7 جمادي الأول 4 هـ
18 تشرين الاول 625 م
يوميّات غزوة ذو أمر وهي أنمار: اليوم التاسع

وفي ليلته أمسى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعه المسلمين عند #~~~بطن نخل~~~# عائدين من #~~~ذي أَمَرّ~~~# وقد خافتهم الأعراب …

وهربوا فوق الجبال، فصلّوا المغرب والعشاء وأقاموا أوّل الليل.
ثم ساروا حوالي 21 كم في أربع ساعات تقريبًا حتى وصلوا #~~~وادي الشُّقرة~~~#، وقت صلاة الصبح فصلوه به أو قريبًا منه، وفي أثناء السِّيْر في الطريق، والنّبي صلى الله عليه وآله وسلم يسير خلف النّاس، فوجد جابر بن عبد الله رضي الله عنه مُتأخرًا عمّن معه، فقال: “مالك يا جابر؟”، قال: “جَمَلي لا يُطاوعني ويأبى السّير، وقد ذهب النّاس وتركوني”، فأناخ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمله وقال: «أمعك ماء؟»، قال جابر: “نعم”، فأعطى جابر إناء به ماء كان معه، فنفث النّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم فيه ثم رشّ الماء بيده الشَّريفة على رأس الجمل وظهره وذيله، ثم قال: «أعطني عصا»، فأعطاه عصاة كانت معه، فدفع بها النّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم في بطن الجمل، ثم خبط بها ظهره، ثم قال: «اركب يا جابر»، فركب جابر فقام الجمل به ومدّ عُنُقه يسير بهمّة يماشي ناقة النّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم، وهي مُعجزة من معجزاته صلى الله عليه وآله وسلَّم.
وأخذ جابر رضي الله عنه يمشي بجوار النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتحدث إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يا أبا عبد الله، أتزوجت؟»، قال جابر: “نعم”، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «بكرًا أم ثيّبًا؟»، قال: “ثيّبًا”، فقال: «ألا جارية تُلاعبها وتُلاعبك»، فقال جابر: “يا رسول الله، بأبي وأمي، إن أبي أُصيب يوم أُحُد وترك تسع بنات، وتزوّجت امرأة جامعة تلم شعثهن، وتقوم عليهن -امرأة ناضجة تستطيع إدارة البيت ورعاية إخوتي-“، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أصبت»، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لو قدمنا صِرارًا أمرنا بجزور وأقمنا عليها يومنا ذلك، فتعرف زوجتك فتنفض نمارقها[^1] -النمارق يعني الوسائد، والمقصود تتجهز لقدومك بترتيب البيت وتنظيفه-»، فقال جابر: “والله يا رسول الله ما لنا نمارق”، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أما إنها ستكون، فإذا قدِمت عليها، فاعمل عملًا كيسًا -يعني لاطفها ولاعبها-»[^2]، قال جابر: “أفعل ما استطعت”، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «بعني جملك هذا يا جابر»، قال جابر: “بل هو لك يا رسول الله”، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا، بل بعنيه»، قال جابر: “نعم، ساومني على سعره -على طريقة المُزايدة المعروفة-“، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “فإني آخذه بدرهم -3 جرام فضّة-“، قال جابر: “تغبنني -تغلبني وتنقصني حقّه- يا رسول الله!”، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا لَعَمرِي، فبدرهمين»…واستمرّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يُزايد درهمًا بدرهم وجابر يعيد مقالته، حتى وصل إلى أربعين درهمًا -120 جرام فضّة-، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أما رضيت؟»، قال جابر: “هو لك”، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «فظهره لك حتى تقدم المدينة» -يعني لك ركوبه حتى المدينة-، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: “يا جابر ما فعل دين أبيك؟” -وكان أبوه رضي الله عنه مديونًا بمال قبل استشهاده في أُحُد-، فقال جابر: “انتظرت عليه يا رسول الله حتى نجُذ النخل -نجني ثمار السنة-“، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا جذذت فأحضِرني»، قال جابر: “نعم”، ثم وقفوا للاستراحة.
وكان جابر بن عبد الله قد جلس مع بعض الصحابة رضوان الله عليهم تحت ظلّ شجرة، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم، فلمّا رآه جابر رضي الله عنه قام من مكانه وقال: “هلُمّ إلى الظلّ يا رسول الله”، وذهب جابر فوجد في سلّة من خوص معه بقيّة قثّاء صغيرة، فكسرها بيده وجاء بها يقدّمها للنبي صلى الله عليه وآله وسلَّم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من أين لكم هذا؟»، قالوا: “شيء تبقّى من الزّاد الذي جئنا به من المدينة”، فأكل منه النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم.
وكان أحدهم قد ذهب يرعى بالإبل التي يسافرون عليها من الصَّباح، وثيابه مُمَزَّقَة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أما له غير هذا؟»، فقالوا: “بلى يا رسول الله، إن له ثوبين جديدين في سلّة ملابسه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «خُذ ثوبيك»، فأخذ ثوبيه فلبسهما ثم استدار وانصرف، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أليس هذا أحسن؟ ما له ضرب الله عُنُقَه؟»، فسمع ذلك الرجل، فقال: “في سبيل الله يا رسول الله؟”، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «في سبيل الله»، فمات شهيدًا بعد ذلك بمُدَّة.

وأثناء جلوس النّبي صلى الله عليه وآله وسلم يتحدث مع جابر ومن معه، جاء عُلبة بن زيد الحارثي رضي الله عنه بثلاث بيضات كبيرة، فقال: “يا رسول الله، وجدت هذه البيضات في مفحص نعام -عُشّ في التُّراب تبيض فيه-، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «خذ يا جابر، فاعمل هذه البيضات»، فوثب جابر رضي الله عنها فعمل البيضات في قَصَعَة، وأتى فوضعها بين يدي النّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم وأصحابه، وذهب يبحث عن خُبز يأكلون به، وقد بدأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه يأكلون بغير خُبز، فعاد جابر ولم يجد خُبزًا، ووجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد رفع يده وقام البيض في القصعة كما هو، وأكل منه كثير ممن كان حاضرًا[^3].
ثم ساروا حوالي 23 كم في أربع ساعات ونصف تقريبًا حتى وصلوا #~~~الطَّرَف~~~#،، وغربت الشمس وهم هناك.

[^1]: وأهل مصر يقولون في اللهجة العاميّة: “تنفّض البيت”، فهذا أصلها.[^2]: النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم يعلمنا ويعلّم جابر رضي الله عنه أن لا يغفل عن احتياجات زوجته العاطفيّة والجسديّة، فجابر تزوّج امرأة كانت متزوجة قبل ذلك ولها خبرة بإدارة البيت وشئون الحياة، وهذا منه صلى الله عليه وآله وسلم استكمالًا لقوله: «هلا بكرًا تُلاعبها وتُلاعبك»، فانتبه لئلا تغفل عن مُلاعبتها لانشغالها في البيت أو مع أخواتك، بل لا بُدّ أن تُعطيها من وقتك، ويحثّه إذا ما عاد من السفر أن يُلاطفها ويُحسن مُعاشرتها بما يُسعدها ويهدئ بالها بعد غيبته، ووعده النّبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يصنع له وليمة إذا ما وصلوا قُرب المدينة عند صِرار، فتعرف زوجته بقُرب وصوله فتتهيأ لاستقباله نفسيًا وجسمانيًّا فيدخل عليها فيجدها في أحسن صورة.
[^3]: عند ابن قتيبة في كتاب الأنواء في مواسم العرب (ص.99): فإذا طلعت العوّاء، باض النّعام، فتبيض منها الواحدة الثلاثين إلى الأربعين -بيضة- في أربعين ليلة، وذكر نوء العوّاء أنّ طلوعه يوافق 22 سبتمبر/أيلول، ويستمر موسم البيض إلى أربعين ليلة -عند العرب-، فتكون نهايته 31 أكتوبر تقريبًا، فهذا موافق تمامًا لاختيار تاريخ القصّة، بتوفيق الله والحمد لله رب العالمين.