16 شوال 3 هـ
4 نيسان 625 م
غزوة حمراء الأسد

وهى على ثمانية أميال من المدينة على يسار الطريق إذا أردت ذا الحليفة وكانت صبيحة يوم الأحد لست عشرة، أو لثمان خلون من شوال …


على رأس اثنين وثلاثين شهرا من الهجرة لطلب عدوهم بالأمس، ونادى مؤذن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ألايخرج معنا أحد إلا من حضر يومنا بالأمس، أى من شهد أحدا.
وإنا خرج- عليه الصلاة والسلام- مرهبا للعدو، وليبلغهم أنه خرج فى طلبهم ليظنوا به قوة، وأن الذى أصابهم لم يوهنهم عن عدوهم.
وأقام- صلى الله عليه وسلم- بها الاثنين والثلاثاء والأربعاء، ثم رجع إلى المدينة يوم الجمعة وقد غاب خمسا.
وظفر- صلى الله عليه وسلم- فى مخرجه ذلك بمعاوية بن المغيرة بن أبى العاص فأمر بضرب عنقه صبرا.
قال الحافظ مغلطاى: وحرمت الخمر فى شوال، ويقال فى سنة أربع.
قال أبو هريرة فيما رواه أحمد: حرمت الخمر ثلاث مرات: قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المدينة، وهم يشربون الخمر، ويأكلون الميسر، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم- عنهما فأنزل الله {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة:219] إلى آخر الآية. فقال الناس: ما حرم علينا، إنما قال: فيهما إثم كبير.
وكانوا يشربون الخمر حتى كان يوما من الأيام صلى رجل من المهاجرين أم أصحابه فى المغرب خلط فى قراءته، فأنزل الله آية أغلظ منها {يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَأَنْتُمْ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ} [النساء:43] .
وكان الناس يشربون ثم نزلت آية أغلظ منها {يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ} [المائدة:90] إلى قوله: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة:90] قال: انتهينا ربنا.
والميسر: القمار وقيل غيره.
وولد الحسن بن على فى هذه السنة.
ثم سرية عبد الله بن عبد الأسد، هلال المحرم على رأس خمس وثلاثين شهرا من الهجرة، إلى قطن- جبل بناحية فيد- ومعه مائة وخمسون رجلا من الأنصار والمهاجرين، لطلب طليحة وسلمة ابنى خويلد، فلم يجدهما، ووجد إبلا وشاء فأغار عليهما ولم يلق كيدا.
ثم سرية عبد الله بن أنيس وحده، يوم الإثنين لخمس خلون من المحرم، على رأس خمسة وثلاثين شهرا من الهجرة، إلى سفيان بن خالد الهذلى بعرنة- وادى عرفة- لأنه بلغه- صلى الله عليه وسلم- أنه جمع الجموع لحربه.
فلما وصل إليه قال له ممن الرجل؟ قال: من بنى خزاعة، سمعت بجمعك لمحمد فجئتك لأكون معك، قال: أجل. فمشى معه ساعة، ثم اغتره وقتله، وأخذ رأسه، فكان يسير الليل ويتوارى النهار، حتى قدم المدينة، فقال- صلى الله عليه وسلم-: «أفلح الوجه» قال: أفلح وجهك يا رسول الله، ووضع رأسه بين يديه.
وكانت غيبته ثمان عشرة ليلة، وقدم يوم السبت لسبع بقين من محرم.
ثم سرية عاصم بن ثابت، فى صفر على رأس ستة وثلاثين شهرا من الهجرة إلى الرجيع- بفتح الراء وكسر الجيم، اسم ماء لهذيل بين مكة وعسفان- بناحية الحجاز، وكانت الوقعة بالقرب منه فسميت به.
وحديث عضل والقارة- بفتح الضاد المعجمة بعدها لام- بطن من بنى الهون بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، ينسبون إلى عضل بن الديش.
وأما القارة، فبالقاف وتخفيف الراء، بطن من الهون ينسبون إلى الديش المذكور، قال ابن دريد: القارة: أكمة سوداء فيها حجارة، كأنهم نزلوا عندها فسموا بها.
وقصة عضل القارة كانت فى بعث الرجيع، لا فى سرية بئر معونة، وقد فصل بينهما ابن إسحاق، فذكر بعث الرجيع فى أواخر سنة ثلاث، وبئر معونة أوائل سنة أربع.
وذكر الواقدى أن خبر بئر معونة وخبر أصحاب الرجيع جاآ إلى النبى صلى الله عليه وسلم- فى ليلة واحدة.
وسياق ترجمة البخارى يوهم أن بعث الرجيع وبئر معونة شىء واحد، وليس كذلك، لأن بعث الرجيع كان سرية عاصم وخبيب وأصحابهما، وهى مع عضل والقارة وبئر معونة كانت سرية القراء، وهى مع رعل وذكوان، وكأن البخارى أدمجها معها لقربها منها.
ويدل على قربها منها ما فى حديث أنس من تشريك النبى- صلى الله عليه وسلم- بين بنى لحيان وبين عصية وغيرهم فى الدعاء.
ولم يرد البخارى- رحمه الله- أنهما قصة واحدة، ولم يقع ذكر عضل والقارة عنده صريحا.
وإنما وقع ذلك عند ابن إسحاق. فإنه بعد أن استوفى قصة أحد قال:
ذكر يوم الرجيع: حدثنى عاصم بن عمر بن قتادة قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم- بعد أحد رهط من عضل والقارة فقالوا: يا رسول الله، إن فينا إسلاما، فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهوننا، فبعث معهم ستة من أصحابه وأمر- صلى الله عليه وسلم- على القوم مرثد بن أبى مرثد الغنوى.
كذا فى السيرة له- وفى الصحيح: وأمر عليهم عاصم بن ثابت، كما سيأتى، وهو أصح- فخرجوا مع القوم حتى أتوا على الرجيع- ماء لهذيل- غدروا بهم فاستصرخوا عليهم هذيلا فلم يرع القوم، وهم فى رحالهم، إلا الرجال بأيديهم السيوف، وقد غشوهم، فأخذوا أسيافهم ليقاتلوا القوم، فقالوا لهم: إنا والله لا نريد قتلكم، ولكنا نريد أن نصيب بكم شيئا من أهل مكة، ولكم عهد الله وميثاقه ألانقتلكم، فأبوا، فأما مرثد وخالد وعاصم، فقالوا: والله لا نقبل من مشرك عهدا وقاتلوا حتى قتلوا.
وفى البخارى: وأمر عليهم عاصم بن ثابت، حتى إذا كانوا بالهدأة بين عسفان ومكة- ذكروا لحى من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فنفروا لهم فى مائتى رجل. وعند بعضهم فتبعوهم بقريب من مائة رام.
والجمع بينهما واضح، بأن تكون المائة الآخرى غير رماة.
وفى رواية أبى مشعر فى مغازيه: فنزلوا بالرجيع سحرا، فأكلوا تمر عجوة، فسقط نواه بالأرض، وكانوا يسيرون الليل ويكمنون بالنهار، فجاءت امرأة من هذيل ترعى غنما، فرأت النواآت وأنكرت صغرهن، وقالت هذا تمر يثرب فصاحت فى قومها قد أتيتم، فجاؤا فى طلبهم، فوجدوهم قد كمنوا فى الجبل، وتبعوا آثارهم حتى لحقوهم.
وفى رواية ابن سعد: فلم يرع القوم إلا الرجال بأيديهم السيوف قد غشوهم.
فلما أحس بهم عاصم وأصحابه لجئوا إلى فدفد- بفاءين مفتوحتين، ومهملتين، الأولى ساكنة- وهى الرابية المشرفة، فأحاط بهم القوم، فقالوا: لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا ألانقتل منكم رجلا، فقال عاصم بن ثابت أيها القوم: أما أنا فلا أنزل فى ذمة كافر، ثم قال اللهم أخبر عنا رسولك، فاستجاب الله لعاصم فأخبر رسول الله خبرهم يوم أصيبوا.
فرموهم بالنبل، فقتلوا عاصما، ونزل إليهم على العهد والميثاق: خبيب ابن عدى وزيد بن الدثنة- بفتح الدال المهملة، وكسر المثلاثة، والنون المفتوحة المشددة- وعبد الله بن طارق.
فانطلقوا بخبيب وزيد بن الدثنة حتى باعوهما بمكة، فابتاع بنو الحارث ابن عامر خبيبا، فلبث خبيب عندهم أسيرا، حتى إذا أجمعوا على قتله استعار من بعض بنات الحارث موسى يستحد بها- يعنى يحلق عانته- فغافلت عن ابن لها صغير فأقبل إليه الصبى فأجلسه عنده فخشيت المرأة أن يقتله، ففزعت، فقال خبيب: ما كنت لأغدر.
قال قالت: والله ما رأيت أسيرا خيرا من خبيب، والله لقد وجدته يأكل قطفا من عنب مثل رأس الرجل، وإنه لموثق بالحديد وما بمكة من ثمرة، وما كان إلا رزقا رزقه الله.
وهذه كرامة جعلها الله تعالى لخبيب، آية على الكفار، وبرهانا لنبيه لتصحيح رسالته.
والكرامة للأولياء ثابتة مطلقا عند أهل السنة. لكن استثنى بعض المحققين منهم كالعلامة الربانى أبى القاسم القشيرى ما وقع به التحدى لبعض الأنبياء فقال: ولا يصلون إلى مثل إيجاد ولد من غير أب ونحو ذلك. وهذا أعدل المذاهب فى ذلك.
وإن إجابة الدعوة فى الحال، وتكثير الطعام والمكاشفة بما يغيب عن العين والإخبار بما سيأتى ونحو ذلك قد كثر جدّا، حتى صار وقوع ذلك ممن ينسب إلى الصلاح كالعادة.
فانحصر الخارق الآن فى نحو ما قاله القشيرى، وتعين تقييد من أطلق، بأن كل معجزة لنبى يجوز أن تقع كرامة لولى.
ووراء ذلك: أن الذى استقر عند العامة، أن خرق العادة يدل على أن من وقع له ذلك يكون من أولياء الله، وهو غلط. فإن الخارق قد يظهر على يد المبطل من ساحر وكاهن وراهب، فيحتاج من يستدل بذلك على ولاية أولياء الله إلى فارق، وأولى ما ذكروه: أن يختبر حال من وقع له ذلك، فإن كان متمسكا بالأوامر الشرعية والنواهى، كان علامة على ولايته، ومن لا فلا. والله أعلم انتهى ملخصا من الفتح.
ولما خرجوا بخبيب من الحرم ليقتلوه قال: دعونى أصلى ركعتين- وعند موسى بن عقبة: أنه صلاهما فى موضع مسجد التنعيم- وقال: اللهم أحصهم عددا، ولا تبق منهم أحدا، واقتلهم بددا- يعنى متفرقين- فلم يحل الحول ومنهم أحد حى. وفى رواية بريدة بن سفيان، فقال خبيب: اللهم إنى لا أجد من يبلغ رسولك منى السلام فبلغه.
وفى رواية أبى الأسود عن عروة، جاء جبريل إلى النبى- صلى الله عليه وسلم- فأخبره بذلك.. الحديث.
ثم أنشأ يقول:

فلست أبالى حين أقتل مسلما *** على أى شق كان لله مصرعى
وذلك فى ذات الإله وإن يشأ *** يبارك على أوصال شلو ممزع

والأوصال جمع: وصل، وهو العضو. والشلو- بكسر المعجمة- الجسد ويطلق على العضو. لكن المراد به هنا الجسد. والممزع- بالزاى، ثم المهملة- القطع ومعنى الكلام: أعضاء جسد مقطع.
وعند أبى الأسود عن عروة زيادة فى هذا الشعر:

لقد أجمع الأحزاب فى وألبوا *** قبائلهم واستجمعوا كل مجمع

وفيه أيضا:

إلى الله أشكو غربتى بعد كربتى *** وما أرصد الأحزاب لى عند مصرعى

وساق ابن إسحاق هذه الأبيات ثلاثة عشر بيتا، قال ابن هشام: ومن الناس من ينكرها لخبيب.
وكان خبيب أول من سن الركعتين عند القتل لكل مسلم قتل صبرا، كذا قال ابن إسحاق، وقوله هذا يدل على أنها سنة جارية.
وإنما صار فعل خبيب سنة- والسنة إنما هى أقوال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأفعاله وتقريره- لأنه فعله فى حياته- صلى الله عليه وسلم-، فاستحسن ذلك من فعله واستحسنها المسلمون. والصلاة خير ما ختم به عمل العبد.
وقد صلى هاتين الركعتين زيد بن حارثة، مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وذلك فى حياته- عليه الصلاة والسلام-، كما رويناه من طريق السهيلى بسنده إلى الليث بن سعد قال: بلغنى أن زيد بن حارثة اكترى بغلا من رجل بالطائف، فاشترط عليه المكرى أن ينزله حيث شاء. قال: فمال به إلى خربة، فقال له انزل فنزل، فإذا فى الخربة قتلى كثيرة، قال فلما أراد أن يقتله قال له دعنى أصلى ركعتين، قال: صلّ فقد صلى قبلك هؤلاء فلم تنفعهم صلاتهم شيئا، فلما صليت أتانى ليقتلنى فقلت: يا أرحم الراحمين، قال: فسمع صوتا: لا تقتله، فهاب ذلك، فخرج يطلبه فلم ير شيئا، فرجع إلى، فناديت: يا أرحم الراحمين فعل ذلك ثلاثا، فإذا بفارس على فرس فى يده حربة حديد فى رأسها شعلة نار، فطعنه بها فأنفذها من ظهره فوقع ميتا. ثم قال: لما دعوت المرة الأولى: يا أرحم الراحمين كنت فى السماء السابعة، فلما دعوت المرة الثانية يا أرحم الراحمين كنت فى سماء الدنيا، فلما دعوت الثالثة أتيتك. انتهى.
ووقع فى رواية أبى الأسود عن عروة: فلما وضعوا فيه السلاح وهو مصلوب- يعنى خبيبا- نادوه وناشدوه: أتحب أن محمدا مكانك؟ قال: لا والله، ما أحب أن يفدينى بشوكة فى قدمه.
ويقال: إن الذى قال ذلك زيد بن الدثنة، وأن أبا سفيان قال له: يا زيد، أنشدك الله أتحب أن محمدا الآن عندنا مكانك تضرب عنقه، وأنك فى أهلك؟ قال: والله ما أحب أن محمدا الآن فى مكانه الذى هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه، وإنى لجالس فى أهلى. قال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحدا يحب كحب أصحاب محمد محمدا.
ثم قتله نسطاس- بكسر النون-.
وبعثت قريش إلى عاصم ليؤتوا بشىء من جسده يعرفونه، وكان عاصم قتل عظيما من عظامائهم يوم بدر، ولعل العظيم المذكور: عقبة بن أبى معيط، فإن عاصما قتله صبرا بأمر النبى- صلى الله عليه وسلم- بعد أن انصرفوا من بدر. ووقع عند ابن إسحاق وكذا فى رواية بريدة بن سفيان: أن عاصما لما قتل أرادت هذيل أخذ رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد، وهى أم مسافح وجلاس ابنى طلحة العبدرى، وكان عاصم قتلهما يوم أحد، وكانت قد نذرت حين أصاب ابنيها يوم أحد لئن قدرت على رأس عاصم لتشربن الخمر فى قحفه- بكسر القاف، وهو ما انفلق من الجمجمة فبان-.
قال الطبرى: وجعلت لمن جاء برأسه مائة ناقة.
فمنعهم منه الدبر- بفتح المهملة وسكون الموحدة: الزنابير- فلم يقدروا منه على شىء.
وكان عاصم بن ثابت قد أعطى الله عهدا ألايمسه مشرك ولا يمس مشركا.
فكان عمر لما بلغه خبره يقول: يحفظ الله العبد المؤمن بعد وفاته، كما حفظه فى حياته.
وإنما استجاب الله تعالى له فى حماية لحمه من المشركين، ولم يمنعهم من قتله لما أراد من إكرامه بالشهادة، ومن كرامته حمايته من هتك حرمته بقطع لحمه.
سرية المنذر بن عمرو- بفتح العين المهملة- إلى بئر معونة- بفتح الميم وضم المهملة وسكون الواو بعدها نون- موضع ببلاد هذيل بين مكة وعسفان.
فى صفر على رأس ستة وثلاثين شهرا من الهجرة، على رأس أربعة أشهر من أحد.
بعث معه المطلب السلمى ليدلهم على الطريق.
وكانت مع رعل- بكسر الراء وسكون العين المهملة- بطن من بنى سليم، ينسبون إلى رعل بن عوف بن مالك. وذكوان بطن من بنى سليم أيضا ينسون إلى ذكوان بن ثعلبة. فنسبت الغزوة إليها.
وهذه الوقعة تعرف بسرية القراء، وكان من أمرها- كما قاله ابن إسحاق- أنه قدم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر المعروف بملاعب الأسنة على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فعرض عليه الإسلام، فلم يسلم ولم يبعد عن الإسلام. وقال: يا محمد لو بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد فدعوتهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك. فقال- صلى الله عليه وسلم-: «إنى أخشى أهل نجد عليهم» قال أبو براء: أنا لهم جار فابعثهم.
فبعث- عليه الصلاة والسلام- المنذر بن عمرو، ومعه القراء وهم سبعون- وقيل أربعون وقيل: ثلاثون-.
وقد بين قتادة فى روايته أنهم كانوا يحتطبون بالنهار ويصلون بالليل، وفى رواية ثابت: يشترون به الطعام لأهل الصفة، ويتدارسون القرآن بالليل.
فساروا حتى نزلوا بئر معونة، بعثوا حرام بن ملحان بكتابه- صلى الله عليه وسلم- إلى عدو الله عامر بن الطفيل العامرى، ومات كافرا- وليس هو عامر بن الطفيل الأسلمى الصحابى- فلما أتاه لم ينظر فى كتابه حتى عدا على الرجل فقتله، ثم استصرخ عليهم بنى عامر فلم يجيبوه، وقالوا: لن نخفر أبا براء، وقد عقد لهم عقدا وجوارا، فاستصرخ عليهم قبائل من سليم: عصية ورعلا فأجابوه إلى ذلك، ثم خرجوا حتى غشوا القوم فأحاطوا بهم فى رحالهم، فلما رأوهم أخذوا سيوفهم وقاتلوهم حتى قتلوا إلى آخرهم، إلا كعب بن زيد فإنهم تركوه وبه رمق، فعاش حتى قتل يوم الخندق شهيدا.
وأسر عمرو بن أمية الضمرى، فلما أخبرهم أنه من مضر أخذه عامر بن الطفيل وأعتقه عن رقبة زعم أنها كانت على أمه.
فلما بلغ النبى- صلى الله عليه وسلم- خبرهم، قال «هذا عمل أبى براء قد كنت لهذا كارها متخوفا» ، فبلغ ذلك أبا براء فمات أسفا على ما صنع عامر بن الطفيل.
وقتل عامر بن فهيرة يومئذ فلم يوجد جسده، دفنته الملائكة.
قال ابن سعد عن أنس بن مالك: ما رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وجد على أحد ما وجد على أصحاب بئر معونة.
وفى صحيح مسلم عن أنس أيضا: دعا- صلى الله عليه وسلم- على الذين قتلوا أصحاب بئر معونة ثلاثين صباحا، يدعو على رعل ولحيان وعصية عصت الله ورسوله، قال أنس: أنزل الله فى الذين قتلوا يوم بئر معونة قرآنا ثم نسخ بعد أى نسخت تلاوته- أن بلغوا قومنا أنا قد لقينا بنا، فرضى عنا ورضينا عنه.
كذا وقع فى هذه الرواية، وهو يوهم أن بنى لحيان ممن أصاب القراء يوم بئر معونة، وليس كذلك. وإنما أصاب رعل وذكوان وعصية ومن صحبهم من سليم، وأما بنو لحيان فهم الذين أصابوا بعث الرجيع. وإنما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم- عنهم كلهم فى وقت واحد، فدعا على الذين أصابوا أصحابه فى الموضعين دعاء واحدا والله أعلم.