36 هـ
656 م
نزول أَمِير الْمُؤْمِنِينَ ذا قار

كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عن شعيب، عن سيف، عن عمرو، عن الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَمَّا الْتَقَوْا بِذِي قَارٍ تَلَقَّاهُمْ عَلِيٌّ فِي أُنَاسٍ، فِيهِمُ ابْنُ عَبَّاسٍ …

فَرَحَّبَ بِهِمْ، وَقَالَ: يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ، أَنْتُمْ وَلِيتُمْ شَوْكَةَ الْعَجَمِ وَمُلُوكِهِمْ، وَفَضَضْتُمْ جُمُوعَهُمْ، حَتَّى صَارَتْ إِلَيْكُمْ مَوَارِيثُهُمْ، فَأَغْنَيْتُمْ حَوْزَتَكُمْ، وَأَعَنْتُمُ النَّاسَ عَلَى عَدُوِّهِمْ، وَقَدْ دَعَوْتُكُمْ لِتَشْهَدُوا مَعَنَا إِخْوَانَنَا مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، فَإِنْ يَرْجِعُوا فَذَاكَ مَا نُرِيدُ وَإِنْ يلجوا دَاوَيْنَاهُمْ بِالرِّفْقِ، وَبَايَنَّاهُمْ حَتَّى يَبْدَءُونَا بِظُلْمٍ، وَلَنْ نَدَعَ أَمْرًا فِيهِ صَلاحٌ إِلا آثَرْنَاهُ عَلَى مَا فِيهِ الْفَسَادُ إِنْ شَاءَ اللَّه، وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ.
فَاجْتَمَعَ بِذِي قَارٍ سَبْعَةُ آلافٍ وَمِائَتَانِ، وَعَبْدُ الْقَيْسِ بِأَسْرِهَا فِي الطَّرِيقِ بَيْنَ عَلِيٍّ وَأَهْلِ الْبَصْرَةِ يَنْتَظِرُونَ مُرُورَ عَلِيٍّ بِهِمْ، وَهُمْ آلافٌ- وَفِي الْمَاءِ الفان وأربعمائة.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ بِإِسْنَادِهِمَا، قَالا: لَمَّا نَزَلَ عَلِيٌّ ذَا قَارٍ أَرْسَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَالأَشْتَرَ بعد محمد بن ابى بكر ومحمد ابن جَعْفَرٍ، وَأَرْسَلَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعَمَّارًا بَعْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالأَشْتَرِ، فَخَفَّ فِي ذَلِكَ الأَمْرِ جَمِيعُ مَنْ كَانَ نَفَرَ فِيهِ، وَلَمْ يَقْدَمْ فِيهِ الْوُجُوهُ أَتْبَاعَهُمْ فَكَانُوا خَمْسَةَ آلافٍ أَخَذَ نِصْفُهُمْ فِي الْبَرِّ وَنِصْفُهُمْ فِي الْبَحْرِ، وَخَفَّ مَنْ لَمْ يَنْفُرْ فِيهَا وَلَمْ يَعْمَلْ لَهَا وَكَانَ عَلَى طَاعَتِهِ مُلازِمًا لِلْجَمَاعَةِ فَكَانُوا أَرْبَعَةَ آلافٍ، فَكَانَ رُؤَسَاءَ الْجَمَاعَةِ: الْقَعْقَاعُ بْنُ عَمْرٍو وسعر بن مالك وهند بن عمرو والهيثم ابن شِهَابٍ، وَكَانَ رُؤَسَاءَ النِّفَارِ: زَيْدُ بْنُ صُوحَانَ، وَالأَشْتَرُ مَالِكُ بْنُ الْحَارِثِ، وَعَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ، وَالْمُسَيَّبُ بْنُ نَجَبَةَ، ويزيدُ بْنُ قَيْسٍ وَمَعَهُمْ أَتْبَاعُهُمْ وَأَمْثَالٌ لَهُمْ لَيْسُوا دُونَهُمْ إِلا أَنَّهُمْ لَمْ يُؤَمَّرُوا، مِنْهُمْ حُجْرُ بْنُ عَدِيٍّ وَابْنُ مَحْدُوجٍ الْبَكْرِيُّ، وَأَشْبَاهٌ لَهُمَا لَمْ يَكُنْ فِي أَهْلِ الْكُوفَةِ أَحَدٌ عَلَى ذَلِكَ الرَّأْيِ غَيْرُهُمْ فَبَادَرُوا فِي الْوَقْعَةِ إِلا قَلِيلا، فَلَمَّا نَزَلُوا عَلَى ذِي قَارٍ دَعَا الْقَعْقَاعَ بْنَ عَمْرٍو فَأَرْسَلَهُ إِلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَقَالَ لَهُ: الْقَ هذين الرجلين يا بن الحنظلية- وكان القعقاع من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم- فَادْعُهُمَا إِلَى الأُلْفَةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَعَظِّمْ عَلِيهِمَا الْفُرْقَةَ، وَقَالَ لَهُ: كَيْفَ أَنْتَ صَانِعٌ فِيمَا جَاءَكَ مِنْهُمَا مِمَّا لَيْسَ عِنْدَكَ فِيهِ وَصَاةٌ مِنِّي؟ فَقَالَ: نَلْقَاهُمْ بِالَّذِي أَمَرْتَ بِهِ، فَإِذَا جَاءَ مِنْهُمَا أَمْرٌ لَيْسَ عِنْدَنَا مِنْكَ فِيهِ رَأْيٌ اجْتَهَدْنَا الرَّأْيَ وَكَلَّمْنَاهُمْ عَلَى قَدْرِ مَا نَسْمَعُ وَنَرَى أَنَّهُ يَنْبَغِي.
قَالَ: أَنْتَ لَهَا فَخَرَجَ الْقَعْقَاعُ حَتَّى قَدِمَ الْبَصْرَةَ، فَبَدَأَ بِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَسَلَّمَ عَلَيْهَا، وَقَالَ: أَيْ أُمَّهْ، مَا أَشْخَصَكِ وَمَا أَقْدَمَكِ هَذِهِ الْبَلْدَةَ؟ قَالَتْ: أَيْ بُنَيَّ، إِصْلاحٌ بَيْنَ النَّاسِ، قَالَ: فَابْعَثِي إِلَى طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ حَتَّى تَسْمَعِي كَلامِي وَكَلامَهُمَا، فَبَعَثَتْ إِلَيْهِمَا فَجَاءَا، فَقَالَ: إِنِّي سَأَلْتُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ: مَا أَشْخَصَهَا وَأَقْدَمَهَا هَذِهِ الْبِلادَ؟ فَقَالَتْ: إِصْلاحٌ بَيْنَ النَّاسِ، فَمَا تَقُولانِ أَنْتُمَا؟ أَمُتَابِعَانِ أَمْ مُخَالِفَانِ؟ قَالا: مُتَابِعَانِ، قَالَ: فَأَخْبِرَانِي مَا وجه هذا الإصلاح؟ فو الله لَئِنْ عَرَفْنَا لَنُصْلِحَنَّ، وَلَئِنْ أَنْكَرْنَاهُ لا نُصْلِحُ قَالا: قَتَلَةَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَإِنَّ هَذَا إِنْ تُرِكَ كَانَ تَرْكًا لِلْقُرْآنِ، وَإِنْ عمل به كان احياء لِلْقُرْآنِ. فَقَالَ: قَدْ قَتَلْتُمَا قَتَلَةَ عُثْمَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَأَنْتُمْ قَبْلَ قَتْلِهِمْ أَقْرَبُ إِلَى الاستقامة منكم اليوم، قتلتم ستمائه إِلا رَجُلا، فَغَضِبَ لَهُمْ سِتَّةُ آلافٍ، وَاعْتَزَلُوكُمْ وَخَرَجُوا مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ، وَطَلَبْتُمْ ذَلِكَ الَّذِي أَفْلَتَ- يَعْنِي حُرْقُوصَ بْنَ زُهَيْرٍ- فَمَنَعَهُ سِتَّةُ آلافٍ وَهُمْ عَلَى رَجُلٍ، فَإِنْ تَرَكْتُمُوهُ كُنْتُمْ تَارِكِينَ لِمَا تَقُولُونَ، وَإِنْ قَاتَلْتُمُوهُمْ وَالَّذِينَ اعْتَزَلُوكُمْ فَأُدِيلُوا عَلَيْكُمْ فَالَّذِي حَذَرَتْمُ وَقَرَّبْتُمْ بِهِ هَذَا الأَمْرَ أَعْظَمُ مِمَّا أَرَاكُمْ تَكْرَهُونَ، وَأَنْتُمْ أَحْمَيْتُمْ مُضَرَ وَرَبِيعَةَ مِنْ هَذِهِ الْبِلادِ، فَاجْتَمَعُوا عَلَى حَرْبِكُمْ وَخِذْلانِكُمْ نُصْرَةً لِهَؤُلاءِ كَمَا اجْتَمَعَ هَؤُلاءِ لأَهْلِ هَذَا الْحَدَثِ الْعَظِيمِ وَالذَّنْبِ الْكَبِيرِ فَقَالَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ: فَتَقُولُ أَنْتَ مَاذَا؟ قَالَ: أَقُولُ هَذَا الأَمْرُ دَوَاؤُهُ التَّسْكِينُ، وَإِذَا سَكَنَ اخْتَلَجُوا، فَإِنْ أَنْتُمْ بَايَعْتُمُونَا فَعَلامَةُ خَيْرٍ وَتَبَاشِيرُ رَحْمَةٍ وَدَرْكٌ بِثَأْرِ هَذَا الرَّجُلِ، وَعَافِيَةٌ وَسَلامَةٌ لِهَذِه الأُمَّةِ، وَإِنْ أَنْتُمْ أَبَيْتُمْ إِلا مُكَابَرَةَ هَذَا الأَمْرِ وَاعْتِسَافِهِ، كَانَتْ عَلامَةَ شَرٍّ، وَذَهَابَ هَذَا الثَّأْرِ، وَبَعْثَةَ اللَّهِ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ هَزَاهِزُهَا، فَآثِرُوا الْعَافِيَةَ تُرْزَقُوهَا، وَكُونُوا مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ كَمَا كُنْتُمْ تَكُونُونَ، وَلا تُعَرِّضُونَا لِلْبَلاءِ وَلا تَعْرِضُوا لَهُ فَيَصْرَعَنَا وَإِيَّاكُمْ.
وَايْمُ اللَّهِ إِنِّي لأَقُولُ هَذَا وَأَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ وَإِنِّي لَخَائِفٌ أَلا يَتِمَّ حَتَّى يَأْخُذَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَاجَتَهُ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ الَّتِي قَلَّ مَتَاعُهَا وَنَزَلَ بِهَا مَا نَزَلَ، فَإِنَّ هَذَا الأَمْرَ الَّذِي حَدَثَ أَمْرٌ لَيْسَ يُقَدَّرُ، وَلَيْسَ كَالأُمُورِ، وَلا كَقَتْلِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ، وَلا النَّفَرِ الرَّجُلَ، وَلا الْقَبِيلَةِ الرَّجُلَ.
فَقَالُوا: نَعَمْ، إِذًا قَدْ أَحْسَنْتَ وَأَصَبْتَ الْمَقَالَةَ، فَارْجِعْ فَإِنْ قَدِمَ عَلِيٌّ وَهُوَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِكَ صَلَحَ هَذَا الأَمْرُ فَرَجَعَ إِلَى عَلِيٍّ فَأَخْبَرَهُ فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ، وَأَشْرَفَ الْقَوْمُ عَلَى الصُّلْحِ، كَرِهَ ذَلِكَ مَنْ كَرِهَهُ، وَرَضِيَهُ مَنْ رَضِيَهُ.
وَأَقْبَلَتْ وُفُودُ الْبَصْرَةِ نَحْوَ عَلِيٍّ حِينَ نَزَلَ بِذِي قَارٍ، فَجَاءَتْ وُفُودُ تَمِيمٍ وَبَكْرٍ قَبْلَ رَجُوعِ الْقَعْقَاعِ لِيَنْظُرُوا مَا رَأَى إِخْوَانُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَعَلَى أَيِّ حَالٍ نَهَضُوا إِلَيْهِمْ، وَلِيُعْلِمُوهُمْ أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ رَأْيُهُمُ الإِصْلاحَ، وَلا يَخْطُرُ لَهُمْ قِتَالٌ عَلَى بَالٍ فَلَمَّا لَقُوا عَشَائِرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ بِالَّذِي بَعَثَهُمْ فِيهِ عَشَائِرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَقَالَ لَهُمُ الْكُوفِيُّونَ مِثْلَ مَقَالَتِهِمْ، وَأَدْخَلُوهُمْ عَلَى عَلِيٍّ فَأَخْبَرُوهُ خَبَرَهُمْ، سَأَلَ عَلِيٌّ جرير بْنَ شرسٍ عَنْ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، فَأَخْبَرَهُ عَنْ دَقِيقِ أَمْرِهِمَا وَجَلِيلِهِ حَتَّى تَمَثَّلَ لَهُ:

أَلا أبلغ بني بكر رسولا *** فليس إلى بني كعب سبيل
سيرجع ظلمكم منكم عليكم *** طويل السَّاعِدَيْنِ لَهُ فُضُولُ

وَتَمَثَّلَ عَلِيٌّ عِنْدَهَا:

أَلَمْ تَعْلَمْ أَبَا سَمْعَانَ أَنَّا *** نَرُدُّ الشَّيْخَ مِثْلَكَ ذا الصداع!
ويذهل عقله بالحرب حتى *** يقوم فَيَسْتَجِيبَ لِغَيْرِ دَاعِ
فَدَافِعْ عَنْ خُزَاعَةَ جَمْعَ بَكْرٍ *** وَمَا بِكَ يَا سُرَاقَةُ مِنْ دِفَاعِ

قَالَ أَبُو جَعْفَر: أخرج إلي زياد بن أيوب كتابا فِيهِ أحاديث عن شيوخ ذكر أنه سمعها مِنْهُمْ، قرأ علي بعضها ولم يقرأ علي بعضها، فمما لم يقرأ علي من ذَلِكَ فكتبته مِنْهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُصْعَب بن سلام التميمي، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن سوقة، عن عاصم بن كليب الجرمي، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: رأيت فِيمَا يرى النائم فِي زمان عُثْمَان بن عَفَّانَ أن رجلا يلي أمور الناس مريضا عَلَى فراشه وعند رأسه امرأة، والناس يريدونه ويبهشون إِلَيْهِ، فلو نهتهم المرأة لانتهوا، ولكنها لم تفعل، فأخذوه فقتلوه فكنت أقص رؤياي عَلَى الناس فِي الحضر والسفر، فيعجبون وَلا يدرون مَا تأويلها! فلما قتل عُثْمَان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أتانا الخبر ونحن راجعون من غزاتنا، فَقَالَ أَصْحَابنا: رؤياك يَا كليب.

فانتهينا إِلَى الْبَصْرَة فلم نلبث إلا قليلا حَتَّى قيل: هَذَا طَلْحَة وَالزُّبَيْر مَعَهُمَا أم الْمُؤْمِنِينَ، فراع ذَلِكَ الناس وتعجبوا، فإذا هم يزعمون لِلنَّاسِ أَنَّهُمْ إنما خرجوا غضبا لِعُثْمَانَ وتوبة مما صنعوا من خذلانه، وإن أم الْمُؤْمِنِينَ تقول: غضبنا لكم عَلَى عُثْمَانَ فِي ثلاث: إمارة الفتي، وموقع الغمامة، وضربة السوط والعصا، فما أنصفنا إن لم نغضب لَهُ عَلَيْكُمْ فِي ثلاث جررتموها إِلَيْهِ: حرمة الشهر، والبلد، والدم فَقَالَ الناس: أفلم تبايعوا عَلِيًّا وتدخلوا فِي أمره! فَقَالُوا: دخلنا واللج عَلَى أعناقنا وقيل هَذَا علي قَدْ أظلكم، فَقَالَ قومنا لي ولرجلين معي: انطلقوا حَتَّى تأتوا عَلِيًّا وأَصْحَابه فسلوهم عن هَذَا الأمر الَّذِي قَدِ اختلط علينا، فخرجنا حَتَّى إذا دنونا من العسكر طلع علينا رجل جميل عَلَى بغلة، فقلت لصاحبي: أرأيتم المرأة الَّتِي كنت أحدثكم عنها إنها كَانَتْ عِنْدَ رأس الوالي؟ فإنها أشبه الناس بهذا، ففطن أنا نخوض فِيهِ، فلما انتهى إلينا قَالَ: قفوا، مَا الذي قلتم حين رأيتموني؟ فأبينا عَلَيْهِ، فصاح بنا وَقَالَ: وَاللَّهِ لا تبرحون حَتَّى تخبروني، فدخلتنا مِنْهُ هيبة، فأخبرناه فجاوزنا وَهُوَ يقول: وَاللَّهِ لقد رأيت عجبا، فقلنا لأدنى أهل العسكر إلينا: من هَذَا؟ فَقَالَ: مُحَمَّد بن أبي بكر، فعرفنا أن تِلَكَ المرأة عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فازددنا لأمرها كراهية، وانتهينا إِلَى علي فسلمنا عَلَيْهِ، ثُمَّ سألناه عن هَذَا الأمر، فَقَالَ: [عدا الناس عَلَى هَذَا الرجل وأنا معتزل فقتلوه، ثُمَّ ولوني وأنا كاره ولولا خشية عَلَى الدين لم أجبهم، ثُمَّ طفق هَذَانِ فِي النكث فأخذت عليهما وأخذت عهودهما عِنْدَ ذَلِكَ، وأذنت لهما فِي العمرة، فقدما عَلَى أمهما حليلة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فرضيا لها مَا رغبا لنسائهما عنه، وعرضاها لما لا يحل لهما وَلا يصلح، فاتبعتهما لكيلا يفتقوا فِي الإِسْلام فتقا، وَلا يخرقوا جماعة] .

ثُمَّ قَالَ أَصْحَابه: وَاللَّهِ مَا نريد قتالهم إلا أن يقاتلوا وما خرجنا إلا لإصلاح فصاح بنا أَصْحَاب علي: بايعوا بايعوا، فبايع صاحبي، وأما أنا فأمسكت وقلت: بعثني قومي لأمر، فلا أحدث شَيْئًا حَتَّى أرجع إِلَيْهِم فَقَالَ علي: فإن لم يفعلوا؟ فقلت: لم أفعل، فَقَالَ: أرأيت لو أَنَّهُمْ بعثوك رائدا فرجعت إِلَيْهِم، فأخبرتهم عن الكلأ والماء فحالوا إِلَى المعاطش والجدوبة مَا كنت صانعا؟ قَالَ: قلت: كنت تاركهم ومخالفهم إِلَى الكلإ والماء، قال: فمد يدك، فو الله مَا استطعت أن أمتنع، فبسطت يدي فبايعته وَكَانَ يقول: علي من أدهى العرب وَقَالَ: مَا سمعت من طَلْحَة وَالزُّبَيْر؟ فقلت: أما الزُّبَيْر فإنه يقول: بايعنا كرها، وأما طَلْحَة فمقبل عَلَى أن يتمثل الأشعار، ويقول:

ألا أبلغ بني بكر رسولا *** فليس إلى بني كعب سبيل
سيرجع ظلمكم منكم عليكم *** طويل الساعدين لَهُ فضول

فَقَالَ: ليس كذلك، ولكن:

ألم تعلم أبا سمعان أنا *** نصم الشيخ مثلك ذا الصداع
ويذهل عقله بالحرب حَتَّى *** يقوم فيستجيب لغير داع

ثُمَّ سار حَتَّى نزل إِلَى جانب الْبَصْرَة، وَقَدْ خندق طليحة وَالزُّبَيْر، فَقَالَ لنا أَصْحَابنا من أهل الْبَصْرَة: مَا سمعتم إخواننا من أهل الْكُوفَة يريدون ويقولون؟ فقلنا: يقولون خرجنا للصلح وما نريد قتالا، فبينا هم عَلَى ذَلِكَ لا يحدثون أنفسهم بغيره، إذ خرج صبيان العسكرين فتسابوا ثُمَّ تراموا، ثُمَّ تتابع عبيد العسكرين، ثُمَّ ثلث السفهاء، ونشبت الحرب، وألجأتهم إِلَى الخندق، فاقتتلوا عليه حتى اجلوا إِلَى موضع القتال، فدخل مِنْهُ أَصْحَاب علي وخرج الآخرون.
ونادى علي: أَلا لا تتبعوا مدبرا، وَلا تجهزوا عَلَى جريح، وَلا تدخلوا الدور، ونهى الناس، ثُمَّ بعث إِلَيْهِم أن اخرجوا للبيعة، فبايعهم عَلَى الرايات وَقَالَ: من عرف شَيْئًا فليأخذه، حَتَّى مَا بقي فِي العسكرين شَيْء إلا قبض،] فانتهى إِلَيْهِ قوم من قيس شباب، فخطب خطيبهم، فَقَالَ: أين أمراؤكم؟ فَقَالَ الخطيب: أصيبوا تحت نظار الجمل، ثُمَّ أخذ فِي خطبته، فَقَالَ علي: أما إن هَذَا لهو الخطيب السحسح وفرغ من البيعه، واستعمل عبد الله ابن عَبَّاسٍ وَهُوَ يريد أن يقيم حَتَّى يحكم أمرها، فأمرني الأَشْتَر أن أشتري لَهُ أثمن بعير بِالْبَصْرَةِ ففعلت، فَقَالَ: ائت بِهِ عَائِشَة، وأقرئها مني السلام، ففعلت، فدعت عَلَيْهِ وقالت: اردده عَلَيْهِ، فأبلغته، فَقَالَ: تلومني عَائِشَة أن أفلت ابن أختها! وأتاه الخبر باستعمال عَلِيّ ابن عباس فغضب وقال: علام قتلنا الشيخ! إذ اليمن لعبيد اللَّه، والحجاز لقثم، والبصرة لعبد اللَّه، والكوفة لعلي ثُمَّ دعا بدابته فركب راجعا وبلغ ذَلِكَ عَلِيًّا فنادى: الرحيل، ثُمَّ أجد السير فلحق بِهِ فلم يره أنه قَدْ بلغه عنه وَقَالَ: مَا هَذَا السير؟ سبقتنا! وخشي إن ترك والخروج أن يوقع فِي أنفس الناس شرا.
كَتَبَ إِلَيَّ السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وَطَلْحَةَ، قَالا: لَمَّا جَاءَتْ وُفُودُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ وَرَجَعَ الْقَعْقَاعُ مِنْ عِنْدِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ بِمِثْلِ رَأْيِهِمْ، جَمَعَ عَلِيٌّ النَّاسَ، ثُمَّ قَامَ عَلَى الْغَرَائِرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى النبي صلى الله عليه وسلم وَذَكَرَ الْجَاهِلِيَّةَ وَشَقَاءَهَا وَالإِسْلامَ وَالسَّعَادَةَ وَإِنْعَامِ اللَّهِ عَلَى الأُمَّةِ بِالْجَمَاعَةِ بِالْخَلِيفَةِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ الَّذِي يَلِيهِ، ثُمَّ حَدَثَ هَذَا الْحَدَثُ الَّذِي جَرَّهُ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ أَقْوَامٌ طَلَبُوا هَذِهِ الدُّنْيَا، حَسَدُوا مَنْ أَفَاءَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ عَلَى الْفَضِيلَةِ، وَأَرَادُوا رَدَّ الأَشْيَاءَ عَلَى أَدْبَارِهَا، وَاللَّهُ بَالِغٌ أَمْرَهُ، وَمُصِيبٌ مَا أَرَادَ أَلا وَإِنِّي رَاحِلٌ غَدًا فَارْتَحِلُوا، أَلا وَلا يَرْتَحِلَنَّ غدا احد اعان على عثمان بِشَيْءٍ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ النَّاسِ، وَلْيُغْنِ السُّفَهَاءُ عَنِّي أَنْفُسَهُمْ.
فَاجْتَمَعَ نَفَرٌ، مِنْهُمْ عِلْبَاءُ بْنُ الْهَيْثَمِ، وَعَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ، وَسَالِمُ بْنُ ثَعْلَبَةَ الْعَبْسِيُّ، وَشُرَيْحُ بْنُ أَوْفَى بْنِ ضُبَيْعَةَ، وَالأَشْتَرُ، فِي عِدَّةٍ مِمَّنْ سَارَ إِلَى عُثْمَانَ.
ورضى بسير من سار، وجاء معهم الْمِصْرِيُّونَ: ابْنُ السَّوْدَاءِ وَخَالِدُ بْنُ مُلْجِمٍ وَتَشَاوَرُوا، فَقَالُوا: مَا الرَّأْيُ؟ وَهَذَا وَاللَّهِ عَلِيٌّ، وَهُوَ أَبْصَرُ النَّاسِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَقْرَبُ مِمَّنْ يَطْلُبُ قَتَلَةَ عُثْمَانَ وَأَقْرَبُهُمْ إِلَى الْعَمَلِ بِذَلِكَ، وَهُوَ يَقُولُ مَا يَقُولُ، وَلَمْ يَنْفِرْ إِلَيْهِ إِلا هُمْ وَالْقَلِيلُ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَكَيْفَ بِهِ إِذَا شَامَ الْقَوْمَ وَشَامُوهُ، وَإِذَا رَأَوْا قِلَّتَنَا فِي كَثْرَتِهِمْ! أَنْتُمْ وَاللَّهِ تُرَادُونَ، وَمَا أَنْتُمْ بِأَنْجَى مِنْ شَيْءٍ فَقَالَ الأَشْتَرُ: أَمَّا طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ فَقَدْ عَرَفْنَا أَمْرَهُمَا، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَلَمْ نَعْرِفْ أَمْرَهُ حَتَّى كَانَ الْيَوْمُ، وَرَأْيُ النَّاسِ فِينَا وَاللَّهُ وَاحِدٌ، وَإِنْ يَصْطَلِحُوا وَعَلِيٌّ فَعَلَى دِمَائِنَا، فَهَلُمُّوا فَلْنَتَوَاثَبَ عَلَى عَلِيٍّ فَنُلْحِقَهُ بِعُثْمَانَ، فَتَعُودَ فِتْنَةً يُرْضَى مِنَّا فِيهَا بِالسُّكُونِ.
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّوْدَاءِ: بِئْسَ الرَّأْيُ رَأَيْتَ! أَنْتُمْ يَا قَتَلَةَ عُثْمَانَ مِنْ أَهْلِ الكوفه بذى قار الفان وخمسمائة او نحو من ستمائه، وَهَذَا ابْنُ الْحَنْظَلِيَّةِ وَأَصْحَابُهُ فِي خَمْسَةِ آلافٍ بِالأَشْوَاقِ إِلَى أَنْ يَجِدُوا إِلَى قِتَالِكُمْ سَبِيلا، فَارْقَأْ عَلَى ظلعك.
وَقَالَ عِلْبَاءُ بْنُ الْهَيْثَمِ: انْصَرِفُوا بِنَا عَنْهُمْ وَدَعُوهُمْ، فَإِنْ قَلُّوا كَانَ أَقْوَى لِعَدُوِّهِمْ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَثُرُوا كَانَ أَحْرَى أَنْ يَصْطَلِحُوا عَلَيْكُمْ، دَعُوهُمْ وَارْجِعُوا فَتَعَلَّقُوا بِبَلَدٍ مِنَ الْبُلْدَانِ حَتَّى يَأْتِيَكُمْ فِيهِ مَنْ تَتَّقُونَ بِهِ، وَامْتَنِعُوا مِنَ النَّاسِ.
فَقَالَ ابْنُ السَّوْدَاءِ: بِئْسَ مَا رَأَيْتَ! وَدَّ وَاللَّهِ النَّاسُ أَنَّكُمْ عَلَى جَدِيلَةٍ، وَلَمْ تَكُونُوا مَعَ أَقْوَامٍ براء، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الَّذِي تَقُولُ لَتَخَطَّفَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ.
فَقَالَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ: وَاللَّهِ مَا رَضِيتُ وَلا كَرِهْتُ، وَلَقَدْ عَجِبْتُ مِنْ تَرَدُّدِ مَنْ تَرَدَّدَ عَنْ قَتْلِهِ فِي خَوْضِ الْحَدِيثِ، فَأَمَّا إِذْ وَقَعَ مَا وَقَعَ وَنَزَلَ مِنَ النَّاسِ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ، فَإِنَّ لَنَا عَتَادًا مِنْ خُيُولٍ وَسِلاحٍ مَحْمُودًا، فَإِنْ أَقْدَمْتُمْ أَقْدَمْنَا وَإِنْ أَمْسَكْتُمْ أَحْجَمْنَا فَقَالَ ابْنُ السَّوْدَاءِ: أَحْسَنْتَ! وَقَالَ سَالمُ بْنُ ثَعْلَبَةَ: مَنْ كَانَ أَرَادَ بِمَا أَتَى الدُّنْيَا فَإِنِّي لَمْ أُرِدْ ذَلِكَ، وَاللَّهِ لَئِنْ لَقِيتُهُمْ غَدًا لا أَرْجِعُ إِلَى بَيْتِي، وَلَئِنْ طَالَ بَقَائِي إِذَا أَنَا لاقَيْتُهُمْ لا يَزِدْ عَلَى جَزْرِ جَزُورٍ وَأَحْلِفُ بِاللَّهِ إِنَّكُمْ لَتَفْرِقُونَ السُّيُوفَ فَرْقَ قَوْمٍ لا تَصِيرُ أُمُورُهُمْ إلا إِلَى السَّيْفِ فَقَالَ ابْنُ السَّوْدَاءِ: قَدْ قَالَ قَوْلا.
وَقَالَ شُرَيْحُ بْنُ أَوْفَى: أَبْرِمُوا أُمُورَكُمْ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجُوا، وَلا تُؤَخِّرُوا أَمْرًا يَنْبَغِي لَكُمْ تَعْجِيلُهُ، وَلا تُعَجِّلُوا أَمْرًا يَنْبَغِي لَكُمْ تَأْخِيرُهُ، فَإِنَّا عِنْدَ النَّاسِ بِشَرِّ الْمَنَازِلِ، فَلا أَدْرِي مَا النَّاسُ صَانِعُونَ غَدًا إِذَا ما هم التقوا! وتكلم ابْنُ السَّوْدَاءِ فَقَالَ: يَا قَوْمُ، إِنَّ عِزَّكُمْ فِي خُلْطَةِ النَّاسِ، فَصَانِعُوهُمْ، وَإِذَا الْتَقَى النَّاسُ غَدًا فَأَنْشِبُوا الْقِتَالَ، وَلا تُفَرِّغُوهُمْ لِلنَّظَرِ، فَإِذَا مَنْ أَنْتُمْ مَعَهُ لا يَجِدُ بُدًّا مِنْ أَنْ يَمْتَنِعَ، ويشغل اللَّهُ عَلِيًّا وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَمَنْ رَأَى رَأْيَهُمْ عَمَّا تَكْرَهُونَ فَأَبْصِرُوا الرَّأْيَ، وَتَفَرَّقُوا عَلَيْهِ وَالنَّاسُ لا يَشْعُرُونَ.
وَأَصْبَحَ عَلِيٌّ عَلَى ظَهْرٍ، فَمَضَى وَمَضَى النَّاسُ حَتَّى إِذَا انْتَهَى إِلَى عَبْدِ الْقَيْسِ نَزَلَ بِهِمْ وَبِمَنْ خَرَجَ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَهُمْ أَمَامَ ذَلِكَ، ثم ارتحل حَتَّى نَزَلَ عَلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ وَهُمْ أَمَامَ ذَلِكَ، وَالنَّاسُ مُتَلاحِقُونَ بِهِ وَقَدْ قَطَعَهُمْ، وَلَمَّا بَلَغَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ رَأْيُهُمْ وَنَزَلَ عَلِيٌّ بِحَيْثُ نزل، قام ابو الجرباء الى الزبير ابن الْعَوَّامِ فَقَالَ: إِنَّ الرَّأْيَ أَنْ تَبْعَثَ الآنَ أَلْفَ فَارِسٍ فَيُمَسُّوا هَذَا الرَّجُلَ وَيُصَبِّحُوهُ قَبْلَ أَنْ يُوَافِيَ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: يَا أَبَا الْجَرْبَاءِ، إِنَّا لَنَعْرِفُ أُمُورَ الْحَرْبِ، وَلَكِنَّهُمْ أَهْلُ دَعْوَتِنَا، وَهَذَا أَمْرٌ حَدَثَ فِي أَشْيَاءَ لَمْ تَكُنْ قَبْلَ الْيَوْمِ، هَذَا أَمْرٌ مَنْ لَمْ يَلْقَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ بِعُذْرٍ انْقَطَعَ عُذْرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ إِنَّهُ قَدْ فَارَقَنَا وَافِدُهُمْ عَلَى أَمْرٍ، وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يَتِمَّ لَنَا الصُّلْحُ، فَأَبْشِرُوا وَاصْبِرُوا.
وَأَقْبَلَ صَبْرَةُ بْنُ شَيْمَانَ فَقَالَ: يَا طَلْحَةُ، يَا زُبَيْرُ، انتهز ابنا هَذَا الرَّجُلَ فَإِنَّ الرَّأْيَ فِي الْحَرْبِ خَيْرٌ مِنَ الشِّدَّةِ فَقَالا: يَا صَبْرَةُ إِنَّا وَهُمْ مُسْلِمُونَ، وَهَذَا أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ الْيَوْمِ فَيَنْزِلُ فِيهِ قُرْآنٌ، أَوْ يَكُونُ فِيهِ مِنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم سُنَّةٌ، إِنَّمَا هُوَ حَدَثٌ وَقَدْ زَعَمَ قَوْمٌ أَنَّهُ لا يَنْبَغِي تَحْرِيكُهُ الْيَوْمَ.
وَهُمْ عَلِيٌّ وَمَنْ مَعَهُ، فَقُلْنَا: نَحْنُ لا يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتْرُكَهُ الْيَوْمَ وَلا نُؤَخِّرَهُ فَقَالَ عَلِيٌّ: هَذَا الَّذِي نَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ مِنْ إِقْرَارِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ شَرٌّ وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ شَرٍّ مِنْهُ، وَهُوَ كَأَمْرٍ لا يُدْرَكُ، وَقَدْ كَادَ أَنْ يَبِينَ لَنَا، وَقَدْ جَاءَتِ الأَحْكَامُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِإِيثَارِ أَعَمِّهَا مَنْفَعَةً وَأَحْوَطِهَا وَأَقْبَلَ كَعْبُ بْنُ سُورٍ فَقَالَ: مَا تَنْتَظِرُونَ يَا قَوْمُ بَعْدُ تُورِدُكُمْ أَوَائِلَهُمْ! اقْطَعُوا هَذَا الْعُنُقَ مِنْ هَؤُلاءِ فَقَالُوا: يَا كَعْبُ، إِنَّ هَذَا أَمْرٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا، وَهُوَ أَمْرٌ مُلْتَبِسٌ، لا وَاللَّهِ ما أخذ اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم مُذْ بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ طَرِيقًا إِلا عَلِمُوا أَيْنَ مَوَاقِعُ أَقْدَامِهِمْ، حَتَّى حَدَثَ هَذَا فَإِنَّهُمْ لا يَدْرُونَ أَمُقْبِلُونَ هُمْ أَمْ مُدْبِرُونَ! إِنَّ الشَّيْءَ يَحْسُنُ عِنْدَنَا الْيَوْمَ وَيَقْبُحُ عِنْدَ إِخْوَانِنَا، فَإِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ قَبُحَ عِنْدَنَا وَحَسُنَ عِنْدَهُمْ، وَإِنَّا لَنَحْتَجُّ عَلَيْهِمْ بِالْحُجَّةِ فَلا يَرَوْنَهَا حُجَّةً، ثُمَّ يَحْتَجُّونَ بِهَا عَلَى أَمْثَالِهَا، وَنَحْنُ نَرْجُو الصُّلْحَ إِنْ أَجَابُوا إِلَيْهِ وَتَمُّوا، وَإِلا فَإِنَّ آخِرَ الدَّوَاءِ الْكَيُّ.
وَقَامَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَقْوَامٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ يَسْأَلُونَهُ عَنْ إِقْدَامِهِمْ عَلَى الْقَوْمِ، فَقَامَ إِلَيْهِ فِيمَنْ قَامَ الأَعْوَرُ بْنُ بَنَّانٍ الْمِنْقَرِيُّ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: عَلَى الإِصْلاحِ وَإِطْفَاءِ النَّائِرَةِ، لَعَلَّ اللَّهَ يَجْمَعُ شَمْلَ هَذِهِ الأُمَّةِ بِنَا وَيَضَعُ حَرْبَهُمْ، وَقَدْ أَجَابُونِي، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يُجِيبُونَا؟ قَالَ: تَرَكْنَاهُمْ مَا تَرَكُونَا، قَالَ: فان لَمْ يَتْرُكُونَا؟ قَالَ: دَفَعْنَاهُمْ عَنْ أَنْفُسِنَا، قَالَ: فَهَلْ لَهُمْ مِثْلُ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ وَقَامَ إِلَيْهِ أَبُو سَلامَةَ الدَّالانِيُّ فَقَالَ: أَتَرَى لِهَؤُلاءِ الْقَوْمِ حُجَّةً فِيمَا طَلَبُوا مِنْ هَذَا الدَّمِ، إِنْ كَانُوا أَرَادُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَتَرَى لَكَ حُجَّةً بِتَأْخِيرِكَ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ الشَّيْءَ إِذَا كَانَ لا يُدْرَكُ فَالْحُكْمُ فِيهِ أَحْوَطُهُ وَأَعَمُّهُ نَفْعًا، قَالَ: فَمَا حَالُنَا وَحَالُكُمْ إِنِ ابْتُلِينَا غَدًا؟ قَالَ: إِنِّي لأَرْجُو أَلا يُقْتَلَ أَحَدٌ نَقَّى قَلْبَهُ لِلَّهِ مِنَّا وَمِنْهُمْ إِلا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ.
وَقَامَ إِلَيْهِ مَالِكُ بْنُ حَبِيبٍ، فَقَالَ: مَا أَنْتَ صَانِعٌ إِذَا لَقِيتَ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ؟ قَالَ: قَدْ بَانَ لَنَا وَلَهُمْ أَنَّ الإِصْلاحَ الْكَفُّ عَنْ هَذَا الأَمْرِ، فَإِنْ بَايَعُونَا فَذَلِكَ، فَإِنْ أَبَوْا وَأَبَيْنَا إِلا الْقِتَالَ فَصَدْعٌ لا يَلْتَئِمُ، قَالَ: فَإِنِ ابْتُلِينَا فَمَا بَالُ قَتْلانَا؟ قَالَ: مَنْ أَرَادَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَفَعَهُ ذَلِكَ وَكَانَ نَجَاءَهُ وَقَامَ عَلِيٌّ، فَخَطَبَ النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: يَا ايها الناس، املكوا انفسكم، كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَلْسِنَتَكُمْ عَنْ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ، فَإِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَاصْبِرُوا عَلَى مَا يَأْتِيكُمْ، وَإِيَّاكُمْ أَنْ تَسْبِقُونَا فَإِنَّ الْمَخْصُومَ غَدًا مَنْ خُصِمَ الْيَوْمَ.
ثُمَّ ارْتَحَلَ وَأَقْدَمَ وَدَفَعَ تَعْبِيتَهُ الَّتِي قَدِمَ فِيهَا حَتَّى إِذَا أَطَلَّ عَلَى الْقَوْمِ بَعَثَ إِلَيْهِمْ حَكِيمَ بْنَ سَلامَةَ وَمَالِكَ بْنَ حَبِيبٍ: إِنْ كُنْتُمْ عَلَى مَا فَارَقْتُمْ عَلَيْهِ الْقَعْقَاعَ ابن عَمْرٍو فَكُفُّوا وَأَقِرُّونَا نَنْزِلُ وَنَنْظُرُ فِي هَذَا الأَمْرِ.
فَخَرَجَ إِلَيْهِ الأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ وَبَنُو سعد مشمرين، قد منعوا حرقوص ابن زُهَيْرٍ، وَلا يَرَوْنَ الْقِتَالَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يَا عَلِيُّ، إِنَّ قَوْمَنَا بِالْبَصْرَةِ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ إِنْ ظَهَرْتَ عَلَيْهِمْ غَدًا إِنَّكَ تَقْتُلُ رِجَالَهُمْ وَتُسْبِي نِسَاءَهُمْ.
فَقَالَ: مَا مِثْلِي يُخَافُ هَذَا مِنْهُ، وَهَلْ يَحِلُّ هَذَا إِلا مِمَّنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ، أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى قول الله عز وجل: {لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ* إِلاَّ مَن تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ} [الغاشيه: 22-23] ، وَهُمْ قَوْمٌ مُسْلِمُونَ!] هَلْ أَنْتَ مُغْنٍ عَنِّي قَوْمَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَاخْتَرْ مِنِّي وَاحِدَةً مِنْ ثِنْتَيْنِ، إِمَّا أَنْ أَكُونَ آتِيكَ فَأَكُونَ مَعَكَ بِنَفْسِي، وَإِمَّا أَنْ أَكُفَّ عَنْكَ عَشَرَةَ آلافِ سَيْفٍ فَرَجَعَ إِلَى النَّاسِ فَدَعَاهُمْ إِلَى الْقُعُودِ وَقَدْ بَدَأَ فَقَالَ: يال خندف، فأجابه ناس، ثم نادى يال تميم! فأجابه ناس، ثم نادى: يال سعد، فَلَمْ يَبْقَ سَعْدِيٌّ إِلا أَجَابَهُ، فَاعْتَزَلَ بِهِمْ، ثُمَّ نَظَرَ مَا يَصْنَعُ النَّاسُ، فَلَمَّا وَقَعَ الْقِتَالُ وَظَفَرَ عَلِيٌّ جَاءُوا وَافِرِينَ، فَدَخَلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ.
وَأَمَّا الَّذِي يَرْوِيهِ الْمُحَدِّثُونَ مِنْ أَمْرِ الأَحْنَفِ، فَغَيْرُ مَا رَوَاهُ سَيْفٌ عَمَّنْ ذَكَرَ مِنْ شُيُوخِهِ وَالَّذِي يَرْوِيهِ الْمُحَدِّثُونَ مِنْ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ حُصَيْنًا يَذْكُرُ عَنْ عَمْرِو بْنِ جَاوَانَ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَنَحْنُ نُرِيدُ الْحَجَّ، فَإِنَّا لَبِمَنَازِلِنَا نَضَعُ رِحَالَنَا إِذْ أَتَانَا آتٍ فَقَالَ: قَدْ فَزِعُوا وَقَدِ اجْتَمَعُوا فِي الْمَسْجِدِ، فَانْطَلَقْنَا فَإِذَا النَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَى نَفَرٍ فِي وَسَطِ الْمَسْجِدِ، وَإِذَا عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ وَطَلْحَةُ وسعد بن ابى وقاص، وانا لكذلك إِذْ جَاءَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَقِيلَ: هَذَا عُثْمَانُ قَدْ جَاءَ وَعَلَيْهِ مُلَيْئَةٌ لَهُ صَفْرَاءُ قَدْ قَنَّعَ بِهَا رَأْسَهُ، فَقَالَ: أَهَاهُنَا عَلِيٌّ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: أَهَاهُنَا الزُّبَيْرُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: أَهَاهُنَا طَلْحَةُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ، أَتَعْلَمُون ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ يَبْتَعْ مِرْبَدَ بَنِي فُلانٍ غَفَرَ الله له، فابتعته بعشرين او بخمسه وعشرين ألفا، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدِ ابْتَعْتُهُ، قَالَ: اجْعَلْهُ فِي مَسْجِدِنَا وَأَجْرُهُ لَكَ!» قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، وَذَكَرَ أَشْيَاءَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ قَالَ الأَحْنَفُ: فَلَقِيتُ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ فَقُلْتُ: مَنْ تَأْمُرَانِي بِهِ وَتَرْضَيَانِهِ لِي؟ فَإِنِّي لا أَرَى هَذَا الرَّجُلَ إِلا مَقْتُولا، قَالا: عَلِيٌّ؟ قُلْتُ: أَتَأْمُرَانِي بِهِ وَتَرْضَيَانِهِ لِي؟ قَالا: نَعَمْ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى قَدِمْتُ مَكَّةَ، فَبَيْنَا نَحْنُ بِهَا إِذْ أَتَانَا قَتْلُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبِهَا عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَلَقِيتُهَا فَقُلْتُ: مَنْ تَأْمُرِينِي أَنْ أُبَايِعَ؟ قَالَتْ: عَلِيٌّ، قُلْتُ: تَأْمُرِينَنِي بِهِ وَتَرْضِينَهُ لِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَمَرَرْتُ عَلَى عَلِيٍّ بِالْمَدِينَةِ فَبَايَعْتُهُ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى أَهْلِي بِالْبَصْرَةِ وَلا أَرَى الأَمْرَ إِلا قَدِ اسْتَقَامَ، قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ، إِذْ آتَانِي آتٍ فَقَالَ: هَذِهِ عَائِشَةُ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ قَدْ نَزَلُوا جَانِبَ الْخُرَيْبَةِ، فَقُلْتُ: مَا جَاءَ بِهِمْ؟ قَالُوا: أَرْسَلُوا إِلَيْكَ يَدْعُونَكَ يَسْتَنْصِرُونَ بِكَ عَلَى دَمِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَتَانِي أَفْظَعُ أَمْرٍ أَتَانِي قَطُّ! فَقُلْتُ: إِنَّ خُذْلانِي هَؤُلاءِ وَمَعَهُمْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وحوارى رسول الله صلى الله عليه وسلم لَشَدِيدٌ، وَإِنَّ قِتَالِي رَجُلا ابْنَ عَمِّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَدْ أَمَرُونِي بِبَيْعَتِهِ لَشَدِيدٌ فَلَمَّا أَتَيْتُهُمْ قَالُوا: جِئْنَا لِنَسْتَنْصِرَ عَلَى دَمِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قُتِلَ مَظْلُومًا، فَقُلْتُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْشُدُكِ بِاللَّهِ أَقُلْتُ لَكِ: مَنْ تَأْمُرِينِي بِهِ؟ فقلت: على؟ فقلت: اتامريننى بِهِ وَتَرْضِينَهُ لِي؟ قُلْتِ نَعَمْ! قَالَتْ: نَعَمْ، وَلَكِنَّهُ بَدَّلَ فَقُلْتُ: يَا زُبَيْرُ يَا حَوَارِيَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، يَا طَلْحَةُ، أَنْشُدُكُمَا اللَّهَ، أَقُلْتُ لَكُمَا: مَا تَأْمُرَانِي فَقُلْتُمَا: عَلِيٌّ؟ فَقُلْتُ: أَتَأْمُرَانِي بِهِ وَتَرْضَيَانِهِ لِي؟ فَقُلْتُمَا نَعَمْ! قَالا: نَعَمْ، وَلَكِنَّهُ بَدَّلَ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لا أُقَاتِلُكُمْ وَمَعَكُمْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وحوارى رسول الله صلى الله عليه وسلم وَلا أُقَاتِلُ رَجُلا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَمَرْتُمُونِي بِبَيْعَتِهِ، اخْتَارُوا مِنِّي وَاحِدَةً مِنْ ثَلاثِ خِصَالٍ: إِمَّا أَنْ تَفْتَحُوا لِي الْجِسْرَ فَأَلْحَقَ بِأَرْضِ الأَعَاجِمِ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَمْرِهِ مَا قَضَى، أَوْ أَلْحَقُ بِمَكَّةَ فَأَكُونُ فِيهَا حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ أَمْرِهِ مَا قَضَى، أَوْ أَعْتَزِلَ فَأَكُونُ قَرِيبًا.
قَالُوا: إِنَّا نَأْتَمِرُ، ثُمَّ نُرْسِلُ إِلَيْكَ فَائْتَمَرُوا فَقَالُوا: نَفْتَحُ لَهُ الْجِسْرَ وَيُخْبِرُهُمْ بِأَخْبَارِكُمْ! ليس ذاكم براى، اجعلوه هاهنا قَرِيبًا حَيْثُ تَطَئُونَ عَلَى صِمَاخِهِ وَتَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَاعْتَزَلَ بِالْجَلْحَاءِ مِنَ الْبَصْرَةِ عَلَى فَرْسَخَيْنِ، فَاعْتَزَلَ مَعَهُ زُهَاءً عَلَى سِتَّةِ آلافٍ.
ثُمَّ الْتَقَى الْقَوْمُ فَكَانَ أَوَّلَ قَتِيلٍ طَلْحَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَعْبُ بْنُ سُورٍ مَعَهُ الْمُصْحَفُ يُذَكِّرُ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ، حَتَّى قُتِلَ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ، وَلَحِقَ الزُّبَيْرُ بِسَفَوَانَ، مِنَ الْبَصْرَةِ كَمَكَانِ الْقَادِسِيَّةِ مِنْكُمْ، فَلَقِيَهُ النَّعْرُ، رَجُلٌ مِنْ مُجَاشِعٍ، فَقَالَ: اين تذهب يا حوارى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إِلَيَّ فَأَنْتَ فِي ذِمَّتِي لا يُوصَلُ إِلَيْكَ، فَأَقْبَلَ مَعَهُ، فَأَتَى الأَحْنَفَ خَبْرُهُ فَقِيلَ: ذَاكَ الزُّبَيْرُ قَدْ لُقِيَ بِسَفَوَانَ فَمَا تَأْمُرُ؟ قَالَ: جَمَعَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى ضَرَبَ بَعْضَهُمْ حَوَاجِبَ بَعْضٍ بِالسُّيُوفِ ثُمَّ يَلْحَقُ بِبَيْتِهِ، فَسَمِعَهُ عُمَيْرُ بْنُ جُرْمُوزٍ وَفَضَالَةُ بْنُ حَابِسٍ، وَنُفَيْعٌ، فَرَكِبُوا فِي طَلَبِهِ، فَلَقُوهُ مَعَ النَّعْرِ، فَأَتَاهُ عُمَيْرُ بْنُ جُرْمُوزٍ مِنْ خَلْفِهِ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لَهُ ضَعِيفَةٍ، فَطَعَنَهُ طَعْنَةً خَفِيفَةً، وَحَمَلَ عَلَيْهِ الزُّبَيْرُ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ ذُو الْخِمَارِ، حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَاتِلُهُ نَادَى عُمَيْرُ بْنُ جُرْمُوزٍ: يَا نَافِعُ، يَا فَضَالَةُ، فَحَمَلُوا عَلَيْهِ فقتلوه.
حدثنى يعقوب بن ابراهيم، قال: معتمر بن سليمان، قال: نبانى أَبِي، عَنْ حُصَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ جَاوَانَ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، وَذَاكَ أَنِّي قُلْتُ لَهُ: أَرَأَيْتَ اعْتِزَالَ الأَحْنَفِ مَا كَانَ؟ فَقَالَ: سَمِعْتُ الأَحْنَفَ يَقُولُ: أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ وَأَنَا حَاجٌّ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا قَضَى وَحَكَمَ.