22 هـ
643 م
فتح أذربيجان

قال: ولما افتتح نعيم همذان ثانية، وسار إلى الري من واج روذ، كتب إليه عمر: أن يبعث سماك بْن خرشة الأنصاري ممدا لبكير بْن عبد اللَّه …

بأذربيجان، فأخر ذلك حتى افتتح الري، ثم سرحه من الري، فسار سماك نحو بكير بأذربيجان، وكان سماك بْن خرشة وعتبة بن فرقد من أغنياء العرب، وقدما الكوفة بالغنى، وقد كان بكير سار حين بعث إليها، حتى إذا طلع بحيال جرميذان- طلع عليهم إسفندياذ بن الفرخزاد مهزوما من واج روذ، فكان أول قتال لقيه بأذربيجان، فاقتتلوا، فهزم اللَّه جنده، وأخذ بكير إسفندياذ أسيرا، فقال له إسفندياذ: الصلح أحب إليك أم الحرب؟ قال: بل الصلح، قال: فأمسكني عندك، فإن أهل أذربيجان إن لم اصالح عليهم او أجيء لم يقيموا لك، وجلوا إلى الجبال التي حولها من القبج والروم ومن كان على التحصن تحصن إلى يوم ما، فأمسكه عنده، فأقام وهو في يده، وصارت البلاد إليه إلا ما كان من حصن وقدم عليه سماك بْن خرشة ممدا وإسفندياذ في إساره، وقد افتتح ما يليه، وافتتح عتبة بْن فرقد ما يليه وقال بكير لسماك مقدمه عليه، ومازحه: ما الذي أصنع بك وبعتبة بأغنيين؟ لئن أطعت ما في نفسي لأمضين قدما ولأخلفنكما، فإن شئت أقمت معي، وإن شئت أتيت عتبة فقد أذنت لك، فإني لا أراني إلا تارككما وطالبا وجها هو أكره من هذا.
فاستعفى عمر، فكتب إليه بالإذن على أن يتقدم نحو الباب، وأمره أن يستخلف على عمله، فاستخلف عتبة على الذي افتتح منها، ومضى قدما، ودفع إسفندياذ إلى عتبة، فضمه عتبة إليه، وأمر عتبة سماك بْن خرشة- وليس بأبي دجانة- على عمل بكير الذي كان افتتح، وجمع عمر أذربيجان كلها لعتبة بْن فرقد.
قالوا: وقد كان بهرام بن الفرخزاد أخذ بطريق عتبة بْن فرقد، وأقام له في عسكره حتى قدم عليه عتبة، فاقتتلوا، فهزمه عتبة، وهرب بهرام.
فلما بلغ الخبر بهزيمة بهرام ومهربه إسفندياذ وهو في الإسار عند بكير، قال: الآن تم الصلح، وطفئت الحرب، فصالحه، وأجاب إلى ذلك كلهم، وعادت أذربيجان سلما، وكتب بذلك بكير وعتبة إلى عمر، وبعثوا بما خمسوا مما أفاء اللَّه عليهم، ووفدوا الوفود بذلك، وكان بكير قد سبق عتبة بفتح ما ولي، وتم الصلح بعد ما هزم عتبة بهرام وكتب عتبة بينه وبين أهل أذربيجان كتابا حيث جمع له عمل بكير إلى عمله:
بسم اللَّه الرحمن الرحيم هذا ما أعطى عتبة بْن فرقد، عامل عمر بْن الخطاب أمير المؤمنين أهل أذربيجان- سهلها وجبلها وحواشيها وشفارها وأهل مللها- كلهم الأمان على أنفسهم وأموالهم ومللهم وشرائعهم، على أن يؤدوا الجزية على قدر طاقتهم، ليس على صبي ولا امرأة ولا زمن ليس في يديه شيء من الدنيا، ولا متعبد متخل ليس في يديه من الدنيا شيء، لهم ذلك ولمن سكن معهم، وعليهم قرى المسلم من جنود المسلمين يوما وليلة ودلالته، ومن حشر منهم في سنة وضع عنه جزاء تلك السنة، ومن أقام فله مثل ما لمن أقام من ذلك، ومن خرج فله الأمان حتى يلجأ إلى حرزه وكتب جندب، وشهد بكير بْن عبد اللَّه الليثي وسماك بْن خرشة الأنصاري وكتب في سنة ثمان عشرة.
قالوا: وفيها، قدم عتبة على عمر بالخبيص الذي كان أهداه له، وذلك أن عمر كان يأخذ عماله بموافاة الموسم في كل سنة يحجر عليهم بذلك الظلم، ويحجزهم به عنه.