11 ذو القعدة 6 هـ
23 آذار 628 م
يوميات عُمرة الحُدَيبْيَة: اليوم العاشر

وفي ليلته أمسى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ب    #~~~عُسْفَان~~~# في رحلة عُمرة الحُدَيْبِيَة، فأكمل المسير حوالي 4 كم غربًا في ساعة تقريبًا …
حتى نزل #~~~غدير ذات الأشطاط~~~#، فلقيه بُسر بن سُفيان الكعبي وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم ره أن يسبقهم من ذي الحُلَيْفَة فيصل إلى مكّة فيستطلع ردّ فعل قريش على معرفتهم بخروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم للعُمرة، فلمّا رآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يا بُسر، ما وراءك؟»، قال: يا رسول الله، تركتُ قومَك، كعب بن لؤي، وعامر بن لؤي، قد سمعوا بمسيرك ففزعوا وهابوا أن تدخل عليهم عنوة، وقد استنفروا لك الأحابيش ومن أطاعهم، معهم العوذ المطافيل، قد لبسوا لك جِلد النُّمور ليصدّوك عن المسجد الحرام، وقد خرجوا إلى بلدح وضربوا بها الأبنية، وتَركتُ عمادهم يطعمون الجُزُر أَحابيشهم ومن ضَوَى إليهم في دُورهم، وقدّموا الخيل عليها خالد بن الوليد في مائتي فرس، وهذه خيلهم بالغَميم، وقد وضعوا العيون على الجبال ووضعوا الأرصاد، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للناس: «هذا خالد بن الوليد على خيل المشركين بالغميم».

ثم قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطيبًا في المسلمين فأثنى على الله بما هو أهله، وكان ممّا قال: أما بعد، فكيف ترون يا معشر المسلمين في هؤلاء الذين استنفروا إليّ من أَطاعهم ليصدُّنا عن المسجد الحرام؟ أترون أن نمضي لِوَجهنا إلى البيت فمن صَدّنا عنه قاتلناه، أم ترون أن نُخَلِّف هؤلاء الذي استُنفِروا لنا إلى أَهليهم فنُصيبَهم؟ فإن اتبعونا اتبعنا منهم عنق يقطعها الله، وإن قعدوا قعدوا محزونين موتورين! فقام أبو بكر رضي الله عنه فقال: “الله ورسوله أعلم! نرى يا رسول الله أن نمضي لوجهنا فمن صدَّنا عن البيت قاتلناه”.
وقال: “إنَّ خيل قريش فيها خالد بن الوليد بالغَمِيم”.

وقال أيضًا: “يا ويح قريش قد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلّوا بيني وبين سائر العرب، فإن هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوّة، فما تظن قريش؟!، فوالله لا أزال أجاهد على هذاالذي بعثني الله به حتى يظهره الله، أو تنفرد هذه السالفة”

فتكلَّم أُسَيْد بن حُضَيْر فقال: “يا رسول الله، نرى أن نَصمِد لِما خرجنا لهن، فمن صَدَّنا قاتلناه”. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إنَّا لم نخرج لِقِتال أحد، إنما خرجنا عُمَّارًا».

وبات النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه أوَّل الليل، ثم ساروا حوالي 26 كم في 5 ساعات تقريبًا من غدير ذات الأشطاط إلى #~~~كُراع الغميم~~~# على حذر أن تعترضهم خيل المشركين وعلى رأسها خالد بن الوليد، فنزلوا على ناحية الطريق اليُمنَى للقادم من المدينة، وأدركتهم صلاة الصُّبح فصلّوها هُناك، ووقفوا للاستراحة.

وسار خالد بن الوليد بجيش المشركين غربًا محاولًا الاقتراب لينظر إلى ركب المُسلِمين من بعيد، ووقف ينتظر ما يكون، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أصحابه وقد قرَّر ألّا ينجر المسلمون لمناوشات مع جيش المشركين، وأنَّ المسلمون قد خرجوا عُمَّارًا لا يُريدون الحرب.

وتحرَّك خالد بن الوليد وصفَّ جيش المُشركين أمام المسلمين معترضًا طريقهم، حائلًا بينهم وبين القِبلة -مكَّة المُكَرَّمة- وهم مائة فارس، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم الفُرسان وقائدهم عَبَّاد بن بِشر فتحرَّك وفرسان المُسلمين فوقفوا بإزاء خالد بن الوليد وجيشه وصفَّهم أمامه.

وحانت صلاة الظُّهر، فأذَّن بلال وأقام، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القِبلة وصفَّ الناس خَلْفَه يركع بهم ويسجد، ثم سلَّم فقاموا على ما كانوا عليه من التَّعبئة والنظام، فقال خالد بن الوليد وقد تنّبه أنّه فوت فرصة صلاة المسلمين للهجوم عليهم: “قد كانوا على غِرَّة، لو كنَّا حملنا عليهم لأصبنا منهم! ولكن تأتي الساعة صلاة هي أحب إليهم من أنفسهم وأبنائهم!”، فنزل جبريل عليه السلام بين الظهر والعصر على النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم بقوله تعالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلَٰوةَ فَلْتَقُمْ} [النساء:102]، فحانت صلاة العصر فأذَّن بلال وأقام، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مواجهًا القِبلة والعدو أمامَه، وكبَّر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكبَّر الصفَّان جميعًا. ثم ركع وركع الصَّفَّان جميعًا، ثم سجد فسجد الصَّف الذي خلفه مباشرة وقام الصَّف المؤخر يحرسونه. فلمّا قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم السجود بالصف الأول وقاموا معه سجد الصف الموخر السجدتين، ثم استأخر الصَّف الذي خلفه مباشرة، وتقدَّم الصف المؤخر عليهم وبدَّلوا أماكنهم في نظام وقاموا جميعًا في الركعة التالية، ثم ركع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فركع الصفان جميعًا ثم سجد صلى الله عليه وآله وسلم وسجد الصَّف الذي خلفه مُباشرة، وقام الصّف المؤخر يحرسونه مقبلين على العدو، فلمّا رفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأسه من السجدتين سجد الصف المؤخر السجدتين اللتين بقيتا عليهم، ثم جلس صلى الله عليه وآله وسلم للتَّشهد ثم سلَّم، وكانت تلك المرة الثانية التي يصلي فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالنّاس صلاة الخوف، حيث شُرِعَت وصلَّاها في غزوة ذات الرِّقاع قبل ذلك.

وبقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه من المسلمين مكانهم قُرب كُراع الغميم حتّى غروب الشمس.