13 ذو القعدة 8 هـ
7 آذار 630 م
غزوة الطائف: الوصول للجعرانة: اليوم الثالث والثلاثون

وفيه استمرّت إقامة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في #~~~الجعرانة~~~#، وكان صلى الله عليه وآله وسلم ينتظر قدوم …

وفد قبيلة هوازن منذ خروجه من الطائف -قبل ثلاث عشرة ليلة-، لعلهم يأتوه مسلمين فيعطيهم ما أخذ المسلمون من أموالهم وأسراهم، ولمّا لم يقدموا عليه صلى الله عليه وآله وسلّم بدأ بتقسيم الغنائم بإخراج الخُمس وإعطاء الناس منه.

وكان صلى الله عليه وآله وسلّم قد بدأ بالمؤلفة قلوبهم -ممن أسلموا حديثًا في فتح مكة أو لم يسلموا بعد-، فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتفقد الغنائم من الإبل والغنم، فوقف على شِعب -ممر بين جبلين- به إبل وغنم كثير، ووقف خلفه صفوان بن أُميّة ولم يُسلم بعد، وقد أعجب صفوان كثرة هذا المال وحلا في عينيه، فرأى ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «أعجبك يا أبا وهب هذا الشعب؟»، قال صفوان: “نعم”، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «هو لك وما فيه»، فقال صفوان: “أشهد ما طابت بهذا نفس أحد قط إلا نبي، وأشهد أنك رسول الله”.

وكان صلى الله عليه وآله وسلم جالسًا وقد جُمعت الغنائم بين يديه وفيها الفضّة أربعة آلاف أوقية -حوالي 480 كجم- [^1]، فجاء إليه أبو سفيان بن حرب وقال: “يا رسول الله أصبحت أكثر قريش مالًا”، فتبسّم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقال أبو سفيان: “أعطني من هذا المال يا رسول الله”، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «يا بلال زِن لأبي سفيان أربعين أوقية-4.8 كجم- وأعطوه مائة من الإبل»، قال أبو سفيان: “ابني يزيد أعطِهِ”، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «زِنوا يزيدَ أربعين أوقية وأعطوه مائة من الإبل»، قال أبو سفيان: “ابني معاوية يا رسول الله!”، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «زِن له يا بلال أربعين أوقية وأعطوه مائة من الإبل»، قال أبو سفيان: “إنك الكريم!، فداك أبي وأمي، ولقد حاربتك فنعم المحارب كنت، ثم سالمتك فنعم المسالم أنت، جزاك الله خيرًا”.

وأعطى النبي صلى الله عليه وآله وسلم كل من:
– النضير بن الحارث بن كلدة (مائة من الإبل)
– من بني زُهرة
– أُسيد بن حارثة من حُلفائهم (مائة من الإبل)
– العلاء بن جارية (خمسين بعيرًا)
– مخرمة بن نوفل (خمسين بعيرًا)
– من بني مخزوم
– الحارث بن هشام (مائة من الإبل)
– سعيد بن يربوع (خمسين من الإبل)
– قيس بن عديّ (مائة من الإبل)
– عثمان بن وهب (خمسين من الإبل)
– بني عامر بن لؤي
– سُهيل بن عمرو (مائة من الإبل)
– حويطب بن عبد العُزّى (مائة من الإبل)
– هشام بن عُمَر (مائة من الإبل)
– من القبائل الأخرى
– الأقرع بن حابس التميمي (مائة من الإبل)
– عُيينة بن حصن الفزاري (مائة من الإبل)

وأعطى صلى الله عليه وآله وسلم العبّاس بن مِرداس السُلَمي أربعًا من الإبل فعاتب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشِعْرِه يقول فيه:

فأصبح نهبي ونهب العبيـ ـد بين عيينة والأقرع

فذكر أبو بكر رضي الله عنه شعره للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فطلبه وقال له -للعباس بن مرداس-: أنت الذي تقول:

أصبح نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة
؟؟
فقال أبو بكر رضي الله عنه: “بأبي أنت وأمي يا رسول الله، ليس هكذا قال!”، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «كيف؟»، فأنشده أبو بكر شعر العباس بن مرداس، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «سواء!، ما يضُرّك بدأت بالأقرع أم عُيينة»، فقال أبو بكر رضي الله عنه: “بأبي أنت وأمي، ما أنت بشاعر ولا راوية ولا ينبغي لك!”، فقال صلى الله عليه و آله وسلّم في حقّ العبّاس بن مرداس: «اقطعوا لسانه عنّي -يعني أعطوه حتى يسكت-، مائة من الإبل».

وجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم حكيم بن حزام، وطلب أن يعطيه مائة من الإبل فأعطاها له النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم سأله مائة أُخرى زيادة، فأعطاها له، ثم سأله الثالثة فأعطاه ثم قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «يا حكيم بن حزام، إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يُبارك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السُفلى، وابدأ بمن تعول»، قال حكيم: “والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدًا -لا آخذ من أحد- بعدك شيئًا”، وأخذ حكيم المائة الأولى وترك المائتين الباقيتين من تلقاء نفسه وقد أثّر فيه كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذه العطايا كلها كانت من الخُمس لا من الغنيمة [^2]، بما في ذلك 14.4 كجم الفضّة المذكورة سالفًا لأبي سفيان وابناه.

ولمّا رأى سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه العطايا قال: “يا رسول الله، أعطيت عُيينة بن حصن والأقرع بن حابس مائة مائة، وتركت جُعيل بن سُراقة الضّمري”، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أما والذي نفسي بيده لجُعيل بن سُراقة خير من طِلاع الأرض كُلّها مثل عُيينة والأقرع، ولكنّي تألفتهما ليُسلما، ووكلت جُعيل بن سُراقة إلى إسلامه».

وجلس النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبلال رضي الله عنه يضع الفضّة في ثوبه يعطي لمن يسمّيه له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما أمره ربّه سبحانه وتعالى، فأتاه ذو الخويصرة التميمي فقال: “اعدل يا رسول الله!”، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «ويلك!، فمن يعدل إذا لم أعدل؟»، فقال عُمر: “يا رسول الله، ايذن لي أن أضرب عُنُقه”، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «دعه، إن له أصحابًا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يقرأون القرآن لا يُجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة ينظر الرامي في قُذَذِه فلا يرى شيئًا، ثم ينظر في نصله فلا يرى شيئًا، ثم ينظر في رِصَافِه فلا يرى شيئًا، قد سبق الفَرْث والدّم يخرجون على فرقة من المسلمين، رأيتهم  إن فيهم رجلًا أسود إحدى يديه مثل ثدي المرأة، أو كبضعة تدردر -جزء متدلّي يتأرجح جيئة وذهابًا-».

وقال رجل من المنافقين -قيل هو معتب بن قشير العمري-: “إنها العطايا ما يُراد بها وجه الله”، فسمعه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فقال: “والله لأُبلغن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما قُلت”، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره، فتغيّر لونه صلى الله عليه وآله وسلم، حتى ندم عبد الله بن مسعود على صنيعه، يقول: “فوددت أني لم أخبره”، ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم: «يرحم الله أخي موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر».

[^1]: الأوقية تساوي حوالي 119 جم عند جمهور الفقهاء، وحوالي 125 جم عند الحنفيّة، فحسبنا على 120 جم × 4000 = 480 كجم تقريبًا، انظر المكاييل والموازين الشرعية أ.د علي جمعة محمد، ط.دار القدس.

[^2]: ومجموع هذه العطايا كلّها كالآتي:أبو سفيان وولداه كل منهم مائة من الإبل، ثم 1500 من الإبل للمؤلفة قلوبهم بخلاف ما تقدم، منهم التسعة المذكورين أعطى كل واحد مائة من الإبل، ثم ستة أعطى كل واحد خمسين من الإبل، والفضّة أعطى أبو سفيان وولداه يزيد ومعاوية، كل منهم 4.8 كجم فهذا حوالي 14.4 كجم تقريبًا، ثم أعطى صفوان بن أميّة شعب من الإبل الراجح أنّ فيه مائة أيضًا -أو تزيد قليلًا-، وبعض الغنم -لم يُذكر عددها-، ومالك بن عوف النصري قائد هوازن لما جاء مسلمًا بعد ذلك أعطاه مائة، فهذه 1700 بعير تقريبًا للمؤلفة قلوبهم، وكل تلك العطايا من الخُمس كما ذُكِر، فخُمس غنائم حُنين يُقَدّر كالآتي: 24 ألف بعير، خمسها حوالي 4800 بعير، و الغنم 40 ألفًا خمسها حوالي 8000 رأس غنم، والفضّة حوالي 480 كجم، خمسهم حوالي 96 كجم فضّة، والسبي ستّة آلاف خمسهم حوالي 1200، وقد أعطى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من السبي والغنائم من الخُمس قبل القِسمة بعد قدوم وفد هوازن كما سيأتي.