6 ذو القعدة 5 هـ
1 نيسان 627 م
يوميّات غزوة بني قُريظة: اليوم الحادي والعشرون

غزوة بني قُريظة (مُصادرة الأموال والأملاك)

وفيه لمّا انتهى تنفيذ حُكم الإعدام على بني قُريظة ثم دُفِنوا، وضرب النّبي صلى الله عليه وآله وسلم على نسائهم السَّبي، حُصِر السّبي والأموال والأملاك لمُصادرتها، فأمر صلى الله عليه وآله وسلَّم ببيع الأثاث والمتاع والسَّبي فيمن يُريد ويُرَدّ المال إلى قسمة المُصادرة، فكان ممن اشترى السّبي: أبو الشّحم اليهودي -وكان يهوديًا لا ينتمي لجماعة معيّنة يعيش بالمدينة المنوّرة في ظل الدستور آمنًا مؤَمَّنًا-، فاشترى امرأتين من يهود بني قُريظة كل واحدة منهما معها ثلاثة أطفال بمائة وخمسين دينارًا -حوالي 638 جم ذهب-، وهو يقول لهم: “ألستم على اليهوديّة؟”، فقتول المرأتان: “لا نُفارق دين قومنا حتى نموت عليه”، وهُنّ يبكين.

ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم أن يُفَرَّق بين المرأة وأطفالها في السّبي، فلا يُباعوا إلا معًا ولا يُؤخذوا إلا معًا لمن كانوا في قِسمته من المُصادرة، فقال: «لا يُفَرَّق بين الأم وولدها -من السَّبي- حتى يبلغوا»، فقالوا: “يا رسول الله وما بلوغهم؟”، قال: «تحيض الجارية، ويحتلم الغُلام»، وكان ممن اشترى من السّبي عثمان بن عفّان وعبد الرّحمن بن عوف رضي الله عنهما، وأرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم مجموعة من السّبي إلى نجد تُباع هُناك، ومجموعة إلى الشّام مع سعد بن عُبادة رضي الله  عنه تُباع هُناك ويُشترى بثمنهم سلاحًا وخيلًا.

وقُسِّمَت الأموال المُصادرة خمسة أقسام، فكان الخُمس “لله”، ومنه أهدى النّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم الهدايا وأعطى المُحتاجين والفقراء وعفا عن بعض السّبي، والأربع أخماس الباقية قُسِّمَت في المُسلمين، واصطفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الخُمس: ريحانة بنت زيد من بني النّضير لنفسه الشريفة، وكانت جميلة وكان زوجها من بني قُريظة ممن أُعدِموا، فعرض عليها الإسلام فرفضت وأصرّت أن تبقى على دينها، فأرسل النّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم إلى ابن سعيّة -من بني قُريظة وهو ممن لم يشاركهم خيانتهم وبالتالي لم يدخل في حُكم الإعدام ثم أسلم- فذكر له رفضها الإسلام، فقال ابن سعية: “فداك أبي وأمي، هي تُسْلِم”، فخرج من عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذهب إلى ريحانة فقال: “لا تتبعي قومَك، فقد رأيت ما أدخل عليهم حُيَيّ بن أخطب، وأسلِمِي يصطفيكِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنفسه”، فأسلمت بعدما كلّمها واقتنعت، وخرج عائدًا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبشّره.

وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يجلس مع أصحابه فسمع وقع نعلين، فقال: «هاتين نعلا ابن سعيّة يبشرني بإسلام ريحانة»، فجاءه فقال: “يا رسول الله قد أسلمت ريحانة”، فسُرّ بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأرسل بها إلى بيت أم المنذر سلمى بنت قيس الأنصاريّة تكون عندها حتى تحيض حيضة وتطهُر.

وفيه انتفخ جُرح سعد بن مُعاذ رضي الله عنه مرّة أُخرى وقد كواه للمرّة الثانية، فلمّا رأى ذلك رضي الله عنه قال: “اللهم رب السموات السبع ورب الأرضين السبع، إنه لم يكن في الناس قوم أحب إلي أن أُقاتل من قوم كذّبوا رسولك وأخرجوه -يعني قُريشًا- وإنّي أظن أن قد وضعت الحرب بيننا وبينهم، وإن كان بقي بيننا وبينهم حرب فأبقني أُقاتلهم فيك، وإن كنت وضعت الحرب فافجُر هذا الجُرح واجعل موتي فيه فقد أقررت عيني من بني قُريظة لعداوتهم لك ولنبيّك”.