26 ذو القعدة 10 هـ
23 شباط 632 م
يوميات حجّة الوداع:اليوم الثاني

وفي ليلته أمسى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمسجد الميقات بـ(((ذي الحُلَيفة))) في وادي العقيق، …

قادماً من (((المدينة المنورة))) في رحلة حجة الوداع، فصلى المغرب والعشاء، ثم طيّبته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فطاف على نسائه رضي الله عنهن هذه الليلة، فلما أصبح اغتسل للجنابة والإحرام قيل غسل واحد وقيل غسلان، فغسل رأسه بنبات الأشنان والخَطميّ، ثم فَرَقَ شعر رأسه ولبَّدَه -دهنه بـ«مُثَبِّت شَعْر»- حتى لا يتطاير ويجمع الأتربة أو ما يؤذي الرأس، وكان شعره صلى الله عليه وآله وسلم طويلاً.

 

ثم طيّبته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أيضًا بعد اغتساله بيدها بدُهن ذريرة -نبات عطري من الهند- مخلوطة بمسك في بدنه ورأسه بعد  أن دهنها بالمُثَبِّتْ حتى كان انعكاس لمعة الدهن ظاهراً في شعر رأسه ولحيته -وهو مفهوم إذ يمنع المُثَبِّت انسياب الطيب إلى الشعر وجذوره فيَثْبُت عليه طويلا- ولم يغسله بعد أن أحرم بالحج والعمرة، وصلّى الصُبح ثم قال لمن معه؛ «أتاني الليلة آت من ربي فقال: صَلِّ في هذا الوادي المبارك -وادي العقيق- وقُل: عُمرة في حجّة»، فلبس إزارًا ورداءًا صُحاريَّين وأحرم بالحج والعمرة في مُصلّاه قارنًا كما أُمر بذلك وحيًا فقال : «لبيك اللهم عُمرة في حجّة»، ورفع صوته بالتلبية قائلا «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك».

 

و استصحب صلى الله عليه وآله وسلم معه هَدْيًا من المدينة؛ 63 بَدَنَة، فأَشْعَرَ بعضه -وضع عليه شعارًا في جانبه الأيمن ليُعْرَف أنّه هَدْيٌ-، وقَلَّدَه -علّق في رقبته نَعْلَيْن أو قطعة جِلْد قِلادة- بذي الحُلَيْفة، وأّوْكَلَ إلى ناجيةُ بن جُنْدُب الأسلمي أن يُشْعِر ويُقَلِّد ما بقي منها وجعله مسئولاً عن سَوْقها إلى مكّة وكان مع ناجية فِتيان مِن قبيلة أسلم يساعدونه في ذلك، فسأل النَّبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً: يا رسول الله، أرأيت ما عَطِبَ -مَرِضَ- منها، كيف أصنع به؟، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «تنحره وتُلقي قلائده في دمه، ثم تضرب به صفحته اليُمنى، ثم لا تأكل منها ولا أحد من أهل رُفقتك».

 

ووَلَدَت أسماء بنت عميس الخثعمية زوجة أبي بكر الصديق ابنها محمد بن أبي بكر رضي الله عنهم في صباح اليوم وهي معهم في رحلة الحجّ،  فأرسلت إليه صلى الله عليه وآله وسلم تسأله ماذا تفعل وقد نزل عليها دم النفاس بعد الولادة وهي مُحْرِمَة، فأمرها أن تغتسل وأن تشد عليها قُماشة محشوة بنحو قطن لتمنع سيلان دم النفاس كما تفعل الحائض وأمرها أن تُحرم معهم وتُهلّ.

 

ومكث صلى الله عليه وآله وسلم بعد صلاة الصبح، ثم أحرم في مُصلّاه بعد صلاة الصبح فركب ناقته القصواء وأهلَّ -رفع صوته بالتلبية- أيضًا ثم أهل لما استقبل القبلة -الطريق إلى مكة-، وقال للناس : «من أراد منكم أن يهل بحج و عمرة فليفعل ومن أراد أن يهلّ بحج فليهلّ ومن أراد أن يهلّ بعمرة فليهلّ»، ولحق به في الطريق خلق كثير من المدينة ومن حولها سمعوا بخروجه للحج فخرجوا ليحجّوا معه، وأتاه جبريل وأمره أن يأمر أصحابه أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية، ثم سار غربًا حوالي15 كم في ثلاث ساعات تقريبًا إلى أن وصل آخر (((البيداء))) فصلى بها الظهر ركعتين، ثم أكمل المسير حوالي 15 كم أخرى إلى أن وصل منطقة (((مَلَل))) في ثلاث ساعات أخرى تقريبًا وهي على بعد 30 كم تقريبًا من (((ذي الحُلَيفة))) ووصلها في حدود وقت العصر فصلّاها بها أو قريبًا منها، ثم واصل المسير جنوبًا حوالي 12.5 كم أخرى في ساعتين ونصف تقريبًا إلى منطقة (((الفُرَيْش: السّيَالَة)))، ووصلها وقت غروب الشمس تقريبًا.