»، وبعث من يُنادي في النّاس: “لا يخرُجنّ معنا إلا راغب في الجهاد أمّا الغنيمة فلا”.
ولمّا أخذ المسلمون في التجهّز لغزو خيبر صعُب ذلك على بعض يهود المدينة المواطنون الموادعون للنبي صلى الله عليه وآله وسلَّم وأهل المدينة المنوَّرَة، ولم يبق يهودي من يهود المدينة له عند أحد من المسلمين شيئًا إلا طلبه منه قبل الخروج لخيبر، وكان لأبي الشَّحم اليهودي عند عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي خمسة دراهم دَيْن على عبد الله لشراء شعير لأهله مرّة، فطلبه منه أبو الشَّحم، فقال ابن أبي حدرد: “يا أبا الشَّحم إنّا نخرج إلى ريف الحجاز في الطعام والأموال، أجّلني، فإني أرجو أن أقدم عليك فأقضيك حقّك إن شاء الله عزّ وجلّ، قد وعد الله نبيّه خيبر أن يغنّمه إيّاها”، فقال أبو الشَّحم وقد استشاط غضبًا: “تحسب أن قتال خيبر مثل ما تلقونه من الأعراب؟ فيها والتوراة عشرة آلاف مُقاتلِ!”، قال ابن أبي حدرد: “أي عدوّ الله، تخوّفنا بعدوّنا وأنت في ذمّتنا وجوارنا؟ والله لأرفعنّك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم”، وذهب ابن أبي حدرد وأبو الشَّحم اليهودي يختصمان إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم فقال ابن أبي حدرد: “يا رسول الله، ألا تسمع ما يقول هذا اليهودي؟”، وأخبره بما قال، فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم، فقال اليهودي: “يا أبا القاسِم هذا قد ظلمني وحبسني بحقّي وأخذ طعامي”، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «أعطِهِ حقَّه»، فخرج عبد الله من عند النّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم، فباع أحد ثوبيه بثلاثة دراهم -9 جرام فضّة تقريبًا-، ثم دبّر الباقي من أهل بيته، وأعطاه سلمة بن أسلم ثوبًا هديّة بدلًا من الذي باعه، وأعطى أبو الشَّحم حقّه.
وجاء أبو عبس بن جبر فقال: “يا رسول الله ما عندنا نفقة ولا زاد ولا ثوب أخرج فيه!”، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم شقيقة سُنبلانيّة -ثوب طويل-، فباعها بثمانية دراهم -24 جرام فضّة تقريبًا- واشترى بدرهمين تمرًا زادًا له في الطَّرِيق، وترك لأهله درهمين ينفقوا منهما، واشترى بُردة -ثوب- بأربعة دراهم.
جاءت أمية بنت قيس بن أبي الصلت الغفارية -وهي فتاة صغيرة لم تبلغ مبلغ النِّساء بعد- مع مجموعة من نساء قبيلة بني غِفار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلن: “يا رسول الله، إنّا نريد أن نخرج معك في وجهك هذا فنُداوي الجرحى ونُعين المُسلمين بما استطعنا”، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «على بركة الله»، وجاءت أم سِنان رضي الله عنها وقالت أيضًا: “يا رسول الله أخرج معك في وجهك هذا، أخرز السّقاء وأداوي المرضى والجريح إن كانت جراح -ولا يكون-، وأنظُر الرَّحل -أحرس الأمتعة-”، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «اخرجي على بركة الله، فإنّ لك صواحب قد كلمنني، وأذنت لهنّ من قومك ومن غيرهم، فإن شئت فمع قومك، وإن شئت فمعنا»، قالت: “معك”، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «فكوني مع أمّ سَلَمَة زوجتي»، وخرج مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم عشرون امرأة من المهاجرات والأنصار، فيهم أمّ سَلَمة زوجته، وصفيّة عمّته، بخلاف نساء بني غِفار المذكورات رضي الله عنهن، وخرج أيضًا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جيش المدينة المنوَّرَة عشرة من اليهود[^1].
وكانت أخبار تهيؤ المسلمين للخروج لخيبر قد وصلت إلى يهود خيبر، فخرج كنانة بن أبي الحُقيق زعيمهم في مجموعة من كبرائهم أربعة عشر رجُلًا يدعون حلفائهم من قبائل غطفان لنُصرَتِهم ولهم نصف تمر خيبر سنة كاملة.
واستخلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم سُباع بن عُرفُطة الفغاري على المدينة يدير شئونها ويُصلّي بالنّاس، وخرج بالجيش فساروا حوالي 1.5 كم شاملًا في نصف ساعة تقريبًا حتى وصلوا #~~~ثنيّة الوداع~~~#، ثم حوالي 22 كم في أربع ساعات ونصف تقريبًا حتى وصلوا #~~~الغابة~~~#، فوقفوا للاستراحة وغربت الشمس وهم هناك.

[^1]: وهذا من أدلّة استمرار مواطنة اليهود الشُّرفاء في المدينة المنوَّرة ومُشاركتهم الفاعلة في المُجتمع والدفاع عن الدولة، مع حريّة اعتقادهم وممارسة ديانتهم.