مُلحق سرية أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى بني كلاب بنجد ناحية ضريَّة

1- الجغرافيا

قال الواقدي في المغازي (ص.494): “سريّة أبي بكر رضي الله عنه إلى نجد في شعبان سنة سبع،…عن إياس بن سلمة عن أبيه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر رضي الله عنه وأمَّرَه علينا، فبيتنا ناسًا من هوازن، فقتلت بيدي سبعة أهل أبيات، وكان شعارنا: “أمت أمت”، وإياس بن سلمة هو ابن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.

قال ابن سعد في الطبقات (ج.2، ص.111): “ثم سرية أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى بني كلاب بنجد ناحية ضريَّة في شعبان سنة سبع من مُهاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، …عن إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: غزوت مع أبي بكر إذ بعثه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسبى ناسًا من المشركين فقتلناهم، فكان شعارنا: أمت، أمت!، قال -سلمة-: فقتلت بيدي سبعة أهل أبيات من المشركين…أخبرنا إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر إلى فزارة وخرجت معه حتى إذا ما دنونا من الماء عرّس أبو بكر، حتى إذا ما صلينا الصبح أمرنا فشننا الغارة فوردنا الماء. فقتل أبو بكر من قتل ونحن معه، …”.

قال عُمر كحالة في مُعجم القبائل العربيّة (ج.3، ص.989): “كلاب بن ربيعة: بطن عظيم من عامر بن صعصعة، من العدنانيّة، وهم بنو كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ابن معاوية بن بكر بن هواز بن منصور ابن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان. كانت ديارهم حمى ضريَّة، وهو حمى كليب، وحمى الرّبذَة في جهات المدينة النبوية، وفدك، والعوالي…”.

وقال أيضًا (ج.3، ص.918): “فزارة بن ذبيان: بطن عظيم من غطفان، من العدنانية، وهم: بنو فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر بن نزار ابن معد بن عدنان. ينقسم إلى خمسة أفخاذ: عدي، سعد، شمخ، مازن، ظالم. ومنهم بنو العشراء، وبنو غراب. وكان من هذا البطن جماعة من العلماء والأئمة، منازلهم: كانت منازلهم بنجد ووادي القُرى، ثم تفرقوا، فنزلوا بصعيد مصر، وضواحي القاهرة، في قليوب، وما حولها، وفي المنطقة الواقعة ما بين برقة وطرابلس، والمغرب الأقصى وعدوا فزارة من قبائل بني سويف والفيوم سنة 1883 م، ومن بلاد فزارة ومنازلها: الأكادر، الجَناب، عُرَيْمة، الشرَّبة، يَدِيع، اللُّقاطة، التغْلَمان، الأَعْزلة، أُرُل، ذِرْوَة، الجُعَلة، وطَمِيَّة، ومن جبالهم: أبان الأبيض، قَنا وعوارض، أبان الأسود، الغَرِد، والأحدب”.

قال ابن هشام في السيرة (ص.717): “وغزوة زيد بن حارثة أيضًا وادي القرى، لقي به بني فزارة، فأصيب بها ناس من أصحابه، وارتث زيد من بين القتلى،…فلما قدم زيد بن حارثة إلى المدينة، نذر أن لا يمس رأسه غسل من جنابة حتى يغزو بني فزارة، فلما استبل من جراحته بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بني فزارة في جيش فقتلهم بوادي القرى، وأصاب فيهم،…وأُسرت أم قرفة، فاطمة بنت ربيعة بن بدر، كانت عجوزًا كبيرة عند مالك بن حذيفة بن بدر، وبنت لها، وعبد الله بن مسعدة، فأمر زيد بن حارثة قيس بن المسحر أن يقتل أم قرفة، فقتلها قتلًا عنيفًا، ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بابنة أم قرفة، وبابن مسعدة، وكانت بنت أم قرفة لسلمة بن الأكوع، كان هو الذي أصابها، فسألها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سلمة فوهبها له، فأهداها لخاله حزن بن أبي وهب، فولدت له عبد الرحمن بن حزن”.

اختلاف الروايات بين قبيلتين وموضعين

وبمقارنة الروايات السابقة والكلام على القبائل كما تقدم، يتضح أنّ قبيلة “بني كِلاب” مختلفة عن “فزارة”، فهذه قبيلة وتلك قبيلة، والواضح أن الخلط وقع من وجود أبي بكر الصديق في الحدثين فتم دمجهما في واحد.

وقبيلة “بنو كلاب” هي من قبائل هوازن والتي تسكن نجد جنوب شرق المدينة المنوَّرة كما ذكر عمر كحالة في معجمه: أنّها تسكن في حِمى ضريَّة وحمى الرّبذة جهة المدينة المنورة، يعني حول كل من ضريَّة والرُّبذة، والموضعين مازالا معلومين من نجد جنوب شرق المدينة المنوَّرة، في حين أنّ قبيلة “فزارة” هي من قبائل غطفان وكانت تسكن نجد أيضًا ووادي القُرى ومن بلادها الجناب مثلًا -وهناك سريّة لزيد بن حارثة للجناب-، وهو ما يجعل موضع الحدثين مختلفًا أيضًا، إذ وادي القُرى شمالًا جهة الشام، والمقصود بنجد التي تسكنها غطفان هو ذلك الجزء الشمالي والشمالي الشرقي، فهوازن تمتد أرضها جنوبًا وشرقًا في حين أنّ غطفان تمتدّ أرضها شمالًا وشرقًا، فيكون موضعان مختلفان.

ورواية الواقدي متسقة مع نفسها بخلاف كونها عن “سلمة بن الأكوع”، فالرواية الوحيدة عن سلمة في جميع كتب السير والحديث بخلاف الواقدي مذكور بها “فزارة” التي هي من غطفان وليس “بنو كِلاب” من هوازن، والتي ذُكر فيها أبي بكر الصديق رضي الله عنه وبها أيضًا الحديث عن “أم قرفة” وابنتها وأخذ سلمة بن الأكوع لها، والعجيب أن الواقدي ذكر كلام سلمة نفسه وما وقع معه وجاريته في سريّة زيد بن حارثة إلى أم قرفة سنة 6 هـ، وقد توسع ابن سعد في ذكر موضع القبيلة واسمها الذي لم يحدده الواقدي -حيث ذكر كونها من هوازن بغير تفصيل-، فيروي ابن سعد أنّهم بنو كلاب ويسكنون ناحية ضريّة -قريب منها-، ثم يعود فيذكر رواية سلمة بن الأكوع المُشكلة ويُسمّي قبيلة فزارة بها!، ثم يذكرها نفسها مرّة أخرى ويذكر أم قرفة في سريّة زيد بن حارثة إلى أم قرفة سنة 6 هـ كما فعل الواقدي، والظاهر أنّها الرواية الأصلية لوجودها في كُتُب الحديث، وربما حدث الخلط هل هي فزارة أو بنو كِلاب لقلة المعلومات عن السرايا التي خرج فيها أبو بكر الصديق رضي الله عنه سواء أميرًا أو مأمورًا، والظاهر أنّهما حدثان ايضًا منفصلين، كليهما كان فيه أبا بكر الصديق رضي الله عنه، والأوّل كان لبني فزارة من غطفان بوادي القُرى، والآخر لبني كلاب من هوازن ناحية ضريَّة بنجد، والذي يجعلنا نذهب ذلك المسلك هو ما رواه ابن هشام عن ابن إسحاق وذكرناه سالفًا وهو ما يجعل أمر هاتان السريتان واضحًا جليًا، فسريّة أبو بكر الصديق هي لبني كلاب بنجد كان أميرًا عليها، وقد خرج أبو بكر أيضًا في سريّة زيد بن حارثة الأولى إلى وادي القُرى التي أُصيب فيها زيد وغلبته الجراحات فلعلّهم أمّروا أبا بكر رضي الله عنه عليهم حتى عودتهم، ثم خرج أبو بكر رضي الله عنه معهم في سريّة زيد الثانية إلى وادي القُرى التي قتلت فيها أم قرفة وأسر سلمة ابن الأكوع ابنتها، وقد أشكل هذان الحدثان على عدد من أصحاب المتأخرين فعدّوهما حدثان مختلفان وذهبوا مذهبًا أعجب باعتبار وجود اثنين أم قرفة!، وهو خطأ واضح، والاختيار فصل الروايات ووضعها في موضعها المناسب، ويدعم هذا المسلك أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرسل إلى أطراف هوازن أيضًا بتُربة عمر بن الخطاب في شعبان 7 هـ أيضًا، ولم يخرج أحد مباشرة لمُصاب بشير بن سعد في فدك لوجود كثير من السرايا خارج المدينة، فأخرج غالب لمّا عاد من الميفعة وهذا مُلخّص بهذا الاختيار والله أعلم:

وقت السريّة الحدث الأمير الموضع القبيلة
رمضان 6 هـ عودة زيد بتجارة من الشام زيد بن حارثة وادي القُرى فزارة من غطفان
رمضان 6 هـ خروج زيد في جيش للاقتصاص من فزارة زيد بن حارثة وادي القُرى

(مقتل أم قرفة وأسر ابنتها)

فزارة من غطفان
شعبان 7 هـ خروج أبو بكر في سريّة لغزو أطراف هوازن أبو بكر الصديق ناحية ضريَّة بنو كلاب من هوازن

 

2- التاريخ

والواقدي وابن سعد كما تقدم، ذكروها في سرايا شعبان 7 هـ، بعد سريَّة عمر بن الخطاب إلى تُرَبَة، فالذي نختاره أنّ سريّة عُمر بن الخطاب رضي الله عنه خرجت يوم الخميس 6 شعبان 7 هـ، وسريّة أبو بكر رضي الله عنه هذه خرجت الخميس التالي له الموافق 13 شعبان 7 هـ، وتفصيل التواريخ في مُزامنة الطريق.

 

3- مُزامنة الطَّرِيق

طريق الذهاب (المدينة المنورة – بنو كلاب بناحية ضريَّة)
اليوم الأول

(الخميس)

13 شعبان 7 هـ

15 ديسمبر 628 م

 

من إلى مسافة (كم) زمن (ساعة)
المدينة المنورة العاقول 19.1 3.8
العاقول ذو القصة 24.1 4.8
43.2 8.6
اليوم الثاني

(الجمعة)

14 شعبان 7 هـ

16 ديسمبر 628 م

من إلى مسافة (كم) زمن (ساعة)
ذو القصة الصويدرة 22.5 4.5
الصويدرة وادي الشقرة 22.9 4.6
45.4 9
اليوم الثالث

(السبت)

15 شعبان 7 هـ

16 ديسمبر 628 م

من إلى مسافة (كم) زمن (ساعة)
وادي الشقرة الحناكية (نخل) 21 4.2
الحناكية (نخل) الشقران 24 4.8
45 9
اليوم الرابع

(الأحد)

16 شعبان 7 هـ

17 ديسمبر 628 م

من إلى مسافة (كم) زمن (ساعة)
الشقران قريب من الشقران 21.5 4.3
قريب من الشقران قريب من الخشبة 20 4
41.5 8.3
اليوم الخامس

(الاثنين)

17 شعبان 7 هـ

18 ديسمبر 628 م

من إلى مسافة (كم) زمن (ساعة)
قريب من الخشبة قريب من بلغا 22 4.4
قريب من بلغا بلغا 23.5 4.7
45.5 9.1
اليوم السادس

(الثلاثاء)

18 شعبان 7 هـ

19 ديسمبر 628 م

من إلى مسافة (كم) زمن (ساعة)
بلغا هدبان 22 4.4
هدبان بنو كلاب 24.5 4.9
46.5 9.3

 

طريق العودة (بنو كلاب بناحية ضريَّة – المدينة المنورة)
اليوم الأول

(الأربعاء)

19 شعبان 7 هـ

20 ديسمبر 628 م

 

من إلى مسافة (كم) زمن (ساعة)
بنو كلاب هدبان 24.5 4.9
هدبان بلغا 22 4.4
46.5 9.3
اليوم الثاني

(الخميس)

20 شعبان 7 هـ

21 ديسمبر 628 م

من إلى مسافة (كم) زمن (ساعة)
بلغا قريب من بلغا 23.5 4.7
قريب من بلغا قريب من الخشبة 22 4.4
45.5 9.1
اليوم الثالث

(الجمعة)

21 شعبان 7 هـ

22 ديسمبر 628 م

من إلى مسافة (كم) زمن (ساعة)
قريب من الخشبة قريب من الشقران 20 4
قريب من الشقران الشقران 21.5 4.3
41.5 8.3
اليوم الرابع

(السبت)

22 شعبان 7 هـ

23 ديسمبر 628 م

من إلى مسافة (كم) زمن (ساعة)
الشقران الحناكية (نخل) 24 4.8
الحناكية (نخل) وادي الشقرة 21 4.2
45 9
اليوم الخامس

(الأحد)

23 شعبان 7 هـ

24 ديسمبر 628 م

من إلى مسافة (كم) زمن (ساعة)
وادي الشقرة الصويدرة 22.9 4.6
الصويدرة ذو القصة 22.5 4.5
45.4 9.1
اليوم السادس

(الاثنين)

24 شعبان 7 هـ

25 ديسمبر 628 م

من إلى مسافة (كم) زمن (ساعة)
ذو القصة العاقول 24.1 4.8
العاقول المدينة المنورة 19.1 3.8
43.2 8.6

 

4- المراجع

  • معجم البلدان، ياقوت الحموي، دار صادر، بيروت
  • معجم معالم الحجاز، عاتق بن غيث البلادي، دار مكّة
  • معجم ما استعجم، البكري الأندلسي، تحقيق مصطفى السقا، عالم الكتب، بيروت
  • الطبقات الكبير، محمد بن سعد بن منيع الزهرى، تحقيق د.علي محمد عمر
  • المغازي، الواقدي، تحقيق مارسدن جونز
  • الروض الانف في شرح السيرة النبوية، السهيلي
  • الموازين والمكاييل الشرعية، أستاذ دكتور علي جمعة محمد، دار القدس