ملحق يوميّات غزوة الأحزاب وهي الخندق

 

1 الجغرافيا

 

قال الواقدي في المغازي (ص.324): “فكان أعجب المنازل إليه -صلى الله عليه وآله وسلم- أن يجعل سلعًا خلف ظهره ويخندق من المذاد إلى ذُباب إلى راتج،…فكان المهاجرون يحفرون من جانب راتج إلى ذُباب، وكانت الأنصار تحفر من ذُباب إلى جبل بني عُبيد، وكان سائر المدينة مشبكًا بالبنيان”.

 

وقال أيضًا (ص.327): “وكان الخندق ما بين جبل بني عبيد بخُربى إلى راتج، فكان للمهاجرين من ذُباب إلى راتج، وكان للأنصار ما بين ذُباب إلى خُربى،…وخندقت بنو عبد الأشهل عليها فيما يلي راتج إلى خلفها، حتى جاء الخندق من وراء المسجد، وخندقت بنو دينار من عند خُربى إلى موضع دار ابن أبي الجُنُوب اليوم”.

 

وقال (ص.328): “كان الخندق الذي خندق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما بين جبل بني عبيد إلى راتج وهذا أثبت الأحاديث عندنا، وذكروا أن الخندق له أبواب فلسنا ندري أين موضعها”.

 

وقال السمهودي في وفاء الوفا (ج.4، ص.1204): “الخندق: قال المطري: حفر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الخندق طولًا من أعلى وادي بطحان غربي الوادي مع الحرة إلى غربي مصلى العيد ثم إلى مسجد الفتح ثم إلى الجبلين الصغيرين اللذين في غربي الوادي، وجعل المسلمون ظهورهم إلى جبل سلع، وضرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبته على القرن الذي في غربي سَلْع في موضع مسجد الفتح اليوم، والخندق بينهم وبين المشركين، وفرغ من حفره بعد ستة أيّام، وتجمع فيه جميع المسلمين، وهم يومئذ ثلاثة آلاف.انتهى. وكأنه أخذه من قول ابن النجار، والخندق اليوم باق، وفيه قناة تأتي من عين بقباء، تأتي إلى النخل الذي بأسفل المدينة بالسيح حوالى مسجد الفتح، قال: وفي الخندق نخل أيضًا، وقد انطم أكثره وتهدمت حيطانه، انتهى، والموضع الذي ذكره من الخندق، لا أنه منحصر فيه؛ فقد روى الطبراني عن عمرو بن عوف المزني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خط الخندق من أجمة الشيخين طرف بني حارثة عام حزّب الأحزاب حتى بلغ المداحج فقطع لكل عشرة أربعين ذراعًا، وسيأتي أن الشيخين أطمان شامي المدينة بالحرة الشرقية، وأما المداحج فلا ذكر لها من بقاع المدينة، وقد روى البيهقي في دلائل النبوة حديث عمرو بن عوف بلفظ: خط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخندق عام الأحزاب من أجم السمر طرف بني حارثة حتى بلغ المذاد، ثم قطع أربعين ذراعًا بين كل عشرة،…والمذاد: بطرف منازل بني سلمة مما يلي مساجد الفتح وجبل بني عبيد”.

 

وعند مسجد الفتح بشره جبريل بالنصر

 

أُطُم الشّيخين

 

قال السمهودي في وفاء الوفا (ج.4، ص.1249): “شيخان: بفظ تثنية شيخ، أطمان بجهة الوالج، قال ابن زبالة: بفضائهما المسجد الذي صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين سار إلى أُحُد، وقال المجد: هو موضع يقال له ثنية شيخان، عسكر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة خرج لأُحُد، وهناك عرض الناس فأجاز ةمن رأى وردّ من رأى،…هو موضع بين المدينة وجبل أُحُد على الطريق الشرقيّة مع الحرّة إلى جبل أُحُد،…خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو وأصحابه لأُحُد على الحرّة الشرقية حرة واقم، وبات بالشيخين، وغدا الصبح يوم السبت إلى أُحُد”.

 

وفي أخبار المدينة لابن زبالة (ص.236): “شيخان: بفضائهما المسجد الذي صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين سار إلى أُحُد”.

 

والظاهر على وصف السمهودي وابن زبالة أن أقرب موضع له هو ما يُعرف الآن بمسجد الدرع شمال المدينة المنوَّرة للذاهب إلى جبل أُحُد أسفل مسجد المستراح وهو معروف عند محققي المدينة أيضًا، وهذه إحداثيّات تقريبيّة له:

 

المَعْلَم أُطُم الشيخين
خط طول 39.607977 درجة شرقًا
خط عرض 24.490421 درجة شمالًا

 

المذاد

 

قال السمهودي في وفاء الوفا (ج.4، ص.1302): “المذاد: بالفتح ثم ذال معجمة، وآخره مهملة من (ذاده) إذا طرَدَه، اسم أُطم لبني حرام من بني سلمة غربي مسجد الفتح، به سميت الناحية، وعنده مزرعة تسمى المذاد…”.

 

وأُطم المذاد معروف اليوم عند محققي المدينة ويقطعه الآن شارع الأمير عبد المجيد جنوب جبل بني عُبيد الكبير وغرب جبل سَلْع، وهذه إحداثيّات تقريبيّة له:

 

المَعْلَم أُطُم المذاد (غرب سَلْع يقطعه طريق عبد المجيد)
خط طول 39.591536 درجة شرقًا
خط عرض 24.473842 درجة شمالًا

 

ذُبَاب أو ذِباب أو ذو باب

 

قال السمهودي في وفاء الوفا (ج.4، ص.1214): “ذُباب: كغُراب وكِتاب لغتان، قال البكري: ذباب جبل بجبانة المدينة، وسبق في المساجد بيان أنّه الجبل الذي عليه مسجد الراية، وتقدم في الخندق ما يقتضي أن اسمه ذو باب أيضًا”.

 

ومسجد الراية معروف للآن في المدينة وكان موضع قُبَّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الخندق، وهو شرق جبل سَلْع على مسافة يسيرة منه -حوالي 170 مترًا-، ويمُر بينه وبين سَلْع طريق سُلطانة أو شارع أبي بكر الصديق، ويُطل على طريق عُثمان بن عفان، وكلها طُرُق حديثة مسفلتة، وهذه إحداثيّات تقريبيّة له:

 

المَعْلَم ذُباب أو ذِباب (مسجد الرّاية)
خط طول 39.603195 درجة شرقًا
خط عرض 24.480233 درجة شمالًا

 

راتِج

 

قال السمهودي في وفاء الوفا (ج.4، ص.1215): “راتج: بالمثناة الفوقية بعد الألف ثم جيم، أُطم سُمّيَت به الناحية وكان ليهود ثم صار لبني الجذماء ثم صار لأهل راتج حلفاء بني عبد الأشهل كما سبق عن ابن زبالة آخر المنازل،…وسبق في مسجد راتج أنّه في شرقي ذباب جانحًا إلى الشام، ولهذا خندقت بنو عبد الأشهل منه إلى طرف حرتهم، وهو طرف بني حارثة كما سبق في الخندق”، والظاهر أنّ راتِج ناحية وليست نُقطة صغيرة، والرَّاجح أنّها كانت ممتدّة حتى أُطُم الشّيخين، والله أعلم.

 

وعلى ما ذكره السمهودي وعلى ما تقدّم من ذكر ذُباب، فهذه إحداثيّات تقريبيّة لراتج:

 

المَعْلَم راتِج
خط طول 39.604014 درجة شرقًا
خط عرض 24.482646 درجة شمالًا

 

جبل بني عُبَيْد

 

قال السمهودي في وفاء الوفا (ج.4، ص.): “بمنازلهم غربي مسجد الفتح”.

 

وهو معروف عند أهل المدينة شمال غرب مسجد الفتح وجبل سَلْع، وهما جبلان، بني عُبيد الكبير، وجُبيل صغير بجواره هو بني عُبيد الصغير، وهذه إحداثيّات تقريبيّة لمسجد بني عُبيد الكبير وهو المقصود في الرواية:

 

خُربى أو صالحة

 

قال السمهودي في وفاء الوفا (ج.4، ص.1200): “خُربى: كحُبلى منزلة لبني سلمة فيما بين مسجد القبلتين إلى المذاد، غيّرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسمّاها صالحة تفاؤلًا بالخرب”.

 

وأُطُم المذاد معروف كما تقدّم، ومسجد القبلتين كذلك، وهذه نقطة تقريبيّة بينهما وهي خُربى أو صالحة:

المَعْلَم خُرْبَى
خط طول 39.587763 درجة شرقًا
خط عرض 24.476964 درجة شمالًا

 

وعلى ما ذُكِر، فيُمكن تصوُّر مسار افتراضي للأجزاء الظاهرة من الخندق في الجهة الشماليّة والغربيّة، وقد ذهب الأستاذ عبد القدوس الأنصاري في كتابه آثار المدينة النبويّة (ص.158) إلى استحالة تحديد مساره الدقيق وذلك لانطماس معالمه على المؤرخين المتقدّمين مثل المطري في القرن الثامن الهجري، ولا نستطيع الجزم بكلام الأستاذ عبد القدّوس الأنصاري فالعلم لا نهاية له، لكن ما تحت أيدينا من معلومات جغرافيّة استخلصناها في هذا المُلحق يمكن عمل تصوّر تقريبي له بالجمع بين الأقوال، كمثل الذي نصّ عليه وغيره من المؤرخين المعاصرين المدنيين مع بقاء جميع الاحتمالات مفتوحة، والمسافة بين أُطُم الشّيخين وجبل بني عُبيد حوالي 1.6 كم بالقياس على خرائط غوغل بقياس قوس شبه متعرّج كتقريب للمسار الحقيقي الافتراضي حيث كان الحفر يدويًا بآلات بسيطة، والقوس الآخر من جبل بني عُبيد إلى المذاد جنوبًا حوالي 1 كم تقريبًا، وهذان القوسان بخلاف بقيّة الخندق من ناحية بني عبد الأشهل شرقًا حيث خندقوا قريب من محالّهم عند حرّة واقِم كما ذكر الواقدي والسمهودي وغيرهما، ثم بقيّته من ناحية بني حرام غربًا من عند حرّة الوبرة.

 

وطول الخندق محسوب من الرواية التي تنص على أنّ جميع المسلمين عملوا فيه وكانوا 3000 رجلًا، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خط لكل عشرة 40 ذراعًا يعملون فيها، والذراع حوالي 46.375 سم تقريبًا (انظر المكاييل والموازين الشرعيّة ا.د علي جمعة محمد)، وعليه فقياس الخندق ابتداءًا تم تقسيمه على مجموعات وهي 3000 ÷ 10 = 300 مجموعة، وكل مجموعة كانت تعمل في 40 ذراعًا طوليًا تقريبًا، فهذه مسافة 300 × 40 = 12000 ذراع تقريبًا، وهي بالأمتار تساوي 12000 × 46.375 ÷ 100 = 5565 مترًا تقريبًا، وبطرح المسافة المذكورة سابقًا منه، يتبيّن أن المسافة المتبقيّة حوالي 2965 مترًا تقريبًا حفرها بنو عبد الأشهل شرقًا وبنو حرام غربًا وهذا أكثر من نصف الخندق تقريبًا وهو محل نظر!، فالظاهر اشتراك المسلمين معهم في الحفر في مناطقهم، وعُمق الخندق كما ذكره الواقدي وغيره حوالي 5 أذرع وعرضه كذلك، وهذا تقريبًا 2.3 مترًا × 2.3 مترًا وهو معقول، ما يجعل حجم التُّراب المُزاح حوالي 9.984 مترًا مكعبًا لكل فرد، أو باللترات حوالي 9984 لترًا، وكانوا ينقلون التُّراب بالزنابيل أو المكتل وقياسه كما هو عندهم حوالي 15 صاعًا أو 30 لترًا تقريبًا، فيكون عدد النقلات بالزنبيل الواحد لحصّة كل فرد من الحفر حوالي 333 نقلة تقريبًا للانتهاء من حصته بالكامل، وبقسمتها على 6 أيّام وهي مُدّة الحفر تُعطي تقريبًا 56 نقلة باليوم، وإذا اعتبرنا أنّ كل نقلة قد استغرقت حوالي 10 دقائق بما في ذلك الحفر ورفع التراب في الزنبيل وإزاحته على جانب الخندق، فهذه تقريبًا 560 دقيقة عمل باليوم تقريبًا أو 9.3 ساعة، وهو معقول، فإذا علمنا أنّهم كانوا يعملون أكثر من ذلك على الرّاجح، فيكون تقدير طول وعُمق الخندق وعرضه معقولين أيضًا، وكذلك مُدّة العمل على الخندق، والله أعلم.

 

وكثير من استنتاجات هذه المعالم وجغرافيّتها مُستفاد من تمحيص عدّة مصادر مُعاصرة وفيديوهات نشرها بعض أهل المدينة المنوّرة الكرام، من قنوات طيبة الطيبة Taiba_Altaieba وقناة علوم طيبة Taibah Sciences، وقناة آثار المدينة للأستاذ أمين الشنقيطي على موقع اليوتيوب Youtube.com وكذلك القائمين على موقع طَيْبة نت Taiba.net ولتشعّب المعلومات على هذه المصادر اكتفينا بذكر أسمائها وقد استخلصنا منه ما رأيناه متسقًا مع المذكور في المصادر التاريخيّة، فجزى القائمين عليها خيرًا.

 

2 التاريخ

 

قال الواقدي في المغازي (ص.321): “عسكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الثلاثاء لثمان مضت من ذي القعدة فحاصروه خمس عشرة وانصرف يوم الأربعاء لسبع بقين سنة خمس…”.

 

وقال أيضًا (ص.351): “دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الأحزاب في مسجد الأحزاب يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء، فاستجيب له بين الظهر والعصر يوم الأربعاء، فعرفنا السرور في وجهه”.

 

وقال (ص.352): “وقالوا: لمّا كان ليلة السبت بعث الله الريح فقلعت وتركت وقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي إلى أن ذهب ثلث الليل…”.

 

وقال (ص.354): “كان محاصرة المشركين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم في الخندق بضعة عشر يومًا،…ويقال خمسة عشر يومًا، وهذا الثبت عندنا…فلمّا أصبح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالخندق…وجاء الثبت أنهم انقشعوا إلى بلادهم، ولمّا أصبحوا أذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للمسلمين في الانصراف إلى منازلهم”.

 

وقال ابن هشام في السيرة عن ابن إسحاق (ص.495): “ثم كانت غزوة الخندق في شوّال سنة خمس”.

 

وعنده أيضًا (ص.504): “فلما كانت ليلة السبت من شوال سنة خمس،…وبعث الله عليهم الريح في ليال شاتية باردة شديدة البرد، فجعلت تكفأ قدورهم، وتطرح أبنيتهم”

 

وعند ابن سعد في الطبقات (ج.2، ص.62): “ثم غزوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخندق، وهي غزوة الأحزاب في ذي القعدة سنة خمس من مهاجره،…وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الاثنين لثماني ليالٍ مضين من ذي القعدة….وحُصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه بضع عشرة ليلة…وبعث الله الرّيح ليلة السبت ففعلت بالمشركين، وبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حذيفة بن اليمان إليهم ليأتيه بخبرهم وقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي تلك الليلة، فسمع أبا سفيان بن حرب يقول لهم: يا معشر قريش إنكم لستم بدار مُقام، لقد هلك الخف والحافر وأجدب الجناب وأخلفتنا بنو قُريظة، ولقد لقينا من الريح ما ترون فارتحلوا فإنّي مرتحل،…وجعل القوم يرحلون، …وأصبح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وليس بحضرته أحد من العسكر قد انقشعوا إلى بلادهم”.

 

فهذه عدّة أحداث مؤرخة وجب الوقوف على تواريخها بدقّة فهي أساس تواريخ هذه الغزوة:

 

* يوم خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة للخندق -الأظهر أنّه بعد وصول قُريش-.

 

* يوم مفاوضة قُريش لبني قُريظة وتخذيل نُعيم بن مسعود وانطلاق ريح الصّبا التي قلعت الخيام، وقد واتفقوا على موافقته يوم السبت لورود أحاديث امتناع اليهود لعدم مشاركتهم في شيء يوم السبت.

 

* يوم رحيل المشركين عن المدينة ووافق يوم الأربعاء التالي لهذا السبت على الراجح لرواية دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم على الأحزاب، وهي الليلة التي خرج فيها حذيفة يعرف ما وراءهم.

 

* يوم بدء حفر الخندق.

 

اتّفقت الروايات تقريبًا على كون هذه الغزوة في برد الشتاء الشديد، وهو لما رُوُيَ عن حُذيفة رضي الله عنه وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في إحدى ليالي الحصار أن يستطلع أمر القوم -الراجح أنّها ليلة رحيلهم عن المدينة- وما روي عن شدّة برد هذه الليلة، وما روي أيضًا عن الرياح الشديدة مع البرد وبدايتها من يوم السبت السّابق ليوم الرحيل، وبمُراجعة برمجيّة آستروكال لمعرفة المُقابل الميلادي لتاريخ 1 شوّال 5 هـ وُجِد أنّه وافق الاثنين 23 فبراير 627 م، و1 ذو القعدة 5 هـ وُجِد أنّه يوافق الأربعاء 25 مارس 627 م.

 

وبمُراجعة جداول الانقلاب الشتوي والاعتدال الربيعي على موقع timeanddate.com والمحسوبة بدقّة بالحسابات الفلكيّة الحديثة للعام 627 م، فإنّ فصل الشتاء قد بدأ بالانقلاب الشتوي في 19 ديسمبر 627 م، وانتهى بالاعتدال الربيعي في 18 مارس 627 م، وعند ابن قُتيبة في كتاب الأنواء عند العرب -انظر مُلحق الأنواء بالملاحق العلميّة ومُلحق غزوة بدر الكُبرى- أنّ نوء الصرفة يقع في 9 مارس من العام وعنده تكون نهاية البرد وبداية الحرّ، وعليه وحيث أنّ ذو القعدة 5 هـ -كما تقدّم- لا يبدأ إلا بعد انتهاء فصل الشتاء بالكُليّة لكون أوّله وافق 25 مارس، فرواية الواقدي وابن سعد عن تاريخ الشهر محل نظر، ورواية ابن إسحاق هي الصواب المُعتبر، ويكون الانصراف من الخندق قد وقع قبل 9 مارس 627 م، على الصحيح.

 

وبمُراجعة برمجيّة آستروكال لتحديد المُقابل لتاريخ 9 مارس 627 م بالهجري، وُجد أنّه وافق الاثنين 15 شوّال 5 هـ، وهو معقول جدًا طبقًا لما رواه ابن إسحاق، وباعتبار أنّ الحصار دام خمسة عشر يومًا وانتهى بيوم الأربعاء على الرَّاجح، فنأخذ الأربعاء السابق مُباشرة لهذا التَّاريخ فيكون موافقًا 10 شوّال 5 هـ و4 مارس 627 م، وهو معقول أيضًا ليكون يوم الانصراف من الخندق طبقًا للمعطيات المذكورة، غير أنّه يؤدي لإشكال وقوع بعض الغزوة -إن سلمنا بصحة كون الحصار 15 يومًا- في رمضان، فقد تمّ الحفر قبل الحصار قطعًا، وليس لرمضان فيها أي ذكر، على العكس تعدد ذكر طعام الغداء عدّة مرات في روايات تكثير الطعام أثناء الحفر، ما يجعل وقوع الحفر في رمضان مستعبدًا تمامًا، ويجعل الأنظار تتجه لتاريخ الأربعاء 11 مارس 627 م باعتباره الأوقع للانصراف ولإمكان تأخُر البرد وشدّته يومان، خصوصًا أن الاعتدال الربيعي بقي عليه أسبوع تقريبًا بالحساب الفلكي المذكور.

 

وحيث ذُكِر البرد الشديد في الروايات حتى زمن الانصراف أو قبله قليلًا، فالأصح مُراجعة درجات الحرارة في مثل هذا الوقت من العام بالنسبة لموقع المدينة المنوَّرَة لعمل تصوّر لدرجة الحرارة في هذا الوقت، وبمُراجعة خريطة متوسط درجات الحرارة الشهريّة لموضع المدينة المنوَّرة بالنسبة للأعوام 1901-1930 م على موقع البنك الدولي World Bank، وهذه أقدم فترة بدأ فيها تسجيل درجات الحرارة ويمكن استخدامها بشكل استرشادي للحقبات التاريخيّة الأقدم حيث كانت قبل شيوع التلوّث الذي ربما يكون قد أثّر في درجات الحرارة، وُجِد أنّ متوسط درجات الحرارة في شهر مارس وصل إلى 20 درجة مئويّة مع مضاعفة احتمال هطول الأمطار، في حين أن المتوسط في شهر فبراير 16 درجة مئويّة مع قلّة احتمال هطول الأمطار، وحيث لم تُذكر الأمطار وذُكِر البرد الشديد، فالأوقع أنّ يوم الأربعاء الذي وافق الانصراف أيضًا عن الخندق وقع في فبراير ولم يقع في مارس بالكليّة، وعليه وبمُراجعة برمجيّة آستروكال لتحديد الأربعاء السابق لـ 4 مارس 627 م، فيكون هو يوم الأربعاء 25 فبراير 627 م والموافق 3 شوّال 5 هـ، وهو مستبعد جدًا لاعتبارات رمضان كما تقدم، وهو ما يجعلنا نعود لتاريخ الأربعاء 11 مارس 627 م وافتراض أنّ الحرارة ظلّت منخفضة هذه الفترة -وهو ممكن-، خصوصًا بالليل حيث ركّزت روايات البرد على الليل، فتنخفض درجات الحرارة حتى تصل إلى 10 درجات مئويّة تقريبًا خصوصًا في الأماكن المفتوحة.

 

وقد ذكر البُخاري : “باب غزوة الخندق وهي الأحزاب قال موسى بن عقبة كانت في شوّال سنة أربع”، واستدلّ بروايات عن عبد الله ابن عُمر أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ردّه في غزوة أُحُد فلم يُشارك، وعمره 14 عامًا، ثم أجازه في الخندق وعمره 15 عامًا، وأُحُد في الثالثة، فتكون الخندق في الرابعة على هذا الحساب، ووافقه النووي في الرّوضة، وفي هذا الرأي نظر، وردّ عليه البيهقي وابن كثير، وشوّال سنة أربع يأتي كلّه في مارس 627 م ما يجعل هذا الرأي مستبعدًا جدًا.

 

وعليه فأقرب الأقوال هي أنّ انصراف الأحزاب كان يوم الأربعاء 11 مارس 627 م الموافق 17 شوّال 5 هـ، وفي ليلته أرسل حذيفة بن اليمان يستطلع خبرهم، وهو يوم إجابة دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبدأ الدعاء عليهم يوم الاثنين 15 شوّال 5 هـ الموافق 9 مارس 627م، وعليه فتاريخ تفاوض أبي سفيان مع بني قريظة وافق السبت 13 شوّال 5 هـ الموافق 7 مارس 627 م وهو أول ليلة لإرسال الريح عليهم واستمرّت حتى رحيلهم، والرّاجح انتهاؤهم من حفر الخندق بمُجرّد وصول قُريش، فإذا كان وفد خُزاعة سار من مكّة أربعًا فوصل المدينة في الخامس بضغط مسافة اليومين على يوم واحد لإبلاغ النّبي صلى الله عليه وآله وسلم كما تقدّم بخروج قريش للحرب، ثم اتُخِذَ القرار بالخندق في اليوم التالي وبُدئ في حفره فعلًا واستمرّ ذلك ستّة أيّام كما هو مذكور، فوصلت قُريش في اليوم السابع بعدما نزلوا قريبًا من المدينة في اليوم الذي قبله حيث سلكوا شمالًا جهة الشام ثم نزلوا فطالت المسافة من مكة للمدينة يومًا تقريبًا، ثم مُدَّة مجهولة قضتها الأحزاب مُحاصرة للنبي صلى الله عليه وآله وسلَّم ثم تفاوضوا مع قُريظة يوم السبت، ودعا عليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الاثنين، ورحلوا يوم الأربعاء، فهذه خمسة أيّام من السبت للأربعاء، وهذا الخطّ الزمني، ومنه نستخلص المُدَّة بين نزول قُريش ومُفاوضتهم قُريظة وهي مجهولة:

 

| – – 4 أيام – – | وصول وفد خُزاعة | – يوم – | بدء الحفر | – – – 6 أيّام – – – | نزول قريش قرب المدينة| – ؟ – | – – 5 أيّام – – – |

 

فإذا كان مجموع هذه المُدّة على التقدير 15 يومًا كما هو المشهور من مُدَّة الحصار أو الغزوة -بداية من وقت الحفر وحتى رحيل قريش-، فتكون مُدَّة مكوث قُريش قبل رحيلها -ما بين نزلوها إلى يوم السبت الذي فاوضت فيه قُريظة- = 15 – 6 – 5 = 4 أيّام بما في ذلك يوم النّزول قُرب المدينة المنوَّرَة، ويكون مكوثهم ثلاثة أيّام وفاوضوا قُريظة في الرابع -قُريش-، وهذا مُلخّص بتواريخ غزوة الأحزاب:

 

تواريخ غزوة الأحزاب وهي الخندق
حدث                                                   هجري ميلادي
خروج خُزاعة من مكة الأربعاء 25 رمضان 5 هـ 18 فبراير 627 م
وصول خُزاعة للمدينة الأحد 29 رمضان 5 هـ 22 فبراير 627 م
التخطيط لحفر الخندق الاثنين 1 شوّال 5 هـ 23 فبراير 627 م
بدء حفر الخندق الثلاثاء 2 شوّال 5 هـ 24 فبراير 627 م
الانتهاء من حفر الخندق الأحد 7 شوّال 5 هـ 1 مارس 627 م
وصول الأحزاب قُرب المدينة الاثنين 8 شوّال 5 هـ 2 مارس 627 م
مفاوضة قُريش لقُريظة السبت 13 شوّال 5 هـ 7 مارس 627 م
بدء الدُّعاء على الأحزاب الاثنين 15 شوّال 5 هـ 9 مارس 627 م
استجابة الدعاء وانصراف الأحزاب الأربعاء 17 شوّال 5 هـ 11 مارس 627 م

 

3 مُزامنة الطّريق

 

طريق الذهاب (مكّة العَرْج ركوبة المدينة) (وفد خُزاعة)
اليوم الأول

(الأربعاء)

25 رمضان 5 هـ

18 فبراير 627 م

 

 

من إلى مسافة (كم) زمن (ساعة)
مكة مر الظهران 24 4.8
مر الظهران ضجنان 20 4
ضجنان كُراع الغميم 15.5 3.1
كُراع الغميم عُسفان 20 4
  79.5 15.9
اليوم الثاني

(الخميس)

26 رمضان 5 هـ

19 فبراير 627 م

من إلى مسافة (كم) زمن (ساعة)
عُسفان أمج 24 4.8
أمج قديد 22 4.4
قديد كلية 23 4.6
كلية الجُحفة 23 4.6
  92 18.4
اليوم الثالث

(الجمعة)

27 رمضان 5 هـ

20 فبراير 627 م

من إلى مسافة (كم) زمن (ساعة)
الجُحفة وادي المخمص 23 4.6
وادي المخمص هرشى 10 2
هرشى الأبواء 14 2.8
الأبواء البستان 24 4.8
البستان السُّقيا 17 3.4
  88 17.6
اليوم الرابع

(السبت)

28 رمضان 5 هـ

21 فبراير 627 م

من إلى مسافة (كم) زمن (ساعة)
السُّقيا القاحة 25 5
القاحة الطلوب 10 2
الطلوب العرج 20 4
العرج ركوبة 20 4
  75 15
اليوم الخامس

(الأحد)

29 رمضان 5 هـ

22 فبراير 627 م

من إلى مسافة (كم) زمن (ساعة)
ركوبة وادي ريم 23 4.6
وادي ريم وادي النقيع 21 4.2
وادي النقيع آبار الماشي 10 2
آبار الماشي الجثجاثة 8 1.6
الجثجاثة قباء 24 4.8
قباء المدينة 3.5 0.7
  89.5 17.9