8 هـ
630 م
مَسِيرُ خَالِدِ بْنِ الْوَلَيدِ بَعْدَ الْفَتْحِ إلَى بَنِي جَذِيمَةَ مِنْ كِنَانَةَ وَمَسِيرُ عَلِيّ لِتَلَافِي خطأ خَالِد

مَسِيرُ خَالِدِ بْنِ الْوَلَيدِ بَعْدَ الْفَتْحِ إلَى بَنِي جَذِيمَةَ مِنْ كِنَانَةَ وَمَسِيرُ عَلِيّ لِتَلَافِي خطأ خَالِد …


وصاة الرَّسُول لَهُ:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا حَوْلَ مَكّةَ السّرَايَا تَدْعُو إلَى اللهِ عَزّ وَجَلّ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِقِتَالِ وَكَانَ مِمّنْ بَعَثَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَسِيرَ بِأَسْفَلَ تِهَامَةَ دَاعِيًا، وَلَمْ يَبْعَثْهُ مُقَاتِلًا، فَوَطِئَ بَنِي جَذِيمَةَ فَأَصَابَ مِنْهُمْ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَالَ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السّلَمِيّ فِي ذَلِكَ

فَإِنْ تَكُ قَدْ أَمّرْت فِي الْقَوْمِ خَالِدًا *** وَقَدّمْته فَإِنّهُ قَدْ تَقَدّمَا
بِجُنْدِ هَدَاهُ اللهُ أَنْتَ أَمِيرُهُ *** نُصِيبُ بِهِ فِي الْحَقّ مَنْ كَانَ أَظْلَمَا

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ فِي حَدِيثِ يَوْمِ حُنَيْنٍ، سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللهُ فِي مَوْضِعِهَا.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي حَكِيمُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ عَبّادِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمّدِ بْنِ عَلِيّ، قَالَ:
بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ حِينَ افْتَتَحَ مَكّةَ دَاعِيًا، وَلَمْ يَبْعَثْهُ مُقَاتِلًا،
وَمَعَهُ قَبَائِلُ مِنْ الْعَرَبِ: سُلَيْمُ بْنُ مَنْصُورٍ وَمُدْلِجُ بْنُ مُرّةَ فَوَطِئُوا بَنِي جَذِيمَةَ بْنَ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ فَلَمّا رَآهُ الْقَوْمُ أَخَذُوا السّلَاحَ فَقَالَ خَالِدٌ ضَعُوا السّلَاحَ فَإِنّ النّاسَ قَدْ أَسْلَمُوا.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ قَالَ لَمّا أَمَرَنَا خَالِدٌ أَنْ نَضَعَ السّلَاحَ قَالَ رَجُلٌ مِنّا يُقَالُ لَهُ جَحْدَمٌ وَيْلَكُمْ يَا بَنِي جَذِيمَةَ إنّهُ خَالِدٌ وَاَللهِ مَا بَعْدَ وَضْعِ السّلَاحِ إلّا الْإِسَارُ وَمَا بَعْدَ الْإِسَارِ إلّا ضَرْبُ الْأَعْنَاقِ وَاَللهِ لَا أَضَعُ سِلَاحِي أَبَدًا. قَالَ فَأَخَذَهُ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِهِ فَقَالُوا: يَا جَحْدَمُ أَتُرِيدُ أَنْ تَسْفِكَ دِمَاءَنَا؟ إنّ النّاسَ قَدْ أَسْلَمُوا وَوَضَعُوا السّلَاحَ وَوُضِعَتْ الْحَرْبُ وَأَمِنَ النّاسُ فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتّى نَزَعُوا سِلَاحَهُ وَوَضَعَ الْقَوْمُ السّلَاحَ لِقَوْلِ خَالِدٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي حَكِيمُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمّدِ بْنِ عَلِيّ، قَالَ:
فَلَمّا وَضَعُوا السّلَاحَ أَمَرَ بِهِمْ خَالِدٌ عِنْدَ ذَلِكَ فَكُتّفُوا، ثُمّ عَرَضَهُمْ عَلَى
السّيْفِ فَقَتَلَ مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ فَلَمّا انْتَهَى الْخَبَرُ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ إلَى السّمَاءِ ثُمّ قَالَ «اللهُمّ إنّي أَبْرَأُ إلَيْك مِمّا صَنَعَ خَالِدُ بن الْوَلِيد»
غضب الرَّسُول مِمَّا فعل خَالِد وإرساله عليا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّهُ حُدّثَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَحْمُودِيّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «رَأَيْت كَأَنّي لَقَمْت لُقْمَةً مِنْ حَيْسٍ فَالْتَذَذْت طَعْمَهَا، فَاعْتَرَضَ فِي حَلْقِي مِنْهَا شَيْءٌ حِينَ ابْتَلَعْتهَا، فَأَدْخَلَ عَلِيّ يَدَهُ فَنَزَعَهُ» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللهِ هَذِهِ سَرِيّةٌ مِنْ سَرَايَاك تَبْعَثُهَا، فَيَأْتِيك مِنْهَا بَعْضُ مَا تُحِبّ، وَيَكُونُ فِي بَعْضِهَا اعْتِرَاضٌ فَتَبْعَثُ عَلِيّا فَيُسَهّلُهُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي أَنّهُ انْفَلَتَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «هَلْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ؟» فَقَالَ نَعَمْ قَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِ رَجُلٌ أَبْيَضُ رَبْعَةٌ فَنَهَمَهُ خَالِدٌ فَسَكَتَ عَنْهُ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ طَوِيلٌ مُضْطَرِبٌ فَرَاجَعَهُ فَاشْتَدّتْ مُرَاجَعَتُهُمَا ; فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ: أَمّا الْأَوّلُ يَا رَسُولَ اللهِ فَابْنِي عَبْدُ اللهِ وَأَمّا الْآخَرُ فَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي حَكِيمُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمّدِ بْنِ عَلِيّ قَالَ ثُمّ دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ فَقَالَ «يَا عَلِيّ، اُخْرُجْ إلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ فَانْظُرْ فِي أَمْرِهِمْ وَاجْعَلْ أَمْرَ الْجَاهِلِيّةِ تَحْتَ قَدَمَيْك». فَخَرَجَ عَلِيّ حَتّى جَاءَهُمْ وَمَعَهُ مَالٌ قَدْ بَعَثَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَدَى لَهُمْ الدّمَاءَ وَمَا أُصِيبَ لَهُمْ مِنْ الْأَمْوَالِ حَتّى إنّهُ لَيُدْنِي لَهُمْ مِيلَغَةَ الْكَلْبِ حَتّى إذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ وَلَا مَالٍ إلّا وَدَاهُ بَقِيَتْ مَعَهُ بَقِيّةٌ مِنْ الْمَالِ فَقَالَ لَهُمْ عَلِيّ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ حِينَ فَرَغَ مَعَهُمْ هَلْ بَقِيَ لَكُمْ بَقِيّةٌ مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ لَمْ يُودَ لَكُمْ؟ قَالُوا: لَا. قَالَ فَإِنّي أُعْطِيكُمْ هَذِهِ الْبَقِيّةَ مِنْ هَذَا الْمَالِ احْتِيَاطًا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمّا يَعْلَمُ وَلَا تَعْلَمُونَ فَفَعَلَ. ثُمّ رَجَعَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ فَقَالَ «أَصَبْت وَأَحْسَنْت». قَالَ ثُمّ قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ قَائِمًا شَاهِرًا يَدَيْهِ حَتّى إنّهُ لَيُرَى مِمّا تَحْتَ مَنْكِبَيْهِ يَقُولُ «اللهُمّ إنّي أَبْرَأُ إلَيْك مِمّا صَنَعَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ثَلَاث مَرَّات»
معذرة خَالِد فِي قتال الْيَوْم
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَنْ يَعْذُرُ خَالِدًا إنّهُ قَالَ مَا قَاتَلْت حَتّى أَمَرَنِي بِذَلِكَ عَبْدُ اللهِ بْنُ حُذَافَةَ السّهْمِيّ، وَقَالَ إنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَك أَنْ تُقَاتِلَهُمْ لِامْتِنَاعِهِمْ مِنْ الْإِسْلَامِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَالَ أَبُو عَمْرٍو الْمَدَنِيّ: لَمّا أَتَاهُمْ خَالِدٌ قَالُوا: صبأنا صبأنا.
مَا كَانَ بَيْنَ خَالِد وَبَين عبد الرَّحْمَن وزجر الرَّسُول لخَالِد
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:
وَقَدْ كَانَ جَحْدَمُ قَالَ لَهُمْ حِينَ وَضَعُوا السّلَاحَ وَرَأَى مَا يَصْنَعُ خَالِدٌ بِبَنِي جَذِيمَةَ يَا بَنِي جَذِيمَةَ ضَاعَ الضّرْبُ، قَدْ كُنْت حَذّرْتُكُمْ مَا وَقَعْتُمْ فِيهِ. قَدْ كَانَ بَيْنَ خَالِدٍ وَبَيْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، فِيمَا بَلَغَنِي، الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: عَمِلْت بِأَمْرِ الْجَاهِلِيّةِ فِي الْإِسْلَامِ. فَقَالَ إنّمَا ثَأَرْت بِأَبِيك. فَقَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ كَذَبْت، قَدْ قَتَلْت قَاتِلَ أَبِي، وَلَكِنّك ثَأَرْت بِعَقّك الْفَاكِهَ بْنَ الْمُغِيرَةِ، حَتّى كَانَ بَيْنَهُمَا شَرّ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ «مَهْلًا يَا خَالِدُ دَعْ عَنْك أَصْحَابِي، فَوَاَللهِ لَوْ كَانَ لَك أُحُدٌ ذَهَبًا ثُمّ أَنْفَقْته فِي سَبِيلِ اللهِ مَا أَدْرَكْت غُدْوَةَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِي وَلَا روحته»
مَا كَانَ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَبني جذيمة من استعداد للحرب ثمَّ الصُّلْح
وَكَانَ الْفَاكِهُ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، وَعَوْفُ بْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ وَعَفّانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ قَدْ خَرَجُوا تُجّارًا إلَى الْيَمَنِ، وَمَعَ عَفّانَ ابْنُهُ عُثْمَانُ وَمَعَ عَوْفٍ ابْنُهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ فَلَمّا أَقْبَلُوا حَمَلُوا مَالَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ بْنِ عَامِرٍ كَانَ هَلَكَ بِالْيَمَنِ إلَى وَرَثَتِهِ فَادّعَاهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ خَالِدُ بْنُ هِشَامٍ وَلَقِيَهُمْ بِأَرْضِ بَنِي جَذِيمَةَ قَبْلَ أَنْ يَصِلُوا إلَى أَهْلِ الْمَيّتِ فَأَبَوْا عَلَيْهِ فَقَاتَلَهُمْ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى الْمَالِ لِيَأْخُذُوهُ وَقَاتَلُوهُ فَقُتِلَ عَوْفُ بْنُ عَبْدِ عَوْفٍ وَالْفَاكِهُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَنَجَا عَفّانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ وَابْنُهُ عُثْمَانُ وَأَصَابُوا مَالَ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَمَالَ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ عَوْفٍ فَانْطَلَقُوا بِهِ وَقَتَلَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ خَالِدَ بْنَ هِشَامٍ قَاتِلَ أَبِيهِ فَهَمّتْ قُرَيْشٌ بِغَزْوِ بَنِي جَذِيمَةَ فَقَالَتْ بَنُو جَذِيمَةَ: مَا كَانَ مُصَابُ أَصْحَابِكُمْ عَلَى مَلَإِ مِنّا، إنّمَا عَدَا عَلَيْهِمْ قَوْمٌ بِجَهَالَةِ فَأَصَابُوهُمْ وَلَمْ نَعْلَمْ فَنَحْنُ نَعْقِلُ لَكُمْ مَا كَانَ لَكُمْ قِبَلَنَا مِنْ دَمٍ أَوْ مَالٍ فَقَبِلَتْ قُرَيْشٌ ذَلِكَ وَوَضَعُوا الْحَرْبَ
شِعْرُ سَلْمَى فِيمَا بَيْنَ جَذِيمَةَ وَقُرَيْشٍ
وَقَالَ قَائِلٌ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا سَلْمَى:

وَلَوْلَا مَقَالُ الْقَوْمِ لِلْقَوْمِ أَسْلِمُوا *** لَلَاقَتْ سُلَيْمٌ يَوْمَ ذَلِكَ نَاطِحَا
لَمَاصَعَهُمْ بُسْرٌ وَأَصْحَابُ جَحْدَمٍ *** وَمُرّةُ حَتّى يَتْرُكُوا الْبَرْكَ ضَابِحَا
فَكَائِنٌ تَرَى يَوْمَ الْعَمِيصَاءِ مِنْ فَتًى *** أُصِيبَ وَلَمْ يُجْرَحْ وَقَدْ كَانَ جَارِحَا
أَلَظّتْ بِخُطّابِ الْأَيَامَى وَطَلّقَتْ *** غَدَاتَئِذٍ مِنْهُنّ مَنْ كَانَ نَاكِحَا

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ “بُسْرٌ” “وَأَلَظّتْ بِخُطّابِ” عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
شِعْرُ ابْنِ مِرْدَاسٍ فِي الرّدّ عَلَى سَلْمَى
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:
فَأَجَابَهُ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ وَيُقَالُ بَلْ الْجَحّافُ بْنُ حَكِيمٍ السّلَمِيّ:

دَعِي عَنْك تَقْوَالَ الضّلَالِ كَفَى بِنَا *** لِكَبْشِ الْوَغَى فِي الْيَوْمِ وَالْأَمْسِ نَاطِحَا
فَخَالِدُ أَوْلَى بِالتّعَذّرِ مِنْكُمْ *** غَدَاةَ عَلَا نَهْجًا مِنْ الْأَمْرِ وَاضِحَا
مُعَانًا بِأَمْرِ اللهِ يُزْجِي إلَيْكُمْ *** سَوَانِحٌ لَا تَكْبُو لَهُ وَبَوَارِحَا
نَعَوْا مَالِكًا بِالسّهْلِ لَمّا هَبَطْنَهُ *** عَوَابِسَ فِي كَابِي الْغُبَارِ كَوَالِحَا
فَإِنْ نَكُ أَثْكَلْنَاك سَلْمَى فَمَالِكٌ *** تَرَكْتُمْ عَلَيْهِ نائحات ونائحا

شعر الجحاف فِي الرَّد عَلَى سَلْمَى
قَالَ الْجَحّافُ بْنُ حَكِيمٍ السّلَمِيّ:

شَهِدْنَ مَعَ النّبِيّ مُسَوّمَاتٍ *** حُنَيْنًا وَهِيَ دَامِيَةُ الْكَلَامِ
وَغَزْوَةَ خَالِدٍ شَهِدَتْ وَجَرّتْ *** سَنَابِكَهُنّ بِالْبَلَدِ الْحَرَامِ
نَعْرِضُ لِلطّعَانِ إذَا الْتَقَيْنَا *** وُجُوهًا لَا تُعَرّضُ لِلّطَامِ
وَلَسْت بِخَالِعِ عَنّي ثِيَابِي *** إذَا هَزّ الْكُمَاةُ وَلَا أُرَامِي
وَلَكِنّي يَجُولُ الْمُهْرُ تَحْتِي *** إلَى الْعَلَوَاتِ بِالْعَضْبِ الْحُسَامِ

حَدِيثُ ابْنِ أبي حَدْرَد الْفَتى الجذمي يَوْمَ الْفَتْحِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَحَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ عَنْ الزّهْرِيّ، عَنْ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيّ قَالَ كُنْت يَوْمَئِذٍ فِي خَيْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَقَالَ لِي فَتًى مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ وَهُوَ فِي سِنّي، وَقَدْ جُمِعَتْ يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ بِرُمّةِ وَنِسْوَةٌ مُجْتَمِعَاتٌ غَيْرَ بَعِيدٍ مِنْهُ يَا فَتَى، فَقُلْت: مَا تَشَاءُ؟ قَالَ هَلْ أَنْتَ آخِذٌ بِهَذِهِ الرّمّةِ فَقَائِدِي إلَى هَؤُلَاءِ النّسْوَةِ حَتّى أَقْضِيَ إلَيْهِنّ حَاجَةً ثُمّ تَرُدّنِي بَعْدُ فَتَصْنَعُوا بِي مَا بَدَا لَكُمْ؟ قَالَ قُلْت: وَاَللهِ لَيَسِيرٌ مَا طَلَبْت. فَأَخَذْت بِرُمّتِهِ فَقُدْته بِهَا، حَتّى وَقَفَ عَلَيْهِنّ فَقَالَ اسْلَمِي حُبَيْشُ عَلَى نَفَدٍ مِنْ الْعَيْشِ

أَرَيْتُك إذْ طَالَبْتُكُمْ فَوَجَدْتُكُمْ *** بِحَلْيَةَ أَوْ أَلْفَيْتُكُمْ بِالْخَوَانِقِ
أَلَمْ يَكُ أَهْلًا أَنْ يُنَوّلَ عَاشِقٌ *** تَكَلّفَ إدْلَاجَ السّرَى وَالْوَدَائِقِ
فَلَا ذَنْبَ لِي قَدْ قُلْت إذْ أَهْلُنَا مَعًا *** أَثِيبِي بِوُدّ قَبْلَ إحْدَى الصّفَائِقِ
أَثِيبِي بِوُدّ قَبْلَ أَنْ تُشْحَطَ النّوَى *** وَيَنْأَى الْأَمِيرُ بِالْحَبِيبِ الْمُفَارِقِ
فَإِنّيَ لَا ضَيّعْت سِرّ أَمَانَةٍ *** وَلَا رَاقَ عَيْنِي عَنْك بُعْدَك رَائِقِ
سِوَى أَنّ مَا نَالَ الْعَشِيرَةَ شَاغِلٌ *** عَنْ الْوُدّ إلّا أَنْ يَكُونَ التّوَامُقِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ الْبَيْتَيْنِ الْآخَرَيْنِ مِنْهَا لَهُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ عَنْ
الزّهْرِيّ عَنْ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيّ
[قَالَ] قَالَتْ: وَأَنْت فَحُيّيت سَبْعًا وَعَشْرًا وِتْرًا وَثَمَانِيًا تَتْرَى قَالَ ثُمّ انْصَرَفْت بَهْ فَضَرَبْت عُنُقَهُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَحَدّثَنِي أَبُو فِرَاسِ بْنُ أَبِي سُنْبُلَةَ الْأَسْلَمِيّ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْهُمْ عَمّنْ كَانَ حَضَرَهَا مِنْهُمْ قَالُوا: فَقَامَتْ إلَيْهِ حِينَ ضُرِبَتْ عُنُقُهُ فَأَكَبّتْ عَلَيْهِ فَمَا زَالَتْ تُقَبّلُهُ حَتّى مَاتَتْ عِنْدَهُ.
شِعْرُ رَجُلٌ مِنْ بني جذيمة يَوْم الْفَتْح
قَالَ ابْن إِسْحَاق: وَقَالَ رجل من بَنِي جَذِيمَةَ

جَزَى اللهُ عَنّا مُدْلِجًا حَيْثُ أَصْبَحَتْ *** جَزَاءَةَ بُوسَى حَيْثُ سَارَتْ وَحَلّتْ
أَقَامُوا عَلَى أَقْضَاضِنَا يَقْسِمُونَهَا *** وَقَدْ نَهِلَتْ فِينَا الرّمَاحُ وَعَلّتْ
فَوَاَللهِ لَوْلَا دِينُ آلِ مُحَمّدٍ *** لَقَدْ هَرَبَتْ مِنْهُمْ خُيُولٌ فَشُلّتْ
وَمَا ضَرّهُمْ أَنْ لَا يُعِينُوا كَتِيبَةً *** كَرِجْلِ جَرَادٍ أُرْسِلَتْ فَاشْمَعَلّتِ
فَإِمّا يَنْبُوَا أَوْ يَثُوبُوا لِأَمْرِهِمْ *** فَلَا نَحْنُ نَجْزِيهِمْ بِمَا قد أضلت

شعر وهب فِي الرَّد عَلَيْهِ
فَأَجَابَهُ وَهْبٌ رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ فَقَالَ

دَعَوْنَا إلَى الْإِسْلَامِ وَالْحَقّ عَامِرًا *** فَمَا ذَنْبُنَا فِي عَامِرٍ إذْ تَوَلّتْ
وَمَا ذَنْبُنَا فِي عَامِرٍ لَا أَبَا لَهُمْ *** لِأَنْ سَفِهَتْ أَحْلَامُهُمْ ثُمّ ضَلّتْ

وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ

لِيَهْنِئْ بَنِي كَعْبٍ مُقَدّمِ خَالِدٍ *** وَأَصْحَابِهِ إذْ صَبّحَتْنَا الْكَتَائِبُ
فَلَا تِرَةٌ يَسْعَى بِهَا ابْنُ خُوَيْلِدٍ *** وَقَدْ كُنْت مَكْفِيّا لَوْ انّكَ غَائِبُ
فَلَا قَوْمُنَا يَنْهَوْنَ عَنّا غُوَاتَهُمْ *** وَلَا الدّاءَ مِنْ يَوْمِ الْغُمَيْصَاءِ ذَاهِبُ

شِعْرُ غُلَامٍ جَذِيمِيّ هَارِبٍ أَمَامَ خَالِدٍ
وَقَالَ غُلَامٌ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ وَهُوَ يَسُوقُ بِأُمّهِ وَأُخْتَيْنِ لَهُ وَهُوَ هَارِبٌ بِهِنّ مِنْ جَيْشِ خَالِدٍ

رَخّينَ أَذْيَالَ الْمُرُوطِ وَأَرْبِعَنْ *** مَشْيَ حَيِيّاتٍ كَأَنْ لَمْ يُفْزَعَنْ
إنْ تُمْنَعْ الْيَوْمَ نِسَاءٌ تُمْنَعُنْ

ارْتِجَازُ غِلْمَةٌ مِنْ بَنِي مُسَاحِقٍ حِينَ سَمِعُوا بِخَالِدٍ
وَقَالَ غِلْمَةٌ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو مُسَاحِقٍ يَرْتَجِزُونَ حِينَ سَمِعُوا بِخَالِدٍ فَقَالَ أَحَدُهُمْ

قَدْ عَلِمَتْ صَفْرَاءُ بَيْضَاءُ الْإِطِلْ *** يَحُوزُهَا ذُو ثَلّةٍ وَذُو إبِلْ
لَأُغْنِيَنّ الْيَوْمَ مَا أَغْنَى رَجُلْ

وَقَالَ الْآخَرُ

قَدْ عَلِمَتْ صَفْرَاءُ تُلْهِي الْعِرْسَا *** لَا تَمْلَأْ الْحَيْزُومَ مِنْهَا نَهْسَا
لَأَضْرِبَنّ الْيَوْمَ ضَرْبًا وَعْسَا *** ضَرْبَ الْمُحِلّينَ مَخَاضًا قُعْسَا

وَقَالَ الْآخَرُ

أَقْسَمْت مَا إنْ خَادِرٌ ذُو لِبْدَةٍ *** شَثْنُ الْبَنَانِ فِي غَدَاةٍ بَرْدَةٍ
جَهْمُ الْمُحَيّا ذُو سِبَالٍ وَرْدَةٍ *** يُرْزِمُ بَيْنَ أَيْكَةٍ وَجَحْدَةٍ
ضَارٍ بِتَأْكَالِ الرّجَالِ وَحْدَةٍ *** بِأَصْدَقِ الْغَدَاةِ مِنّي نَجْدَةٍ

مَسِيرُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لِهَدْمِ الْعُزَّى
خَالِد وهدمه للعزى
ثُمّ بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إلَى الْعُزّى، وَكَانَتْ بِنَخْلَةَ وَكَانَتْ بَيْتًا يُعَظّمُهُ هَذَا الْحَيّ مِنْ قُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ وَمُضَرَ كُلّهَا، وَكَانَتْ سَدَنَتُهَا وَحُجّابُهَا بَنِي شَيْبَانَ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ حُلَفَاءِ بَنِي هَاشِمٍ فَلَمّا سَمِعَ صَاحِبُهَا السّلَمِيّ بِمَسِيرِ خَالِدٍ إلَيْهَا، عَلّقَ عَلَيْهَا سَيْفَهُ وَأَسْنَدَ فِي الْجَبَلِ الّذِي هِيَ فِيهِ وَهُوَ يَقُولُ

أَيَا عُزّ شُدّي شَدّةً لَا شَوَى لَهَا *** عَلَى خَالِدٍ أَلْقِي الْقِنَاعَ وَشَمّرِي
يَا عُزّ إنْ لَمْ تَقْتُلِي الْمَرْءَ خَالِدًا *** فَبُوئِي بِإِثْمٍ عَاجِلٍ أَوْ تُنْصَرِي

فَلَمّا انْتَهَى إلَيْهَا خَالِدٌ هَدَمَهَا، ثُمّ رَجَعَ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ أَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكّةَ بَعْدَ فَتْحِهَا خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً يَقْصُرُ الصّلَاةَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ فَتْحُ مَكّةَ لِعَشْرِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ.


 

سَرِيّةُ خَالِدٍ إلَى بَنِي جَذِيمَةَ:
وَذَكَرَ سَرِيّةَ خَالِدٍ إلَى بَنِي جَذِيمَةَ وَتُعْرَفُ بِغَزْوَةِ الْغَميْطِ وَهُوَ اسْمُ مَاءٍ لِبَنِي جَذِيمَةَ.
وَذَكَرَ شِعْرَ امْرَأَةٍ اسْمُهَا: سَلْمَى، وَفِيهِ

وَمُرّةُ حَتّى يَتْرُكُوا الْبَرْكَ ضَابِحَا

الْبَرْكُ: جَمَاعَةُ الْإِبِلِ وَمَاصَعَ جَالَدَ وَقَاتَلَ وَضَابِحَا مِنْ الضّبْحِ وَهُوَ نَفْسُ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ إذَا عُيّيَتْ وَفِي التّنْزِيلِ {وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً} [العاديات:1] وَفِي الْخَبَرِ: مَنْ سَمِعَ ضَبْحَةً بِلَيْلِ فَلَا يَخْرُجُ مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَهُ شَرّ. قَالَ الرّاجِزُ

نَحْنُ نَطَحْنَاهُمْ غَدَاةَ الْجَمْعَيْنِ بِالضّابِحَاتِ فِي غُبَارِ النّقْعَيْنِ
نَطْحًا شَدِيدًا لَا كَنَطْحِ الطّورَيْنِ

وَالضّبْحُ وَالضّبْيُ مَصْدَرُ ضَبَحَتْ وَضُبِيَتْ أَيْ شُوِيَتْ وَقُلِيَتْ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. قَالَ وَالْمَضَابِي وَالْمَضَابِحُ هُوَ الْمَقَالِي.
وَذَكَرَ تَبَرّؤَ النّبِيّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مِمّا فَعَلَ خَالِدٌ وَهَذَا نَحْوٌ مِمّا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ حِينَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: إنّ فِي سَيْفِ خَالِدٍ رَهَقًا. إنّ فِي سَيْفِ خَالِدٍ رَهَقًا فَاقْتُلْهُ وَذَلِكَ حِينَ قَتَلَ مَالِكَ بْنَ نُوَيْرَةَ، وَجَعَلَ رَأْسَهُ تَحْتَ قِدْرٍ حَتّى طُبِخَ بِهِ وَكَانَ مَالِكٌ ارْتَدّ ثُمّ رَاجَعَ الْإِسْلَامَ وَلَمْ يُظْهِرْ ذَلِكَ لِخَالِدِ وَشَهِدَ عِنْدَهُ رَجُلَانِ مِنْ الصّحَابَةِ بِرُجُوعِهِ إلَى الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَقْبَلْهُمَا، وَتَزَوّجَ امْرَأَتَهُ فَلِذَلِكَ قَالَ عُمَرُ لِأَبِي بَكْرٍ اُقْتُلْهُ فَقَالَ لَا أَفْعَلُ لِأَنّهُ مُتَأَوّلٌ فَقَالَ اعْزِلْهُ فَقَالَ لَا أَغْمِدُ سَيْفًا سَلّهُ اللهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَلَا أَعْزِلُ وَالِيًا وَلّاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَذَكَرَ قَوْلَ الرّجُلِ لِلْمَرْأَةِ اسْلِمِي حُبَيْشُ عَلَى نَفَدِ الْعَيْشِ النّفَدُ مَصْدَرُ نَفِدَ إذَا فَنِيَ وَهُوَ النّفَادُ وَحُبَيْشٌ مُرَحّمٌ مِنْ حُبَيْشَةَ.
شِعْرُ أَبِي حَدْرَدٍ
وَحَلْيَةُ وَالْخَوَانِقُ: مَوْضِعَانِ وَالْوَدَائِقُ جَمْعُ وَدِيقَةٍ وَهُوَ شِدّةُ الْحَرّ فِي الظّهِيرَةِ سُمّيَتْ بِذَلِكَ مِنْ الْوَدْقِ لِأَنّ فِي ذَلِك الْوَقْتِ يَسِيلُ لُعَابُ الشّمْسِ وَهُوَ مَا تَرَاهُ الْعَيْنُ كَالسّرَابِ وَنَحْوِهِ وَقَالَ الرّاجِزُ

وَقَامَ مِيزَانُ النّهَارِ فَاعْتَدَلْ *** وَسَالَ لِلشّمْسِ لُعَابٌ فَنَزَلْ

وَقَالَ الْأَحْوَلُ يُقَالُ وَدَقَ إذَا دَنَا مِنْ الْأَرْضِ وَيُقَالُ هُوَ وَادِقُ السّرّةِ إذَا كَانَتْ مَائِلَةً إلَى جِهَةِ الْأَرْضِ وَأَنْشَدَ

وَادِقًا سُرّاتُهَا

فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْوَدِيقَةُ مِنْ وَدَقَتْ الشّمْسُ إذَا دَنَتْ مِنْ الْأُفُقِ فَاشْتَدّ حَرّهَا، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ فَنَهَمَهُ خَالِدٌ أَيّ زَجَرَهُ [وَنَجَهَهُ] وَرَوَى النّسَائِيّ فِي قِصّةِ الْمَرْأَةِ الّتِي مَاتَتْ مُكِبّةً عَلَى الرّجُلِ الْمَقْتُولِ قَالَ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَلِيّ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عَلِيّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَافِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ يَزِيدَ النّحْوِيّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ سَرِيّةً قَالَ فَغَنِمُوا وَفِيهِمْ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُمْ إنّي لَسْت مِنْهُمْ عَشِقْت امْرَأَةً فَلَحِقْتهَا، فَدَعَوْنِي أَنْظُرُ إلَيْهَا نَظْرَةً ثُمّ اصْنَعُوا بِي مَا بَدَا لَكُمْ قَالَ فَإِذَا امْرَأَةٌ طَوِيلَةٌ أَدْمَاءُ فَقَالَ لَهَا: اسْلِمِي حُبَيْشُ قَبْلَ نَفَدِ الْعَيْشِ وَذَكَرَ الْبَيْتَيْنِ الْأَوّلِينَ مِنْ الْقِطْعَةِ الْقَافِيّةِ أَوّلَ هَذَا الْخَبَرِ نَاقِصِي الْوَزْنِ وَبَعْدَهُمَا قَالَتْ نَعَمْ فَدَيْتُك، فَقَدّمُوهُ فَضَرَبُوا عُنُقَهُ فَجَاءَتْ الْمَرْأَةُ فَوَقَفَتْ عَلَيْهِ فَشَهِقَتْ شَهْقَةً أَوْ شَهْقَتَيْنِ ثُمّ مَاتَتْ فَلَمّا قَدِمُوا عَلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ، فَقَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَحِيمٌ». خَرّجَهُ النّسَوِيّ فِي بَابِ قَتْلِ الْأُسَارَى مِنْ مُصَنّفِهِ