شوال 2 هـ
نيسان 624 م
غزوة بني قَينُقاع

هذا، وإذا كان للشخص عدوَّان فانتصر على أحدهما حَرَّك ذلك شجو الآخر، وهاج فؤاده، فتبدو بغضاؤه غير مكترث بعاقبة عدائه، وهذا ما حصل من يهود بني قينقاع عند تمام الظفر في بدر، …

فإنهم نبذوا ما عاهدوا المسلمين عليه، وأظهروا مكنون ضمائرهم، فبدت البغضاء من أفواههم، وانتهكوا حرمة سيدة من نساء الأنصار، وهذا ما يدعو المسلمين للتحرّز منهم وعدم ائتمانهم في المستقبل إذا شبّت الحرب في المدينة بين المسلمين وغيرهم، فأنزل الله في سورة الأنفال: {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْإِلَيْهِمْ عَلَى سَوَآء إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ} [الأنفال: 58] فدعا عليه الصلاة والسلام رؤساءهم وحذّرهم عاقبة البغي ونكث العهد، فقالوا: يا محمد لا يغرنّك ما لقيت من قومك فإنهم لا علم لهم بالحرب ولو لقيتنا لَتعلمَن أنّا نحن الناس، وكانوا أشجع يهود، فأنزل الله في سورة آل عمران: {قُلْ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) قَدْ كَانَ لَكُمْ ءايَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مّثْلَيْهِمْ رَأْىَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآء إِنَّ فِى ذالِكَ لَعِبْرَةً لاِوْلِى الاْبْصَارِ} [آل عمران: 13] وعند ذلك تبرأ من حلفهم عبادةُ بن الصامت، أحد رؤساء الخزرج، وتشبَّت بالحلف عبد الله بن أُبَيِّ، وقال: إني رجل أخشى الدوائر، فأنزل الله تعليماً للمسلمين في سورة المائدة: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَآء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِىَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَآ أَسَرُّواْ فِى أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [المائدة: 51 ــــ 52].

وعندما تظاهر يهود قينقاع بالعداوة وتحصنوا بحصونهم، سار إليهم عليه الصلاة والسلام في نصف شوال من هذه السنة، يحمل لواءه عمه حمزة، وخلَّف على المدينة أبا لبابة الأنصاري، فحاصرهم خمس عشرة ليلة.