ربيع الأول 11 هـ
حزيران 632 م
ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا الْحَاكِمُ، أَنْبَأَنَا الْأَصَمِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ، عَنْ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَيُّوب بن بشير، …

أَن رَسُول الله قَالَ فِي مَرَضِهِ: «أَفِيضُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ قِرَبٍ مِنْ سَبْعِ آبَارٍ شَتَّى حَتَّى أَخْرُجَ فَأَعْهَدَ إِلَى النَّاسِ». فَفَعَلُوا، فَخَرَجَ فَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَكَانَ أَوَّلَ مَا ذَكَرَ بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ذَكَرَ أَصْحَابَ أُحُدٍ، فَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَدَعَا لَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ إِنَّكُمْ أَصْبَحْتُمْ تَزِيدُونَ وَالْأَنْصَارُ عَلَى هَيْئَتِهَا لَا تَزِيدُ، وَإِنَّهُمْ عَيْبَتِي الَّتِي أَوَيْتُ إِلَيْهَا، فَأَكْرِمُوا كَرِيمَهُمْ وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ».
ثُمَّ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللَّهِ قَدْ خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْد الله فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ».
فَفَهِمَهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ فَبَكَى وَقَالَ: بَلْ نَحْنُ نَفْدِيكَ بِأَنْفُسِنَا وَأَبْنَائِنَا وَأَمْوَالِنَا.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى رِسْلِكَ يَا أَبَا بَكْرٍ! انْظُرُوا إِلَى هَذِهِ الْأَبْوَابِ الشَّارِعَةِ فِي الْمَسْجِدِ فَسُدُّوهَا إِلَّا مَا كَانَ مِنْ بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ، فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا عِنْدِي أَفْضَلَ فِي الصُّحْبَةِ مِنْهُ».
هَذَا مُرْسَلٌ لَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي فَرْوَةُ بْنُ زُبَيْدِ بن طوسا، عَن عَائِشَة بنت سعد، عَن أم ذَر، عَنْ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم.
قَالَت: خرج رَسُول الله عَاصِبًا رَأْسَهُ بِخِرْقَةٍ، فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى الْمِنْبَرِ تَحَدَّقَ النَّاسُ بِالْمِنْبَرِ وَاسْتَكَفُّوا، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لِقَائِمٌ عَلَى الْحَوْضِ السَّاعَةَ».
ثُمَّ تَشَهَّدَ فَلَمَّا قَضَى تَشَهُّدَهُ كَانَ أَوَّلَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ أَنِ اسْتَغْفَرَ لِلشُّهَدَاءِ الَّذِينَ قُتِلُوا بِأُحُدٍ.
ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللَّهِ خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَ اللَّهِ فَاخْتَارَ الْعَبْدُ مَا عِنْدَ اللَّهِ».
فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ فَعَجِبْنَا لِبُكَائِهِ.
وَقَالَ: بِأَبِي وَأُمِّي! نَفْدِيكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا وَأَنْفُسِنَا وَأَمْوَالِنَا.
فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُخَيَّرَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَجعل رَسُول الله يَقُولُ لَهُ: «عَلَى رِسْلِكَ»! وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ، حَدَّثَنَا فليح، عَن سَالم أَبى النَّضر، عَن بشر ابْن سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ الله النَّاسَ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ ذَلِكَ الْعَبْدُ مَا عِنْدَ اللَّهِ».
قَالَ: فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ.
قَالَ: فَعَجِبْنَا لِبُكَائِهِ أَنْ يُخْبِرَ رَسُولَ اللَّهِ عَن عبد، فَكَانَ رَسُول الله هُوَ الْمُخَيَّرَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا بِهِ.
فَقَالَ رَسُول الله: «إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ ربى لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ خُلَّةُ الْإِسْلَامِ مودته، لَا يَبْقَى فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ إِلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ».
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ بِهِ.
ثُمَّ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ يُونُسَ، عَنْ فُلَيْحٍ، عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ عُبَيْدِ بن حنين وَبشر بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ بِهِ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ فُلَيْحٍ وَمَالِكِ بن أنس، عَن سَالم عَن بشر ابْن سَعِيدٍ وَعُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ بِنَحْوِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا هِشَام، حَدثنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنِ ابْنِ أَبِي الْمُعَلَّى، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ خَطَبَ يَوْمًا فَقَالَ: «إِنَّ رَجُلًا خَيَّرَهُ رَبُّهُ بَيْنَ أَنْ يَعِيشَ فِي الدُّنْيَا مَا شَاءَ أَنْ يَعِيشَ فِيهَا يَأْكُلُ مِنَ الدُّنْيَا مَا شَاءَ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّهِ فَاخْتَارَ لِقَاءَ رَبِّهِ».
فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا تَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا الشَّيْخِ أَنْ ذَكَرَ رَسُول الله رجلا صَالحا خَيره ربه بَين الْبَقَاء فِي الدُّنْيَا وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّهِ فَاخْتَارَ لِقَاءَ رَبِّهِ! فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَهُمْ بِمَا قَالَ رَسُولُ الله.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلْ نَفْدِيكَ بِأَمْوَالِنَا وَأَبْنَائِنَا.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيْنَا فِي صُحْبَتِهِ وَذَاتِ يَدِهِ مِنَ ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ، وَلَكِنْ وُدٌّ وَإِخَاءٌ وَإِيمَانٌ، وَلَكِنْ وُدٌّ وَإِخَاءٌ وَإِيمَانٌ».
مَرَّتَيْنِ وَإِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ عزوجل.
تفرد بِهِ أَحْمد.
قَالُوا: وَصَوَابه ابْن سَعِيدِ بْنُ الْمُعَلَّى.
فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ – هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ – حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الرَّقِّيُّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن الْحَارِث حَدثنَا جُنْدُبٌ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُتَوَفَّى بِخَمْسٍ وَهُوَ يَقُولُ: «قَدْ كَانَ لِي مِنْكُمْ إِخْوَةٌ وَأَصْدِقَاءُ، وَإِنِّي أَبْرَأُ إِلَى كُلِّ خَلِيلٍ مِنْ خُلَّتِهِ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بكر خَلِيلًا، وَإِن ربى اتَّخَذَنِي خَلِيلًا كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، وَإِنَّ قَوْمًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصُلَحَائِهِمْ مَسَاجِدَ، فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ فَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ».
وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ بِنَحْوِهِ.
وَهَذَا الْيَوْمُ الذى كَانَ قبل وَفَاته عَلَيْهِ السَّلَام بِخَمْسَةِ أَيَّامٍ هُوَ يَوْمُ الْخَمِيسِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيمَا تَقَدَّمَ.
وَقَدْ رُوِّينَا هَذِهِ الْخُطْبَةَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُقْرِئُ، أَنْبَأَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بن يَعْقُوب – هُوَ ابْن عوَانَة الاسفرايينى – قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن أَبى بكر، حَدثنَا وهب بن جرير، حَدثنَا أَبِي، سَمِعْتُ يَعْلَى بْنَ حَكِيمٍ يُحَدِّثُ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَاصِبًا رَأْسَهُ بِخِرْقَةٍ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَيَّ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنَ النَّاسِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ خُلَّةُ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ، سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ».
رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن عبيد اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيِّ، عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ بِهِ.
وَفِي قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: «سدوا عَنى كل خوخة» – يعْنى الابواب الصغار – إِلَى الْمَسْجِدِ «غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ» إِشَارَةٌ إِلَى الْخِلَافَةِ، أَيْ لِيَخْرُجَ مِنْهَا إِلَى الصَّلَاةِ بِالْمُسْلِمِينَ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عبد الرَّحْمَن بن سُلَيْمَان بن حَنْظَلَة بن الْغَسِيلِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ خَرَجَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَاصِبًا رَأْسَهُ بِعِصَابَةٍ دَسْمَاءَ مُلْتَحِفًا بِمِلْحَفَةٍ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، فَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَذَكَرَ الْخُطْبَةَ، وَذَكَرَ فِيهَا الْوَصَاةَ بِالْأَنْصَارِ إِلَى أَنْ قَالَ: فَكَانَ آخَرَ مَجْلِسٍ جَلَسَ فِيهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قُبِضَ – يَعْنِي آخِرَ خُطْبَةٍ خطبهَا عَلَيْهِ السَّلَام.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاس بِإِسْنَاد غَرِيب وَلَفظ غَرِيب.
فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنُ عَبْدَانَ، أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ،
حَدثنَا ابْنُ أَبِي قُمَاشٍ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل أبوعمران الجبلى، حَدثنَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى الْقَزَّازُ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عبد الْملك بن عبد الله بن أنَاس اللَّيْثِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا، وَقَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ فَقَالَ: «خُذْ بِيَدِي يَا فَضْلُ».
قَالَ: فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ حَتَّى قَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ.
ثُمَّ قَالَ: «نَادِ فِي النَّاسِ يَا فَضْلُ».
فَنَادَيْتُ: الصَّلَاةَ جَامِعَةً.
قَالَ: فَاجْتَمَعُوا فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا فَقَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ قَدْ دَنَا مِنِّي خلوف مِنْ بَيْنِ أَظْهَرُكُمْ، وَلَنْ تَرَوْنِي فِي هَذَا الْمَقَامِ فِيكُمْ، وَقَدْ كُنْتُ أَرَى أَنَّ غَيْرَهُ غَيْرُ مُغْنٍ عَنِّي حَتَّى أَقُومَهُ فِيكُمْ، أَلَا فَمَنْ كُنْتُ جَلَدْتُ لَهُ ظَهْرًا فَهَذَا ظَهْرِي فَلْيَسْتَقِدْ، وَمَنْ كُنْتُ أَخَذْتُ لَهُ مَالًا فَهَذَا مَالِي فَلْيَأْخُذْ مِنْهُ، وَمَنْ كُنْتُ شَتَمْتُ لَهُ عِرْضًا فَهَذَا عِرْضِي فَلْيَسْتَقِدْ، وَلَا يَقُولَنَّ قَائِلٌ: أَخَاف الشحناء من قبل رَسُول الله، أَلَا وَإِنَّ الشَّحْنَاءَ لَيْسَتْ مِنْ شَأْنِي وَلَا مِنْ خُلُقِي، وَإِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ مِنْ أَخَذَ حَقًّا إِنْ كَانَ لَهُ عَلَيَّ أَوْ حَلَّلَنِي فَلَقِيت الله عزوجل وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عِنْدِي مَظْلِمَةٌ».
قَالَ: فَقَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِي عِنْدَكَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ.
فَقَالَ: «أَمَّا أَنَا فَلَا أُكَذِّبُ قَائِلًا وَلَا مُسْتَحْلِفُهُ عَلَى يَمِينٍ، فِيمَ كَانَتْ لَكَ عِنْدِي»؟ قَالَ: أَمَا تَذْكُرُ أَنَّهُ مَرَّ بِكَ سَائِلٌ فَأَمَرْتَنِي فَأَعْطَيْتُهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ.
قَالَ: «أَعْطِهِ يَا فَضْلُ».
قَالَ: وَأَمَرَ بِهِ فَجَلَسَ.
قَالَ: ثُمَّ عَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَقَالَتِهِ الْأُولَى.
ثُمَّ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الْغُلُولِ شئ فَلْيَرُدَّهُ».
فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدِي ثَلَاثَة دَرَاهِمَ غَلَلْتُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
قَالَ: «فَلِمَ غَلَلْتَهَا»؟ قَالَ: كُنْتُ إِلَيْهَا مُحْتَاجًا قَالَ: «خُذْهَا مِنْهُ يَا فَضْلُ».
ثُمَّ عَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَقَالَتِهِ الْأُولَى وَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ أَحَسَّ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئًا فَلْيَقُمْ أَدْعُو اللَّهَ لَهُ».
فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَمُنَافِقٌ وَإِنِّي لَكَذُوبٌ وَإِنِّي لَنَئُومٌ.
فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: وَيْحَكَ أَيُّهَا الرَّجُلُ! لَقَدْ سَتَرَكَ اللَّهُ لَوْ سَتَرَتْ عَلَى نَفْسِكَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَه يَابْنَ الْخَطَّابِ فُضُوحُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ فُضُوحِ الْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ ارْزُقْهُ صِدْقًا وَإِيمَانًا وَأَذْهِبْ عَنْهُ النَّوْمَ إِذَا شَاءَ».
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عُمَرُ مَعِي وَأَنَا مَعَ عُمَرَ وَالْحَقُّ بَعْدِي مَعَ عُمَرَ».
وَفِي إِسْنَادِهِ وَمَتنه غرابة شَدِيدَة.