2 ق.هـ
620 م
هجرة الطائف

فلما رأى عليه الصلاة والسلام استهانة قريش به أراد أن يتوجه إلى ثقيف بالطائف …

يرجو منهم نصرته على قومه ومساعدته حتى يتمّم أمر ربه، لأنهم أقرب الناس إلى مكة وله فيهم خؤولة، فإن أم هاشمبن عبد مناف عاتكة السلمية من بني سُلَيمبن منصور وهم حلفاء ثقيف، فلما توجه إليهم ومعه مولاه زيدبن حارثة قابل رؤساءهم وكانوا ثلاثةً: عبد يالِيْل ومسعود وحَبيب أولاد عمروبن عمير الثقفي، فعرض عليهم نصرته حتى يؤدي دعوته، فردّوا عليه رداً قبيحاً، ولم يرَ منهم خيراً، وحينذاك طلب منهم أن لا يُشيعوا ذلك عنه كيلا تعلم قريش فيشتدّ أذاهم لأنه استعان عليهم بأعدائهم، فلم تفعل ثقيف ما رجاه منهم عليه الصلاة والسلام، بل أرسلوا سفهاءهم وغلمانهم يقفون في وجهه في الطريق ويرمونه بالحجارة، حتى أدموا عقبه، وكان زيدبن حارثة يدرأ عنه إلى أن انتهى إلى شجرة كرْم واستظلّ بها، وكانت بجوار بستان لعُتبة وشَيبة ابني ربيعة وهما من أعدائه وكانا في البستان، فكره رسول الله مكانهما فدعا الله قائلاً: «اللهمّ إني أشكو إليكَ ضعفَ قُوَّتي وقِلَّةَ حيلتي وهَواني على الناس، يا أرحم الراحمين أنت ربُّ المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهَّمني، أم إلى عدوَ ملكته أمري؟ إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي» فلما رآه ابنا ربيعة رَقَّا له وأرسلا إليه بِقِطْفٍ من العنب مع مولى لهما نصراني اسمه عَدَّاس. فلما ابتدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل قال: «بسم الله الرحمان الرحيم» فقال عَدَّاس: هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد، فقال له عليه الصلاة والسلام: «من أيّ البلاد أنت وما دينك؟» فقال: نصراني من نِيْنَوى، فقال له عليه الصلاة والسلام: «من قرية الرجل الصالح يُونُس بن متَّى؟» قال: وما علمك بيونس؟ فقرأ له من القرآن ما فيه قصة يونس، فلما سمع ذلك عداس أسلم، وأتى جبريل برسالة من الله جلّ ذكره، وقال: إن الله أمرني أن أطيعك في قومك لما صنعوه

معك، فقال عليه الصلاة والسلام: «اللهمّ اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون» فقال جبريل: صدق من سمّاك الرؤوف الرحيم.
ولما كان بنَخْلَة وفد عليه نفر من الجن يستمعون القرآن وهم ممّن ينتمون إلى موسى صلوات الله عليه، فلما سمعوه أنصتوا له ورجعوا إلى قومهم منذرين وأبلغوهم خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم نزل في سورة الأحقاف: {وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مّنَ الْجِنّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْءانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُواْ أَنصِتُواْ فَلَمَّا قُضِىَ وَلَّوْاْ إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ(29) قَالُواْ ياقَوْمَنَآ إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِى إِلَى الْحَقّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ(30) ياقَوْمَنَآ أَجِيبُواْ دَاعِىَ اللَّهِ وَءامِنُواْ بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ(31) وَمَن لاَّ يُجِبْ دَاعِىَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِى الاْرْضَ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآء أُوْلَئِكَ فِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [الأحقاف: 29-32] وقد قص الله قصة الجن بعبارة أطول في سورة سميت باسمهم أولها: {قُلْ أُوحِىَ إِلَىَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مّنَ الْجِنّ فَقَالُواْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءانَاً عَجَباً(1) يَهْدِى إِلَى الرُّشْدِ فَئَامَنَّا بِهِ وَلَن نُّشرِكَ بِرَبّنَآ أَحَداً} [الجن: 1-2].