4 هـ
625 م
غزوة بني النَّضِير

يا لله، ما أسوأ عاقبة الطيش فقد تكون الأمة مرتاحة البال، هادئة الخواطر، حتى تقوم جماعة من رؤسائها بعمل غدر، …

يظنون من ورائه النجاح، فيجلب عليهم الشرور ويشتتهم من ديارهم، وهذا ما حصل ليهود بني النضير حلفاء الخزرج، الذين كانوا يجاورون المدينة، فقد كان بينهم وبين المسلمين عهود يأمن بها كلٌّ منهم الآخر، ولكن بنو النضير لم يوفوا بهذه العهود حسداً منهم وبغياً. فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعض من أصحابه في ديار بني النضير إذ ائتمر جماعة منهم على قتله بأن يأخذ واحدٌ منهم صخرةً ويلقيها عليه من علو، فأُطلع عليه الصلاة والسلام على قصدهم، فرجع وتبعه أصحابه، ثم أرسل لهم محمد بن مسلمة يقول لهم: «اخرجوا من بلادي فقد هممتم بما هممتم من الغدر». إذ الحزم كل الحزم ألا يتهاون الإنسان مع مَنْ عُرف منه الغدر، فتهيأ القوم للرحيل، فأرسل لهم إخوانهم المنافقون يقولون: لا تخرجوا من دياركم ونحن معكم {لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ(11) لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الاْدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ} [الحشر: 11- 12] ولكن اليهود طمعوا بهذا الوعد، وتأخروا عن الجلاء، فأمر عليه الصلاة والسلام بالتهيؤ لقتالهم، فلما اجتمع الناس، خرج بهم، واستعمل على المدينة ابن أُم مكتوم، وأعطى رايته عليّاً. أما بنو النضير فتحصَّنوا في حصونهم وظنوا أنها مانعتهم من الله، فحاصرهم عليه الصلاة والسلام ست ليالٍ، ثم أمر بقطع نخيلهم ليكون أدعى إلى تسليمهم، فقذف الله في قلوبهم الرعب ولم يروا من عبد الله بن أُبَيٍّ مساعدة، بل خذلهم، كما خذل بني قينقاع من قبلهم، فسألوا رسول الله أن يجليهم، ويكفّ عن دمائهم، وأن لهم ما حملت الإبل من أموالهم، إلى آلة الحرب ففعل، وصار اليهود يخربون بيوتهم بأيديهم كيلا يسكنها المسلمون.
ولما سار اليهود نزل بعضهم بخيبر، ومنهم أكابرهم حُيَيُّبن أخطب، وسلاّمبن أبي الحُقَيْق، ومنهم من سار إلى أَذْرعَات بالشام، وأسلم منهم اثنان: يامين بن عمرو وأبو سعد بن وهب، ولم يخمِّس رسولُ الله ما أخذ من بني النضير، فإنه فيءٌ لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، ومثل هذا يكون لمعدّات الحرب، وللرسول، يطعم منه أهله، ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، كما قال تعالى في سورة الحشر: {مَّآ أَفَآء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَى لاَ يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الاْغْنِيَآء مِنكُمْ} [الحشر: 7] فأعطى عليه الصلاة والسلام من هذا الفيء فقراء المهاجرين، الذين أُخرجوا من ديارهم وأموالهم، وردّوا لإخوانهم من الأنصار ما كانوا قد أخذوه منهم أيام هجرتهم، وأخذ عليه الصلاة والسلام أرضاً يزرعها ويدّخِر منها قُوت أهله عاماً.