36 هـ
656 م
شراء الجمل لعائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وخبر كلاب الحوأب

حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى الْفَزَارِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَابِسٍ الأَزْرَقُ،قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْخَطَّابِ الْهَجَرِيُّ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ قَبِيصَةَ الأَحْمُسِيِّ،  …

قَالَ: حَدَّثَنِي الْعُرَنِيُّ صَاحِبُ الْجَمَلِ، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ إِذْ عَرَضَ لِي رَاكِبٌ فَقَالَ: يَا صَاحِبَ الْجَمَلِ، تَبِيعُ جَمَلَكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: بِكَمْ؟ قُلْتُ: بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، قَالَ: مَجْنُونٌ أَنْتَ! جَمَلٌ يُبَاعُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ! قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، جَمَلِي هَذَا، قَالَ: وَمِمَّ ذَلِكَ؟
قُلْتُ: مَا طَلَبْتُ عَلَيْهِ أَحَدًا قَطُّ إِلا أَدْرَكْتُهُ، وَلا طَلَبَنِي وَأَنَا عَلَيْهِ أَحَدٌ إِلا فُتُّهُ قَالَ: لَوْ تَعْلَمُ لِمَنْ نُرِيدُهُ لأَحْسَنْتَ بَيْعَنَا، قَالَ: قُلْتُ: وَلِمَنْ تُرِيدُهُ؟ قَالَ: لأُمِّكَ، قُلْتُ: لَقَدْ تَرَكْتُ أُمِّي فِي بَيْتِهَا قَاعِدَةً مَا تُرِيدُ بَرَاحًا، قَالَ: إِنَّمَا أُرِيدُهُ لأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، قُلْتُ: فَهُوَ لَكَ، فَخُذْهُ بِغَيْرِ ثَمَنٍ، قَالَ: لا، وَلَكِنِ ارْجِعْ مَعَنَا إِلَى الرَّحْلِ فَلْنُعْطِكَ نَاقَةً مَهْرِيَّةً وَنَزِيدُكَ دَرَاهِمَ، قَالَ: فَرَجَعْتُ فأعطوني ناقه لها مهريه، وزادونى أربعمائة او ستمائه دِرْهَمٍ، فَقَالَ لِي: يَا أَخَا عُرَيْنَةَ، هَلْ لَكَ دَلالَةٌ بِالطَّرِيقِ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، أَنَا مِنْ أَدْرَكِ النَّاسِ، قَالَ: فَسِرْ مَعَنَا، فَسِرْتُ مَعَهُمْ فَلا أَمُرُّ عَلَى وَادٍ وَلا مَاءٍ إِلا سَأَلُونِي عَنْهُ، حَتَّى طَرَقْنَا مَاءَ الحَوْأَبِ فَنَبَحَتْنَا كِلابُهَا، قَالُوا: أَيُّ مَاءٍ هَذَا؟ قُلْتُ: مَاءُ الْحَوْأَبِ، قَالَ: فَصَرَخَتْ عَائِشَةُ بِأَعْلَى صَوْتِهَا، ثُمَّ ضَرَبَتْ عَضُدَ بَعِيرِهَا فَأَنَاخَتْهُ، ثُمَّ قَالَتْ: انا والله صاحبة كِلابِ الْحَوْأَبِ طَرُوقًا، رُدُّونِي! تَقُولُ ذَلِكَ ثَلاثًا فَأَنَاخَتْ وَأَنَاخُوا حَوْلَهَا وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَهِيَ تَأْبَى حَتَّى كَانَتِ السَّاعَةُ الَّتِي أَنَاخُوا فِيهَا مِنَ الْغَدِ قَالَ: فَجَاءَهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: النَّجَاءَ النَّجَاءَ، فَقَدْ أَدْرَكَكُمْ وَاللَّهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ! قَالَ: فَارْتَحَلُوا وَشَتَمُونِي، فَانْصَرَفْتُ، فَمَا سِرْتُ إِلا قَلِيلا وَإِذَا أَنَا بِعَلِيٍّ وَرَكْبٍ معه نحو من ثلاثمائة، فقال لي على: يا ايها الرَّاكِبُ! فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ: أَيْنَ أَتَيْتَ الظَّعِينَةَ؟ قُلْتُ: فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا، وَهَذِهِ نَاقَتُهَا، وَبِعْتُهُمْ جَمَلِي، قَالَ: وَقَدْ رَكِبَتْهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَسِرْتُ مَعَهُمْ حَتَّى أَتَيْنَا مَاءَ الْحَوْأَبِ فَنَبَحَتْ عَلَيْهَا كَلابُهَا، فَقَالَتْ كَذَا وَكَذَا، فَلَمَّا رَأَيْتُ اخْتِلاطَ أَمْرِهِمْ انْفَتَلْتُ وَارْتَحَلُوا، فَقَالَ عَلِيٌّ: هَلْ لَكَ دِلالَةٌ بِذِي قَارٍ؟ قُلْتُ: لِعَلِيٍّ أَدُلُّ النَّاسَ، قَالَ: فَسِرْ مَعَنَا، فَسِرْنَا حَتَّى نَزَلْنَا ذَا قَارٍ، فَأَمَرَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِجِوَالِقَيْنِ فَضَمَّ أَحَدَهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ، ثُمَّ جِيءَ بِرَحْلٍ فَوُضِعَ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ جَاءَ يَمْشِي حَتَّى صَعِدَ عَلَيْهِ، وَسَدَلَ رِجْلَيْهِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ حمد الله وأثنى عليه، وصلى على محمد صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ: قَدْ رَأَيْتُمْ مَا صَنَعَ هَؤُلاءِ الْقَوْمُ وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ فَقَامَ إِلَيْهِ الْحَسَنُ فَبَكَى، فقال له على: قد جئت تخن خنين الْجَارِيَةِ! فَقَالَ: أَجَلْ، أَمَرْتُكَ فَعَصَيْتَنِي، فَأَنْتَ الْيَوْمُ تُقْتَلُ بِمَضْيَعَةٍ لا نَاصِرَ لَكَ، قَالَ: حَدِّثِ الْقَوْمَ بِمَا أَمَرْتَنِي بِهِ، قَالَ: أَمَرْتُكَ حِينَ سار الناس الى عثمان أَلا تَبْسُطَ يَدَكَ بِبَيْعَةٍ حَتَّى تَجُولَ جَائِلَةُ الْعَرَبِ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَقْطَعُوا أَمْرًا دُونَكَ، فَأَبَيْتَ عَلَيَّ، وَأَمَرْتُكَ حِينَ سَارَتْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ وَصَنَعَ هَؤُلاءِ الْقَوْمُ مَا صَنَعُوا أَنْ تَلْزَمَ الْمَدِينَةَ وَتُرْسِلَ إِلَى مَنِ اسْتَجَابَ لَكَ مِنْ شِيعَتِكَ، قَالَ عَلِيٌّ: صَدَقَ وَاللَّهِ، وَلَكِنْ وَاللَّهِ يَا بُنَيَّ مَا كُنْتُ لأَكُونَ كَالضَّبُعِ تَسْتَمِعُ لِلدَّمِ، ان النبي صلى الله عليه وسلم قُبِضَ وَمَا أَرَى أَحَدًا أَحَقَّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنِّي، فَبَايَعَ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ، فَبَايَعْتُ كَمَا بَايَعُوا، ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَلَكَ وَمَا أَرَى أَحَدًا أَحَقَّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنِّي، فَبَايَعَ النَّاسُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَبَايَعْتُ كَمَا بَايَعُوا، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَلَكَ وَمَا أَرَى أَحَدًا أَحَقَّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنِّي، فَجَعَلَنِي سَهْمًا مِنْ سِتَّةِ أَسْهُمٍ، فَبَايَعَ النَّاسُ عُثْمَانَ فَبَايَعْتُ كَمَا بَايَعُوا، ثُمَّ سَارَ النَّاسُ إِلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ أَتَوْنِي فَبَايَعُونِي طَائِعِينَ غَيْرُ مُكْرَهِينَ، فَأَنَا مُقَاتِلُ مَنْ خَالَفَنِي بِمَنِ اتَّبَعَنِي حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ.