رجب 9 هـ
تشرين الاول 630 م
غزوة تبوك

مكان معروف، وهى نصف طريق المدينة إلى دمشق.
وهى غزوة العسرة، وتعرف بالفاضحة لافتضاح المنافقين فيها …


وكانت يوم الخميس فى رجب سنة تسع من الهجرة بلا خلاف، وذكر البخارى لها بعد حجّة الوداع لعله خطأ من النساخ.
وكان حرّا شديدا، وجدبا كثيرا، فلذلك لم يور عنها كعادته فى سائر الغزوات.

وفى تفسير عبد الرزاق، عن معمر عن ابن عقيل قال: خرجوا فى قلة من الظهر وفى حر شديد، حتى كانوا ينحرون البعير فيشربون ما فى كرشه من الماء، فكان ذلك عسرة فى الماء وفى الظهر وفى النفقة، فسميت غزوة العسرة.
وسببها أنه بلغه- صلى الله عليه وسلم- من الأنباط الذين يقدمون بالزيت من الشام إلى المدينة أن الروم تجمعت بالشام مع هرقل. فندب- صلى الله عليه وسلم- الناس إلى الخروج وأعلمهم بالمكان الذى يريد، ليتأهبوا لذلك.
وروى الطبرانى من حديث عمران بن الحصين قال: كانت نصارى العرب كتبت إلى هرقل: إن هذا الرجل الذى خرج يدعى النبوة هلك، وأصابتهم سنون فهلكت أموالهم.
فبعث رجلا من عظامائهم وجهز معه أربعين ألفا. فبلغ ذلك النبى صلى الله عليه وسلم- ولم يكن للناس قوة.
وكان عثمان قد جهز عيرا إلى الشام فقال: يا رسول الله، هذه مائتا بعير بأقتابها وأحلاسها، ومائتا أوقية- يعنى من ذهب- قال: فسمعته يقول:
«لا يضر عثمان ما عمل بعدها».
وروى عن قتادة أنه قال: حمل عثمان فى جيش العسرة على ألف بعير وسبعين فرسا.
وعن عبد الرحمن بن سمرة قال: جاء عثمان بن عفان بألف دينار فى كمه حين جهز جيش العسرة فنثرها فى حجره- صلى الله عليه وسلم-، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم- يقلبها فى حجره ويقول: «ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم» خرجه الترمذى وقال: حسن غريب.

وعند الفضائلى والملاء فى سيرته، كما ذكره الطبرى فى الرياض النضرة من حديث حذيفة: بعث عثمان- يعنى فى جيش العسرة- بعشرة آلاف دينار إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فصبت بين يديه، فجعل- صلى الله عليه وسلم- يقول بيديه ويقلبها ظهرا لبطن يقول: «غفر الله لك يا عثمان ما أسررت وما أعلنت، وما هو كائن إلى يوم القيامة، ما يبالى ما عمل بعدها».
ولما تأهب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- للخروج، قال قوم المنافقين: لا تنفروا فى الحر، فنزل قوله تعالى: {وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي ٱلْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} [التوبة:81].
وأرسل- عليه السّلام- إلى مكة وقبائل العرب يستنفرهم.
وجاء البكاؤن يستحملونه، فقال- عليه السّلام-: «لا أجد ما أحملكم عليه».
وهم: سالم بن عمير، وعلبة بن زيد، وأبو ليلى عبد الرحمن بن كعب المازنى، والعرباض بن سارية، وهرم بن عبد الله، وعمرو بن عنمة، وعبد الله بن مغافل، وعبد الله بن عمرو المزنى، وعمرو بن الحمام، ومعقل المزنى، وحرمى بن مازن، والنعمان وسويد ومعقل وعقيل وسنان وعبد الرحمن وهند بنو مقرن. وهم الذين قال الله فيهم: {تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة:92] قاله مغلطاى.
وفى البخارى عن أبى موسى قال: أرسلنى أصحابى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم-، أسأله الحملان لهم، يا نبى الله، إن أصحابى أرسلونى إليك لتحملهم، فقال «والله لا أحملكم على شىء» فرجعت حزينا من منع النبى – صلى الله عليه وسلم-، ومن مخافة أن يكون النبى- صلى الله عليه وسلم- وجد فى نفسه على فرجعت إلى أصحابى فأخبرتهم الذى قال النبى- صلى الله عليه وسلم-. فلم ألبث إلا سويعة إذ سمعت بلالا ينادى: أين عبد الله بن قيس، فأجبته، فقال: أجب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يدعوك. فلما أتيته قال: «خذ هاتين القرينتين وهاتين القرينتين لستة أبعرة ابتاعهم حينئذ من سعد، فانطلق بهن إلى أصحابك فقل: إن الله، أو إن رسول الله يحملكم على هؤلاء فاركبوهن»  الحديث.
وقام علبة بن زيد، فصلى من الليل وبكى وقال: اللهم إنك قد أمرت بالجهاد ورغبت فيه، ثم لم تجعل عندى ما أتقوى به مع رسولك، ولم تجعل فى يد رسولك ما يحملنى عليه، وإنى أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابنى فيها، مال أو جسد أو عرض. ثم أصبح مع الناس. فقال النبى:
«أين المتصدق بهذه الليلة» فلم يقم أحد، ثم قال: «أين المتصدق بهذه الليلة؟» فلم يقم أحد، ثم قال: أين المتصدق فليقم، فقام إليه فأخبره، فقال صلى الله عليه وسلم-: «أبشر فو الذى نفس محمد بيده لقد كتبت فى الزكاة المقبلة» رواه يونس والبيهقى فى الدلائل، كما ذكره السهيلى فى الروض له.
وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم فى التخلف، فأذن لهم، وهم اثنان وثمانون رجلا.
وقعد آخرون من المنافقين بغير عذر وإظهار علة جرأة على الله ورسوله وهو قوله تعالى: {وَقَعَدَ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ} [التوبة:90] .
واستخلف على المدينة محمد بن مسلمة. قال الدمياطى: وهو عندنا أثبت ممن قال استخلق غيره. انتهى.
وقال الحافظ زين الدين العراقى، فى ترجمة على بن أبى طالب من شرح التقريب: لم يتخلف عن المشاهد إلا تبوك، فإن النبى- صلى الله عليه وسلم- خلفه على المدينة، وعلى عياله، وقال له يومئذ: «أنت منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبى بعدى» وهو فى الصحيحين من حديث سعد بن أبى وقاص.
انتهى. ورجحه ابن عبد البر.
وقيل: استخلف سباع بن عرفطة.
وتخلف نفر من المسلمين من غير شك ولا ارتياب، منهم، كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية، وفيهم نزل {وَعَلَى ٱلثَّلاَثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ} [التوبة:118]. وأبو ذر، وأبو خثيمة، ثم لحقاه بعد ذلك.
ولما رأى- صلى الله عليه وسلم- أبا ذر الغفارى- وكان- صلى الله عليه وسلم- نزل فى بعض الطريق- فقال: «يمشى وحده ويموت وحده ويبعث وحده». فكان كذلك.
وأمر- صلى الله عليه وسلم- لكل بطن من الأنصار والقبائل من العرب أن يتخذوا لواء وراية.
وكان معه- صلى الله عليه وسلم- ثلاثون ألفا. وعند أبى زرعة سبعون ألفا، وفى رواية عنه أيضا أربعون ألفا. وكانت الخيل عشرة آلاف فرس.
ولما مر- صلى الله عليه وسلم- بالحجر- بكسر الحاء وسكون الجيم- بديار ثمود قال: «لا تشربوا من مائها شيئا، ولا يخرجن أحد منكم إلا ومعه صاحب له» ففعل الناس، إلا أن رجلين من بنى ساعدة خرج أحدهما لحاجته وخرج الآخر فى طلب بعيره، فأما الذى خرج لحاجته فخنق على مذهبه وأما الذى خرج فى طلب بعيره فاحتملته الريح حتى طرحته بجبلى طيىء. فأخبر بذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «ألم أنهكم» ثم دعا للذى خنق على مذهبه فشفى، وأما الآخر فأهدته طيىء لرسول الله حين قدم المدينة.
وفى صحيح مسلم من حديث أبى حميد: انطلقنا حتى قدمنا تبوك، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «ستهب عليكم الليلة ريح شديدة، فلا يقم أحد منكم، فمن كان له بعير فليشد عقاله» فهبت ريح شديدة، فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبلى طيىء.
وروى الزهرى: لما مر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالحجر سجى ثوبه على وجهه واستحث راحلته ثم قال: «لا تدخلوا بيوت الذين ظلموا أنفسهم إلا وأنتم باكون، خوفا أن يصيبكم ما أصابهم» رواه الشيخان.
ولما كان- صلى الله عليه وسلم- ببعض الطريق ضلت ناقته.. فقال زيد بن اللصيت وكان منافقا-: أليس محمد يزعم أنه نبى ويخبركم عن خبر السماء، وهو لا يدرى أين ناقته؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إن رجلا يقول» وذكر مقالته، «وإنى لا أعلم إلا ما علمنى الله، وقد دلنى عليها، وهى فى الوادى فى شعب كذا وكذا، قد حبستها شجرة بزمامها. فانطلقوا حتى تأتونى بها» فانطلقوا فجاؤا بها. رواه البيهقى وأبو نعيم.
وفى مسلم من حديث معاذ بن جبل: أنهم وردوا عين تبوك، وهى تبض بشىء من ماء، وأنهم غرفوا منها قليلا قليلا حتى اجتمع فى شن ثم غسل- صلى الله عليه وسلم- به وجهه ويديه ثم أعاده فيها فجرت بماء كثير، فاستقى الناس. الحديث. ويأتى- إن شاء الله- فى مقصد المعجزات.
ولما انتهى- صلى الله عليه وسلم- إلى تبوك أتاه صاحب أيلة فصالحه وأعطاه الجزية.
وأتاه أهل جرباء- بالجيم- واذرح- بالذال المعجمة والراء والحاء المهملتين- بلدين بالشام بينهما ثلاثة أميال، فأعطوه الجزية، وكتب لهم- صلى الله عليه وسلم- كتابا.
ووجد هرقل بحمص، فأرسل خالد بن الوليد إلى أكيدر بن عبد الملك النصرانى، وكان ملكا عظيما بدومة الجندل، فى أربعمائه وعشرين فارسا فى رجب سرية، وقال له- عليه الصلاة والسلام-: «إنك ستجده ليلا يصيد البقر» ، فانتهى إليه خالد، وقد خرج من حصنه فى ليلة مقمرة، إلى بقر يطاردها، هو وأخوة حسان، وهرب من كان معهما فدخل الحصن، ثم أجار خالد أكيدر من القتل، حتى يأتى به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على أن يفتح له دومة الجندل، ففعل وصالحه على ألفى بعير وثمانمائة فرس وأربعمائة درع وأربعمائة رمح.
وفى هذه الغزوة كتب- صلى الله عليه وسلم- كتابا فى تبوك إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام، فقارب الإجابة ولم يجب. رواه ابن حبان فى صحيحه من حديث أنس.
وفى مسند أحمد أن هرقل كتب من تبوك إلى النبى- صلى الله عليه وسلم-: أنى مسلم فقال النبى- صلى الله عليه وسلم-: «كذب هو على نصرانيته».
وفى كتاب الأموال لأبى عبيد، بسند صحيح من مرسل بكر بن عبد الله نحوه ولفظه: فقال: «كذب عدو الله ليس بمسلم» .
ثم انصرف- صلى الله عليه وسلم- من تبوك، بعد أن أقام بها بضع عشرة ليلة. وقال الدمياطى- ومن قبله ابن سعد- عشرين ليلة، يصلى ركعتين، ولم يلق كيدا، وبنى فى طريقه مساجد.
وأقبل- صلى الله عليه وسلم- حتى نزل بذى أوان- بفتح الهمزة بلفظ الأوان: الحين- وبينهما وبين المدينة ساعة جاءه خبر مسجد الضرار من السماء.
فدعا مالك بن الدخشم ومعن بن عدى العجلانى فقال: انطلقا إلى مسجد الظالم أهله فاهدماه وحرقاه. فخرجا فحرقاه وهدماه.
وذلك بعد أن أنزل الله فيه: {وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً} [التوبة:107] .
قال الواحدى: قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وعامة أهل التفسير:
الذين اتخذوا مسجد الضرار كانوا اثنى عشر رجلا، يضارون به مسجد قباء، وذلك أنهم قالوا فى طائفة من المنافقين: نبنى مسجدا فنقيل فيه فلا نحضر خلف محمد.
قال المفسرون: ولما بنوا ذلك لأغراضهم الفاسدة عند ذهاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- إلى غزوة تبوك، ونحن نحب أن تصلى فيه وتدعو لنا بالبركة، فقال عليه الصلاة والسلام-: «إنى على جناح سفر، وإذا قدمن إن شاء الله تعالى صلينا فيه». فلما قفل من غزوة تبوك سألوه إتيان المسجد، فنزلت هذه الآية.
ولما دنا- صلى الله عليه وسلم- من المدينة خرج الناس لتلقيه. وخرج النساء والصبيان والولائد يقلن:

طلع البدر علينا *** من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا *** ما دعا لله داع

وقد وهم بعض الرواة- كما قدمته- وقال: إنما كان هذا عند مقدمه المدينة، وهو وهم ظاهر، لأن ثنيات الوداع إنما هى من ناحية الشام، لا يراها القادم من مكة إلى المدينة، ولا يراها إلا إذا توجه إلى الشام- كما قدمت ذلك-.
وفى البخارى: لما رجع- صلى الله عليه وسلم- من غزوة تبوك فدنا من المدينة، قال:
«إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم حبسهم العذر» وهذا يؤيد معنى ما ورد: نية المؤمن خير من عمله، فإن نية هؤلاء أبلغ من أعمالهم، فإنها بلغت بهم مبلغ أولئك العاملين بأبدانهم، وهم على فرشهم فى بيوتهم. والمسابقة إلى الله تعالى وإلى درجات العلا بالنيات والهمم لا بمجرد الأعمال.
ولما أشرف- صلى الله عليه وسلم- على المدينة قال: «هذه طابة وهذا أحد، جبل يحبنا ونحبه».
ولما دخل قال العباس يا رسول الله، ائذن لى أمتدحك قال: قل لا يفضض الله فاك، فقال:

من قبلها طبت فى الظلال وفى *** مستودع حيث يخصف الورق
ثم هبطت البلاد لا بشر *** أنت ولا مضغة ولا علق
بل نطفة تركب السفين وقد *** ألجم نسرا وأهله الغرق
تنقل من صالب إلى رحم *** إذا مضى عالم بدا طبق
وردت نار الخليل مكتتما *** فى صلبه أنت كيف يحترق

حتى احتوى بيتك المهمين من *** خندف علياء تحتها النطق
وأنت لما ولدت أشرقت الأر *** ض وضاءت بنورك الأفق
فنحن فى ذلك الضياء وفى ال *** نور وسبل الرشاد نخترق

وقوله: من قبلها طبت إلخ: أى ظلال الجنة، أى إنك كنت طيبا فى صلب آدم حيث كان فى الجنة.
وقوله: من قبلها: أى قبل نزولك إلى الأرض فكنى عنها ولم يتقدم لها ذكر لبيان المعنى.
وقوله: ثم هبطت البلاد لا بشر، أى لما أهبط الله آدم إلى الدنيا، كنت فى صلبه غير بالغ هذه الأشياء.
وقوله: وقد ألج نسرا وأهله الغرق، يريد الصنم الذى كان يعبده قوم نوح وهو المذكور فى قوله تعالى: {وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} [نوح:23] .
وقوله: حتى احتوى بيتك المهمين إلخ. النطق: جمع نطاق. وهى أعراض من جبال بعضها فوق بعض أى: نواح وأوساط منها شبهت بالنطق التى تشد بها أوساط الناس. ضربه مثلا فى ارتفاعه وتوسطه فى عشيرته وجعلهم تحته بمنزلة أوساط الجبال وأراد ببيته: شرفه، والمهمين: نعته، أى احتوى شرفه الشاهد إلى فضلك أعلى مكان من نسب خندف- وهو بكسر الخاء المعجمة والدال المهملة- انتهى.
وجاءه- صلى الله عليه وسلم- من كان تخلف عنه، فحلفوا له فعذرهم واستغفر لهم، وأرجأ أمر كعب وصاحبيه حتى نزلت توبتهم فى قوله تعالى: {لَقَدْ تَابَ ٱللهُ عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ وَٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ (117) وَعَلَى ٱلثَّلاَثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوۤاْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} [التوبة:117-118] .

والثلاثة هم: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع.
وعند البيهقى فى الدلائل، من مرسل سعيد بن المسيب: أن أبا لبابة بن عبد المنذر لما أشار لبنى قريظة بيده إلى حلقه: إنه الذبح وأخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم- بذلك فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «أحسبت أن الله قد غفل عن يدك حين تشير إليهم بها إلى حلقك» ، فلبث حينا ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- عاتب عليه، ثم غزا تبوكا فتخلف عنه أبو لبابة فيمن تخلف، فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم- منها جاءه أبو لبابة يسلم عليه فأعرض عنه رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ففزع أبو لبابة، فارتبط بسارية التوبة سبعا وقال: لا يزال هذا مكانى حتى أفارق الدنيا أو يتوب الله على. الحديث.
وعنده أيضا من حديث ابن عباس فى قوله تعالى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً} [التوبة:102] . قال: كانوا عشرة رهط تخلفوا عن النبى صلى الله عليه وسلم- فى غزوة تبوك، فلما رجع- صلى الله عليه وسلم- أوثق سبعة منهم أنفسهم بسوارى المسجد وكان ممر النبى- صلى الله عليه وسلم- إذ رجع فى المسجد عليهم، فقال: «من هؤلاء؟» قالوا: هذا أبو لبابة وأصحاب له تخلفوا عنك يا رسول الله، حتى تطلقهم وتعذرهم، فقال: «أقسم بالله لا أطلقهم ولا أعذرهم حتى يكون الله هو الذى يطلقهم، رغبوا عنى وتخلفوا عن الغزو» فأنزل الله تعالى:
{وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ} [التوبة:102] . فلما نزلت أرسل النبى- صلى الله عليه وسلم- فأطلقهم وعذرهم . الحديث.
قالوا: ولما قدم- صلى الله عليه وسلم- من تبوك وجد عويمر العجلانى امرأته حبلى، فلاعن- عليه السّلام- بينهما.