7 ربيع الأول 4 هـ
8 أيلول 625 م
غزوة بني النضير

وقتها

وهي عند ابن إسحاق: في شهر ربيع الأول على رأس خمسة أشهر من وقعة أُحدُ، وقال البخاري: قال الزهري، عن عروة: كانت على رأس ستة أشهر من وقعة بدر، قبل أُحدُ .

سبب الغزوة

قال موسى بن عقبة: وكانوا قد دسوا إلى قريش في قتال رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم، فحضوهم على القتال ودلوهم على العورة.

خروج النبي صلى اللهّٰ عليه وسلم إليهم

قال ابن إسحاق وغيره: ثم خرج رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم إلى بني النضير ليستعينهم في دية ذَينكِ القتيلين اللذين قتل عمروُ بن أمية الضمري للجوار الذي كان رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم عقد لهما.

حلف بني النضير وبني عامر

وكان بين بني النضير وبني عامر عقد وحلف.

غدر بني النضير

فلما أتاهم رسولُ اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم يستعينهم في ديتهما، قالوا: نعم يا أبا القاسم، نعينك على ما أحببت مما استعنت بنا عليه، ثم خلا بعضهم ببعض، وقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه، ورسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم إلى جنب جدار من بيوتهم قاعد، فمن رجل يعلو على هذا البيت فيلقي عليه صخرة فيريحنا منه؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب أحدهم، فقال: أنا لذلك، فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال، ورسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم في نفر من أصحابه، فيهم أبو بكر و
عمرو و علي رضي اللهّٰ عنهم.

تحذير سلام بن مشكم لهم

وقال ابن سعد: فقال سلام بن مشكم – يعني: لليهود- لا تفعلوا، واللهّٰ ليخبرن بما هممتم به، وإنه لنقض العهد الذي بيننا وبينه.

معرفة النبي بغدرهم

رجع إلى خبر ابن إسحاق، قال: فأتى رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم الخبر من السماء بما أراد القوم، فقام رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم راجعاً إلى المدينة، فلما استلبث النبيَّ صلى اللهّٰ عليه وسلم أصحابهُ قاموا في طلبه، فلقوا رجلاً من المدينة مقبلاً فسألوه، فقال: رأيته داخلاً إلى المدينة، فأقبل أصحاب النبي صلى اللهّٰ عليه وسلم، حتى انتهوا إليه، فأخبرهم الخبر بما كانت أرادت يهود من الغدر به . قال ابن عقبة: ونزل في ذلك: {يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ …} [المائدة: 11] الآية.

التهيؤ لقتالهم

رجع إلى خبر ابن إسحاق: فأمر رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم بالتهيؤ لحربهم والسير إليهم، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم فيما قال ابن هشام.

تحريم الخمر وقت حصارهم

وقال: ثم سار بالناس حتى نزل بهم فحاصرهم ست ليال ونزل تحريم الخمر.

قطع النخل وإحراقه

قال ابن إسحاق: فتحصنوا منه في الحصون، فأمر رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم بقطع النخل والتحريق فيها، فنادوه أن: يا محمد، قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من صنعه، فما بال قطع النخيل وتحر يقها؟

حلف بني عوف والنضير

وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج منهم: عبد اللهّٰ بن أبي ابن سلول، ووديعة بن مالك بن أبي قوقل، وسويد وداعس قد بعثوا إلى بني النضير أن اثبتوا وتمنعوا، فإنا لن نسلمكم، إن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أخرجتم خرجنا معكم، فتربصوا ذلك من نصرهم فلم يفعلوا، وقذف اللهّٰ في قلوبهم الرعب، فسألوا رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم أن يجليهم و يكف عن دمائهم، على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلَقْة، ففعل، فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل، فكان الرجل يهدم بيته عن نجاف بابه، فيضعه على بعير فينطلق به.

مغادرة اليهود إلى الشام

فخرجوا إلى خيبر، ومنهم من سار إلى الشام.

غنيمة أموالهم 

وخلوا الأموال لرسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم، فكانت له خاصة، يضعها حيث يشاء.

من أسلم منهم

ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان: يامين بن عمُير – أبو كعب وابن عم عمرو بن جََحّاش، وأبو سعد بن وهب، أسلما فأحرزا أموالهما بذلك.

الثأر من عمرو بن جحاش

و يقال: إن رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم قال ليامين: ألم تر إلى ما لقيت من ابن عمك، وما همََّ به من شأني، فجعل يامين
جُعْلاً  لمن يقتلهُ، فقتل. ونزل في أمر بني النضير سورة الحشر.

لحوق بني أبي الحقيق بخيبر

قال ابن عقبة: ولحق بنو أبي الحقُيق بخيبر، ومعهم آنية كثيرة من فضة، قد رآها النبي صلى اللهّٰ عليه وسلم وأصحابه حين خرجوا بها.

استغواء حيي بن أخطب لقريش

وعمد حيي بن أخطب حتى قدم مكة على قريش، فاستغواهم على رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم واستنصرهم، وبيََنّ اللهّٰ عز وجل لرسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم حديث أهل النفاق وما بينهم وبين اليهود.

مهلة بني النضير

وفيما ذكر ابن سعد من الخبر عن بني النضير: أنهم حين هموا بغدر رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم وأعلمه اللهّٰ بذلك، ونهض سريعاً إلى المدينة، بعث إليهم محمد بن مسلمة أن اخرجوا من بلدي، فلا تساكنوني بها وقد هممتم بما هممتم به من الغدر، وقد أجلتكم عشراً، فمن رؤُي بعد ذلك ضربت عنقه.

التجهيز للخروج

فمكثوا على ذلك أيامًا يتجهزون، وأرسلوا إلى ظهر لهم ب ذي الجدر ، وتكاروا من ناس من أشجع إبلاً.

أمنية ابن أبي لهم

فأرسل إليهم ابن أبي: لا تخرجوا من دياركم، وأقيموا في حصونكم، فإن معي ألفين من قومي ومن العرب يدخلون حصنكم، فيموتون عمن آخرهم، وتمدكم قريظة وحلفاؤكم من غطفان.

إباء حيي عن الخروج

فطمع حُيي فيما قال ابن أبي، فأرسل إلى رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم: أنا لا نخرج من ديارنا فاصنع ما بدا لك.

إعلان النفير عليهم

فأظهر رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم التكبير، وكبر المسلمون لتكبيره وقال: « حاربت يهود ».
فسار إليهم النبي صلى اللهّٰ عليه وسلم في أصحابه، فصلى العصر بفناء بني النضير، وعلي يحمل رايته، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم فلما رأوا رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم قاموا على حصونهم، معهم النبل والحجارة، واعتزلتهم قريظة فلم تعنهم، وخذلهم ابن أبي وحلفاؤهم من غطفان، فيئسوا من نصرهم.

حصار بني النضير

فحاصرهم رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم، وقطع نخلهم، وقالوا: نحن نخرج عن بلادك، فقال: لا أقبله اليوم، ولكن اخرجوا منها ولكم دماؤكم وما حملت الإبل إلا الحلقة. فنزلت يهود على ذلك.

مدة حصارهم

وكان حاصرهم خمسة عشر يومًا.

خراب بيوتهم

فكانوا يخربون بيوتهم بأيديهم.

جلاؤهم عن المدينة

ثم أجلاهم عن المدينة، وولي إخراجهم محمد بن مسلمة، وحملوا النساء والصبيان، وتحملوا على ستمائة بعير.

حزن المنافقين

فقال رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم: هؤلاء في قومهم بمنزلة بني المغيرة في قريش. فلحقوا بخيبر، وحزن المنافقون عليهم حزناً
شديدًا.

الغنيمة

وقبض رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم الأموال والحلَقْة، فوجد من الحلقة خمسين درعاً، وخمسين بيضة، وثلاثمائة وأربعين سيفًا.

قسمة النفل

وكانت أموال بني النضير صفيًاّ لرسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم خالصة له، حبسًا لنوائبه، ولم يخمسها، ولم يسهم منها لأحد، وقد أعطى ناسًا من أصحابه، ووسع في الناس منها.

دعوة الأنصار

و عن أم العلاء، قالت: طار لنا عثمان بن مظعون في القرعة، فكان في منزلي حتى توفي، قالت: فكان المسلمون والمهاجرون في دورهم وأموالهم، فلما غنم رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم بني النضير، دعا ثابت بن قيس بن شماس، فقال: ادعُ لي قومك.
فقال ثابت: الخزرج يا رسول اللهّٰ؟ قال رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم: الأنصار كلها. فدعا له الأوس والخزرج.

خطبة النبي فيهم

فتكلم رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم، فحمد اللهّٰ وأثنى عليه بما هو أهله، ثم ذكر الأنصار وما صنعوا بالمهاجرين، وإنزالهم إياهم في منازلهم وأموالهم، وأثرتهم على أنفسهم، ثم قال: إن أحببتم قسمت بينكم وبين المهاجرين ما أفاء اللهّٰ علي من بني النضير، وكان المهاجرون على ما هم عليه من السكنى في منازلكم وأموالكم، وإن أحببتم أعطيتهم وخرجوا من دوركم؟

إيثار الأنصار المهاجرين على أنفسهم

فتكلم سعد بن عبادة وسعد بن معاذ، فقالا: يا رسول اللهّٰ، بل تقسم بين المهاجرين و يكونون في دورنا كما كانوا، ونادت الأنصار: رضينا وسلمنا يا رسول اللهّٰ، فقال رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم: اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، فقسم رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم ما أفاء اللهّٰ عليه، وأعطى المهاجرين، ولم يعطِ أحدًا من الأنصار شيئاً، إلا رجلين كانا محتاجين: سهل بن حنيف، و أبا دجانة ، وأعطى سعد بن معاذ سيف ابن أبي الحقيق، وكان سيفًا له ذكر عندهم.
وذكر أبو بكر أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري في كتاب (فتوح البلدان) له: أن رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم قال للأنصار ليست لإخوانكم من المهاجرين أموال، فإن شئتم قسمت هذه وأموالَكم بينكم وبينهم جميعاً، وإن شئتم أمسكتم أموالكم، وقسمت هذه فيهم خاصة، فقالوا: بل أقسم هذه فيهم، وأقسم لهم من أموالنا ما شئت، فنزلت: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9].

شكر أبي بكر للأنصار

قال أبو بكر رضي اللهّٰ عنه: جزاكم اللهّٰ يا معشر الأنصار خيراً، فوالله ما مثلنا ومثلكم إلا كما قال الغنوي:
جزى اللهّٰ عنا جعفراً حين أزلقت … بنا نعلنا في الواطئين
فزَلََتّ أَبوَاُ أن يمَلَُوّنا ولو أنَّ أُمَّناَ … تلُاقي الذي يلقوْنَ منا لملََتّ.
قال: وكانت أموال بني النضير خالصة لرسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم، وكان يزرع تحت النخل في أرضهم، فيدخر من ذلك قوت أهله وأزواجه سنة، وما فضََلَ جعله في الكرُاَع  والسلاح.

شعر حسان في حرق النخل

و عن ابن عمر، أن النبي صلى اللهّٰ عليه وسلم حرق نخل بني النضير، قال: ولها يقول حسان بن ثابت:
وهان على سراة بني لؤي … حر يق بالبويرة مستطير 
فأجابه أبو سفيان بن الحارث:
ذلك من صنيع … وحَرَّق في نواحيها السعير
سُتعلم أُيُنّا منها بنزُْهٍ … وتعلم أُيَّ أرضينا تضير أدام اللهُّٰ
وقال أبو عمرو الشيباني وغيره: إن أبا سفيان بن الحارث، قال:
لعزََ عّلى سراةِ بني لؤيٍّ … حر يقٌ ب البويرة مستطير
ويروى بالبو يلة.
وذكر ابنُ سعد: أن رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم أعطى الزبير بن العوام و أبا سلمة البويلة من أرضهم، فأجابه حسان:
أدام اللهّٰ ذلكم حر يقًا … وضرُِّم في طوائفها السعير
هُم أُوتوا الكتابَ فضيَعّوُه … فهم عمُيٌْ عن التوراة بوُر
هذه أشبه بالصواب من الرواية الأولى.