23 رمضان 5 هـ
18 شباط 627 م
يوميّات غزوة الأحزاب: اليوم الأول

خروج جيش قُريش لغزو المدينة المنوَّرَة

لمّا طرد النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم بني النّضير من المدينة المنوَّرة لخيانتهم وتآمرهم ضد مجتمع المدينة، خرجوا فنزلوا عند يهود خيبر، واجتمعت كلمتهم مع بعض منافقي المدينة على حرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستئصال المجتمع الجديد، فخرجت مجموعة من اليهود والمُنافقين من أهل المدينة في بضعة عشر رجلًا على رأسهم حُيي بن أخطب النّضري، وكِنانة بن أبي الحُقَيْق، وهوذة بن الحُقَيْق وثلاثتهم من اليهود، وهوذة بن قيس الوائلي الخطمي من الأوس، وأبو عامر الرَّاهب وهما من مُنافقي المدينة، فذهبوا إلى مكّة وجلسوا مع قادة ورؤساء قُريش فقالوا: “نحن معكم حتى نستأصل محمدًا”، فقال أبو سفيان بن حرب: “هذا الذي جاء بكم؟”، قالوا: “نعم، جئنا نُحالفكم على عداوة محمد وقتاله”، قال أبو سفيان: “مرحبًا وأهلًا، أحبّ الناس إلينا من أعاننا على عداوة محمد”، قالوا: “فليخرج من عائلات قُريش كلها خمسين رجلًا تكون أنت فيهم يا أبا سُفيان، وندخل جميعنا بين أستار الكعبة حتى نلصق أجسادنا بها، ثم نحلف بالله جميعًا لا يخذل بعضنا بعضًا، وتكون كلمتنا واحدة على هذا الرجل ما بَقِيَ منّا رجُل!”.

ولمّا فعلوا ذلك وتعاهدوا على عداوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقتاله، تكلّم بعض قُريش يقولون لبعض: “هؤلاء رؤساء أهل يثرب -من اليهود والعرب-، وأهل العِلم والكتاب الأوّل -التوراة-، فاسألوهم إن كان ما نحن عليه من دين وما عليه محمد، أيُّنا أهدى؟”، فتكلم أبو سفيان مع وفد اليهود وقال: “يا معشر اليهود، أنتم أهل الكتاب الأول، والعِلم، أخبرونا ديننا خير أم دين محمد؟ فنحن عُمّار البيت، وننحر الإبل -للبيت والأصنام- ونسقي الحجيج ونعبد الأصنام”، قالت اليهود: “اللهم أنتم أولى بالحقّ منه، إنّكم لتعظمون هذا البيت، وتقومون على السِّقاية وتنحرون الإبل -للبيت والأصنام- وتعبدون ما كان عليه آباؤكم، فأنتم أولى بالحق منه!”.

واتّفقوا مع وفد الخيانة من اليهود ومنافقي المدينة على تجهيز الجيش والخروج اليوم للمدينة المنوّرة والالتقاء بباقي الأحزاب لاستئصال المسلمين، وكان صفوان بن أميّة قد حثّهم على الوفاء بالعهد الذي تعاهدوا عليه وقال: “يا معشر قُريش، لقد وعدتم هؤلاء القوم أن تخرجوا لغزو المدينة، فتجهزوا للوفاء بهذا الموعد حتى لا تهتز صورتنا أكثر من ذلك، فقد وعد أبا سُفيان مُحمدًا أن يقاتله في بدر -في غزوة بدر الموعد والتي خلف المشركون موعدهم ولم يأتوا إليها-، فلم نف بموعده وتجرّأ علينا بعدها، وقد كُنت كارهًا لموعد أبي سفيان يومها، فلا نريد أن تتلطخ صورتنا بين العرب أكثر من ذلك”، فتجهّزت قُريش وأرسلت إلى من حولها من العرب تدعوهم إلى نصرتها.

وكان وفد الخيانة من اليهود ومنافقي المدينة قد خرج بعدما اتّفقوا مع قُريش، فنزلوا عند بني سُلَيْم وطالبوهم بنصرتهم ونُصرة قُريش، فوعدتهم قبيلة بني سُلَيْم أن يخرجوا معهم إذا سارت قُريش، ونزلوا عند غطفان ووعدوهم تمر خيبر لمُدَّة سنة إن شاركوهم في حرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون، وأسرع عُيينة بن حصن الفزاري وقبيلته بني فزارة في التجهز، وسار في سائر قبائل غطفان يجمعهم لحرب المسلمين تحت حلف اليهود وقريش.

 

خروج وفد خُزاعة لتحذير النّبي صلى الله عليه وآله وسلم من غزو الأحزاب
وفيه خرجت قُريش عن بكرة أبيها ومعها السلاح والعتاد في أربعة آلاف مُقاتل منها وممن جمعت من حُلفائها وأحابيشها، ومعهم ثلاثمائة فَرَس وألف وخمسمائة بعير، وعقدوا لواء الحرب في #~~~دار النّدوة~~~#، وعلمت قبيلة خُزاعة بتدبير قُريش مع اليهود وباقي القبائل العربيّة، وكان أكثر خُزاعة -مؤمنها وكافرها- يحبون النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يكتمون عنه ما يجري بمكَّة، فتحرّك وفد منهم بسُرعة قبل خروج جيش قُريش ومن معها من العرب بقليل، متجهين للمدينة المنوّرة يُخبرون النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما يتم تدبيره، فساروا حوالي 80 كم في ستة عشر ساعة تقريبًا حتى وصلوا #~~~عُسفان~~~# وغربت الشمس وهم هناك.