شعبان 5 هـ
كانون الاول 626 م
غزوة بنى المصطلق

غزوة المريسيع: – بضم الميم وفتح الراء وسكون التحتيتين بينهما مهملة مكسورة وآخره عين مهملة- وهو ماء لبنى خزاعة، بينه وبين الفرع …


يومان وتسمى غزوة بنى المصطلق- بضم الميم وسكون المهملة وفتح الطاء المهملة، وكسر اللام بعدها قاف- وهو لقب واسمه: جذيمة بن سعد بن عمرو، بطن من خزاعة.
وكانت لليلتين خلتا من شعبان، سنة خمس، وفى البخارى، قال ابن إسحاق سنة ست، وقال موسى بن عقبة: سنة أربع انتهى.
قالوا: وكأنه سبق قلم، أراد أن يكتب سنة خمس فكتب سنة أربع، والذى فى مغازى موسى بن عقبة من عدة طرق أخرجها الحاكم وأبو سعيد النيسابورى والبيهقى فى الدلائل وغيرهم سنة خمس.
وسببها أنه بلغه- صلى الله عليه وسلم- أن رئيسهم الحارث بن أبى ضرار سار فى قومه ومن قدر عليه من العرب، فدعاهم إلى حرب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأجابوه، وتهيئوا للمسير معه إليه.
فبعث- صلى الله عليه وسلم- بريدة بن الحصيب الأسلمى يعلم علم ذلك، فأتاهم ولقى الحارث بن أبى ضرار وكلمه، ورجع إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم-.
وخرج- صلى الله عليه وسلم- مسرعا فى بشر كثير من المنافقين، لم يخرجوا فى غزاة قط مثلها.
واستخلف على المدينة زيد بن حارثة. وقادوا الخيل، وكانت ثلاثين فرسا وخرجت عائشة وأم سلمة.
وبلغ الحارث ومن معه مسيره- عليه السّلام- فسىء بذلك هو ومن معه، وخافوا خوفا شديدا، وتفرق عنهم من كان معهم من العرب.
وبلغ- عليه السّلام- المريسيع، وصف أصحابه، ودفع راية المهاجرين إلى أبى بكر، وراية الأنصار إلى سعد بن عبادة، فتراموا بالنبل ساعة ثم أمر- عليه السّلام- أصحابه فحملوا حملة رجل واحد، وقتلوا عشرة وأسروا سائرهم، وسبوا النساء والرجال والذرية والنعم والشاء. ولم يقتل من المسلمين إلا رجل واحد، كذا ذكره ابن إسحاق.
والذى فى صحيح البخارى من حديث ابن عمر يدل على أنه أغار عليهم على حين غفلة منهم فأوقع بهم ولفظه: «أغار على بنى المصطلق وهم غارون، وأنعامهم تستقى على الماء، فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم وهم على الماء».
فيحتمل أن يكون حين الإيقاع بهم ثبتوا قليلا، فلما كثر فيهم القتل انهزموا بأن يكونوا لما دهمهم وهم على الماء وتصافوا وقع القتال بين الطائفتين، ثم بعد ذلك وقعت الغلبة عليهم.
قيل وفى هذه الغزوة نزلت آية التيمم. وفى الصحيحين من حديث عائشة: أنها قالت: خرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فى بعض أسفاره، فذكر حديث التيمم.
قال فى فتح البارى: «قوله فى بعض أسفاره» قال ابن عبد البر فى التمهيد: يقال إنه كان فى غزوة بنى المصطلق. وجزم بذلك فى الاستذكار.
وسبقه إلى ذلك ابن سعد وابن حبان، وغزوة بنى المصطلق هى غزوة المريسيع.
وفيها كانت قصة الإفك لعائشة، وكان ابتداء ذلك بسبب وقوع عقدها أيضا.
فإن كان ما جزموا به ثابتا، حمل على أنه سقط منها فى تلك السفرة مرتين، لاختلاف القصتين، كما هو بين من سياقهما.
قال: واستبعد بعض شيوخنا ذلك، لأن المريسيع من ناحية مكة بين قديد والساحل، وهذه القصة كانت من ناحية خيبر لقولها فى الحديث: حتى إذا كنا بالبيداء، أو بذات الجيش، وهما بين مكة وخيبر كما جزم به النووى.
قال: وما جزم به مخالف لما جزم به ابن التين فإنه قال البيداء هى ذو الحليفة بالقرب من المدينة من طريق مكة، وذات الجيش وراء ذى الحليفة.
وقال أبو عبيد البكرى فى معجمه: البيداء أدنى إلى مكة من ذى الحليفة، ثم ساق حديث عائشة هذا، ثم قال: وذات الجيش من المدينة على بريد. قال: وبينها وبين العقيق سبعة أميال. والعقيق من طريق مكة لا من طريق خيبر، فاستقام ما قاله ابن التين.
وقد قال قوم بتعدد ضياع العقد، ومنهم محمد بن حبيب الأخبارى فقال: سقط عقد عائشة فى غزوة ذات الرقاع وفى غزوة بنى المصطلق.
وقد اختلف أهل المغازى فى أى هاتين الغزوتين كانت أولا.
وقال الداودى: كانت قصة التيمم فى غزوة الفتح ثم تردد فى ذلك.
وروى ابن أبى شيبة من حديث أبى هريرة قال: لما نزلت آية التيمم لم أدر كيف أصنع. فهذا يدل على تأخرها عن غزوة بنى المصطلق، لأن إسلام أبى هريرة كان فى السنة السابعة، وهى بعدها بلا خلاف.
وكان البخارى يرى أن غزوة ذات الرقاع كانت بعد قدوم أبى موسى، وقدومه كان وقت إسلام أبى هريرة.
ومما يدل على تأخر القصة أيضا عن قصة الإفك ما رواه الطبرانى من طريق يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة قالت: لما كان من أمر عقدى ما كان، وقال أهل الإفك ما قالوا، خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم- فى غزوة أخرى، فسقط أيضا عقدى حتى حبس الناس على التماسه، فقال أبو بكر: يا بنية فى كل سفرة تكونين عناء وبلاء على الناس، فأنزل الله الرخصة فى التيمم، فقال أبو بكر: إنك لمباركة.
وفى إسناده محمد بن حميد الرازى. وفيه مقال.
وفى سياقه من الفوائد: بيان عتاب أبى بكر الذى أبهم فى حديث الصحيح، والتصريح بأن ضياع العقد كان مرتين فى غزوتين. انتهى.
وفى هذه الغزوة قال ابن أبى: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فسمعه زيد بن أرقم، ذو الأذن الواعية، فحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم- بذلك فأرسل إلى ابن أبى وأصحابه فحلفوا ما قالوا، فأنزل الله تعالى: {إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ} [المنافقون:1] فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إن الله قد صدقك يا زيد». رواه البخارى.
وكانت غيبته- صلى الله عليه وسلم- فى هذه الغزوة ثمانية وعشرين يوما.