36 هـ
656 م
قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: وَاللَّهِ لأَطْلُبَنَّ بِدَمِ عُثْمَانَ وَخُرُوجُهَا وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ فِيمَنْ تَبِعَهُمْ إِلَى الْبَصْرَةِ

كَتَبَ إِلَيَّ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْعِجْلِيُّ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ نَصْرٍ الْعَطَّارَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي نَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ الْعَطَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَيْفِ بْنِ عُمَرَ، …

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ نُوَيْرَةَ وَطَلْحَةَ بْنِ الأَعْلَمِ الْحَنَفِيِّ قَالَ: وَحَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَمَّنْ أَدْرَكَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، إِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَمَّا انْتَهَتْ إِلَى سَرِفَ رَاجِعَةً فِي طَرِيقِهَا الى مكة، لقيها عبد بن أُمِّ كِلابٍ- وَهُوَ عَبْدُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، يُنْسَبُ إِلَى أُمِّهِ- فَقَالَتْ لَهُ: مَهْيَمْ؟ قَالَ: قَتَلُوا عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَمَكَثُوا ثَمَانِيًا، قَالَتْ: ثُمَّ صَنَعُوا مَاذَا؟ قَالَ: أَخَذَهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِالاجْتِمَاعِ، فَجَازَتْ بِهِمُ الأُمُورُ إِلَى خَيْرِ مُجَازٍ، اجْتَمَعُوا عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَتْ: وَاللَّهِ لَيْتَ أَنَّ هَذِهِ انْطَبَقَتْ عَلَى هَذِهِ إِنْ تَمَّ الأَمْرُ لِصَاحِبِكَ! رُدُّونِي رُدُّونِي، فَانْصَرَفَتْ إِلَى مَكَّةَ وَهِيَ تَقُولُ: قُتِلَ وَاللَّهِ عُثْمَانُ مَظْلُومًا، وَاللَّهِ لأَطْلُبَنَّ بِدَمِهِ، فَقَالَ لَهَا ابْنُ أُمِّ كِلابٍ: ولم؟ فو الله إِنَّ أَوَّلُ مَنْ أَمَالَ حَرْفَهُ لأَنْتِ! وَلَقَدْ كُنْتِ تَقُولِينَ: اقْتُلُوا نَعْثَلا فَقَدْ كَفَرَ، قَالَتْ: إِنَّهُمُ اسْتَتَابُوهُ ثُمَّ قَتَلُوهُ، وَقَدْ قُلْتُ وَقَالُوا، وَقَوْلِي الأَخِيرُ خَيْرٌ مِنْ قَوْلِي الأَوَّلِ، فَقَالَ لَهَا ابْنُ أُمِّ كِلابٍ:

فَمِنْكِ الْبَدَاءُ وَمِنْكِ الْغِيَرْ *** وَمِنْكِ الرِّيَاحُ وَمِنْكِ الْمَطَرْ
وَأَنْتِ أَمَرْتِ بِقَتْلِ الإِمَامِ *** وَقُلْتِ لَنَا إِنَّهُ قَدْ كَفَرْ
فَهَبْنَا أَطَعْنَاكِ فِي قَتْلِهِ *** وَقَاتِلُهُ عِنْدَنَا مَنْ أَمَرْ
وَلَمْ يَسْقُطِ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِنَا *** وَلَمْ تنكف شَمْسُنَا وَالْقَمَرْ
وَقَدْ بَايَعَ النَّاسُ ذَا تَدَرّإٍ *** يُزِيلُ الشَّبَا وَيُقِيمُ الصَّعَرْ
وَيَلْبَسُ لِلْحَرْبِ أَثْوَابَهَا *** وَمَا مَنْ وَفَى مِثْلَ مَنْ قَدْ غَدَرْ

فَانْصَرَفَتْ إِلَى مَكَّةَ فَنَزَلَتْ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَصَدَتْ لِلْحِجْرِ، فَسُتِرَتْ وَاجْتَمَعَ إِلَيْهَا النَّاسُ، فَقَالَتْ: يا ايها الناس، ان عثمان قتل مظلوما، وو الله لأَطْلُبَنَّ بِدَمِهِ.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ، قَالا:
كَانَ عَلِيٌّ فِي هَمٍّ مِنْ تَوَجُّهِ الْقَوْمِ لا يَدْرِي إِلَى أَيْنَ يَأْخُذُونَ! وَكَانَ أَنْ يَأْتُوا الْبَصْرَةَ أَحَبَّ إِلَيْهِ فَلَمَّا تَيَقَّنَ أَنَّ الْقَوْمَ يُعَارِضُونَ طَرِيقَ الْبَصْرَةِ سُرَّ بِذَلِكَ.
وَقَالَ: الْكُوفَةُ فِيهَا رِجَالُ الْعَرَبِ وَبُيُوتَاتُهُمْ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عباس: ان الذى يسرك من ذلك ليسوؤنى، إِنَّ الْكُوفَةَ فُسْطَاطٌ فِيهِ أَعْلامٌ مِنْ أَعْلامِ الْعَرَبِ، وَلا يَحْمِلُهُمْ عُدَّةُ الْقَوْمِ، وَلا يَزَالُ فِيهِمْ مَنْ يَسْمُو إِلَى أَمْرٍ لا يَنَالُهُ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ شَغَبَ عَلَيَّ الَّذِي قَدْ نَالَ حَتَّى يَفْثَأَهُ فَيُفْسِدَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ [فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنَّ الأَمْرَ لَيُشْبِهُ مَا تَقُولُ، وَلَكِنَّ الأَثَرَةَ لأَهْلِ الطَّاعَةِ وَأَلْحَقَ بِأَحْسَنِهِمْ سَابِقَةً وَقُدْمَةً، فَإِنِ اسْتَوَوْا أَعْفَيْنَاهُمْ وَاجْتَبَرْنَاهُمْ، فَإِنْ أَقْنَعَهُمْ ذَلِكَ كَانَ خَيْرًا لَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يُقْنِعْهُمْ كَلَّفُونَا إِقَامَتَهُمْ وَكَانَ شَرًّا عَلَى مَنْ هُوَ شَرٌّ لَهُ] فَقَالَ ابن عباس: ان ذلك لامر لا يُدْرَكُ إِلا بِالْقُنُوعِ.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قَالا:
لَمَّا اجْتَمَعَ الرَّأْيُ مِنْ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ بِمَكَّةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى السَّيْرِ إِلَى الْبَصْرَةِ وَالانْتِصَارِ مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، خَرَجَ الزُّبَيْرُ وَطَلْحَةُ حَتَّى لَقِيَا ابْنَ عُمَرَ وَدَعَوَاهُ إِلَى الْخُفُوفِ، فَقَالَ: إِنِّي امْرُؤٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَإِنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى النُّهُوضِ أَنْهَضْ، وَإِنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى الْقُعُودِ أَقْعُدْ، فَتَرَكَاهُ وَرَجَعَا.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ: جَمَعَ الزُّبَيْرُ بَنِيهِ حِينَ أَرَادَ الرَّحِيلَ، فَوَدَّعَ بَعْضَهُمْ وَأَخْرَجَ بَعْضَهُمْ، وَأَخْرَجَ ابْنَيْ أَسْمَاءَ جَمِيعًا، فَقَالَ: يَا فُلانُ أَقِمْ، يَا عَمْرُو أَقِمْ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، قَالَ: يَا عُرْوَةُ أَقِمْ، وَيَا مُنْذِرُ أَقِمْ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: وَيْحَكَ! أَسْتَصْحِبُ ابْنَيَّ وَأَسْتَمْتِعُ مِنْهُمَا، فَقَالَ: إِنْ خَرَجْتَ بِهِمْ جَمِيعًا فَاخْرُجْ، وَإِنْ خَلَفْتَ مِنْهُمْ أَحَدًا فَخَلِّفْهُمَا وَلا تُعَرِّضْ أَسْمَاءَ لِلثُّكْلِ مِنْ بَيْنِ نِسَائِكَ فَبَكَى وَتَرَكَهُمَا، فَخَرَجُوا حَتَّى إِذَا انْتَهَوْا إِلَى جِبَالِ أَوْطَاسَ تَيَامَنُوا وَسَلَكُوا طَرِيقًا نَحْوَ الْبَصْرَةِ، وَتَرَكُوا طَرِيقَهَا يَسَارًا، حَتَّى إِذَا دَنَوْا مِنْهَا فَدَخَلُوهَا رَكِبُوا الْمُنْكَدِرَ.
كَتَبَ إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن ابْنِ الشَّهِيدِ، عن ابن أبي مليكة، قَالَ: خرج الزُّبَيْر وَطَلْحَة ففصلا، ثُمَّ خرجت عَائِشَةُ فتبعها أمهات الْمُؤْمِنِينَ إِلَى ذات عرق، فلم ير يوم كَانَ أكثر باكيا عَلَى الإِسْلام أو باكيا لَهُ من ذَلِكَ الْيَوْم، كَانَ يسمى يوم النحيب وأمرت عبد الرَّحْمَن بن عتاب، فكان يصلي بِالنَّاسِ، وَكَانَ عدلا بَيْنَهُمْ .
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ معن السلمي، قَالَ: لما تيامن عسكرها عن أوطاس أتوا عَلَى مليح بن عوف السلمى، وهو مطلع ما له، فسلم عَلَى الزُّبَيْر، وَقَالَ:
يَا أَبَا عَبْد اللَّهِ، مَا هَذَا؟ قَالَ: عدي عَلَى أَمِير الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فقتل بلا ترة وَلا عذر، قَالَ: ومن؟ قَالَ: الغوغاء من الأمصار ونزاع القبائل، وظاهرهم الأعراب والعبيد، قَالَ: فتريدون ماذا؟ قَالَ: ننهض الناس فيدرك بهذا الدم لئلا يبطل، فإن فِي إبطاله توهين سلطان اللَّه بيننا أبدا، إذا لم يفطم الناس عن أمثالها لم يبق إمام إلا قتله هَذَا الضرب، قَالَ: وَاللَّهِ إن ترك هَذَا لشديد، وَلا تدرون إِلَى أين ذَلِكَ يسير! فودع كل واحد منهما صاحبه، وافترقا ومضى الناس.