15 جمادي الأول 6 هـ
5 تشرين الاول 627 م
يوميَّات سريَّة زيد بن حارثة إلى العيص وإسلام أبو العاص بن الربيع: اليوم الثاني عشر

وفي ليلته أمسى زيد بن حارثة ومن معه من الصحابة رضوان الله عليهم عند #~~~أولات الجيش~~~# في طريق عودتهم من …

#~~~العيص~~~# بعد مصادرتهم قافلة قُريش التجارية القادمة من الشام، فساروا حوالي 21 كم في أربع ساعات تقريبًا حتى وصلوا إلى #~~~المدينة المنورة~~~# “القبة الخضراء” وقت الفجر تقريبًا.

وكان أبو العاص بن الربيع وقد أفلت من السريّة فوصل في وقت السَّحر إلى المدينة المنوّرة، ودخل على السيدة زينب بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكانت زوجته من قبل البعثة، وطلب منها أن تجيره -تعطيه الأمان في المدينة فلا يتعرّض له أحد [^1]، فخرجت رضي الله عنها إلى المسجد والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يصلي الصبح وخلفه المسلمون، فنادت بأعلى صوتها: “إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع”. فلمّا أتمّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلاته قال: «أيها الناس هل سمعتم ما سمعت؟»، وكان صلى الله عليه وآله وسلم قد عرف صوتها، فقال: «فوالذي نفسي بيده ما علمت بشيء مما كان حتى سمعت الذي سمعتم، المؤمنون يدٌ على من سواهم يجير عليهم أدناهم، وقد أجرنا من أجارت».

ولمّا انصرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى منزله دخلت عليه زينب فسألته أن يرد إلى أبي العاص ما صادرته السريّة منه من المال، ثم قال لها صلى الله عليه وآله وسلم: «أكرمي مثواه -يعني أحسني ضيافته-، ولا يقربك فإنّه لا يحل لك -فهو على شِركه لم يُسلم ولا يجوز له أن يقربك كزوجته-»، وأرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأفراد السريّة فقال: «إنا صاهرنا أبا العاص فنعم الصهر وجدناه، وإنه قد أقبل من الشام في أصحاب له من قريش، فأخذهم زيد بن حارثة وأصحابه وأسروهم، وأخذوا ما كان معهم، فإن تحسنوا وتردوا عليه الذي له فإنا نحب ذلك، وإن أبيتم فهو فيء الله الذي فاء عليكم، فأنتم أحق به»، فقالوا: “بل نرُدّ عليه ما أُخذ منه يا رسول الله”، فردّوا له كل ما صادروه وتركوا الأسرى وعاد أبو العاص بالقافلة كاملة ل#~~~مكة المكرّمة~~~#.

وفيه بعد العصر كان المغيرة بن معاوية بن أبي العاص من المُشركين مع القافلة فأفلت من زيد بن حارثة وهرب عائدًا لمكة من نفس الطريق، فلقيه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وكان في طريق عودته للمدينة ومعه سبعة نفر منهم المُغيرة بن خوات بن جُبير، فأسر المُغيرة بن خوات رضي الله عنه المُغيرة بن معاوية ودخلوا به المدينة بعد صلاة العصر، وأخذوه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

فأخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأسير -المُغيرة بن معاوية بن أبي العاص-، وقال لعائشة رضي الله عنها: “احتفظي بهذا الأسير”، وخرج صلى الله عليه وآله وسلم، قالت عائشة: “فلهوت مع امرأة أتحدث معها، فخرج وما شعرت به!”، فدخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يره، فقال: «أين الأسير؟»، فقالت عائشة: “والله ما أدري، غفلت عنه وكان هاهنا آنفًا”، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «قطع الله يدك»، قالت: “ثم خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فصاح بالناس فخرجوا في طلبه فأخذوه ب#~~~الصّورين~~~# -وهي أطراف عوالي المدينة الآن في الجنوب الشرقي قبل حصون اليهود القديمة- فأُتي به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم”.

ودخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم على عائشة وهي تقلب يدها تنظر إليها من كل وجه، فقال: «ما لكِ؟»، قالت: “أنظر كيف تُقطع يدي، قد دعوت عليّ بدعوتكم”، فاستقبل صلى الله عليه وآله وسلم القبلة ورفع يديه ثم قال: «اللهم إنما أنا بشر أغضب وآسفُ كما يغضب البشر، فأيما مؤمن أو مؤمنة دعوت عليه بدعوة فاجعلها له رحمة»، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله.

[^1]: والجِوار، هو الحماية والإغاثة، وهو مصطلح كان سائدًا عند العرب في الجاهليّة، فإن أجار فلان فلانًا فقد أدخله في حمايته فلا يتعرّض له أحد، فيدخل في مسئوليته القانونيّة بالمعنى المُعاصر. وهذا المفهوم أقرّه الإسلام وتوسّع فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في دستور المدينة المنوّرة، كما ذكر حضرته ذلك البند الهام فيما تقدّم من حديث السيدة زينب ابنته عليها السلام، فقال: “المؤمنون يدٌ على من سواهم يُجير عليهم أدناهم…”، وهو بند من بنود دستور المدينة المتقرر. والتوسّع فيه أنّ الإجارة حقّ من حقوق المواطن أيًا كان “مركزه” الاجتماعي؛ “يجير عليهم أدناهم”، ومفاده أنّ “المواطنون” إذ يدخل في اصطلاح المؤمنون المسلمين واليهود كما نصّت على ذلك الوثيقة، ويلحق بهم من لم يدخل في الإسلام كما يقول عن المجموعات المختلفة: “أُمّة مع المؤمنين…” يعني لهم ذات المراكز القانونيّة العامّة، فالمؤمنين في هذه الوثيقة ليس “اصطلاحًا شرعيًا” بقدر كونه “اصطلاحًا قانونيًا” يندرج فيه جميع “المواطنين” بلا استثناء، ويقتضي مفهوم “الإجارة” أن يكون شخص في حماية شخص آخر ويتبعه قانونيًا، وعادة ما يتم ذلك مع الدخلاء على المجتمع أو “الدولة”، فالإجارة بمثابة “تأشيرة” دخول وبالتالي تأمين لهذا الغريب، ويتوسع مفهومها أحيانًا ليتضمن شكل من أشكال “الكفالة” القانونيّة بالمعنى المُعاصر، مع إمكان تخلّي المُجار عن إجارة المُجير ويعيش في هذا المُجتمع “على مسئوليته الشخصيّة”، وقد حلّ محلّ هذه “الإجارة” في المجتمعات الحديثة “تأشيرة الدخول” والتي تمنحها الدولة، أو ما يشترك ويتقارب معها في المفهوم كاللجوء السياسي مثلًا، فصارت الإجارة تتم من خلال “المؤسسة” لا من خلال “الأفراد” كما في مجتمع المدينة المنوّرة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام.