17 رجب 8 هـ
13 تشرين الثاني 629 م
يوميّات سريّة عمرو بن العاص إلى وادي السلسلة: اليوم الثاني والأربعون

وفي ليلته أمسى عمرو بن العاص رضي الله عنه ومن معه عند #~~~البتراء~~~# عائدين للمدينة المنورة، فصلوا المغرب والعشاء …

وأقاموا أوّل الليل، ثم ساروا حوالي 26 كم في خمس ساعات تقريبًا حتى وصل #~~~المدينة المنورة~~~# وقت صلاة الصبح، فأخبروا النّبي صلى الله عليه وآله وسلم خبرهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يا عمرو صلَّيْتَ بأصحابك وأنت جُنُب؟»، فقال عمرو: “والذي بعثك بالحق لو اغتسلت لمُتّ، لم أجد قط بردًا مثله، وقد قال الله: {وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء:29]”، فضحك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يزد على ذلك [^1].
وذكر بعضهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منع عمرو لهم إيقاد النّار واتّباع العدوّ، فقال عمرو: “يا رسول الله إني كرهت أن يوقدوا نارًا فيرى عدُوّهم قِلَّتهم وكرهت أن يتبعوهم فيكون لهم مدد يعطفوا عليهم”، فأثنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على حُسن تصرُّف عمرو الحربي.
ولمّا قام عمرو، خطر له رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم إنّما بعثه أميرًا على خيرة المُهاجرين والأنصار، وفيهم أبي بكر وعُمر لعلو منزلته وشأنه عنده، فجاء فقعد بين يديّ النّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم وقال: “يا رسول الله من أحبُّ النّاس؟”، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «إني لست أسألك عن أهلك»، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «فأبوها»، قال عمرو: “ثم من؟”، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “عُمَر”، قال عمرو: “ثم مَنْ؟”، حتى عدّ له النبي صلى الله عليه وآله وسلم مجموعة من خيار الصحابة رضوان الله عليهم ولم يذكره، فسكت عمرو مخافة أن يجعله في آخرهم، وقال في نفسه: “لا أعود أسأل عن هذا!”[^2].
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم: «إنّي لأؤمِّر الرجل على القوم وفيهم من هو خير منه، لأنّه أيقظ عينًا، وأبصر بالحرب».

[^1]: وهذا من اجتهادات الصحابة رضوان الله عليهم في حياته صلى الله عليه وآله وسلَّم بالاستنباط من النّص الشريف، وفيه دليل على الاستدلال بالمقاصد الكُبرى للشرع عند الاجتهاد في المسائل، خصوصًا عند عدم وجود الدليل القطعي، فالآية المذكورة من المقاصد الكُبرى بحفظ النّفس البشريّة وصيانتها من الهلاك، وهو أيضًا من أدلّة جواز التيمم عند فقد الماء فقدًا شرعيًّا؛ بمعنى وجود الماء مع عدم القُدرة على استعماله لمرض أو لبرد أو ما شابه، وتفصيل ذلك في كُتُب الفقه.

[^2]: وفي ذلك إشارات لطيفة، منها أنّه صلى الله عليه وآله وسلَّم كان يُقَدِّم الكفاءات بغضّ النظر عن صلاح الشَّخص وأفضليّته، وهو المنهج المُعتبر في الإدارة، فقدَّم عمرو بن العاص لمعرفته وعلمه بالحرب وأساليبها، كما تقدّم في كلام أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ومنها أنّ الله أطلع نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم على ما في نفس عمرو رضي الله عنه، فكان الردّ عمّن سأل عنهم، أبا بكر وعُمر رضي الله عنهما، فربّاه بما يُناسب سؤاله، فسكت عمرو وقد نوى ألّا يعود لمثل هذه الخواطر الغير مفيدة.