ملحق يوميات في تقدير تواريخ اسلام الثلاثة الذين فرّوا يوم الفتح وعادوا فأسلموا

ابن الزبعري وصفوان بن أميَّة وعكرمة بن أبي جهل

تمهيد

على تقدير أن سرعة السفر برًا -مشيًا أو على الإبل- هي 5 كم / ساعة، وبالأيام 44.5 كم / يوم بالمتوسط وهي المرحلة، وسُرعة السفر بحرًا بالمراكب الشراعيَّة بحدود 10 عقدة / ساعة، والعُقدة = ميل فلكي أو بحري، فتكون السرعة في البحر حوالي 20 كم / ساعة تقريبًا، وهذه التقديرات للاستخدام فيما يلي من حساب لتقدير مُزامنات طريق هروب ورجوع ابن الزبعري، وصفوان بن أميَّة، وعكرمة بن أبي جهل ثم عودتهم وإسلامهم رضي الله عنهم.

 

صفوان ابن أميَّة

هرب إلى الشُّعَيْبَة ليقذف نفسه في البحر -كما يقول قريبه عُمير بن وهب رضي الله عنه-، وهي مسيرة يومين من مكة -85 كم تقريبًا- على ساحل البحر الأحمر جنوب جدّة بحوالي 68 كم تقريبًا، كما حددها عاتق البلادي في معجم معالم الحجاز (ص.929)، فإذا خرج صفوان هاربًا يوم الفتح الخميس 20 رمضان 8 هـ، ولحقه عمير بن وهب في اليوم التالي فأسرع السير حتى لحقه، فيكون أدركه في اليوم الثالث لخروجه من مكة وهو السبت 22 رمضان 8 هـ -على أساس أنّه يصل في نهاية اليوم الثاني بخلاف يوم الخروج من مكة-، فرجع عمير إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في يومين فدخل مكة يوم الثلاثاء 25 رمضان 8 هـ، ثم رجع إلى صفوان بن أُميَّة في يومين بخلاف يوم دخوله مكة وطلب العلامة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوصل لصفوان يوم الجمعة 28 رمضان 8 هـ، وعاد به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في يومين، ودخلا مكة في اليوم الثالث وهو الاثنين 1 شوال 8 هـ وهو يوم عيد الفطر، وهو موافق للروايات، لأن صفوان حضر حُنين مشركًا واستعار النبي صلى الله عليه وآله وسلم منه سلاح استخدمه في الحرب، وأسلم بعد قسمة الغنائم، وهذا جدول بمزامنة تلك الأحداث:

 

الخميس 20 رمضان 8 هـ صفوان بن أميَّة يخرج هاربًا يوم الفتح إلى اليمن وقد رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعمير يخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهروب صفوان ويطلب له الأمان
السبت 22 رمضان 8 هـ عمير بن وهب يدرك صفوان بالشعيبة على ساحل تهامة ويخبره بأمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم له، وصفوان يطلب علامة
الثلاثاء 25 رمضان 8 هـ عمير يرجع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويطلب علامة لصفوان
الجمعة 28 رمضان 8 هـ عمير يرجع لصفوان بالعمامة الشريفة ويخبره بأمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم له
الاثنين 1 شوال 8 هـ عمير يأتي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعه صفوان بن أميَّة وصفوان يشاهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي

 

ابن الزبعري

هرب إلى نجران، وهي آخر الحجاز وأوّل اليمن جنوبًا بعدها (البكري، معجم ما استعجم ص.1299)، وخرج معه زوج أم هانئ بنت أبي طالب، فقد روى الواقدي (ص.569): “أن هُبَيْرة بن أبي وهب -زوج أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها- وعبد الله بن الزبعري السهمي قد هربًا معًا إلى نجران-وهما مُشركان-، فلم يأمنا من الخوف حتى دخلا حصن نجران”، والظاهر أنهما حضرا يوم الفتح وهربا فيه أو في اليوم التالي، فقد سألهم الناس بنجران-بحسب الواقدي- فقالا : “أما قريش فقد قتلت ودخل محمد مكة، ونحن والله نرى محمدًا سائر إلى حصنكم هذا فجعلت الحارث وكعب يصلحون ما رَثَّ من حصنهم وجمعوا ماشيتهم، وعند البكري الأندلسي (ص.1298): “نجران مدينة بالحجاز من شق اليمن معروفة”، وما زالت معروفة للآن في أقصى جنوب الحجاز من المملكة العربية السعودية، وبينها وبين مكة على تقدير القياس من مكة إلى ساحل البحر (تهامة) حوالي 70 كم تقريبًا، ثم بحذاء الساحل إلى جازان جنوبًا حوالي 560 كم تقريبًا، ثم من جازان شرقًا قاطعين جبال الحجاز إلى نجران حوالي 250 كم تقريبًا، فهذه 880 كم تقريبًا، وسير المرحلة -اليوم والليلة- حوالي 44.5 كم تقريبًا، وعليه فهذا مسير ما يقرب من 20 يومًا برًا.

 

ولمّا وصل شِعْر حسّان ابن ثابت لابن الزبعري -كما ذكر الواقدي وغيره-، وقع الإسلام في قلبه فعاد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأسلم، ونجران تبعد عن مكة على ثلاثة أقسام، الأول؛ بمقدار 85 كم تقريبًا إلى الشعيبة على ساحل البحر، وهي مسيرة مرحلتان-يومان-، ثم من الشعيبة إلى جازان جنوبًا على الساحل حوالي 575 كم تقريبًا، وهي مسيرة 13 يومًا تقريبًا على البرّ (44.5 كم / يوم)، ومِلَاحَة حوالي 30 ساعة تقريبًا في البحر، على تقدير سرعة 10 عقدة / الساعة للسُفُن الشِرَاعِيَّة -أو20 كم / ساعة تقريبًا في البحر-، أو مِلَاحَة يومان تقريبًا مع اعتبار الوقوف والرسو وغير ذلك، ثم من جازان على الساحل إلى نجران شرقًا حوالي 215 كم تقريبًا، فهذه مسيرة 5 أيام أخرى، وعليه فهذا جدول بمُدَّة الرحلة برًا وبحرًا على ما قدَّرْنَاه:

 

من إلى  
مكة الشُّعَيْبَة يومان ويصل في الثالث برًا فقط
الشعيبة جازان 13 يومًا يصل في الرابع عشر (برًا) أو يومان ونصف -2.5- بحرًا
جازان نجران 5 أيام برًا فقط

 

وتقدير مُزامنة الرحلة على مسارين، الأوّل: إذا كان ابن الزبعري خرج هاربًا هو وزوج أم هانئ في يوم الفتح -الخميس 20 رمضان 8 هـ فيكون وصولهما الشُّعَيْبَة نهاية يوم السبت 22 رمضان، فأكملا المسير على الساحل 13 يومًا تقريبًا حتى جازان جنوبًا، فيكون وصولهما إليه يوم الجمعة 5 شوال، ثم 5 أيّام أخرى إلى نجران، فيكون وصولهما بحدود الخميس 11 شوال تقريبًا.

 

والآخر: على فرض أنّهما ركبا البحر من الشُّعَيْبَة، فيكون وصولهما جازان يوم الثلاثاء 25 رمضان، ثم منها إلى نجران مسير 5 أيّام، فيصلوا نجران بحدود الاثنين 1 شوال.

 

وبفرض أن شِعْر حَسَّان رضي الله عنه وصله بعد استقرارهم بنجران بثلاثة أيّام، فقرّر الرجوع في اليوم التالي لوصوله إليه فهذا يوم 15 شوال برًا أو 5 شوال بحرًا، فيصل جازان في اليوم السادس من خروجه، فهذا يوم 21 شوال / 11 شوال، ثم منه رجوعًا إلى الشّعيبة فهذه 13 عشر يومًا أخرى فيصلها يوم 5 ذو القعدة / 14 شوال، ثم إلى مكّة فيصلها يوم 7 ذو القعدة / 16 شوال.

 

وعلى ما رواه الواقدي في المغازي (ص.637): أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصل الجعرانة عائدًا من حُنين 5 ذو القعدة، وخرج منها 18 ذو القعدة (12 بقين من ذي القعدة) فركب أربع ساعات مُحرمًا ليلًا حتى وصل مكَّة فاعتمر ثم رجع مباشرة فبات بالجعرانة ومنها انصرف للمدينة المنورة، وعليه يكون إسلام ابن الزّبعري على الأغلب في الجعرانة حيث وافى بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحدود 8 ذو القعدة تقريبًا، ولا فرق بين سفره برًا أو بحرًا حينها، إذا لو سافر بحرًا سينتظر بمكة أو بالجعرانة حتى يصلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو -ابن الزبعري- لم يحضر حُنين، فكونه أسلم 8 ذو القعدة يجمع بين المذكور في الرواية والحساب، والله أعلم.

 

وهذا جدول بملخص مزامنة الأحداث:

الخميس 20 رمضان 8 هـ ابن الزبعري وزوج أم هانئ يخرجان هاربين لليمن
الخميس 11 شوال 8 هـ ابن الزبعري وزوج أم هانئ يصلا نجران
15 شوال 8 هـ رجوع ابن الزبعري بعد وصول شعر حسّان إليه
7 ذو القعدة 8 هـ ابن الزبعري يصل مَكَّة فلا يجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بها
8 ذو القعدة 8 هـ ابن الزبعري يوافي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالجعرانة ويُسلم

 

عِكْرِمَة بن أبي جهل

هرب إلى اليمن خوفًا من القتل يوم فتح مكة، قال الواقدي (ص.572): “ فخَرَجَت أم حكيم زوجته تلاحقه ومعها غلام لها رومي وجعل يراودها عن نفسها حتى قدمت على حَيّ من عَكّ -اسم قبيلة-، فأوثقوه -ربطوه- وأدركت عكرمة”، وعند البكري في معجم ما استعجم (ص.309): “عَكّ: من مخاليف مكة التهاميَّة، وربما ضُمَّت إلى اليمن”، وهو ما يعني أنّ: “عَكّ” في نهاية تهامة، كما أنّ “نجران” في نهاية “الحجاز”، وهو ما يعني أنها أمام نجران تقريبًا، أو أسفل منها من ناحية البحر الأحمر، وهي أقرب ما يكون لجنوب ما يُعرف الآن بجازان بالمملكة العربية السعوديّة وهذه إحداثيات تقريبيَّة لها:

 

المَعْلَم عَكّ
خط طول 42.861270 درجة شرقًا
خط عرض  16.293363 درجة شمالًا

 

والمسافة حوالي 650 كم تقريبًا على الساحل من الشُّعَيْبَة، ما يُقدّر بمسيرة 15 يومًا برًا أو 33 ساعة من الملاحة الشراعيَّة بحرًا، وهي حوالي يومين ونصف تقريبًا كما حددناه سالفًا، وقد سارت -أُم حَكِيم- قبلها إلى الشَّعيبة أيضًا مسيرة يومان، والظاهر من سياق رواية الواقدي: “فلمّا دنا عكرمة من مكة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأتي عليكم عكرمة مؤمنًا مهاجرًا”؛ ومنه يُفهم أن عكرمة أسلم بمكة على الراجح.

 

وعكرمة سار إلى الشُّعَيْبَة يومان ثم ركب سفينة كما في الرواية، ثم لحقته زوجته، وذلك بعد أن أسلمت قطعًا واستأمنت له النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فهذا كان يوم السبت 22 رمضان، ثالث أيام الفتح على ما قدّرنا من إسلام بعض نساء مكة، فيهن امرأة صفوان بن أميّة، وهند بنت عتبة، وأم حكيم زوجة عكرمة، فتكون خرجت في اليوم التالي، وهو الأحد 23 رمضان، فيكون مضى على خروج عكرمة ثلاثة أيّام، فوصل الشّعيبة في يومين، ثم ركب سفينة من هُناك حيث قال له النّوتي -مَلَّاح السفينة، وكان مُسْلِمًا- “أَخْلِص”، قال عكرمة: “وكيف؟”، قال: “قل لا إلاه إلا الله”، قال عكرمة: “منها هربت!”، ويكون ركب السفينة يومًا ثم وقفت في مرفأ للتزود مثلًا أو لنزول أحد في محطَّة.

 

وسارت أم حكيم مُسرِعَة إلى الشُّعَيْبَة لتلحق بزوجها فواصلت المسير بقطع مرحلتان في يوم واحد، ووجدته قد ركب سفينة من الشعيبة، فتركب سفينة أخرى لتلحق به، وتكون قد سارت به السفينة في اليوم الثاني له في البحر، وفي اليوم الثالث ينزل قريبًا من سواحل جازان عند “عَكّ” وتكون أم حكيم قد أدركته في اليوم الثالث أو الرابع إن طلبت من نوتي سفينتها عدم التوقف وتأخرت سفينته لأي سبب، فيكون يوم التقائهما هو السابع من يوم الفتح، فهذا يوم 26 رمضان تقريبًا، فرجعا في 5 أيّام ودخلا مَكَّة في السادس، فهذا يوم 2 شوّال تقريبًا وهو بعد قدوم صفوان بن أميَّة بيوم مع عمير بن وهب من الشعيبة.

 

والاحتمال الآخر أن يكون عكرمة سار برًا يومان للشعيبة ثم 15 يومًا حتى جازان وأدركته امرأته بسرعتها في المسير فلحقته في اليوم التاسع عشر لخروجه وهو يركب البحر، لعله يريد الحَبَشَة، وهذا الاحتمال غير متناسق مع الروايات لأنها صرحت بأنه هرب لليمن، فلا يكون لركوبه من عَكّ معنى حينئذ، على أي حال لو كان ذلك فعلا فيكون رجوعهما في مثل ذلك، فيدخلا مكَّة عائدين في اليوم الثامن والثلاثون للفتح، وهو يوم 18 شوال 8 هـ، فلا يدركان النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كونه خرج لغزوة حُنَيْن، وسياق غزوة حُنَيْن ذُكر فيه عكرمة كما عند الواقدي (ص.607)، وكذلك رواية عكرمة رضي الله عنه نفسه عن الشجرة العظيمة التي يقولون عنها “ذات أنواط”، وعليه فالصحيح أنّه وصل مكّة كما تقدّم يوم 2 شوال، وذلك بعد قدوم صفوان بن أُُمَيّة بيوم، غير أن عكرمة قَدِم مؤمنًا مصدقًا، كما أخبر بذلك قبل قدومه الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم، وهو أيضًا واضح من حكاية مُبايعته وإسلامه، وليس له ذكر فيمن تألفهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالغنائم في حنين، كما أن كلامه في موقف حُنين وذكره الواقدي موقف يدل عن إيمان مستقر، وذلك حين قال المشركون عن هزيمة المسلمين ما قالوا، فقال عكرمة: “ما الأمر أمر محمد وإنما الأمر لله!”، فقال له سُهيل بن عمرو -متعجبًا- : “قد كنت على غير ذلك؟!”، والله أعلم.

 

وهذا جدول بملخص مزامنة هذه الأحداث:

الخميس 20 رمضان 8 هـ عكرمة يخرج هاربًا من مكة يوم الفتح
السبت 22 رمضان 8 هـ عكرمة يركب سفينة من الشعيبة وزوجته تأتي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لتسلم وتطلب لزوجها الأمان
الأحد 23 رمضان 8 هـ أم حكيم تخرج وراء عكرمة لتلحق به
26 رمضان 8 هـ أم حكيم تلحق عكرمة زوجها وهو في البحر والنوتي يقول له أخلص
2 شوّال 8 هـ أم حكيم وعكرمة يدخلان مكة وعكرمة يبايع النبي صلى الله عليه وآله وسلم