صفر 8 هـ
حزيران 629 م
قصَّة إِسْلَام خَالِد بن الْوَلِيد رَضِي الله عَنهُ

وَأخرج ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ عَن خَالِد بن الْوَلِيد قَالَ لما أَرَادَ الله عز وَجل مَا أَرَادَ من الْخَيْر قذف فِي قلبِي الاسلام وحضرني رشدي وَقلت قد …

شهِدت هَذِه المواطن كلهَا على مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَيْسَ موطن أشهده إِلَّا أنصرف وَأَنا أرى فِي نَفسِي أَنِّي مَوضِع فِي غير شَيْء وَأَن مُحَمَّدًا سَيظْهر فَلَمَّا خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْحُدَيْبِيَة خرجت فِي خيل الْمُشْركين فَلَقِيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أَصْحَابه بعسفان فَقُمْت بإزائه وتعرضت لَهُ فصلى بِأَصْحَابِهِ الظّهْر امامنا فهممنا ان نغير عَلَيْهِ ثمَّ لم يعزم لنا وَكَانَت فِيهِ خيرة فَأطلع على مَا فِي انفسنا من الهموم بِهِ فصلى أَصْحَابه صَلَاة الْعَصْر صَلَاة الْخَوْف فَوَقع ذَلِك منا موقعا وَقلت الرجل مَمْنُوع فافترقنا وَعدل عَن سنَن خَيْلنَا وَأخذت ذَات الْيَمين فَلَمَّا صَالح قُريْشًا بِالْحُدَيْبِية ودافعه قُرَيْش بِالرَّاحِ قلت فِي نَفسِي أَي شَيْء بَقِي أَيْن الْمَذْهَب الى النَّجَاشِيّ فقد اتبع مُحَمَّدًا وَأَصْحَابه عِنْده آمنون فَأخْرج إِلَى هِرقل فَاخْرُج من ديني الى نَصْرَانِيَّة اَوْ يَهُودِيَّة فأقيم مَعَ عجم تَابعا لَهُم مَعَ عيب ذَلِك عَليّ اَوْ أقيم فِي دَاري فِيمَن بَقِي فَأَنا على ذَلِك إِذْ دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عمْرَة الْقَضِيَّة فطلبني فَلم يجدني وَكتب إِلَيّ كتابا فَإِذا فِيهِ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم اما بعد فَإِنِّي لم أر أعجب من ذهَاب رَأْيك عَن الاسلام وعقلك عقلك وَمثل الْإِسْلَام يجهله اُحْدُ قد سَأَلَني عَنْك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ ايْنَ خَالِد فَقلت يَأْتِي الله بِهِ فَقَالَ مَا مثله جهل الْإِسْلَام وَلَو كَانَ يَجْعَل نكايته وَحده مَعَ الْمُسلمين على الْمُشْركين كَانَ خيرا لَهُ ولقدمناه على غَيره فاستدرك يَا أخي مَا قد فاتك وَلَقَد فاتتك مَوَاطِن صَالِحَة فَلَمَّا جَاءَنِي كِتَابه نشطت لِلْخُرُوجِ وَزَادَنِي رَغْبَة فِي الْإِسْلَام وسرني مقَالَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأرى فِي الْمَنَام كَأَنِّي فِي بِلَاد ضيقَة جدبة فَخرجت إِلَى بِلَاد خضراء وَاسِعَة قلت إِن هَذِه لرؤيا فَلَمَّا قدمنَا الْمَدِينَة قلت لأذكرنها لأبي بكر فَذَكرتهَا لَهُ فَقَالَ هُوَ مخرجك الَّذِي هداك الله للاسلام والضيق الَّذِي كنت فِيهِ الشّرك فَلَمَّا أَجمعت الْخُرُوج إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت من أصَاحب إِلَى مُحَمَّد فَلَقِيت صَفْوَان بن أُميَّة فَقلت يَا ابا وهب اما لرأي إِلَى مَا نَحن فِيهِ إِنَّمَا نَحن كأضراس وَقد ظهر مُحَمَّد على الْعَرَب والعجم فَلَو قدمنَا على مُحَمَّد فاتبعناه فان شرف مُحَمَّد لنا شرف فَأبى أَشد الإباء وَقَالَ لَو لم يبْق غَيْرِي مَا اتبعته ابدا فافترقنا وَقلت هَذَا رجل قتل اخوه وَأَبوهُ ببدر فَلَقِيت عِكْرِمَة بن أبي جهل فَقلت لَهُ مثل مَا قلت لِصَفْوَان بن امية فَقَالَ لي مثل مَا قَالَ صَفْوَان فَقلت فاكتم ذكر مَا قلت لَك قَالَ لَا اذكره قَالَ فَخرجت إِلَى منزلي فَأمرت براحلتي تخرج إِلَى أَن القى عُثْمَان بن طَلْحَة فَقلت إِن هَذَا لي صديق فَلَو ذكرت لَهُ مَا أَرْجُو ثمَّ ذكرت من قتل آبَائِهِ فَكرِهت ان اذكره فَقلت وَمَا عَليّ وَأَنا راحل من سَاعَتِي فَذكرت لَهُ مَا صَار الْأَمر إِلَيْهِ فَقلت إِنَّمَا نَحن بِمَنْزِلَة ثَعْلَب فِي جُحر لَو صوب فِيهِ ذنُوب من مَاء خرج وَقلت لَهُ نَحوا مِمَّا قلت لصاحبي فأسرع الاجابة وَقَالَ إِنِّي عدوت الْيَوْم وَأَنا اريد ان اغدو وَهَذِه رَاحِلَتي بفج مناخة قَالَ فاتعدت أَنا وَهُوَ بيأجج إِن سبقني أَقَامَ وَإِن سبقته أَقمت عَلَيْهِ قَالَ فادلجنا سحرًا فَلم يطلع الفجو حَتَّى الْتَقَيْنَا بيأجج فغدونا حَتَّى انتهينا إِلَى الهدة فنجد عَمْرو بن الْعَاصِ بهَا فَقَالَ مرْحَبًا بالقوم فَقُلْنَا وَبِك قَالَ ايْنَ مسيركم قُلْنَا مَا اخرجك فَقَالَ مَا أخرجكم قُلْنَا الدُّخُول فِي الاسلام وَاتِّبَاع مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَذَلِكَ الَّذِي أقدمني قَالَ فاصطحبنا جَمِيعًا حَتَّى دَخَلنَا الْمَدِينَة فأنحنا بِظهْر الْحرَّة رِكَابنَا فَأخْبرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فسر بِنَا فَلبِست من صَالح ثِيَابِي ثمَّ عَمَدت إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فلقيني أخي فَقَالَ أسْرع فَإِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد أخبر بك فسر بقدومكم وَهُوَ ينتظركم فأسرعنا الْمَشْي فأطلعت عَلَيْهِ فَمَا زَالَ يتبسم إِلَيّ حَتَّى وقفت عَلَيْهِ فَسلمت عَلَيْهِ بِالنُّبُوَّةِ فَرد عَليّ السَّلَام بِوَجْه طلق فَقلت إِنِّي أشهد ان لَا إِلَه إِلَّا الله وانك رَسُول الله فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي هداك قد كنت أرى لَك عقلا رَجَوْت ان لَا يسلمك إِلَّا إِلَى خير قلت يَا رَسُول الله قد رَأَيْت مَا كنت اشْهَدْ من تِلْكَ المواطن عَلَيْك فَادع الله يغفرها لي فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الاسلام يجب مَا كَانَ قبله.

وَأخرج الْحَاكِم عَن ابْن عَبَّاس قَالَ خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عزاة فلقي الْمُشْركين بعسفان فَلَمَّا صلى الظّهْر فراوه يرجع وَيسْجد هُوَ وَأَصْحَابه قَالَ بَعضهم لبَعض كَانَ هَذِه فرْصَة لكم لَو أَغَرْتُم مَا علمُوا بكم حَتَّى تُوَاقِعُوهُمْ فَقَالَ قَائِل مِنْهُم فان لَهُم صَلَاة أُخْرَى هِيَ أحب اليهم من أهلهم وَأَمْوَالهمْ فَاسْتَعدوا حَتَّى تغيرُوا عَلَيْهِم فَأنْزل الله وَإِذا كنت فهيم فأقمت لَهُم الصَّلَاة الْآيَة وأعلمه مَا ائتمر بِهِ الْمُشْركُونَ فَلَمَّا صلى الْعَصْر وَكَانُوا قبالته فِي الْقبْلَة جعل الْمُسلمين خلفة صفّين وَصلى صَلَاة الْخَوْف فَلَمَّا نظر اليهم الْمُشْركُونَ يسْجد بَعضهم وَيقوم بَعضهم ينظر إِلَيْهِم قَالُوا لقد اخبروا بِمَا أردنَا بهم.

وَأخرج الخرائطي فِي الهواتف عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما توجه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُرِيد مَكَّة عَام الْحُدَيْبِيَة صرخَ صارخ من اعلى جبل أبي قبيس لَيْلَة أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَصْحَابه بِالْمَسِيرِ بِصَوْت اسْمَع اهل مَكَّة:

هبوا فساحركم منا صحابته *** سِيرُوا إِلَيْهِ وَكُونُوا معشرا كرما
بعد الطّواف وَبعد السَّعْي فِي مهل *** وان يجوزهم من مَكَّة الحرما
شَاهَت وُجُوهكُم من معشر نكل *** لَا تنْصرُونَ إِذا مَا حَاربُوا صنما

فَاجْتمع الْمُشْركُونَ وتعاقدوا ان لَا يدْخل عَلَيْهِم بِمَكَّة فِي عَامهمْ هَذَا فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ هَذَا الْهَاتِف سلفع شَيْطَان الْأَصْنَام يُوشك ان يقْتله الله إِن شَاءَ الله فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ سمعُوا من أَعلَى الْجَبَل صَوتا وَهُوَ يَقُول:

شَاهَت وُجُوه رجال حالفوا صنما *** وخاب سَعْيهمْ مَا أقصر الهمما
إِنِّي قتلت عَدو الله سلفعة *** شَيْطَان أوثانكم سحقا لمن ظلما
وَقد أَتَاكُم رَسُول الله فِي نفر *** وَكلهمْ محرم لَا يسفكون دَمًا