ربيع الأول 53 ق.هـ
أيار 570 م
كر ارتجاس الايوان وَسُقُوطِ الشُّرُفَاتِ، وَخُمُودِ النِّيرَانِ، وَرُؤْيَا الْمُوبِذَانِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الدَّلَالَاتِ

قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ سَهْلٍ الْخَرَائِطِيُّ فِي كِتَابِ هَوَاتِفِ الْجَانِّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أَيُّوبَ يَعْلَى بْنُ عِمْرَانَ، مِنْ آلِ …


جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ، حَدَّثَنِي مَخْزُومُ بْنُ هَانِئٍ الْمَخْزُومِيُّ، عَنْ أَبِيهِ – وَأَتَتْ عَلَيْهِ خَمْسُونَ وَمِائَةُ سَنَةٍ – قَالَ: لَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَة الَّتِي ولد فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتَجَسَ إِيوَانُ كِسْرَى، وَسَقَطَتْ مِنْهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ شُرْفَةً، وَخَمَدَتْ نَارُ فَارِسَ، وَلَمْ تُخْمَدْ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَلْفِ عَامٍ، وَغَاضَتْ بُحَيْرَةُ سَاوَةَ.
وَرَأَى الْمُوبِذَانِ إِبِلًا صِعَابًا تَقُودُ خَيْلًا عِرَابًا قَدْ قَطَعَتْ دِجْلَةَ وَانْتَشَرَتْ فِي بِلَادِهِمْ، فَلَمَّا أَصْبَحَ كِسْرَى أَفْزَعَهُ ذَلِكَ فَتَصَبَّرُ عَلَيْهِ تَشَجُّعًا، ثُمَّ رَأَى أَنَّهُ لَا يَدَّخِرُ ذَلِكَ عَنْ مَرَازِبَتِهِ، فَجَمَعَهُمْ وَلَبِسَ تَاجَهُ وَجَلَسَ عَلَى سَرِيرِهِ.
ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِمْ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا عِنْدَهُ.
قَالَ: أَتُدْرُونَ فِيمَ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ؟ قَالُوا: لَا إِلَّا أَنْ يُخْبِرَنَا الْمَلِكُ.
فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِك إِذْ ورد عَلَيْهِم كتاب خمود النِّيرَانِ فَازْدَادَ غَمًّا إِلَى غَمِّهِ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِمَا رَأَى وَمَا هَالَهُ.
فَقَالَ الْمُوبِذَانُ: وَأَنَا، أَصْلَحَ اللَّهُ الْمَلِكَ، قَدْ رَأَيْتُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ رُؤْيَا.
ثُمَّ قَصَّ عَلَيْهِ رُؤْيَاهُ فِي الابل.
فَقَالَ: أَي شئ يَكُونُ هَذَا يَا مُوبِذَانُ؟ قَالَ: حَدَثٌ يَكُونُ فِي نَاحِيَةِ الْعَرَبِ.
وَكَانَ أَعْلَمَهُمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.
فَكَتَبَ عِنْدَ ذَلِكَ: مِنْ كِسْرَى مَلِكِ الْمُلُوكِ إِلَى النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، أَمَّا بَعْدُ فَوَجِّهْ إِلَيَّ بِرَجُلٍ عَالِمٍ بِمَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْهُ.
فَوَجَّهَ إِلَيْهِ بِعَبْدِ الْمَسِيحِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَيَّانَ بْنِ بُقَيْلَةَ .
الْغَسَّانِيِّ، فَلَمَّا وَرَدَ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: أَلَكَ عِلْمٌ بِمَا أُرِيدُ أَن أَسأَلك عَنهُ؟ فَقَالَ: لتخبرنى أَو ليسلني الْمَلِكُ عَمَّا أَحَبَّ، فَإِنْ كَانَ عِنْدِي مِنْهُ علم وَإِلَّا أخْبرته بِمن يعلم.
فَأخْبرهُ بالذى وَجَّهَ بِهِ إِلَيْهِ فِيهِ.
قَالَ: عِلْمُ ذَلِكَ عِنْدَ خَالٍ لِي يَسْكُنُ مَشَارِفَ الشَّامِ يُقَالَ لَهُ سَطِيحٌ.
قَالَ فَائْتِهِ فَاسْأَلْهُ عَمَّا سَأَلَتُكَ عَنهُ ثمَّ ائتنهى بِتَفْسِيرِهِ.
فَخَرَجَ عَبْدُ الْمَسِيحِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى سَطِيحٍ وَقَدْ أَشَفَى عَلَى الضَّرِيحِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَكَلَّمَهُ
فَلَمْ يَرُدَّ إِلَيْهِ سَطِيحٌ جَوَابًا فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

أَصُمَّ أَمْ يَسْمَعُ غِطْرِيفُ الْيَمَنْ أَمْ فَادَ فَازْلَمَّ بِهِ شَأْوُ الْعَنَنْ
يَا فَاصِلَ الخطة أعيت من وَمن أَتَاكَ شَيْخُ الْحَيِّ مَنْ آلِ سَنَنْ
وَأُمُّهُ من آل ذِئْب بن حجن أَزْرَق نهم النَّابِ صَرَّارُ الْأُذُنْ
أَبْيَضُ فَضْفَاضُ الرِّدَاءِ وَالْبَدَنْ رَسُول قيل الْعَجم يسرى للوسن
تجوب بى الارض علنداة شزن لَا يرهب الرَّعْد وَلَا ريب الزَّمن
تَرْفَعُنِي وَجْنًا وَتَهْوِي بِي وَجَنْ حَتَّى أَتَى عارى الجآجى والقطن
تَلُفُّهُ فِي الرِّيحِ بَوْغَاءُ الدِّمَنْ كَأَنَّمَا حُثْحِثَ مِنْ حِضْنَيْ ثَكَنْ

قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ سَطِيحٌ شِعْرَهُ رَفَعَ رَأْسَهُ يَقُولُ: عَبْدُ الْمَسِيحِ، عَلَى جَمَلٍ مُشِيحْ، أَتَى سَطِيحْ، وَقَدْ أَوْفَى عَلَى الضَّرِيحْ، بَعَثَكَ مَلِكُ بَنِي سَاسَانْ، لِارْتِجَاسِ الْإِيوَانْ، وَخُمُودِ النِّيرَانْ، وَرُؤْيَا الْمُوبِذَانْ، رَأَى إِبِلًا صِعَابًا، تَقُودُ خَيْلًا عِرَابًا، قَدْ قَطَعَتْ دِجْلَةَ، وَانْتَشَرَتْ فِي بِلَادِهَا.
يَا عَبْدَ الْمَسِيحِ إِذَا كَثُرَتِ التِّلَاوَهْ، وَظَهْرَ صَاحب الهراوة، وفاض وَادي السماوة، وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نَار فَارس، فَلَيْسَ الشَّام لسطيح شاما.
يملك مِنْهُم مُلُوك وملكات، عَلَى عَدَدِ الشُّرُفَاتْ وَكُلَّمَا هُوَ آتٍ آتْ.
ثُمَّ قَضَىَ سَطِيحٌ مَكَانَهُ.
فَنَهَضَ عَبْدُ الْمَسِيحِ إِلَى رَاحِلَتِهِ وَهُوَ يَقُولُ:

شَمِّرْ فَإِنَّكَ مَاضِي الْعَزْمِ شِمِّيرُ لَا يُفْزِعَنَّكَ تَفْرِيقٌ وَتَغْيِيرُ
إِنْ يُمْسِ مُلْكُ بَنِي سَاسَانَ أَفْرَطَهُمْ فَإِنَّ ذَا الدَّهْرَ أَطْوَارٌ دَهَارِيرُ
فَرُبَّمَا رُبَّمَا أَضْحَوْا بِمَنْزِلَةٍ يَخَافُ صَوْلَهُمُ الْأُسْدُ الْمَهَاصِيرُ
مِنْهُمْ أَخُو الصَّرْحِ بهْرَام وَإِخْوَته والهرمزان وسابور وَسَابُورُ
وَالنَّاسُ أَوْلَادُ عَلَّاتٍ فَمَنْ عَلِمُوا أَنْ قَدْ أَقَلَّ فَمَحْقُورٌ وَمَهْجُورُ
وَرُبَّ قَوْمٍ لَهُمْ صُحْبَانُ ذِي أُذُنٍ بَدَتْ تُلَهِّيهِمُ فِيهِ الْمَزَامِيرُ
وَهُمْ بَنُو الْأُمِّ إِمَّا إِنْ رَأَوْا نَشَبًا فَذَاك بِالْغَيْبِ مَحْفُوظ وَمَنْصُور 
وَالْخَيرُ وَالشَّرُّ مَقْرُونَانِ فِي قَرْنٍ فَالْخَيرُ مُتَّبَعٌ وَالشَّرُّ مَحْذُورُ

قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ عَبْدُ الْمَسِيحِ على كسْرَى أخبرهُ بِمَا قَالَ لَهُ سَطِيحٌ، فَقَالَ كِسْرَى: إِلَى أَنْ يَمْلِكَ مِنَّا أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَلِكًا كَانَتْ أُمُورٌ وَأُمُورٌ! فَمَلَكَ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ فِي أَرْبَعِ سِنِينَ، وَمَلَكَ الْبَاقُونَ إِلَى خِلَافَةِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ الْمَوْصِلِيِّ بِنَحْوِهِ.
قُلْتُ: كَانَ آخِرَ مُلُوكِهِمْ – الَّذِي سُلِبَ مِنْهُ الْمُلْكُ يَزْدَجِرْدُ بْنُ شَهْرَيَارَ بْنِ أَبْرَوِيزَ بْنِ هُرْمُزَ بْنِ أَنُوشِرْوانَ وَهُوَ الَّذِي انْشَقَّ الْإِيوَانُ فِي زَمَانِهِ.
وَكَانَ لِأَسْلَافِهِ فِي الْمُلْكِ ثَلَاثَةُ آلَافِ سَنَةٍ وَمِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ سنة.
وَكَانَ أول مُلُوكهمْ جيومرت بْنُ أَمِيمَ بْنِ لَاوَذَ بْنِ سَامِ بْنِ نوح [وَقد تقدم تَرْجَمَة شقّ وسطيح فِي أَخْبَار أهل الْيمن].
أَمَّا سَطِيحٌ هَذَا فَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ: هُوَ الرَّبِيعُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مَسْعُود ابْن مَازِنِ بْنِ ذِئْبِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ مَازِنِ بْنِ الْأَزْدِ.
وَيُقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ مَسْعُودٍ وَأُمُّهُ رَدْعَا بِنْتُ سَعْدِ بْنِ الْحَارِثِ الْحَجُورِيِّ.
وَذُكِرَ غَيْرُ ذَلِكَ فِي نَسَبِهِ.
قَالَ: وَكَانَ يَسْكُنُ الْجَابِيَةَ.
ثُمَّ رَوَى عَنْ أَبِي حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ الْمَشْيَخَةَ مِنْهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ قَالُوا: وَكَانَ مِنْ بَعْدِ لُقْمَانَ بْنِ عَادٍ.
وُلِدَ فِي زَمَنِ سَيْلِ الْعَرِمِ وَعَاشَ إِلَى مُلْكِ ذِي نُوَاسٍ وَذَلِكَ نَحْوٌ مَنْ ثَلَاثِينَ قَرْنًا، وَكَانَ مَسْكَنُهُ الْبَحْرَيْنِ وَزَعَمَتْ عَبْدُ الْقَيْسِ أَنَّهُ مِنْهُمْ وَتَزْعُمُ الْأَزْدُ أَنَّهُ مِنْهُمْ وَأَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ يَقُولُونَ هُوَ مِنَ الْأَزْدِ وَلَا نَدْرِي مِمَّنْ هُوَ غَيْرَ أَنَّ وَلَدَهُ يَقُولُونَ إِنَّهُ من الازد.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: لَمْ يكن شئ مِنْ بَنِي آدَمَ يُشْبِهُ سَطِيحًا، إِنَّمَا كَانَ لَحْمًا عَلَى وَضَمٍ لَيْسَ فِيهِ عَظْمٌ وَلَا عَصَبٌ إِلَّا فِي رَأْسِهِ وَعَيْنَيْهِ وَكَفَّيْهِ، وَكَانَ يُطْوَى كَمَا يُطْوَى الثَّوْبُ مِنْ رِجْلَيْهِ إِلَى عُنُقه، وَلم يكن فِيهِ شئ يَتَحَرَّكُ إِلَّا لِسَانُهُ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّهُ كَانَ إِذَا غَضِبَ انْتَفَخَ وَجَلَسَ.
ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَدِمَ مَكَّةَ فَتَلَقَّاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ مِنْهُمْ عَبْدُ شَمْسٍ وَعَبْدُ مَنَافٍ أَبْنَاءُ قُصَيٍّ، فَامْتَحَنُوهُ فِي أَشْيَاءَ فَأَجَابَهُمْ فِيهَا بِالصِّدْقِ، فَسَأَلُوهُ عَمَّا يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، فَقَالَ: خُذُوا مني وَمن إلهام الله إيَّايَ: أَنْتُم الْآنَ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ فِي زَمَانِ الْهَرَمْ، سَوَاء بصائركم وبصائر الْعَجم، لَا علم عنْدكُمْ وَلَا فهم، وينشو من عقبكم ذَوُو فهم، يطْلبُونَ أَنْوَاع الْعلم فيكسرون الصَّنَم، ويتبعون الرَّدْم، وَيقْتلُونَ الْعَجم، يطْلبُونَ الْغَنَمْ.
ثُمَّ قَالَ: وَالْبَاقِي الْأَبَدْ، وَالْبَالِغُ الْأَمَدْ لَيَخْرُجَنَّ مِنْ ذَا الْبَلَدْ، نَبِيٌّ مُهْتَدْ، يَهْدِي إِلَى الرَّشَدْ، يَرْفُضُ يَغُوثَ وَالْفَنَدْ، يَبْرَأُ عَنْ عبَادَة الضِّدّ، يَعْبُدُ رَبًّا انْفَرَدْ، ثُمَّ يَتَوَفَّاهُ اللَّهُ بِخَيْرِ دَارٍ مَحْمُودًا، مِنَ الْأَرْضِ مَفْقُودًا، وَفِي السَّمَاءِ مَشْهُودًا، ثُمَّ يَلِي أَمْرَهُ الصِّدِّيقْ، إِذَا قَضَى صدق، وَفِي رد الْحُقُوق لَا خرق وَلَا نَزِقْ، ثُمَّ يَلِي أَمْرَهُ الْحَنِيفْ، مُجَرِّبٌ غِطْرِيفْ، قَدْ أَضَافَ الْمُضِيفْ، وَأَحْكَمَ التَّحْنِيفْ.
ثُمَّ ذَكَرَ عُثْمَانَ وَمَقْتَلَهُ وَمَا يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَيَّامِ بَنِي أُمَيَّةَ ثُمَّ بَنِي الْعَبَّاسِ.
وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْفِتَنِ وَالْمَلَاحِمِ.
سَاقَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ بِسَنَدِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِطُولِهِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا قَوْلَهُ لِرَبِيعَةَ بْنِ نَصْرٍ مَلِكِ الْيَمَنِ حِينَ أَخْبَرَهُ بِرُؤْيَاهُ قَبْلَ أَنْ يُخْبِرَهُ بِهَا، ثُمَّ مَا يَكُونُ فِي بِلَادِ الْيَمَنِ مِنَ الْفِتَنِ وَتَغْيِيرِ الدُّوَلِ، حَتَّى يَعُودَ إِلَى سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ فَقَالَ لَهُ: أَفَيَدُومُ ذَلِكَ مِنْ سُلْطَانِهِ أَمْ يَنْقَطِعُ؟ قَالَ: بَلْ يَنْقَطِعُ.
قَالَ: وَمَنْ يَقْطَعُهُ؟ قَالَ نَبِيٌّ زَكِيٌّ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنْ قِبَلِ الْعَلِيِّ.
قَالَ: وَمِمَّنْ هَذَا النَّبِيُّ؟ قَالَ: مِنْ وَلَدِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ، بن مَالك ابْن النَّضْرِ، يَكُونُ الْمُلْكُ فِي قَوْمِهِ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ.
قَالَ: وَهَلْ لِلدَّهْرِ مِنْ آخِرٍ؟ قَالَ: نعم، يَوْم يجمع فِيهِ الْأَولونَ وَالْآخرُونَ، يسْعد فِيهِ الْمُحْسِنُونَ وَيَشْقَى فِيهِ الْمُسِيئُونَ.
قَالَ أَحَقٌّ مَا تُخْبِرُنِي؟ قَالَ: نَعَمْ وَالشَّفَقِ وَالْغَسَقْ وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقْ إِنَّ مَا أَنْبَأْتُكَ عَلَيْهِ لَحَقٌّ.
وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ شِقٌّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى كَمَا تَقَدَّمَ.
وَمِنْ شِعْرِ سَطِيحٍ قَوْلُهُ:

عَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْجَهْرِ وَلَا تَلْبِسُوا صِدْقَ الْأَمَانَةِ بِالْغَدْرِ
وُكُونُوا لِجَارِ الْجَنْبِ خصنا وَجُنَّةً إِذَا مَا عَرَتْهُ النَّائِبَاتُ مِنَ الدَّهْرِ

وَرَوَى ذَلِكَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ، ثُمَّ أَوْرَدَ ذَلِكَ الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا الْجَرِيرِيُّ فَقَالَ: وَأَخْبَارُ سَطِيحٍ كَثِيرَةٌ وَقَدْ جَمَعَهَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ كَانَ كَاهِنًا، وَقَدْ أَخْبَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ نَعْتِهِ وَمَبْعَثِهِ.
وَرُوِيَ لَنَا بِإِسْنَادٍ اللَّهُ بِهِ أَعْلَمُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ سَطِيحٍ فَقَالَ: «نَبِيٌّ ضَيَّعَهُ قَوْمُهُ».
قُلْتُ: أَمَّا هَذَا الْحَدِيثُ فَلَا أَصْلَ لَهُ فِي شئ مِنْ كُتُبِ الْإِسْلَامِ الْمَعْهُودَةِ، وَلَمْ أَرَهُ بِإِسْنَادٍ أَصْلًا، وَيُرْوَى مِثْلُهُ فِي خَبَرِ خَالِدِ بْنِ سِنَانٍ الْعَبْسِيِّ وَلَا يَصِحُّ أَيْضًا.
وَظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ تَدُلُّ عَلَى عِلْمٍ جَيِّدٍ لِسَطِيحٍ، وَفِيهَا رَوَائِحُ التَّصْدِيقِ، لَكِنَّهُ لَمْ يُدْرِكِ الْإِسْلَامَ كَمَا قَالَ الْجَرِيرِيُّ.
فَإِنَّهُ قَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْأَثَرِ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ أُخْتِهِ: يَا عَبْدَ الْمَسِيحِ إِذَا كَثُرَتِ التِّلَاوَهْ، وَظَهْرَ صَاحب الهراوة، وفاض وَادي السماوة، وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نَار فَارس، فَلَيْسَ الشَّام لسطيح شاما، يملك مِنْهُمْ مُلُوكٌ وَمَلِكَاتْ، عَلَى عَدَدِ الشُّرُفَاتْ وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آتْ.
ثُمَّ قَضَى سَطِيحٌ مَكَانَهُ وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْلِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَهْرٍ – أَوْ شَيْعِهِ – أَي أقل مِنْهُ.
وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِأَطْرَافِ الشَّامِ مِمَّا يَلِي أَرْضَ الْعِرَاقِ.
فَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَمْرِهِ وَمَا صَارَ إِلَيْهِ.
وَذَكَرَ ابْنُ طَرَّارٍ الْجَرِيرِيُّ أَنَّهُ عَاشَ سَبْعَمِائَةِ سَنَةٍ.
وَقَالَ غَيْرُهُ خَمْسَمِائَةِ سَنَةٍ، وَقِيلَ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ أَنَّ مَلِكًا سَأَلَ سَطِيحًا عَنْ نَسَبِ غُلَامٍ اخْتُلِفَ فِيهِ، فَأَخْبَرَهُ عَلَى الْجَلِيَّةِ فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ مَلِيحٍ فَصِيحٍ.
فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ يَا سَطِيحُ أَلَا تُخْبِرُنِي عَنْ عِلْمِكَ هَذَا؟ فَقَالَ: إِن علمي هَذَا لَيْسَ منى وَلَا بجزم وَلَا بِظَنٍّ، وَلَكِنْ أَخَذْتُهُ عَنْ أَخٍ لِي قَدْ سَمِعَ الْوَحْيَ بِطُورِ سَيْنَاءَ.
فَقَالَ لَهُ أَرَأَيْتَ أَخَاكَ هَذَا الْجِنِّيَّ أَهْوَ مَعَكَ لَا يُفَارِقُكَ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ لَيَزُولَ حَيْثُ أَزُولْ، وَلَا أَنطلق إِلَّا بِمَا يَقُولْ.
وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ وُلِدَ هُوَ وَشِقُّ بْنُ مُصْعَبِ بْنِ يَشْكُرَ بْنِ رُهْمِ بْنِ بُسْرِ بْنِ عُقْبَةَ الْكَاهِنُ الْآخَرُ، وُلِدَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَحُمِلَا إِلَى الْكَاهِنَةِ طَرِيفَةَ بنت الْحُسَيْن الحميدية فَتَفَلَتْ فِي أَفْوَاهِهِمَا فَوَرِثَا مِنْهَا الْكِهَانَةَ، وَمَاتَتْ مِنْ يَوْمِهَا.
وَكَانَ نِصْفَ إِنْسَانٍ وَيُقَالَ إِنَّ خَالِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيَّ مِنْ سُلَالَتِهِ، وَقَدْ مَاتَ شِقٌّ قَبْلَ سَطِيحٍ بِدَهْرٍ.
وَأَمَّا عَبْدُ الْمَسِيحِ بْنُ عَمْرِو بْنِ قَيْسِ بْنِ حَيَّانَ بْنِ بُقَيْلَةَ الْغَسَّانِيُّ النَّصْرَانِيُّ فَكَانَ مِنِ المعمرين.
وَقد تَرْجمهُ الْحَافِظ بن عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ وَقَالَ هُوَ الَّذِي صَالَحَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ عَلَى الْحِيرَةِ وَذَكَرَ لَهُ مَعَهُ قِصَّةً طَوِيلَةً وَأَنَّهُ أَكَلَ مِنْ يَدِهِ سُمَّ سَاعَةٍ فَلَمْ يُصِبْهُ سُوءٌ، لِأَنَّهُ لَمَّا أَخَذَهُ قَالَ: «بِسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ أَذًى».
ثمَّ أكله فَعَلَتْهُ غَشْيَةٌ فَضَرَبَ بِيَدَيْهِ عَلَى صَدْرِهِ، ثُمَّ عَرِقَ وَأَفَاقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَذَكَرَ لِعَبْدِ الْمَسِيحِ أَشْعَارًا غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ.
وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ، حَدَّثَنَا الْمُسَيَّبُ بْنُ شَرِيكٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شَرِيكٍ، عَنْ شُعَيْبِ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كَانَ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ رَاهِبٌ مِنَ الرُّهْبَانِ يُدْعَى عِيصًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَكَانَ مُتَخَفِّرًا بِالْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، وَكَانَ اللَّهُ قَدْ آتَاهُ عِلْمًا كَثِيرًا وَجَعَلَ فِيهِ مَنَافِعَ كَثِيرَةً لِأَهْلِ مَكَّةَ مِنْ طِيبٍ وَرِفْقٍ وَعِلْمٍ.
وَكَانَ يَلْزَمُ صَوْمَعَةً لَهُ وَيَدْخُلُ مَكَّةَ فِي كُلِّ سَنَةٍ فَيَلْقَى النَّاس وَيَقُول: إِنَّه يُوشك أَن أَنْ يُولَدَ فِيكُمْ مَوْلُودٌ يَا أَهْلَ مَكَّةَ يَدِينُ لَهُ الْعَرَبُ وَيَمْلِكُ الْعَجَمَ، هَذَا زَمَانُهُ، وَمَنْ أَدْرَكَهُ وَاتَّبَعَهُ أَصَابَ حَاجَتَهُ، وَمَنْ أَدْرَكَهُ فخالفه أَخطَأ حَاجته، وَبِاللَّهِ مَا تَرَكْتُ أَرْضَ الْخَمْرِ وَالْخَمِيرِ وَالْأَمْنِ وَلَا حَلَلْتُ بِأَرْضِ الْجُوعِ وَالْبُؤْسِ وَالْخَوْفِ إِلَّا فِي طلبه.
وَكَانَ لَا يُولد بِمَكَّة مولد إِلَّا يَسْأَلُ عَنْهُ، فَيَقُولُ مَا جَاءَ بَعْدُ.
فَيُقَالَ لَهُ: فَصِفْهُ.
فَيَقُولُ لَا.
وَيَكْتُمُ ذَلِكَ لِلَّذِي قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَاقٍ مِنْ قَوْمِهِ، مَخَافَةً عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ دَاعِيَةً إِلَى أَدْنَى مَا يَكُونُ إِلَيْهِ مِنَ الْأَذَى يَوْمًا.
وَلَمَّا كَانَ صَبِيحَةُ الْيَوْمِ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عبد الله ابْن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حَتَّى أَتَى عِيصًا، فَوَقَفَ فِي أصل صومعته ثمَّ نَادَى: يَا عيصاه.
فَنَادَاهُ مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: أَنَا عَبْدُ اللَّهِ.
فَأَشْرَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: كُنْ أَبَاهُ فَقَدْ وُلِدَ الْمَوْلُودُ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَيبْعَث يَوْم الِاثْنَيْنِ، وَيَمُوت الِاثْنَيْنِ.
قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ وُلِدَ لِي مَعَ الصُّبْحِ مَوْلُودٌ.
قَالَ فَمَا سَمَّيْتَهُ؟ قَالَ: مُحَمَّدًا قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَشْتَهِي أَنَّ يَكُونَ هَذَا الْمَوْلُودُ فِيكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ لِثَلَاثِ خِصَالٍ نَعْرِفُهُ بِهَا، مِنْهَا أَنَّ نَجْمَهُ طَلَعَ الْبَارِحَةَ، وَأَنَّهُ وُلِدَ الْيَوْمَ، وَأَنَّ اسْمَهُ مُحَمَّدٌ.
انْطَلِقْ إِلَيْهِ فَإِن الذى كنت أخْبركُم عَنْهُ ابْنُكَ.
قَالَ فَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهُ ابْنِي؟ وَلَعَلَّهُ أَنْ يُولَدَ فِي هَذَا الْيَوْمِ مَوْلُودٌ غَيْرُهُ؟ قَالَ: قَدْ وَافَقَ ابْنُكَ الِاسْمَ، وَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيُشَبِّهَ عِلْمَهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ فَإِنَّهُ حُجَّةٌ.
وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ الْآنَ وَجِعٌ فَيَشْتَكِي أَيَّامًا ثَلَاثَة، فَيظْهر بِهِ الْجُوعُ ثَلَاثًا ثُمَّ يُعَافَى.
فَاحْفَظْ لِسَانَكَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُحْسَدْ أَحَدٌ حَسَدَهُ قَطُّ، وَلَمْ يُبْغَ عَلَى أَحَدٍ كَمَا يُبْغَى عَلَيْهِ، إِنْ تَعِشْ حَتَّى يَبْدُوَ مَقَالُهُ ثُمَّ يَدْعُوَ لَظَهَرَ لَكَ مِنْ قَوْمِكَ مَا لَا تَحْتَمِلُهُ إِلَّا عَلَى صَبْرٍ وَعَلَى ذُلٍّ، فَاحْفَظْ لِسَانَكَ وَدَارِ عَنْهُ.
قَالَ: فَمَا عُمُرُهُ؟ قَالَ: إِنْ طَالَ عمره وَإِن قَصُرَ لَمْ يَبْلُغِ السَّبْعِينَ، يَمُوتُ فِي وِتْرٍ دُونَهَا مِنَ السِّتِّينَ فِي إِحْدَى وَسِتِّينَ أَوْ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ فِي أَعْمَارِ جُلِّ أُمَّتِهِ.
قَالَ: وَحُمِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَاشر الْمُحَرَّمِ.
وَوُلِدَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ مِنْ غَزْوَةِ أَصْحَابِ الْفِيلِ.
هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَفِيهِ غَرَابَةٌ.