36 هـ
656 م
من انهزم يوم الجمل فاختفى ومضى فِي البلاد

كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: ومضى الزُّبَيْر فِي صدر يوم الهزيمة راجلا نحو الْمَدِينَة، فقتله ابن جرموز، …

قَالا: وخرج عتبة بن أَبِي سُفْيَانَ وعبد الرَّحْمَن ويحيى ابنا الحكم يوم الهزيمة، قد شججوا فِي البلاد، فلقوا عصمة بن أبير التيمي، فَقَالَ: هل لكم فِي الجوار؟ قَالُوا: من أنت؟ قَالَ: عصمة بن أبير قَالُوا: نعم، قَالَ: فأنتم فِي جواري إِلَى الحول، فمضى بهم، ثم حماهم واقام عليهم حتى برءوا، ثُمَّ قَالَ: اختاروا أحب بلد إليكم أبلغكموه، قالوا: الشام، فخرج بهم في أربعمائة راكب من تيم الرباب، حَتَّى إذا وغلوا فِي بلاد كلب بدومة قَالُوا: قَدْ وفيت ذمتك وذممهم، وقضيت الَّذِي عَلَيْك فارجع، فرجع.
وفي ذَلِكَ يقول الشاعر:

وفى ابن أبير والرماح شوارع *** بآل أبي العاصي وفاء مذكرا

وأما ابن عَامِر فإنه خرج أَيْضًا مشججا، فتلقاه رجل من بني حُرْقُوص يدعى مريا، فدعاه للجوار، فَقَالَ: نعم، فأجاره وأقام عَلَيْهِ، وَقَالَ: أي البلدان أحب إليك؟ قَالَ: دمشق، فخرج بِهِ فِي ركب من بني حُرْقُوص حَتَّى بلغوا بِهِ دمشق وَقَالَ حَارِثَة بن بدر- وَكَانَ مع عَائِشَة، وأصيب فِي الوقعة ابنه أو أخوه زراع:

أتاني من الأنباء أن ابن عَامِرٍ *** أناخ وألقى فِي دمشق المراسيا

وأوى مَرْوَان بن الحكم إِلَى أهل بيت من عنزة يوم الهزيمة، فَقَالَ لَهُمْ:
أعلموا مالك بن مسمع بمكاني، فأتوا مالكا فأخبروه بمكانه، فَقَالَ لأخيه مقاتل: كيف نصنع بهذا الرجل الَّذِي قَدْ بعث إلينا يعلمنا بمكانه؟ قَالَ: ابعث ابن أخي فأجره، والتمسوا لَهُ الأمان من علي، فإن آمنه فذاك الَّذِي نحب وإن لم يؤمنه خرجنا بِهِ وبأسيافنا، فإن عرض لَهُ جالدنا دونه بأسيافنا، فإما إن نسلم، وإما أن نهلك كراما وَقَدِ استشار غيره من أهله من قبل فِي الَّذِي استشار فِيهِ مقاتلا، فنهاه، فأخذ برأي أخيه، وترك رأيهم، فأرسل إِلَيْهِ فأنزله داره، وعزم عَلَى منعه إن اضطر إِلَى ذَلِكَ، وَقَالَ: الموت دون الجوار وفاء، وحفظ لَهُمْ بنو مَرْوَان ذَلِكَ بعد، وانتفعوا بِهِ عندهم، وشرفوهم بِذَلِكَ، وأوى عَبْد اللَّهِ بن الزُّبَيْرِ إِلَى دار رجل من الأزد يدعى وزيرا، وَقَالَ: ائت أم الْمُؤْمِنِينَ فأعلمها بمكاني، وإياك أن يطلع عَلَى هَذَا مُحَمَّد بن أبي بكر، فأتى عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فأخبرها، فَقَالَتْ: علي بمحمد، فَقَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، إنه قَدْ نهاني أن يعلم بِهِ مُحَمَّد، فأرسلت إِلَيْهِ فَقَالَتِ: اذهب مع هَذَا الرجل حَتَّى تجيئني بابن أختك، فانطلق مَعَهُ فدخل بالأزدي عَلَى ابن الزُّبَيْر، قَالَ: جئتك وَاللَّهِ بِمَا كرهت، وأبت أم الْمُؤْمِنِينَ إلا ذَلِكَ، فخرج عَبْد اللَّهِ ومحمد وهما يتشاتمان، فذكر مُحَمَّد عُثْمَان فشتمه وشتم عَبْد اللَّهِ محمدا حَتَّى انتهى إِلَى عَائِشَة فِي دار عَبْد اللَّهِ بن خلف- وكان عبد الله ابن خلف قبل يوم الجمل مع عَائِشَة، وقتل عُثْمَان أخوه مع علي- وأرسلت عَائِشَة فِي طلب من كَانَ جريحا فضمت مِنْهُمْ ناسا، وضمت مَرْوَان فيمن ضمت، فكانوا فِي بيوت الدار.

كتب إلي السري، عن شعيب، عن سَيْفٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ، قَالا: وَغَشِيَ الْوُجُوهُ عَائِشَةَ وَعَلِيٌّ فِي عَسْكَرِهِ، وَدَخَلَ الْقَعْقَاعُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى عَائِشَةَ فِي أَوَّلِ مَنْ دَخَلَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ: إِنِّي رَأَيْتُ رَجُلَيْنِ بِالأَمْسِ اجْتَلَدَا بَيْنَ يَدَيْ وَارْتَجَزَا بِكَذَا، فَهَلْ تَعْرِفُ كُوفِيَّكَ مِنْهُمَا؟ قَالَ: نَعَمْ، ذَاكَ الَّذِي قَالَ: أَعَقَّ أُمٍّ نَعْلَمُ، وَكَذَبَ وَاللَّهِ، إِنَّكِ لأَبَرُّ أُمٍّ نَعْلَمُ، وَلَكِنْ لَمْ تُطَاعِي فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَوَدَدْتُ أَنِّي مِتُّ قَبْلَ هَذَا الْيَوْمِ بِعِشْرِينَ سنه وخرج فاتى عليا فَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ سَأَلَتْهُ، فَقَالَ: وَيْحَكَ! مَنِ الرَّجُلانِ؟ قَالَ: ذَلِكَ أَبُو هَالَةَ الَّذِي يَقُولُ:

كَيْمَا أَرَى صَاحِبُهُ عَلِيًّا.

فَقَالَ: وَاللَّهِ لَوَدَدْتُ أَنِّي مِتُّ قَبْلَ هَذَا الْيَوْمِ بِعِشْرِينَ سَنَةً، فَكَانَ قَوْلُهُمَا وَاحِدًا.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: وَتَسَلَّلَ الْجَرْحَى فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، وَدَخَلَ الْبَصْرَةُ مَنْ كَانَ يُطِيقُ الانْبِعَاثَ مِنْهُمْ، وَسَأَلَتْ عَائِشَةُ يَوْمَئِذٍ عَنْ عِدَّةٍ مِنَ النَّاسِ، مِنْهُمْ مَنْ كَانَ مَعَهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ عَلَيْهَا، وَقَدْ غَشِيَهَا النَّاسُ، وَهِيَ فِي دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلَفٍ، فَكُلَّمَا نُعِيَ لَهَا مِنْهُمْ وَاحِدٌ قَالَتْ: يَرْحَمُهُ اللَّهُ، فَقَالَ لَهَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهَا:
كَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: كَذَلِكَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «فُلانٌ فِي الْجَنَّةِ، وَفُلانٌ فِي الْجَنَّةِ» وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَئِذٍ: إِنِّي لأَرْجُو أَلا يَكُونَ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلاءِ نَقَّى قَلْبَهُ إِلا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ [أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: مَا نَزَلَ على النبي صلى الله عليه وسلم آيَةً أَفْرَحُ لَهُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ} [الشورى: 30]، فقال صلى الله عليه وسلم: «مَا أَصَابَ الْمُسْلِمَ فِي الدُّنْيَا مِنْ مُصِيبَةٍ فِي نَفْسِهِ فَبِذَنْبٍ، وَمَا يَعْفُو اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ أَكْثَرُ، وَمَا أَصَابَهُ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَعَفْوٌ مِنْهُ لا يُعْتَدُّ عَلَيْهِ فِيهِ عُقَوبَةَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَا عَفَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا فَقَدْ عَفَا عَنْهُ، وَاللَّهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَعُودَ فِي عَفْوِهِ».