11 رمضان 2 هـ
10 آذار 624 م
غزوة بدر الكبرى وغزوة بني سُلَيْم الأولى بالكُدر إلى غزوة بني قَيْنُقَاع: اليوم الثامن

غزوة بدر الكُبرى
وفي ليلته أمسى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ساحة معركة #~~~بدر~~~# وقد انتهت المعركة بفوز عظيم للمسلمين، …

وهزيمة ساحقة للمشركين، وقُتل من قريش أكابرها وزعمائها، عتبة بن ربيعة وأخوه شيبة وابنه الوليد، وأبو جهل، وغيرهم فيما لا يزيد عن سبعين قتيلًا على أقصى تقدير من إجمالي تسعمائة وخمسون مقاتلًا،  وأسروا سبعين، ومات من جيش المسلمين أربعة عشر رجلًا، ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار، وهي الليلة الثانية لهم بأرض المعركة بعد ليلة المعركة.
وبات النبي صلى الله عليه وآله وسلم تلك الليلة ساهرًا، فقيل له: “ما لك لا تنام يا رسول الله؟”، فقال: «سمعت أنين عمّي العبّاس في وثاقه، وقد زعمت الأنصار أنهم قاتلوه»، فقال عمر بن الخطاب: “أفآتيهم-أذهب إليهم-؟”، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «نعم»، فأتى عمر رضي الله عنه الأنصار فقال: “اتركوا العباس”، فقالوا: “لا والله لا نرسله!”، فقال لهم عمر: “فإن كان لرسول الله رضا-رضي بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم-”، قالوا: “فإن كان له رضى فخذه!”، فأخذه عمر معه وقال: “يا عبّاس أسلم، فوالله لئن تسلم أحبّ إلي من أن يُسلم الخطَّاب، وما ذاك إلا لما رأيت رسول الله يعجبه إسلامك”، فاطمأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونام تلك الليلة.

وكان مع عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أميّة بن خلف -من المشركين- وابنه عليًا، قد أخذهما معه بعد المعركة، فأراد عبد الرحمن أن يقودهما إلى مكان آمن في الجبال ليلًا بعد أن نام الناس، لما كان من عداوة أميّة الشديدة للمسلمين وأذيته لهم، فخاف عبد الرحمن أن يُقتل أسيره، وكانت السماء مُضاءة بنور البدر المكتمل، فهي ليلة الرابع عشر من رمضان، فقادهما عبد الرحمن بن عوف ناحية الجبال، فرآهم بلال بن رباح رضي الله عنه وكان منشغلًا بعجينة في يديه يعجنها ليأكلوا منها، وكان أميّة هو الذي يعذّب بلالًا في مكّة ويضع على صدره الصخر في حر الشمس حتى يترك دين الإسلام، وبلال يقول “أحدٌ، أحد”، فلمّا رآه بلال، قال: “رأس الكفر أميّة بن خلف؟!”، ثم صرخ بأعلى صوته ينادي على الأنصار: “يا أنصار الله، يا أنصار الله، رأس الكفر أميّة بن خلف، لا نجوت إن نجا…لا نجوت إن نجا!”، فأسرع إليه جماعة من الأنصار وعبد الرحمن بن عوف يجري بهم حتى يقيهم القتل، ومسح بلال يديه من العجين ولحقهم، فترك عبد الرحمن خلفه علي بن أميّة ليشغلهم، فقتلوه -لعلّهم ظنّوه هو أميّة-، وكان أميّة رجلًا ثقيلًا بطيئًا، فلحقوا به وبعبدالرحمن، فلمّا لحقوا بهما، قال له عبد الرحمن بن عوف: “أبرك -نم على الأرض-”، فبرك أميّة، فألقى بعد الرحمن نفسه على أميّة حتى يمنهم من قتله، فتخللوا بالسيوف من تحت عبد الرحمن، وأصاب أحدهم ظهر قدم عبد الرحمن بسيفه، فقام عبد الرحمن عنه وقال له : “انج بنفسك، فوالله ما أغني عنك شيئًا”، فأجهزوا على أميّة ولم يستطع عبد الرحمن أن يمنعهم أكثر من ذلك، فكان عبد الرحمن يقول: “يرحم الله بلا لًا فجعني بأدراعي وبأسيرَيّ”.

ولمّا أصبح النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى بالمسلمين الصبح والظهر بساحة بدر، والمسلمون مستمرين في جمع الغنائم وتضميد الجرحى والاستراحة بعد الحرب، وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدفن قتلى المسلمين وسحب قتلى المشركين إلى القُلَيب -البئر-، وكان أبو حُذَيفة بن عُتبة بن ربيعة -الذي قال يوم المعركة أنقتل آبائنا وأعمامنا ونترك العبّاس، والله لإن رأيته لأقتلنه-، فلمّا رأى أباه عُتبة بن ربيعة قتيلًا يُسحب إلى القُلَيْب، اكتئب وتغيَّر لونه، فعرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم  ذلك في وجهه، فقال له: «يا أبا حذيفة، لعلك قد دخلك من شأن أبيك شيء»، قال أبو حذيفة: “لا والله يا رسول الله ما شككت في أبي ولا في مصرعه، ولكني كنت أعرف من أبي رأيًا وحلمًا وفضلًا، فكنت أرجو أن يهديه ذلك للإسلام، فلمّا رأيت ما أصابه وذكرت ما مات عليه من الكفر بعد الذي كنت أرجو له، أحزنني ذلك”، فدعا له النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخير، وقال له «خيرًا»[^1].
وكان ممن تأخر دفنه أميّة بن خلف، فإنه قُتل ليلًا كما ذكرنا، فوجدوه قد انتفخ في درعه فملأها، فذهبوا ليخرجوه منها، فتفكك لحمه، فتركوه ووضعوا عليه التراب والحجارة في مكانه حتى غطَّته تمامًا.
وصلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمسلمين جميع الصلوات بساحة بدر، وغربت الشمس وهم بها.

[^1]: وعتبة بن ربيعة -والد أبو حُذيفة بن عُتبة- كان فيه فضل وحِلم على شِركِه، وألمح النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى ذلك في أوّل المعركة حين قال: “لو كان في القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر، إن يُطيعوه يرشدوا”، وكان صاحب الجمل الأحمر هو عتبة بن ربيعة، لكنّ المولى عزَّ وجل قد قضى عليه بالموت كافرًا مشركًا لعلَّه ليُعلمنا أن الاعتراض على أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عقابه عظيم، فإن أبا حُذيفة اعترض على ترك قتل العباس كما أمرهم بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يفهم مُراد الله ورسوله، فكان في ذلك درسًا له ولنا بموت أبيه على الشِّرك، والذي كان يُرجَى إسلامه، مع بقاء العباس حيًا وإسلامه، وقد قال أبو حُذيفة عن نفسه بعد ذلك: “لُست بآمن بتلك الكلمة التي قُلت إلا أن يكفرها الله عني بالشهادة”، فقُتل شهيدًا  في حروب الرِدَّة في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، رحم الله أبا حُذيفة ورضي عنه.