8 محرم 7 هـ
21 أيار 628 م
يوميّات غزوة خيبر ووادي القُرى ومُصالحة أهل فَدَك وتَيْماء: اليوم الثاني والثلاثون

غزوة خَيْبَر (الإقامة بالنَّطاة) (عقد الصُّلح مع باقي حصون خيبر واستسلامها)
وفيه لمّا اشتدّ حصار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم وجيش المسلمين لحصن القموص وحصون الوطيح وسلالم، …

وكان اليهود قد أغلقوا عليهم الحصون لا يخرجون منها، وقد أيقنوا الهلكة وتعبوا من شدّة الحصار وأصابهم رُعب شديد، فأرسل كنانة بن أبي الحُقيق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم فقال: “أنزِل فأُكَلِّمَك؟”، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «نعم»، فنزل ابن أبي الحُقيق يتفاوض مع النّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم، فقبل منه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم الصُّلح على حقن دماء من تبقى من المقاتلين اليهود في حصن القموص والوطيح وسلالم، وترك الذريّة ويخرجون من خيبر وتتم مُصادرة جميع أموالهم وأراضيهم، وماشيتهم وأسلحتهم وما يكنزون من ذهب وفضّة وثياب، إلّا ثوبًا على ظهر إنسان، فرضي بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم ثم قال: «وبرئت منكم ذمّة الله وذمّة رسوله إن كتمتموني شيئًا»، وصالحه على ذلك وأرسل معه من يقبض منهم الأموال والمتاع والسلاح.
ووجدوا مع اليهود مائة درع، وأربعمائة سيف، وألف رُمح، وخمسمائة قوس عربيّة بجعابها -الذي يحمل فيها السِّهام-، وسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم كنانة وسلام ابنا أبي الحقيق عن كنز آل أبي الحُقيق والحُليّ التي كان يلبسها أشرافهم يُعرفون به، وكان هذا الذَّهب يستعيره العرب بمكّة شهرًا لمن كان عندها عُرس، وهو متوارث بين آل أبي الحُقيق كابرًا عن كابر مشهورًا في جزيرة العرب، فقال كنانة: “يا أبا القاسم أنفقناه في حربنا فلم يبق منه شيء، وكنا نرفعه لمثل هذا اليوم فلم تُبق الحرب واستنصار الرجال من ذلك شيئًا”، وأقسم كنانة على ذلك الأيمان المُغَلَّظَة، فقال لهما -كنانة وسلام- رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «برئت منكما ذمّة الله وذمّة رسوله إن كان عندكما»، قالا: “نعم”، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «وكل ما أخذت من أموالكما وأصبت من دمائكما فهو حلٌّ لي ولا ذمّة لكما»، قالا: “نعم”، وأشهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم أبا بكر وعُمر وعليًّا والزّبير بن العوّام وعشرة من اليهود على كلام كنانة، فقام رجل من اليهود فقال لكنانة بن أبي الحُقيق: “إن كان عندك ما يطلب منك محمد أو تعلم علمه فأعْلِمهُ فإنك تأمن على دمك، وإلا فوالله ليظهرنّ عليه، قد اطّلع على غير ذلك بما لم نعلمه”، فوكزه كنانه بعيدًا عنه، فتنحّى اليهودي وقعد.
ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بثعلبة بن سلام بن أبي الحُقيق -وكان رجلًا ضعيفًا- فسأله عن كنزهم، فقال ثعلبة: “ليس لي علم غير أنّي قد كنت أرى كنانة كل غداة يطوف بهذه الخربة -وأشار إليها-، فإن كان شيء دفنه فهو فيها”.
فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم مع ثعلبة الزّبير بن العوّام ومجموعة من المسلمين إلى تلك الخربة، فحفر حيث أراه ثعلبة فاستخرج منه ذلك الكنز، فلمّا أخرجه أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم أن يُقتلا، وصادر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم جميع ممتلكاتهما دونًا عن باقي اليهود الذين دخلوا في الصُّلح، ووجدوا في هذا الكنز الذهب الكثير والحُليّ والخواتم المختلفة الأحجام، والسلاسل والأساور وغير ذلك.