8 هـ
629 م
فَصْلٌ فِيمَا كَانَ مِنَ الْحَوَادِثِ الْمَشْهُورَةِ فِي سنة ثَمَان والوفيات

فَكَانَ من جُمَادَى مِنْهَا وَقْعَةُ مُؤْتَةَ، وَفِي رَمَضَانَ غَزْوَةُ فَتْحِ مَكَّةَ، وَبَعْدَهَا فِي شَوَّالٍ غَزْوَةُ هَوَازِنَ بحنين، وَبعده كَانَ حِصَارُ الطَّائِفِ، ثُمَّ كَانَتْ عُمْرَةُ …

الْجِعْرَانَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمَدِينَةِ فِي بَقِيَّةِ السَّنَةِ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ لِلَيَالٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فِي سُفْرَتِهِ هَذِهِ.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ إِلَى جَيْفَرٍ وَعَمْرٍو ابْنَيِ الْجُلَنْدِيِّ مِنَ الْأَزْدِ، وَأُخِذَتِ الْجِزْيَةُ مِنْ مَجُوسِ بَلَدِهِمَا وَمَنْ حَوْلَهَا مِنَ الْأَعْرَابِ.
قَالَ: وَفِيهَا تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةُ بِنْتَ الضِّحَاكِ بْنِ سُفْيَانَ الْكِلَابِيِّ فِي ذِي الْقعدَة، فاستعاذت مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلَام فَفَارَقَهَا، وَقِيلَ بَلْ خَيَّرَهَا فَاخْتَارَتِ الدُّنْيَا فَفَارَقَهَا.
قَالَ: وَفِي ذِي الْحِجَّةِ مِنْهَا وُلِدَ إِبْرَاهِيمُ ابْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ، فَاشْتَدَّتْ غَيْرَةُ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهَا حِينَ رُزِقَتْ وَلَدًا ذَكَرًا، وَكَانَتْ قَابِلَتُهَا فِيهِ سُلْمَى مُوَلَّاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَخَرَجَتْ إِلَى أَبِي رَافِعٍ فَأَخْبَرَتْهُ فَذَهَبَ فَبَشَّرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهُ مَمْلُوكًا، وَدَفَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أم برة بنت الْمُنْذر بن أسيد بْنِ خِدَاشِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ وَزَوْجُهَا الْبَرَاءُ بْنُ أَوْسِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْجَعْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ مبذول.
وَكَانَتْ فِيهَا وَفَاةُ مَنْ ذَكَرْنَا مِنَ الشُّهَدَاءِ فِي هَذِهِ الْوَقَائِعِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا هَدْمَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْبَيْتَ الَّذِي كَانَتِ الْعُزَّى تُعْبَدُ فِيهِ بِنَخْلَةَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ، وَذَلِكَ لِخَمْسٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ مِنْهَا.
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَفِيهَا كَانَ هَدْمُ سُوَاعٍ الَّذِي كَانَتْ تَعْبُدُهُ هُذَيْلٌ بِرُهَاطٍ، هَدَمَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَمْ يَجِدْ فِي خِزَانَتِهِ شَيْئًا، وَفِيهَا هُدِمَ مَنَاةُ بِالْمُشَلَّلِ، وَكَانَتِ الْأَنْصَارُ أَوَسُهَا وَخَزْرَجُهَا يُعَظِّمُونَهُ، هَدَمَهُ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ الْأَشْهَلِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ هَذَا فَصْلًا مُفِيدًا مَبْسُوطًا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النَّجْمِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ (20) وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ} [النجم:20-21].
قُلْتُ: وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ قِصَّةَ تَخْرِيبِ خَثْعَمٍ الْبَيْتَ الَّذِي كَانَتْ تَعْبُدُهُ وَيُسَمُّونَهُ الْكَعْبَةَ الْيَمَانِيَّةَ مُضَاهِيَةً لِلْكَعْبَةِ الَّتِي بِمَكَّةَ، ويسمون الَّتِى بِمَكَّة الْكَعْبَة الشامية وَتلك الْكَعْبَة اليمانية، فَقَالَ البُخَارِيّ: حَدثنَا يُوسُف بن مُوسَى، حَدثنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَلَا تُرِيحُنِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ»؟ فَقُلْتُ: بَلَى.
فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ، وَكَانُوا أَصْحَابَ خَيْلٍ، وَكُنْتُ لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَرَبَ يَدَهُ فِي صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ يَدِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ: «اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا» قَالَ: فَمَا وَقَعْتُ عَنْ فَرَسٍ بَعْدُ.
قَالَ: وَكَانَ ذُو الْخَلَصَةِ بَيْتًا بِالْيَمَنِ لَخَثْعَمٍ وَبَجِيلَةَ فِيهِ نُصُبٌ تُعْبَدُ يُقَالُ لَهُ الْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَّةُ.
قَالَ: فَأَتَاهَا فَحَرَّقَهَا فِي النَّارِ وَكَسَرَهَا.
قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ جَرِيرٌ الْيَمَنَ كَانَ بِهَا رَجُلٌ يَسْتَقْسِمُ بِالْأَزْلَامِ فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَاهُنَا فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْكَ ضَرَبَ عُنُقَكَ، قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ يَضْرِبُ بِهَا إِذْ وَقَفَ عَلَيْهِ جَرِيرٌ فَقَالَ: لَتَكْسَرَنَّهَا وَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَوْ لَأَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ.
فَكَسَرَهَا وَشَهِدَ.
ثُمَّ بَعَثَ جَرِيرٌ رَجُلًا مِنْ أحمس يكنى أَرْطَأَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَشِّرُهُ بِذَلِكَ.
قَالَ: فَلَمَّا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُ حَتَّى تركتهَا كَأَنَّهَا جمل أجرب.
قَالَ: فَبَارك رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الله البجلى بِنَحْوِهِ.