12 ذو الحجة 6 هـ
26 نيسان 628 م
يوميّات غزوة خيبر ووادي القُرى ومُصالحة أهل فَدَك وتَيْماء: اليوم السابع

غزوة خَيْبَر (الطريق إلى خَيْبَر ) (حصن ناعِم اليوم الأوّل)
وفي ليلته أمسى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم ومعه المسلمون عند #~~~الصهباء~~~#، فصلّى بهم رسول الله صلى الله …

عليه وآله وسلم المغرب، ولم يتوضأ، ثم صلّى بهم العِشاء ثم طل الأدلّاء -جمع دليل، وهم خبراء الطُّرُق-، فجاء حُسيل بن خارجة الأشجعي وعبد الله بن نُعيم الأشجعي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم لحُسيل: «امض أمامنا حتى تأخذنا صدور الأودية، حتى نأتي خيبر من بينها وبين الشام، فأحول بينهم وبين الشام، وبين حُلفائهم من غطفان»، فقال حُسيل: “أنا أسلُك بك”.
وتقدَّم حُسيل فترك مدخل خيبر يساره واتّجَهَ شَمالًا كأنّه يُريد الشَّام قاطعًا حرَّة خيبر، فساروا معه حوالي 9 كم قبل أن يتوقَّف عند مُفترق طُرُق، وقال: “يا رسول الله، إن لها طُرُقًا يؤتى منها كُلّها”، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «سمِّها لي»، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم يُحبّ التفاؤل والاسم الحسن، ويكره التشاؤم والاسم القبيح، فقال حُسيل: “طريق يُقال لها حَزَن”، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «لا تسلُكها»، قال حُسيل: “طريق يُقال لها: شاس”، قال: “لا تسلُكها”، قال حُسيل: “طريق يُقال لها حاطِب”، قال: “لا تسلُكها”، قال عُمر رضي الله عنه: “ما رأيت كالليلة أسماء أقبح!، سَمِّ لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلَّم-”، قال حُسيل: “لها طريق واحدة لم يبق غيرها”، قال عُمر: “سمِّها”، قال حُسيل: “اسمها مَرْحَب”، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «نعم اُسلُكها»، قال عُمر -رضي الله عنه-: “ألا سمَّيْت هذا الطَّرِيْق أوّل مَرَّة؟”[^1]، فسار بهم حُسيل رضي الله عنه حوالي 3.5 كم في نصف ساعة تقريبًا حتى نزلوا #~~~الخرصة~~~#.
ثم اتّجه بهم حُسيل بن خارجة الأشجعي جنوبًا داخلين خيبر من جهة الشَّمال، فساروا حوالي 1.25 كم حتى #~~~أشرفوا على خيبر~~~#، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «قفوا»، فوقفوا، ثم قال: «قولوا: اللهم رب السماوات السّبع وما أظلّت، ورب الأرضين السّبع وما أقلّت وربّ الرياح وما ذرّت، فإنّا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها، خير ما فيها، ونعوذ بك من شرّها وشرّ ما فيها»، فقالوا مع النّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم، ثم قال لهم: “ادخلوا على بركة الله”.

وحصون خيبر ثلاث مناطق كُبرى:
* منطقة النَّطاة (وهي منطقة الوسط الشرقي والشمالي الشرقي)

وتشتمل على ثلاثة حصون كُبيرة:
– حصن ناعِم
– حصن الصَّعب بن مُعاذ
– حصن قلعة الزّبير

* منطقة الشِّق (وهي منطقة الشمال الغربي)
– حصن أُبَيّ
– حصن النَّزَار

* منطقة الكتيبة (وهي منطقة الوسط الغربي والجنوب الغربي)
– حصن القموص (وقد يعدُّه بعضهم من النَّطاة لأنّه من منطقة الوسَط)
– حصون الوطيح.
– حصون السلالم.

وهذه هي الحصون الكُبرى أو المناطق، وقد اشتملت على حصون أخرى أصغر لم تُذكَر وأُلحقت في ذكرها بتلك المتقدم ذكرها.
ونزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم بالمُسلمين في #~~~وادي النَّطاة~~~# وقام يُصلِّي حتى آخر الليل، وقامت ناقته فسارت تجُرُّ زمامها، وحاولوا إيقافها فلم يستطيعوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «دعوها فإنها مأمورة»، حتى بَرَكَت عند صخرة، فتحوّل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم بالمُعسكر عندها.
وكان اليهود يقومون كل ليلة قبل الفجر يلبسون السِّلاح ويصفُّون الكتائب عشرة آلاف مُقاتِل، ثم يقولون لتحفيز معنويّاتهم: “محمد يغزونا؟؟، هيهات هيهات!”، فلمّا كان ليلة اليوم ونزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم ساحاتهم، وقد عمّى الله عليهم وقت وصوله إليهم، وناموا هذه الليلة لم يتحرّك منهم أحد ولم يُصِح لهم ديك حتّى طلعت الشَّمس، فأصبحوا ودقّات قلوبهم تتسارع وفتحوا الحصون وخرجوا ومعهم أدوات الزِّراعة، الجواريف، والفؤوس، والزنابيل، فلمّا رأوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم قد نزل بساحاتهم ولم يشعروا فزعوا وقالوا: “مُحمّد والخميس -الجيش-”، وكرّوا هاربين عائدين لحصونهم، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم يقول: “الله أكبر، خربت خيبر، إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين”.
وقاتل المسلمون نهارهم أهل حصون النَّطاة من ناحية الجنوب، وسهام اليهود ونبالهم تُخالط عسكر المسلمين وتجاوزه، والمسلمون يلتقطون السهام والقذائف ثم يردّونها عليهم، ومع كل مجموعة منهم راية، وكان الشّعار الذي يعرفون به بعضهم: “يا منصور أَمِتْ”، وكانوا قد بدأوا بـ#~~~حصن ناعم~~~# فحاصروه واشتبكوا مع مُقاتلته، ثم صفّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم الجيش وأمر بالتّوقف عن القِتال حتى يأذن لهم، فتقدّم رجل من المسلمين من قبيلة أشجع فضرب يهودي على الحصن فضربه مرحب اليهودي فقتله، فقال النّاس: “يا رسول الله، استشهد فُلان”، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أبعد ما نهيت عن القتال؟»، قالوا: “نعم”، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مناديًا أن ينادي في الجيش: “لا تحلّ الجنّة لعاصٍ”، ثم أذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في القتال وحثّ عليه، فقاتلوا بقيّة اليوم.
وجاء الحُباب بن المُنذِر رضي الله عنه فقال: “يا رسول الله، صلى الله عليك، إنك نزلت منزلك هذا، فإن كان عن أمر أمرت به فلا نتكلم فيه، وإن كان الرأي تكلمنا”، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «بل هو الرّأي»، فقال الحُباب: “يا رسول الله اقتربت من الحُصون، ونزلت بين النَّخل والماء، مع أنّ أهل النَّطاة لي بهم معرفة، ليس قوم أبعد مدى منهم ولا أدق منهم، وهم مُرتفعون علينا، وهو أسرع لانحطاط نبلهم مع أنّي لا آمن من بياتهم يدخلون بين النَّخل، تحوَّل يا رسول الله إلى موضع بريء من الماء ومن الوباء، نجعل الحرّة بيننا وبينهم حتى لا ينالنا نبلهم”، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «نُقاتلهم هذا اليوم، فإذا أمسينا تحولنا إن شاء الله»، ثم قال الحُباب: ”يا رسول الله إنّ اليهود ترى النّخل أحبّ إليهم من أبكار أولادهم، فاطع نخلهم”، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقطع النّخل، فجاء أبو بكر رضي الله عنه فقال: “يا رسول الله إن الله عز وجل قد وعدك خيبر، وهو منجز ما وعدك، فلا تقطع النخل”، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم بلالًا أن يُنادي في النّاس أن يكفّوا عن قطع النَّخل، فكفّوا.
ثم طلب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم مُحمد بن مسلمة وقال له: «انظر مكانًا لنا بعيدًا من حصونهم، بريئًا من الوباء نأمن فيه بياتهم»، فطاف محمد بن مسلمة بالمنطقة يتفقدها يختار مكانًا للمُعسكر.

بعث مُحيصة بن مسعود إلى يهود فَدَك
وفي ليلته أرسله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مُحيصة بن مسعود إلى #~~~فَدَك~~~#، يدعوا اليهود للإسلام ويحذّرهم الغزو، فصلى المغرب والعشاء وأقام أوّل الليل، ثم سار شمالًا تاركًا خيبر عن يساره، حوالي 26 كم في خمس ساعات تقريبًا حتى وصل #~~~العين~~~# وقت صلاة الصُّبح فصلاه بها أو قريبًا منها ووقف للاستراحة.
ثم سار حوالي 22 كم في أربع ساعات ونصف تقريبًا حتى وصل #~~~العشاش~~~#، فوقف للاستراحة وغربت الشمس وهو هناك.

[^1]: والظاهر أنّ هذا من دلائل النبوَّة التي ستتكشف لنا نحن في العصر الحديث، فإنّ هذه الطُّرُق لا تُعلَم، إنّما بمُراجعة الخرائط الدقيقة والأسماء المذكورة ومعناها اللغوي يُمكن وضع تصوُّر مُناسب للطريق الذي سلكوه، والمروي أنّ الطريق أفضى إلى “الخرصة”، وهي غالبًا تصحيف للحرضة المعلومة الآن شمال خيبر، وهي أرض مُنبسطة، ويوجد بالفعل عدّة مسارات تؤدي إليها للقادم من الجنوب وهي على يساره، وقد اخترنا أكثرهم اختصارًا وقِصَرًا، ويُفضي إلى منطقة واسعة بسُرعة حتى يتحقق فيه معنى “مرحب”، والمقصود به غالبًا: “الطريق الواسع”، لهذا تركه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم يسرد الطُّرُق الأربعة!، إذ لو ذكر لنا واحدًا فقط لصارت مهمّة تحقيق الطريق أصعب وأصعب لاندثاره!، فاللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله.