23 ذو الحجة 6 هـ
7 أيار 628 م
يوميّات غزوة خيبر ووادي القُرى ومُصالحة أهل فَدَك وتَيْماء: اليوم السادس عشر

غزوة خَيْبَر (الإقامة بالنَّطاة) (فتح حصون الشِّق)
وفي ليلته أمسى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم ومعه المسلمون وقد قدم أهل المعسكر من #~~~الرجيع~~~# …

فنزلوا مرّة أخرى في النّطاة بعدما فتح المسلمون حصونها، وأمنوا المبيت في خيبر بعد القضاء على المقاومة العسكرية في حصون النّطاة، فصلوا المغرب والعشاء وأقاموا الليل.
وفي الليل أخرج كنانة بن أبي الحُقيق اليهودي زوجته صفيّة وبعض نساء اليهود إلى حصن النّزار بالشِّق، -وقد ظنّ أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم يُهاجم حصن القموص -وفيه كنانة ومن معه ممن بقي من كبراء اليهود- أولًا لكونه بين النَّطاة والشِّق، ولاعتقاده أنّ حصن النّزار أقوى تحصينًا، وبقي حوالي ألفان من النّساء والذريّة في حصن القموص -حصن كنانة بن أبي الحُقيق-.
وفي الصباح، صلّوا الصبح خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واستخلف على من في المُعسكر عُثمان بن عفّان، ثم خرج بهم للقتال، يحملون الرايات والسلاح ويلبسون الدّروع، سائرين حوالي 2 كم في نصف ساعة تقريبًا حتى دخلوا خيبر من جهة #~~~الشِّق~~~#، وفيه حصنين، حصن أُبَيّ وحِصن نزار، فبدأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون بالهجوم على حصن أُبَيّ وقام المسلمون على أسوار قلعة مُقابلة للحِصن -اسمها قلعة سمران- فقاتلوا منها اليهود قتالًا شديدًا، وخرج رجل من اليهود اسمه غزال يدعوا للمبارزة، فتقدّم الحُباب بن المنذر إليه واشتدّ البراز بينهما، ثم حمل عليه الحُباب فقطع يده، فكرّ غزال هذا عائدًا للحِصن، فلحقه الحُباب فقطع ركبته ثم أجهز عليه، وخرج آخر فصاح: “من يبارز؟”، فتقدّم إليه رجل من جيش المسلمين فضربه اليهودي فقتله، ثم تقدّم إليه أبو دجانة وقد ربط رأسه بعُصابة حمراء، فبادره أبو دجانة فضربه فقطع رجليه، ثم أجهز عليه وأخذ درعه وسيفه، وأحجم اليهود عن المُبارزة، وكبّر المسلمون ثم هجموا على الحِصن فدخلوه وفي مقدّمتهم أبو دُجانة فوجدوا فيه أثاثًا وغنمًا وطعامًا وهرب بقيّة من فيه من المُقاتلة وقفزوا من فوق الجدران حتى تحصّنوا في حصن النّزار واجتمعوا مع من بقي من يهود النَّطاة فدخلوا جميعًا حصن النّزار.
وزحف المسلمون بقيادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى #~~~حصن النّزار~~~#، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم بنصب المنجنيق عليه، ورمى أهله المسلمون بالنّبال حتى أصابت بعضها ثياب النّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم، فأخذ كفًّا من حصى فقذف به الحِصن، فساخ بأهله في الأرض ولم يرموا عليه قذيفة واحدة -وهي من معجزاته صلى الله عليه وآله وسلَّم- وفتحوا الحِصن، وأخرجوا زوجة اليهودي الذي دلّهم على آلات الحرب -واسمها نُفيلَة- فأعطوها له، وغيرها ممن فيه من النّساء والذريّة، وفيهم صفيّة رضي الله عنها وابنة عمّ لها، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم لمّا فرغوا من فتح حصن النّزار: «هذا آخر حصون خيبر فيه قتال»، وكان المسلمون قد بدأوا بقسمة السَّبي على من حضر القِتال، فجاء دحية الكلبي رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم وطلب منه أن يعطيه امرأة من السبي، فذهب فأخذ صفيّة رضي الله عنها، فجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم فقال: “يا نبي الله، أعطيت صفية بنت حُيي سيدة قُريظة والنضير لدحية الكلبي، وهي ما تصلُح إلا لك”، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله بلالًا أن يأتي بها وبدحية، فمرّ بلال بها وبابنة عمّها على قتلى قومها فصرخت ابنة عمها وولولت، فلمّا رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم قال: «أذهبت منك الرحمة؟؟، تمُر بفتاة صغيرة السن على القتلى!!»، قال بلال: “يا رسول الله ما ظننتك تكره ذلك، وأحببت أن ترى مصارع قومها”، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم للبنت تطييبًا لخاطرها: «ما هذا إلا شيطان» [^1].
ثم قال لدحية: “خُذ جارية من السبي غيرها”، وأشار لصفيّة أن تجلس، ثم قال لها: “إن أقمتِ على دينِك لم أُكرِهكِ، وإن اخترتِ الله ورسوله فهو خير لك، وأختارك لنفسي”، قالت: “أختار الله ورسوله والإسلام، إني يا رسول الله قد هويت الإسلام قبل أن تدعوني إليه”، فأعتقها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم وتزوّجها وجعل عِتقها مهرها، وأمرها أن تكون مع أم سلمة رضي الله عنها ونساء المسلمين في المُعسكر حتى تتحلل، وغربت الشمس وهم هناك.

بعث مُحيصة بن مسعود إلى يهود فَدَك
وفيه كان محيصة منتظرًا لليهود أن يرسلوا معه من يعقد الصلح، وهم يظنّون أن يهود خيبر قد انتصروا وإنّما يريدون كسب الوقت حتى يأتيهم الخبر اليقين، فجاءتهم أخبار خيبر بمقتل كبراء يهود خيبر، فأسقط في أيديهم، فجمعوا لمُحيصة ذهب نساءهم وقالوا: “اكتم عنّا ما قُلنا -من تباطؤهم في الصلح- ولك هذا الحُليّ”، فقال مُحيصة: “بل أُخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم بالذي سمعت منكم!”، وخرج معه مجموعة من قادتهم برئاسة نون بن يوشع سائرين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم بخيبر لعقد الصُّلح، وغربت الشمس وقد تجهزوا للتحرك.

[^1]: في بعض الروايات: “ما هذه إلا شيطانة”، ولا نراها مُناسبة للمعنى أو السياق، وإنما الأوفق المذكور وهو نص الواقدي؛ ويُفهم منه أنّ ما دفع بلالًا رضي الله عنه لهذا الفعل إلا وسوسة الشيطان، وبهذا تكون تفسيرًا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: “أذهبت منك الرحمة؟”، ولعلّ رواية “شيطانة” مصحفة لاستشكال بعض الرواة أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم أراد بلالًا بعين هذا الوصف، والراجح ما تقدَّم.