5 ذو القعدة 5 هـ
31 آذار 627 م
يوميّات غزوة بني قُريظة: اليوم العشرون

غزوة بني قُريظة (إعدام المجرمين)

وفي ليلته استمرّ إعدام من بقي من مقاتلي بني قُريظة ودفنهم، وأشعل المسلمون سعف النّخيل للإضاءة والرؤية، ولمّا قُتِل قادتهم وكُبرائهم وبقي الزّبير بن باطا، جاء ثابت بن قيس بن شمّاس رضي الله عنه إلى الزبير بن باطا وقال: “ألا تعرفني؟”، قال الزبير: “وهل يجهل مثلي مثلك؟”، قال ثابت: “فإن لك عندي يد -إحسان وفضل أسديته إليّ-، وقد أردت أن أجزيك بها”، قال الزبير: “إن الكريم يجزي الكريم، وأحوج ما كنت إليه اليوم!”، فجاء ثابت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: “يا رسول الله إنه كان للزبير بن باطا عند يدٌ يوم بُعاث، لم يقتلني وقد أحببت أن أجزيه بها، فهبه لي”، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «هو لك».

وكانت نساء بني قُريظة في دار رملة بنت الحارث ودار أسامة بن زيد رضي الله عنهم يقلن: “عسى مُحمد أن يمُنّ على رجالنا أو يقبل منهم فدية”، فلمّا كان الصباح وعلمن بإعدامهم، صِحن وشققن الجيوب ولطمن الخدود، وكان الزبير بن باطا لم يُقتل بعد، فقال لهنّ: “اسكُتن، فأنتنّ أول من سُبي من بني إسرائيل منذ كانت الدنيا؟، ولا يُرفع السبي عنهم حتى نلتقي نحن وأنتُنّ، وإن كان في رجالكن خيرٌ فدُوكُنّ، فتمسكّن بدين اليهود فعليه نموت، وعليه نحيا”.

وجاء ثابت رضي الله عنه إلى الزبير بن باطا وقال: “إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد وهبك لي -جعل العفو عنك أو إعدامك بيدي-”، فقال الزبير: “شيخ كبير لا أهل ولا ولد ولا مال بيثرب ما يصنع بالحياة؟”، فذهب ثابت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال: “يا رسول الله أعطني ولده”، فأعطاهم له، فقال: “يا رسول الله أعطني ماله وأهله”، فأعطاهم له، ورجع للزبير فقال: “إن رسول الله قد أعطاني ولدك وأهلك ومالك”، فقال الزبير: “يا ثابت أما أنت، فقد كافأتني وقضيت بالذي عليك، يا ثابت ما فعل كعب بن أسد؟”، قال ثابت: “قُتِل”، قال الزبير: “فما فعل سيّد الحيّين حُييّ بن أخطب؟”، قال ثابت: “قُتِل!”، قال الزبير: “فما فعل أشجع اليهود في الحرب غزال بن سموأل؟”، قال ثابت: “قُتِل”، قال الزبير: “فما فعل نبّاش بن قيس؟”، قال ثابت: “قُتِل”، قال الزبير: “فما فعل حامل لواء اليهود في الحرب وهب بن زيد؟”، قال: “قُتِل”، قال: “فما فعل أبو الأيتام والأرامل من اليهود عقبة بن زيد؟”، قال: “قُتِل”، قال: “فما فعل العمران اللذان كانا يلتقيا بدراسة التوراة؟”، قال: “قُتِلا”، قال الزبير بن باطا: “يا ثابت فما خيرٌ في العيش بعد هؤلاء، أأرجع إلى دار كانوا يعيشون فيها، فأمكث فيها بعدهم؟، لا حاجة لي في ذلك، فإني أسألك بيدي عندك إلا قدمتني إلى هذا القتَّال الذي يقتُل زُعماء بني قُريظة، ثم يُقدّمني إلى مصارع قومي، وخذ سيفي، فإنه صارم، فاضربني ضربة وأجهز وارفع يدك عن الطعام، وألصق بالرأس وافِض عن الدّماغ، فإنه أحسن للجسد أن يبقى فيه العنق، يا ثابت لا أصبر إفراغ دلو من نضح حتى ألقى الأحبّة”، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهو يسمع ما يقول: “ويحك يا ابن باطا، إنه ليس إفراغ دلو، ولكنه عذاب أبديّ، تلقاهم والله في نار جهتم خالدًا مخلدًا فيها”، قال الزبير: “يا ثابت، قدّمني فاقتلني”، قال ثابت: “ما كنت لأقتلك”، قال الزبير: “ما كنت أبالي من قتلني، ولكن يا ثابت انظر إلى امرأتي وولدي، فإنهم جزعوا من الموت فاطلب من صاحبك أن يطلقهم وأن يرد إليهم أموالهم”، فقرّبه ثابت من الزبير بن العوام رضي الله عنه فأعدمه.

وطلب ثابت من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون أهل الزبير بن باطا معه وأن يستردوا أموالهم، فرد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل ذلك على أولاده وترك امرأته مع السّبي وردّ عليهم الأموال من المزارع والإبل والأثاث إلا السلاح فلم يردّه عليهم فكانوا مع عائلة ثابت بن قيس رضي الله عنه.

وفيه كان سعد بن مُعاذ رضي الله عنه في خيمة رُفيدة رضي الله عنها بالمسجد النبوي الشريف تُمرّضه بعدما عاد من الحُكم على بني قُريظة، فانتفخ جُرحه وكان قد كُوي بالنّار حتى يلتئم، ففُتِح الجُرح وسال منه الدمّ، فكوي مرّة أُخرى.