ربيع الأول 4 هـ
آب 625 م
غزوة بنى النضير

ثم غزوة بنى النضير- بفتح النون وكسر الضاد المعجمة- قبيلة كبيرة من اليهود، فى ربيع الأول سنة أربع. وذكرها ابن إسحاق هنا …


قال السهيلى: وكان ينبغى أن يذكرها بعد بدر، لما روى عقيل بن خالد وغيره عن الزهرى قال: كانت غزوة بنى النضير على رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل أحد.
ورجح الداودى ما قاله ابن إسحاق من أن غزوة بنى النضير بعد بئر معونة، مستدلا بقوله تعالى: {وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ} [الأحزاب:26] .
قال الحافظ أبو الفضل بن حجر: وهو استدلال واه، فإن الآية نزلت فى شأن بنى قريظة، فإنهم هم الذين ظاهروا الأحزاب، وأما بنو النضير فلم يكن لهم فى الأحزاب ذكر، بل كان من أعظم الأسباب فى جمع الأحزاب ما وقع من إجلائهم، فإنه كان من رؤسهم حيى بن أخطب، وهو الذى حسن لبنى قريظة الغدر، وموافقة الأحزاب حتى كان من هلاكهم ما كان فكيف يصير السابق لاحقا.
وقد تقدم قريبا أن عامر بن الطفيل أعتق عمرو بن أمية لما قتل أهل بئر معونة عن رقبة عن أمه، فخرج عمرو إلى المدينة فصادف رجلين من بنى عامر معهما عقد وعهد من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لم يشعر به عمرو، فقال لهما عمرو من أنتما؟ فذكرا له أنهما من بنى عامر، فتركهما حتى ناما فقتلهما عمرو، وظن أنه ظفر ببعض ثأر أصحابه، فأخبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بذلك فقال: «لقد قتلت قتيلين لأدينهما» .
قال ابن إسحاق وغيره: ثم خرج- صلى الله عليه وسلم- إلى بنى النضير ليستعين بهم فى دية ذينك القتيلين اللذين قتلهما عمرو بن أمية، للجوار الذى كان- صلى الله عليه وسلم- عقده لهما، وكان بين بنى النضير وبين بنى عامر عقد وحلف.
فلما أتاهم- صلى الله عليه وسلم- يستعينهم فى ديتهما قالوا: يا أبا القاسم نعينك على ما أحببت مما استعنت بنا عليه، ثم خلا بعضهم ببعض فقالوا: إنكم لن تجدوه على مثل هذا الحال. وكان- صلى الله عليه وسلم- إلى جنب جدار من بيوتهم.
وقالوا: من رجل يعلو على هذا البيت فيلقى هذه الصخرة عليه فيقتله ويريحنا منه؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب فقال: أنا لذلك، فصعد ليلقى عليه الصخرة ورسول الله فى نفر من أصحابه فيهم أبو بكر وعمر وعلى- رضى الله عنهم-.
قال ابن سعد: فقال سلام بن مشكم: لا تفعلوا، والله ليخبرن بما هممتم، وإنه لنقض للعهد الذى بيننا وبينه.
قال ابن إسحاق: وأتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الخبر من السماء بما أراد القوم، فقام- صلى الله عليه وسلم- مظهرا أنه يقضى حاجته، وترك أصحابه فى مجلسهم، ورجع مسرعا إلى المدينة.
واستبطأ النبى- صلى الله عليه وسلم- أصحابه، فقاموا فى طلبه حتى انتهوا إليه، فأخبرهم الخبر بما أرادت يهود من الغدر به.
قال ابن عقبة: ونزل فى ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ} [المائدة:11] الآية.
قال ابن إسحاق: فأمر- صلى الله عليه وسلم- بالتهيؤ لحربهم والسير إليهم.
قال ابن هشام: واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم.
ثم سار بالناس حتى نزل بهم فحاصرهم ست ليال. قال ابن إسحاق:
فتحصنوا منه فى الحصون فقطع النخل وحرقها وخرب.
فنادوه: يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد وتعيبه على من صنعه، فما بال قطع النخل وتحريقها.
قال السهيلى: قال أهل التأويل: وقع فى نفوس بعض المسلمين من هذا الكلام شىء حتى أنزل الله: {مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ} [الحشر:5] إلى قوله: {وَلِيُخْزِيَ ٱلْفَاسِقِينَ} [الحشر:5] واللينة: ألوان التمر ما عدا العجوة والبرنى. ففى هذه الآية أنه صلى الله عليه وسلم- لم يحرق من نخلهم إلا ما ليس بقوت الناس، وكانوا يقتاتون العجوة، وفى الحديث «العجوة من الجنة وتمرها يغذو أحسن غذاء»، والبرنى أيضا كذلك. ففى قوله تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِّن لِّينَةٍ} [الحشر:5]. ولم يقل من نخلة على العموم، تنبيه على كراهة قطع ما يقتات ويغذو من شجر العدو إذا رجى أن يصل إلى المسلمين.
قال ابن إسحاق: وقد كان رهط من بنى عوف بن الخزرج منهم عبد الله ابن أبى ابن سلول بعثوا إلى بنى النضير: أن اثبتوا وتمنعوا، فإنا لن نسلمكم، إن قوتلتم قاتلنا معكم، وإن أخرجتم خرجنا معكم. فتربصوا، فقذف الله فى قلوبهم الرعب، فلم ينصروهم فسألوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يجليهم عن أرضهم ويكف عن دمائهم.
وعند ابن سعد: أنهم حين هموا بغدره- صلى الله عليه وسلم- وأعلمه الله بذلك، بعث إليهم محمد بن مسلمة: أن اخرجوا من بلدى فلا تساكنونى بها، وقد هممتم بما هممتم به من الغدر، وقد أجلتكم عشرا، فمن رؤى منكم بعد ذلك ضربت عنقه.
فمكثوا على ذلك أياما يتجهزون، وتكاروا من أناس من أشجع إبلا، فأرسل إليهم عبد الله بن أبى: لا تخرجوا من دياركم، وأقيموا فى حصونكم فإن معى ألفين من قومى من العرب يدخلون حصونكم وتمدكم قريظة وحلفاؤكم من غطفان، فطمع حيى فيما قاله ابن أبى، فأرسل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم-، إنا لا نخرج من ديارنا، فاصنع ما بدا لك.
فأظهر- صلى الله عليه وسلم- التكبير، وكبر المسلمون بتكبيره، وسار إليهم- صلى الله عليه وسلم- فى أصحابه، فصلى العصر بفناء بنى النضير، وعلى يحمل رايته، فلما رأوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قاموا على حصونهم، ومعهم النبل والحجارة، واعتزلهم ابن أبى ولم يمنعهم، وكذا حلفاؤهم من غطفان، فيئسوا من نصرهم، فحاصرهم- صلى الله عليه وسلم- وقطع نخلهم، وقال لهم- عليه الصلاة والسلام-:
«اخرجوا منها، ولكم دماؤكم وما حملت الإبل إلا الحلقة» – وهى بإسكان اللام قال فى القاموس، الدرع- فنزلت يهود على ذلك فحاصرهم خمسة عشر يوما، فكانوا يخربون بيوتهم بأيديهم.
ثم أجلاهم عن المدينة وولى إخراجهم محمد بن مسلمة. وحملوا النساء والصبيان، وتحملوا على ستمائة بعير فلحقوا بخيبر. وحزن عليهم المنافقون حزنا شديدا.
وقبض- صلى الله عليه وسلم- الأموال، ووجد من الحلقة خمسين درعا وخمسين بيضة، وثلاثمائة وأربعين سيفا.
وكانت بنو النضير صفيّا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- حبسا لنوائبه، ولم يسهم منه لأحد، لأن المسلمين لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب، وإنما قذف فى قلوبهم الرعب، وأجلوا عن منازلهم إلى خيبر، ولم يكن ذلك عن قتال من المسلمين لهم، فقسمها- صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين ليرفع بذلك مؤنتهم عن الأنصار، إذ كانوا قد قاسموهم فى الأموال والديار، غير أنه أعطى أبا دجانة وسهل بن حنيف لحاجتهما. وفى الإكليل: وأعطى سعد بن معاذ سيف ابن أبى الحقيق، وكان سيفا له ذكر عندهم.