ربيع الأول 6 هـ
آب 627 م
غزوة الغابة

وتعرف بذى قرد- بفتح القاف والراء وبالدال المهملة- وهو ماء على بريد من المدينة. فى ربيع الأول سنة ست، قبل الحديبية وعند البخارى أنها …


كانت قبل خيبر بثلاثة أيام، وفى مسلم نحوه.
قال مغلطاى: وفى ذلك نظر لإجماع أهل السير على خلافهما. انتهى.
قال القرطبى شارح مسلم: لا يختلف أهل السير أن غزوة ذى قرد كانت قبل الحديبية.
وقال الحافظ ابن حجر: ما فى الصحيح من التاريخ لغزوة ذى قرد أصح مما ذكر أهل السير.
وسببها: أنه كان لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- عشرون لقحة- وهى ذوات اللبن القريبة العهد بالولادة- ترعى بالغابة، وكان أبو ذر فيها، فأغار عليهم عيينة ابن حصن الفزارى ليلة الأربعاء، فى أربعين فارسا فاستاقوها، وقتلوا ابن أبى ذر.
وقال ابن إسحاق: وكان فيها رجل من بنى غفار وامرأة، فقتلوا الرجل وسبوا المرأة، فركبت ناقة للنبى- صلى الله عليه وسلم- ليلا حين غفلتهم ونذرت لئن نجت لتنحرنها، فلما قدمت على النبى- صلى الله عليه وسلم- أخبرته بذلك فقال: «لا نذر فى معصية، ولا لأحد فيما لا يملك».
ونودى: يا خيل الله اركبى، وكان أول ما نودى بها.
وركب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فى خمسمائة وقيل: سبعمائة، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، وخلف سعد بن عبادة فى ثلاثمائة يحرسون المدينة.
وكان قد عقد للمقداد بن عمرو لواء فى رمحه وقال له امض حتى تلحقك الخيول، وأنا على أثرك. فأدرك أخريات العدو. وقتل أبو قتادة مسعدة فأعطاه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فرسه وسلاحه. وقتل عكاشة بن محصن أبان بن عمرو. وقتل من المسلمين محرز بن نضلة قتله مسعدة.
وأدرك سلمة بن الأكوع القوم، وهو على رجليه، فجعل يرميهم بالنبل ويقول:

خذها وأنا ابن الأكوع *** واليوم يوم الرضع

يعنى هلاك اللئام، من قولهم: لئيم راضع، أى راضع اللؤم فى بطن أمه، وقيل معناه: اليوم يعرف من أرضعته الحرب من صغره وتدرب بها، ويعرف غيره.
ولحق رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الناس والخيول عشاء، قال سلمة: فقلت يا رسول الله إن القوم عطاش، فلو بعثتنى فى مائة رجل استنقذت ما فى أيديهم من السرح وأخذت بأعناق القوم. فقال- صلى الله عليه وسلم-: «ملكت فأسجح» – وهى بهمزة قطع ثم سين مهملة ثم جيم مكسورة ثم حاء مهملة- أى فارفق وأحسن، والسجاحة: السهولة، أى لا تأخذ بالشدة بل ارفق. فقد حصلت النكاية فى العدو ولله الحمد. ثم قال: «إنهم ليقرون فى غطفان».
وذهب الصريخ إلى بنى عمرو بن عوف فجاءت الأمداد فلم تزل الخيل تأتى والرجال على أقدامهم وعلى الإبل حتى انتهوا إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بذى قرد فاستنقذوا عشر لقاح، وأفلت القوم بما بقى وهى عشر.
وصلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بذى قرد صلاة الخوف، وأقام يوما وليلة ورجع. وقد غاب خمس ليال، وقسم فى كل مائة من أصحابه جزورا ينحرونها.
سرية عكاشة بن محصن الأسدى إلى غمر مرزوق- بالغين المعجمة المفتوحة- وهو ماء لبنى أسد على ليلتين من فيد، فى شهر ربيع الأول سنة ست من الهجرة، فى أربعين رجلا، فخرج سريعا، فنذر به القوم- بكسر الذال المعجمة كفرح- فهربوا فنزلوا علياء بلادهم. فاستاقوا مائتى بعير وقدموا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولم يلقوا كيدا.
ثم سرية محمد بن مسلمة إلى ذى القصة – بالقاف والصاد المهملة المشددة المفتوحتين- موضع بينه وبين المدينة أربعة وعشرون ميلا، فى شهر ربيع الأول سنة ست من الهجرة. ومعه عشرة إلى بنى ثعلبة.
فورد عليهم ليلا فأحدق به القوم، وهم مائة رجل فتراموا ساعة من الليل ثم حملت الأعراب عليهم بالرماح فقتلوهم إلا محمد بن مسلمة فوقع جريحا، وجردوهم من ثيابهم. فمر رجل من المسلمين بمحمد بن مسلمة فحمله حتى ورد به المدينة.
فبعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أبا عبيدة بن الجراح فى ربيع الآخر فى أربعين رجلا إلى مصارعهم، فأغاروا عليهم، فأعجزوهم هربا فى الجبال، وأصاب رجلا واحدا فأسلم وتركه، وأخذ نعما من نعمهم فاستاقه، ورثة من متاعهم وقدم به المدينة فخمسه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقسم ما بقى عليهم.
قال فى القاموس: الرث: السقط من متاع البيت، كالرثة بالكسر.
ثم سرية زيد بن حارثة إلى بنى سليم بالجموم- ويقال: الجموح- ناحية ببطن نخل من المدينة على أربعة أميال. فى شهر ربيع الآخر سنة ست، فأصابوا امرأة من مزينة يقال لها حليمة، فدلتهم على محلة من محال بنى سليم، فأصابوا نعما وشاء وأسرى، فكان فيهم زوج حليمة المزنية، فلما قفل زيد بما أصاب، وهب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- للمزينة نفسها وزوجها.
ثم سرية زيد بن حارثة أيضا إلى العيص، موضع على أربع ليال من المدينة، فى جمادى الأولى سنة ست، ومعه سبعون راكبا، لما بلغه- صلى الله عليه وسلم- أن عيرا لقريش قد أقبلت من الشام يتعرض لها، فأخذها وما فيها، وأخذ يومئذ فضة كثيرة لصفوان بن أمية، وأسر منهم ناسا، منهم أبو العاصى بن الربيع، وقدم بهم إلى المدينة، فأجارته زوجته زينب ابنة النبى- صلى الله عليه وسلم- ونادت فى الناس- حين صلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الفجر- إنى قد أجرت أبا العاصى.
فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «ما علمت بشىء من هذا، وقد أجرنا من أجرت» ورد عليه ما أخذ منه.

وذكر ابن عقبة: أن أسره كان على يد أبى بصير بعد الحديبية.
وكانت هاجرت قبله وتركته على شركه، وردها النبى- صلى الله عليه وسلم- بالنكاح الأول، قيل بعد سنتين وقيل بعد ست سنين، وقيل قبل انقضاء العدة.
وفى حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: «ردها له بنكاح جديد سنة سبع».
ثم سرية زيد بن حارثة أيضا إلى الطرف، وهو ماء على ستة وثلاثين ميلا من المدينة، فى جمادى الآخرة سنة ست.
فخرج إلى بنى ثعلبة فى خمسة عشر رجلا، فأصاب نعما وشاء، وهربت الأعراب، وصبح زيد بالنعم المدينة، وهى عشرون بعيرا، ولم يلق كيدا، وغاب أربع ليال.
ثم سرية زيد إلى حسمى – بكسر المهملة- وهى وراء وادى القرى، وكانت فى جمادى الآخرة سنة ست.
وسببها: أنه أقبل دحية بن خليفة الكلبى من عند قيصر، وقد أجازه وكساه، فلقيه الهنيد فى ناس من جذام بحسمى فقطعوا عليه الطريق، فسمع بذلك نفر من بنى الضبيب فنفروا إليهم فاستنقذوا لدحية متاعه.
وقدم دحية على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخبره بذلك فبعث زيد بن حارثة وخمسمائة رجل، ورد معه دحية. فكان زيد يسير الليل ويكمن النهار، فأقبل بهم حتى هجموا مع الصبح على القوم فأغاروا عليهم، فقتلوا فيهم فأوجعوا، وقتلوا الهنيد وابنه، وأغاروا على ماشيتهم ونعمهم ونسائهم.
فأخذوا من النعم ألف شاة، ومائة من النساء والصبيان.
فرحل زيد بن رفاعة الجذامى فى نفر من قومه، فدفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم- كتابه الذى كان كتب له ولقومه ليالى قدم عليه فأسلم.
وبعث- صلى الله عليه وسلم- عليّا إلى زيد بن حارثة يأمره أن يخلى بينهم وبين حرمهم وأموالهم، فرد عليهم.
ثم سرية زيد أيضا إلى وادى القرى أيضا، فى رجب سنة ست، فقتل من المسلمين قتلى، وارتث زيد، أى حمل من المعركة رثيثا، أى جريحا وبه رمق- وهو مبنى للمجهول، قاله فى القاموس.
ثم سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل، فى شعبان سنة ست.
قالوا: دعا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عبد الرحمن بن عوف، فأقعده بين يديه، وعممه بيده، وقال: «اغز، باسم الله، وفى سبيل الله، فقاتل من كفر بالله، ولا تغدر، ولا تقتل وليدا» ، وبعثه إلى كلب بدومة الجندل، وقال: «إن استجابوا لك فتزوج ابنة ملكهم».
فسار عبد الرحمن حتى قدم دومة الجندل، فمكث ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام، فأسلم الأصبغ بن عمرو الكلبى، وكان نصرانيّا، وكان رئيسهم، وأسلم معه ناس كثير من قومه، وأقام من أقام على إعطاء الجزية.
وتزوج عبد الرحمن تماضر- بضم المثناة الفوقية، وكسر الضاد المعجمة- بنت الأصبغ، وقدم بها المدينة فولدت له أبا سلمة.
ثم سرية على بن أبى طالب فى شعبان سنة ست من الهجرة، ومعه مائة رجل إلى بنى سعد بن بكر، لما بلغه- صلى الله عليه وسلم- أن لهم جمعا يريدون أن يمدوا يهود خيبر.
فأغاروا عليهم بالغمج بين فدك وخيبر، فأخذوا خمسمائة بعير وألفى شاة، وهربت بنو سعد، وقدم علىّ ومن معه المدينة ولم يلقوا كيدا.
ثم سرية زيد بن حارثة إلى أم قرفة فاطمة بنت ربيعة بن بدر الفزارية، بناحية وادى القرى، على سبع ليال من المدينة فى رمضان سنة ست من الهجرة.
وكان سببها: أن زيد بن حارثة خرج فى تجارة إلى الشام. ومعه بضائع لأصحاب النبى- صلى الله عليه وسلم- فلما كان بوادى القرى لقيه ناس من فزارة من بنى بدر، فضربوه وضربوا أصحابه وأخذوا ما كان معهم.
وقدم على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخبره، فبعثه- عليه السّلام- إليهم، فكمن هو وأصحابه بالنهار وساروا بالليل، ثم صبحهم زيد وأصحابه، فكبروا وأحاطوا بالحاضر، وأخذوا أم قرفة- وكانت ملكة رئيسة- وأخذوا ابنتها جارية بنت مالك بن حذيفة بن بدر.
وعمد قيس بن المحسر إلى أم قرفة- وهى عجوز كبيرة- فقتلها قتلا عنيفا، وربط بين رجليها حبلا ثم ربطها بين بعيرين ثم زجرهما فذهبا فقطعاها.
وقدم زيد بن حارثة من وجهه ذلك، فقرع باب النبى- صلى الله عليه وسلم-، فقام إليه عريانا يجر ثوبه، حتى اعتنقه وقبله وسأله فأخبره بما أظفره الله به.
ثم سرية عبد الله بن عتيك لقتل أبى رافع، عبد الله- ويقال سلام- ابن أبى الحقيق اليهودى، وهو الذى حزب الأحزاب يوم الخندق.
وكانت هذه السرية فى شهر رمضان سنة ست، كذا ذكره ابن سعد هاهنا وذكر فى ترجمة عبد الله بن عتيك: أنه بعثه فى ذى الحجة إلى أبى رافع سنة خمس بعد وقعة بنى قريظة. وقيل فى جمادى الآخرة سنة ثلاث.
وفى البخارى: قال الزهرى: بعد قتل كعب بن الأشرف.
وأرسل معه أربعة: عبد الله بن عتيك، وعبد الله بن أنيس، وأبا قتادة والأسود بن خزاعى، ومسعود بن سنان، وأمرهم بقتله.
فذهبوا إلى خيبر، فكمنوا، فلما هدأت الرجل جاؤا إلى منزله فصعدوا درجة له، وقدموا عبد الله بن عتيك لأنه كان يرطن باليهودية، فاستفتح وقال: جئت أبا رافع بهدية، ففتحت له امرأته، فلما رأت السلاح أرادت أن تصبح فأشار إليها بالسيف فسكتت، فدخلوا عليه فما عرفوه إلا ببياضه، فعلوه بأسيافهم.
وفى البخارى: وكان أبو رافع يؤذى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ويعين عليه، وكان فى حصن له.. فلما دنوا منه وقد غربت الشمس، وراح الناس بسرحهم، قال عبد الله لأصحابه: اجلسوا مكانكم، فإنى منطلق ومتلطف للبواب لعلى أن أدخل، فأقبل حتى دنا من الباب، ثم تقنع بثوبه كأنه يقضى حاجة، وقد دخل الناس، فهتف البواب: يا عبد الله إن كنت تريد أن تدخل فادخل، فإنى أريد أن أغلق الباب، فدخلت، فكمنت فكمنت فلما دخل الناس أغلق الباب ثم علق الأغاليق على وتد، قال: فقمت إلى الأغاليق فأخذتها ففتحت الباب.
وكان أبو رافع يسمر عنده، وكان فى علالى له، فلما ذهب عنه أهل سمره صعدت إليه، فجعلت كلما فتحت بابا أغلقت على من داخل، فانتهيت إليه فإذا هو فى بيت مظلم وسط عياله، لا أدرى أين هو من البيت، فقلت: أبا رافع، قال: من هذا؟ فأهويت نحو الصوت فأضربه ضربة بالسيف، وأنا دهش، فما أغنيت شيئا، وصاح، فخرجت من البيت، فأمكث غير بعيد، ثم دخلت إليه فقلت: ما هذا الصوت يا أبا رافع؟ فقال: لأمك الويل، إن رجلا فى البيت ضربنى قبل بالسيف. قال: فأضربه ضربة أثخنته ولم أقتله، ثم وضعت ضبيب السيف فى بطنه، حتى أخذ فى ظهره، فعرفت أنى قتلته.
وفى رواية له: ثم جئت كأنى أغيثه فقلت: مالك يا أبا رافع؟ – وغيرت الصوت- فقال: لأمك الويل، دخل على رجل فضربنى، قال: فعمدت له أيضا فأضربه أخرى، فلم تغن شيئا، فصاح وقام أهله، قال: ثم جئت وغيرت صوتى، كهيئة المغيث، فإذا هو مستلق على ظهره، فأضع السيف فى بطنه، ثم أنكفىء عليه، فسمعت صوت العظم.
فجعلت أفتح الأبواب حتى انتهيت إلى درجة له، فوضعت رجلى وأنا أرى أنى قد انتهيت إلى الأرض، فوقعت فى ليلة مقمرة فانكسرت ساقى، فعصبتها بعمامة، فلما صاح الديك قام الناعى على السور، فانطلقت إلى أصحابى فقلت: النجاء، فقد قتل الله أبا رافع.
فانتهيت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فحدثته فقال: «ابسط رجلك» ، فمسحها النبى- صلى الله عليه وسلم-، فكأنما لم أشتكها قط. هذا لفظ رواية البخارى.
وفى رواية محمد بن سعد: أن الذى قتله عبد الله بن أنيس.
والصواب: أن الذى دخل عليه وقتله عبد الله بن عتيك وحده، كما فى البخارى.