45 هـ
666 م
سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ (ذِكْرُ الأَحْدَاثِ الْمَذْكُورَةِ الَّتِي كَانَتْ فِيهَا)

فَمِنْ ذَلِكَ اسْتِعْمَالُ مُعَاوِيَةَ الْحَارِثَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَزْدِيَّ فِيهَا عَلَى الْبَصْرَةِ
فَحَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حدثني علي بن مُحَمَّد، قال: عزل معاوية ابْنَ عَامِرٍ …


وَوَلَّى الْحَارِثَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَزْدِيَّ الْبَصْرَةَ فِي أَوَّلِ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ، فَأَقَامَ بِالْبَصْرَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ عَزَلَهُ قَالَ: وَقَدْ قِيلَ: هُوَ الْحَارِثُ بْنُ عَمْرٍو وَابْنُ عبد عَمْرٍو، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ عَزَلَ ابْنَ عَامِرٍ لِيُوَلِّيَ زِيَادًا، فَوَلَّى الْحَارِثَ كَالْفَرَسِ الْمُحَلَّلِ، فَوَلَّى الْحَارِثُ شُرْطَتَهُ عَبْدَ اللَّهِ بن عمرو بن غَيْلانَ الثَّقَفِيَّ، ثُمَّ عَزَلَهُ مُعَاوِيَةُ وَوَلاهَا زِيَادًا.

ذِكْرُ الْخَبَرِ عَنْ وِلايَةِ زِيَادٍ الْبَصْرَةَ
حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ زِيَادًا لَمَّا قَدِمَ الْكُوفَةَ ظَنَّ الْمُغِيرَةُ أَنَّهُ قَدِمَ وَالِيًا عَلَى الْكُوفَةِ، فَأَقَامَ زِيَادٌ فِي دَارِ سَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ الْبَاهِلِيِّ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ الْمُغِيرَةُ وَائِلَ بْنَ حُجْرٍ الْحَضْرَمِيَّ أَبَا هُنَيْدَةَ، وَقَالَ لَهُ: اعْلَمْ لِي عِلْمَهُ فَأَتَاهُ فَلَمْ يَقْدِرْ مِنْهُ عَلَى شَيْءٍ، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ يُرِيدُ الْمُغِيرَةَ، وَكَانَ زَاجِرًا، فَرَأَى غُرَابًا يَنْعِقُ، فَرَجَعَ إِلَى زِيَادٍ فَقَالَ: يَا أَبَا الْمُغِيرَةِ، هَذَا الْغُرَابُ يُرَحِّلُكَ عَنِ الْكُوفَةِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمُغِيرَةِ، وَقَدِمَ رَسُولُ مُعَاوِيَةَ عَلَى زِيَادٍ مِنْ يَوْمِهِ: أَنْ سِرْ إِلَى الْبَصْرَةِ.
وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَرْوَزِيُّ فَحَدَّثَنِي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ:
حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ إِسْحَاقَ- يَعْنِي ابْنَ يَحْيَى- عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ الْجَدَلِيِّ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا زِيَادٌ- الَّذِي يُقَالُ لَهُ ابْنُ أَبِي سُفْيَانَ- مِنْ عِنْدِ مُعَاوِيَةَ، فَنَزَلَ دَارَ سَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ الْبَاهِلِيِّ يَنْتَظِرُ أَمْرَ مُعَاوِيَةَ.
قَالَ: فَبَلَغَ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ- وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْكُوفَةِ- أَنَّ زِيَادًا يَنْتَظِرُ أَنْ تَجِيءَ إِمَارَتُهُ عَلَى الْكُوفَةِ، فَدَعَا قَطَنَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْحَارِثِيَّ فَقَالَ: هَلْ فِيكَ مِنْ خَيْرٍ؟
تَكْفِينِي الْكُوفَةَ حَتَّى آتِيكَ مِنْ عِنْدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: مَا أَنَا بِصَاحِبِ ذَا، فَدَعَا عُتَيْبَةَ بْنَ النَّهَّاسِ الْعِجْلِيَّ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ فَقَبِلَ، فَخَرَجَ الْمُغِيرَةُ إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ سَأَلَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ، وَأَنْ يَقْطَعَ لَهُ مَنَازِلَ بِقَرْقِيسِيَا بَيْنَ ظَهْرَيْ قَيْسٍ، فَلَمَّا سَمِعَ بِذَلِكَ مُعَاوِيَةُ خَافَ بَائِقَتَهُ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَتَرْجِعَنَّ إِلَى عَمَلِكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَأَبَى عَلَيْهِ، فَلَمْ يَزِدْهُ ذَلِكَ إِلا تُهْمَةً، فَرَدَّهُ إِلَى عَمَلِهِ، فَطَرَقْنَا لَيْلا، وَإِنِّي لَفَوْقَ الْقَصْرِ أَحْرُسُهُ، فَلَمَّا قَرَعَ الْبَابَ أَنْكَرْنَاهُ، فَلَمَّا خَافَ أَنْ نُدْلِيَ عَلَيْهِ حَجَرًا تَسَمَّى لَنَا، فَنَزَلْتُ إِلَيْهِ فَرَحَّبْتُ لَهُ وَسَلَّمْتُ، فَتَمَثَّلَ:

بِمِثْلِي فَافْزَعِي يَا أُمَّ عَمْرٍو *** إِذَا مَا هَاجَنِي السَّفَرَ النُّعُورُ

اذْهَبْ إِلَى ابْنِ سُمَيَّةَ فَرَحِّلْهُ حَتَّى لا يُصْبِحَ إِلا مِنْ وَرَاءِ الْجِسْرِ فَخَرَجْنَا فَأَتَيْنَا زِيَادًا، فاخرجناه حتى طرحناه من وَرَاءَ الْجِسْرِ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ.
فَحَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَسْلَمَةُ وَالْهُذَلِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّ مُعَاوِيَةَ اسْتَعْمَلَ زِيَادًا عَلَى الْبَصْرَةِ وَخُرَاسَانَ وَسِجِسْتَانَ، ثُمَّ جَمَعَ لَهُ الْهِنْدَ وَالْبَحْرَيْنِ وَعُمَانَ، وَقَدِمَ الْبَصْرَةَ فِي آخِرِ شَهْرِ رَبِيعٍ الآخِرِ- أَوْ غُرَّةِ جُمَادَى الأُولَى- سَنَةَ خَمْسٍ، وَالْفِسْقُ بِالْبَصْرَةِ ظَاهِرٌ، فَاشٍ، فَخَطَبَ خُطْبَةً بَتْرَاءَ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ فِيهَا، وَقِيلَ: بَلْ حَمِدَ الله فقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِفْضَالِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَنَسْأَلُهُ الْمَزِيدَ مِنْ نِعَمِهِ، اللَّهُمَّ كَمَا رَزَقْتَنَا نِعَمًا، فَأَلْهِمْنَا شُكْرًا عَلَى نِعْمَتِكَ عَلَيْنَا.
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ الْجَهَالَةَ الْجَهْلاءَ، وَالضَّلالَةَ الْعَمْيَاءَ، وَالْفُجْرَ الْمُوقِدَ لآهِلِهِ النَّارَ، الْبَاقِي عَلَيْهِمْ سَعِيرَهَا، مَا يَأْتِي سُفَهَاؤُكُمْ، وَيَشْتَمِلُ عَلَيْهِ حُلَمَاؤُكُمْ، مِنَ الأُمُورِ الْعِظَامِ، يَنْبُتُ فِيهَا الصَّغِيرُ، وَلا يُتَحَاشَى مِنْهَا الْكَبِيرُ، كَأَنْ لَمْ تَسْمَعُوا بِآيِ اللَّهِ، وَلَمْ تَقْرَءُوا كِتَابَ اللَّهِ، وَلَمْ تَسْمَعُوا مَا أَعَدَّ اللَّهُ مِنَ الثَّوَابِ الْكَرِيمِ لأَهْلِ طَاعَتِهِ، وَالْعَذَابِ الأَلِيمِ لأَهْلِ مَعْصِيَتِهِ، فِي الزَّمَنِ السَّرْمَدِ الَّذِي لا يَزُولُ أَتَكُونُونَ كَمَنْ طَرَفَتْ عَيْنَهُ الدُّنْيَا، وَسَدَّتْ مَسَامِعَهُ الشَّهْوَاتُ، وَاخْتَارَ الْفَانِيَةَ عَلَى الْبَاقِيَةِ، وَلا تَذْكُرُونَ أَنَّكُمْ أَحْدَثْتُمْ فِي الإِسْلامِ الْحَدَثَ الَّذِي لَمْ تُسْبَقُوا بِهِ، مِنْ تَرْكِكُمْ هَذِهِ الْمَوَاخِيرَ الْمَنْصُوبَةَ، وَالضَّعِيفَةَ الْمَسْلُوبَةَ، فِي النَّهَارِ الْمُبْصِرِ، وَالْعَدَدُ غَيْرُ قَلِيلٍ! أَلَمْ تَكُنْ مِنْكُمْ نُهَاةٌ تَمْنَعُ الْغُوَاةَ عَنْ دُلَجِ اللَّيْلِ وَغَارَةِ النَّهَارِ! قَرَّبْتُمُ الْقَرَابَةَ، وَبَاعَدْتُمُ الدِّينَ، تَعْتَذِرُونَ بِغَيْرِ الْعُذْرِ، وَتُغَطُّونَ عَلَى الْمُخْتَلِسِ، كُلُّ امْرِئٍ مِنْكُمْ يَذُبُّ عَنْ سَفِيهِهِ، صَنِيعُ مَنْ لا يَخَافُ عِقَابًا، وَلا يَرْجُو مَعَادًا مَا أَنْتُمْ بِالْحُلَمَاءِ، وَلَقَدِ اتَّبَعْتُمُ السُّفَهَاءَ، وَلَمْ يَزَلْ بِهِمْ مَا تَرَوْنَ مِنْ قِيَامِكُمْ دُونَهُمْ، حَتَّى انْتَهَكُوا حُرُمَ الإِسْلامِ، ثُمَّ أَطْرَقُوا

وَرَاءَكُمْ كُنُوسًا فِي مَكَانِسِ الرَّيْبِ *** حَرُمَ عَلَيَّ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ
حَتَّى أُسَوِّيَهَا بِالأَرْضِ هَدْمًا وَإِحْرَاقًا *** إِنِّي رَأَيْتُ آخِرَ هَذَا الأَمْرِ لا يَصْلُحُ

إلا بِمَا صَلَحَ بِهِ أَوَّلُهُ، لين في غير ضعف، وشدة في غير جَبْرِيَّةٍ وَعُنْفٍ وَإِنِّي أُقْسِمُ بِاللَّهِ لآخُذَنَّ الْوَلِيَّ بِالْوَلِيِّ، وَالْمُقِيمَ بِالظَّاعِنِ، وَالْمُقْبِلَ بِالْمُدْبِرِ، وَالصَّحِيحَ مِنْكُمْ بِالسَّقِيمِ، حَتَّى يَلْقَى الرَّجُلُ مِنْكُمْ أَخَاهُ فَيَقُولُ: انْجُ سَعْدٌ فَقَدْ هَلَكَ سَعِيدٌ، أَوْ تَسْتَقِيمَ لِي قَنَاتُكُمْ إِنَّ كِذْبَةَ الْمِنْبَرِ تَبْقَى مَشْهُورَةً، فَإِذَا تَعَلَّقْتُمْ عَلَيَّ بِكِذْبَةٍ فَقَدْ حَلَّتْ لَكُمْ معصيتي، وإذا سمعتموها منى فاغتمزوها في واعلموا ان عندي أمثالها مَنْ بَيَّتَ مِنْكُمْ فَأَنَا ضَامِنٌ لِمَا ذَهَبَ لَهُ إِيَّايَ وَدُلَجِ اللَّيْلِ، فَإِنِّي لا أُوتَى بِمُدْلِجٍ إِلا سَفَكْتُ دَمَهُ، وَقَدْ أَجَّلْتُكُمْ فِي ذَلِكَ بِقَدْرِ مَا يَأْتِي الْخَبَرُ الْكُوفَةِ وَيَرْجِعُ الى وإياي ودعوى الجاهلية، فانى لا أجد أَحَدًا دَعَا بِهَا إِلا قَطَعْتُ لِسَانَهُ وَقَدْ أَحْدَثْتُمْ أَحْدَاثًا لَمْ تَكُنْ، وَقَدْ أَحْدَثْنَا لِكُلِّ ذَنْبٍ عُقُوبَةً، فَمَنْ غَرَّقَ قَوْمًا غَرَّقْتُهُ، وَمَنْ حَرَّقَ عَلَى قَوْمٍ حَرَّقْنَاهُ، وَمَنْ نَقَبَ بَيْتًا نَقَبْتُ عَنْ قَلْبِهِ، وَمَنْ نَبَشَ قَبْرًا دَفَنْتُهُ فِيهِ حَيًّا، فَكُفُّوا عَنِّي أَيْدِيَكُمْ وَأَلْسِنَتَكُمْ أَكْفُفْ يَدِي وَأَذَايَ، لا يَظْهَرُ مِنْ أَحَدٍ مِنْكُمْ خِلافُ مَا عَلَيْهِ عَامَّتُكُمْ إِلا ضَرَبْتُ عُنُقَهُ.
وَقَدْ كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ أَقْوَامٍ إِحَنٌ، فَجَعَلْتُ ذَلِكَ دُبُرَ أُذُنِي وَتَحْتَ قَدَمِي، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُحْسِنًا فَلْيَزْدَدْ إِحْسَانًا، وَمَنْ كَانَ مُسِيئًا فَلْيَنْزَعْ عَنْ إِسَاءَتِهِ إِنِّي لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ أَحَدَكُمْ قَدْ قَتَلَهُ السُّلُّ مِنْ بُغْضِي لَمْ أَكْشِفْ لَهُ قِنَاعًا، وَلَمْ أَهْتِكْ لَهُ سِتْرًا، حَتَّى يُبْدِيَ لِي صَفْحَتَهُ، فَإِذَا فَعَلَ لَمْ أُنَاظِرْهُ، فَاسْتَأْنِفُوا أُمُورَكُمْ، وَأَعِينُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، فَرُبَّ مُبْتَئِسٍ بِقُدُومِنَا سَيُسَرُّ، وَمَسْرُورٍ بِقُدُومِنَا سَيُبْتَئَسُ.
أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّا أَصْبَحْنَا لَكُمْ سَاسَةً، وَعَنْكُمْ ذَادَةً، نَسُوسُكُمْ بِسُلْطَانِ اللَّهِ الَّذِي أَعْطَانَا، وَنَذُودُ عَنْكُمْ بِفَيْءِ اللَّهِ الَّذِي خَوَّلَنَا، فَلَنَا عَلَيْكُمُ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِيمَا أَحْبَبْنَا، وَلَكُمْ عَلَيْنَا الْعَدْلُ فِيمَا ولينا، فاستوجبوا عدلنا وفيئنا بِمُنَاصَحَتِكُمْ وَاعْلَمُوا أَنِّي مَهْمَا قَصَرْتُ عَنْهُ فَإِنِّي لا أُقَصِّرُ عَنْ ثَلاثٍ:
لَسْتُ مُحْتَجِبًا عَنْ طَالِبِ حَاجَةٍ مِنْكُمْ وَلَوْ أَتَانِي طَارِقًا بِلَيْلٍ، وَلا حَابِسًا رِزْقًا وَلا عَطَاءً عَنْ إِبَّانِهِ، وَلا مُجَمِّرًا لَكُمْ بَعَثًا فَادْعُوا اللَّهَ بِالصَّلاحِ لأَئِمَّتِكُمْ، فَإِنَّهُمْ سَاسَتُكُمُ الْمُؤَدِّبُونَ لَكُمْ، وَكَهْفُكُمُ الَّذِي إِلَيْهِ تَأْوُونَ، وَمَتَى تَصْلُحُوا يَصْلُحُوا وَلا تُشْرِبُوا قُلُوبَكُمْ بُغْضَهُمْ، فَيَشْتَدَّ لِذَلِكَ غَيْظُكُمْ، وَيَطُولَ لَهُ حُزْنُكُمْ، وَلا تُدْرِكُوا حَاجَتَكُمْ، مَعَ أَنَّهُ لَوِ اسْتُجِيبَ لَكُمْ كَانَ شَرًّا لَكُمْ.
أَسْأَلُ الله ان يعين كلا على كل، وإذا رَأَيْتُمُونِي أُنْفِذُ فِيكُمُ الأَمْرَ فَأَنْفِذُوهُ عَلَى إِذْلالِهِ، وَايْمُ اللَّهِ إِنَّ لِي فِيكُمْ لَصَرْعَى كَثِيرَةً، فَلْيَحْذَرْ كُلُّ امْرِئٍ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ مِنْ صَرْعَايَ.
قَالَ: فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الأَهْتَمِ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَيُّهَا الأَمِيرُ أَنَّكَ قَدْ أُوتِيتَ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ، فَقَالَ: كَذَبْتَ، ذَاكَ نَبِيُّ الله داود ع.
قَالَ الأَحْنَفُ: قَدْ قُلْتَ فَأَحْسَنْتَ أَيُّهَا الأَمِيرُ، وَالثَّنَاءُ بَعْدَ الْبَلاءِ، وَالْحَمْدُ بَعْدَ الْعَطَاءِ، وَإِنَّا لَنْ نُثْنِيَ حَتَّى نُبْتَلَى، فَقَالَ زِيَادٌ: صَدَقْتَ.
فَقَامَ أَبُو بِلالٍ مِرْدَاسُ بْنُ أُدَيَّةَ يَهْمِسُ وَهُوَ يَقُولُ: أَنْبَأَ اللَّهُ بِغَيْرِ مَا قُلْتَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ} {أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ} {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَىٰ} [النجم:37-39] ، فَأَوْعَدَنَا اللَّهُ خَيْرًا مِمَّا وَاعَدْتَ يَا زِيَادُ، فَقَالَ زِيَادٌ: إِنَّا لا نَجِدُ إِلَى مَا تُرِيدُ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ سَبِيلا حَتَّى نَخُوضَ إِلَيْهَا الدِّمَاءَ.
حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَلادُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: سَمِعْتُ مَنْ يُخْبِرُ عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: مَا سَمِعْتُ مُتَكَلِّمًا قَطُّ تَكَلَّمَ فَأَحْسَنَ إِلا أَحْبَبْتُ أَنْ يَسْكُتَ خَوْفًا أَنْ يُسِيءَ إِلا زِيَادًا، فَإِنَّهُ كَانَ كُلَّمَا أَكْثَرَ كَانَ أَجْوَدَ كَلامًا.
حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، عَنْ مَسْلَمَةَ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ زِيَادٌ عَلَى شُرْطَتِهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حِصْنٍ، فَأَمْهَلَ النَّاسَ حَتَّى بَلَغَ الْخَبَرُ الْكُوفَةَ، وَعَادَ إِلَيْهِ وُصُولُ الْخَبَرِ إِلَى الْكُوفَةِ، وَكَانَ يُؤَخِّرُ الْعِشَاءَ حَتَّى يَكُونَ آخِرَ مَنْ يُصَلِّي ثُمَّ يُصَلِّي، يَأْمُرُ رَجُلا فَيَقْرَأُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَمِثْلَهَا، يُرَتِّلُ الْقُرْآنَ، فَإِذَا فَرَغَ أَمْهَلَ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّ إِنْسَانًا يَبْلُغُ الْخُرَيْبَةَ، ثُمَّ يَأْمُرُ صَاحِبَ شُرْطَتِهِ بِالْخُرُوجِ، فَيَخْرُجُ وَلا يَرَى إِنْسَانًا إِلا قَتَلَهُ قَالَ: فَأَخَذَ لَيْلَةً أَعْرَابِيًّا، فَأَتَى بِهِ زِيَادًا فَقَالَ: هَلْ سَمِعْتَ النِّدَاءَ؟ قَالَ: لا وَاللَّهِ، قَدِمْتُ بِحَلُوبَةٍ لِي، وَغَشِيَنِي اللَّيْلُ، فَاضْطَرَرْتُهَا إِلَى مَوْضِعٍ، فَأَقَمْتُ لأُصْبِحَ، وَلا عِلْمَ لِي بِمَا كَانَ مِنَ الأَمِيرِ قَالَ: أَظُنُّكَ وَاللَّهِ صَادِقًا، وَلَكِنْ فِي قَتْلِكَ صَلاحُ هَذِهِ الأُمَّةِ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ.
وَكَانَ زِيَادٌ أَوَّلَ مَنْ شَدَّ أَمْرَ السُّلْطَانِ، وَأَكَّدَ الْمُلْكَ لِمُعَاوِيَةَ، وَأَلْزَمَ النَّاسَ الطَّاعَةَ، وَتَقَدَّمَ فِي الْعُقُوبَةِ، وَجَرَّدَ السَّيْفَ، وَأَخَذَ بِالظِّنَّةِ، وَعَاقَبَ عَلَى الشُّبْهَةِ، وَخَافَهُ النَّاسُ فِي سُلْطَانِهِ خَوْفًا شَدِيدًا، حَتَّى أَمِنَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، حَتَّى كَانَ الشَّيْءُ يَسْقُطُ مِنَ الرَّجُلِ أَوِ الْمَرْأَةِ فَلا يَعْرِضُ لَهُ أَحَدٌ حَتَّى يَأْتِيَهُ صَاحِبُهُ فَيَأْخُذَهُ، وَتَبِيتُ الْمَرْأَةُ فَلا تُغْلِقُ عَلَيْهَا بَابَهَا، وَسَاسَ النَّاسَ سِيَاسَةً لَمْ يُرَ مِثْلُهَا، وَهَابَهُ النَّاسُ هَيْبَةً لَمْ يَهَابُوهَا أَحَدًا قَبْلَهُ، وَأَدَرَّ الْعَطَاءَ، وَبَنَى مَدِينَةَ الرِّزْقِ.
قَالَ: وَسَمِعَ زِيَادٌ جَرَسًا مِنْ دَارِ عُمَيْرٍ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقِيلَ:
مُحْتَرِسٌ قَالَ: فَلْيَكُفَّ عَنْ هَذَا، أَنَا ضَامِنٌ لِمَا ذَهَبَ لَهُ، مَا أَصَابَ مِنْ إِصْطَخَرَ.
قَالَ: وَجَعَلَ زِيَادٌ الشُّرَطَ أَرْبَعَةَ صَاحِبُ طَاقِ الْجَعْدِ، وَكَانَا جَمِيعًا عَلَى شُرَطِهِ، فَبَيْنَا زِيَادٌ يَوْمًا يَسِيرُ وَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَسِيرَانِ بِحَرْبَتَيْنِ، تَنَازَعَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ زِيَادٌ: يَا جَعْدُ، أَلْقِ الْحَرْبَةَ، فَأَلْقَاهَا، وَثَبَتَ ابْنُ حِصْنٍ عَلَى شُرَطِهِ حَتَّى مَاتَ زِيَادٌ.
وَقِيلَ: انه ولى الجعد امر الفساق، وكان يتبعهم، وَقِيلَ لِزِيَادٍ: إِنَّ السُّبُلَ مَخُوفَةٌ، فَقَالَ: لا أُعَانِي شَيْئًا سِوَى الْمِصْرِ حَتَّى أَغْلِبَ عَلَى الْمِصْرِ وَأُصْلِحَهُ، فَإِنْ غَلَبَنِي الْمِصْرُ فَغَيْرُهُ أَشَدُّ غَلَبَةً، فَلَمَّا ضَبَطَ الْمِصْرَ تَكَلَّفَ مَا سِوَى ذَلِكَ فَأَحْكَمَهُ وَكَانَ يَقُولُ: لَوْ ضَاعَ حَبْلٌ بَيْنِي وَبَيْنَ خُرَاسَانَ عَلِمْتُ مَنْ أَخَذَهُ.
وَكَتَبَ خمسمائة مِنْ مَشْيَخَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فِي صَحَابَتِهِ، فَرَزَقَهُمْ ما بين الثلثمائه الى الخمسمائة، فَقَالَ فِيهِ حَارِثَةُ بْنُ بَدْرٍ الْغُدَانِيُّ:

أَلا مِنْ مُبْلِغٍ عَنِّي زِيَادًا *** فَنِعْمَ أَخُو الْخَلِيفَةِ وَالأَمِيرُ!
فَأَنْتَ إِمَامُ مَعْدَلَةٍ وَقَصْدٍ *** وَحَزْمٍ حِينَ تَحْضُرُكَ الأُمُورُ
أَخُوكَ خَلِيفَةُ اللَّهِ ابْنُ حَرْبٍ *** وَأَنْتَ وَزِيرُهُ، نِعْمَ الْوَزِيرُ!
تُصِيبُ عَلَى الْهَوَى مِنْهُ وَتَأْتِي *** مُحِبَّكَ مَا يَجُنُّ لَنَا الضَّمِيرُ
بِأَمْرِ اللَّهِ مَنْصُورٌ مُعَانٌ *** إِذَا جَارَ الرَّعِيَّةُ لا تَجُورُ
يُدِرُّ عَلَى يَدَيْكَ لِمَا أَرَادُوا *** مِنَ الدُّنْيَا لَهُمْ حَلَبٌ غَزِيرُ
وَتَقْسِمُ بِالسَّوَاءِ فَلا غَنِيٌّ *** لِضَيْمٍ يَشْتَكِيكَ وَلا فَقِيرُ
وَكُنْتَ حَيَا وَجِئْتَ عَلَى زَمَانٍ *** خَبِيثٍ، ظَاهِرٌ فِيهِ شُرُورُ
تَقَاسَمَتِ الرِّجَالُ بِهِ هَوَاهَا *** فَمَا تُخْفِي ضغائنها الصدور
وَخَافَ الْحَاضِرُونَ وَكُلُّ بَادٍ *** يُقِيمُ عَلَى الْمَخَافَةِ أَوْ يَسِيرُ
فَلَمَّا قَامَ سَيْفُ اللَّهِ فِيهِمْ *** زِيَادٌ قَامَ أَبْلَجُ مُسْتَنِيرُ
قَوِيٌّ لا مِنَ الْحَدَثَانِ غِرٌّ *** وَلا جَزَعٌ وَلا فَانٍ كَبِيرُ

حدثني عمر بن شبة، قال: حدثنا علي بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: اسْتَعَانَ زِيَادٌ بِعِدَّةٍ مِنْ اصحاب النبي ص، مِنْهُمْ عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ الْخُزَاعِيُّ وَلاهُ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ، وَالْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو الْغِفَارِيُّ وَلاهُ خُرَاسَانَ، وسمره ابن جُنْدُبٍ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ، فَاسْتَعْفَاهُ عِمْرَانُ فَأَعْفَاهُ وَاسْتَقْضَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ فَضَالَةَ اللَّيْثِيَّ، ثُمَّ أَخَاهُ عَاصِمَ بْنَ فَضَالَةَ، ثُمَّ زُرَارَةَ بْنَ أَوْفَى الْحَرَشِيَّ، وَكَانَتْ أُخْتُهُ لُبَابَةُ عِنْدَ زِيَادٍ.
وَقِيلَ: إِنَّ زِيَادًا أَوَّلُ مَنْ سِيرَ بَيْنَ يَدَيْهِ بِالْحِرَابِ، وَمُشِيَ بين يديه بالعمد، واتخذ الحرس رابطه خمسمائة، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ شَيْبَانَ صَاحِبَ مَقْبُرَةِ شَيْبَانَ، مِنْ بَنِي سَعْدٍ، فَكَانُوا لا يَبْرَحُونَ الْمَسْجِدِ حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: جَعَلَ زِيَادٌ خُرَاسَانَ أَرْبَاعًا، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى مَرْوَ أَمِيرَ بْنَ أَحْمَرَ الْيَشْكُرِيَّ، وَعَلَى أَبْرَشَهْرَ خُلَيْدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْحَنَفِيَّ، وَعَلَى مَرْوَ الرَّوْذِ وَالْفَارِيَابِ وَالطَّالْقَانِ قيس بن الهيثم، وعلى هراة وباذ غيس وَقَادِسَ وَبُوشَنْجَ نَافِعَ بْنَ خَالِدٍ الطَّاحِيَّ.
حَدَّثَنِي عمر، قال: حدثنا علي، قال: حدثنا مسلمة بْنُ مُحَارِبٍ وَابْنُ أَبِي عَمْرٍو، شَيْخٌ مِنَ الأَزْدِ، أَنَّ زِيَادًا عَتَبَ عَلَى نَافِعِ بْنِ خَالِدٍ الطَّاحِيَّ، فَحَبَسَهُ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ كِتَابًا بِمِائَةِ الف، وقال بعضهم: ثمانمائه أَلْفٍ، وَكَانَ سَبَبُ مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ بَعَثَ بِخُوَانٍ بَازَهْر قَوَائِمُهُ مِنْهُ، فَأَخَذَ نَافِعٌ قَائِمَةً، وجعل مكانها قَائِمَةً مِنْ ذَهَبٍ، وَبَعَثَ بِالْخُوَانِ إِلَى زِيَادٍ مَعَ غُلامٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ زَيْدٌ، كَانَ قَيِّمَهُ عَلَى أَمْرِهِ كُلِّهِ، فَسَعَى زَيْدٌ بِنَافِعٍ، وقال لزياد: إِنَّهُ قَدْ خَانَكَ، وَأَخَذَ قَائِمَةً مِنْ قَوَائِمِ الْخُوَانِ، وَجَعَلَ مَكَانَهَا قَائِمَةً مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: فَمَشَى رِجَالٌ مِنْ وُجُوهِ الأَزْدِ إِلَى زِيَادٍ، فِيهِمْ سَيْفُ بْنُ وَهْبٍ الْمَعْوَلِيُّ، وَكَانَ شَرِيفًا، وَلَهُ يَقُولُ الشَّاعِرُ:

اعْمِدْ بِسَيْفٍ لِلسَّمَاحَةِ وَالنَّدَى *** وَاعْمِدْ بِصَبْرَةَ لِلْفِعَالِ الأَعْظَمِ

قَالَ: فَدَخَلُوا عَلَى زِيَادٍ وَهُوَ يَسْتَاكُ، فَتَمَثَّلَ زِيَادٌ حِينَ رَآهُمْ:

اذْكُرْ بِنَا مَوْقِفَ أَفْرَاسِنَا *** بِالْحِنْوِ إِذْ أَنْتَ إِلَيْنَا فَقِيرْ

قَالَ: وَأَمَّا الأَزْدُ فَيَقُولُونَ: بَلْ تَمَثَّلَ سَيْفُ بْنُ وَهْبٍ أَبُو طَلْحَةَ الْمَعْوَلِيُّ بِهَذَا الْبَيْتِ حِينَ دَخَلَ عَلَى زِيَادٍ، فَقَالَ: نَعَمْ قَالَ: وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ أَيَّامَ أَجَارَهُ صَبْرَةُ، فَدَعَا زِيَادٌ بِالْكِتَابِ فَمَحَاهُ بِسِوَاكِهِ وَأَخْرَجَ نَافِعًا.
حدثني عمر بن شبة، قال: حدثنا علي، عن مسلمة، أن زيادا عزل نافع بن خَالِد الطاحي وخليد بن عَبْدِ اللَّهِ الحنفي وأمير بن أحمر اليشكري، فاستعمل الحكم بن عَمْرو بن مجدع بن حذيم بن الْحَارِث بن نعيلة بن مليك- ونعيلة أخو غفار بن مليك- ولكنهم قليل، فصاروا إِلَى غفار.
قَالَ مسلمة: أمر زياد حاجبه فَقَالَ: ادع لي الحكم- وهو يريد الحكم ابن أبي العاص الثقفي- فخرج الحاجب فرأى الحكم بن عَمْرو الْغِفَارِيّ فأدخله، فَقَالَ: زياد: رجل لَهُ شرف وله صحبة مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص، فعقد لَهُ عَلَى خُرَاسَان، ثُمَّ قَالَ لَهُ: مَا أردتك، ولكن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أرادك.
حَدَّثَنِي عُمَرُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عبد الرَّحْمَن الثقفي ومُحَمَّد بن الفضل، عَنْ أَبِيهِ، أن زيادا لما ولي العراق استعمل الحكم بن عَمْرو الْغِفَارِيّ عَلَى خُرَاسَان، وجعل مَعَهُ رجالا عَلَى كور، وأمرهم بطاعته، فكانوا عَلَى جباية الخراج، وهم أسلم بن زرعة، وخليد بن عَبْدِ اللَّهِ الحنفي، ونافع بن خَالِد الطاحي، وربيعة بن عسل اليربوعي، وأمير بن أحمر اليشكري، وحاتم بن النُّعْمَانِ الباهلي، فمات الحكم بن عَمْرو، وَكَانَ قَدْ غزا طخارستان، فغنم غنائم كثيرة، واستخلف أنس بن أبي أناس بن زنيم، وَكَانَ كتب إِلَى زياد: أني قَدْ رضيته لِلَّهِ وللمسلمين ولك، فَقَالَ زياد: اللَّهُمَّ إني لا أرضاه لدينك وَلا لِلْمُسْلِمِينَ وَلا لي وكتب زياد إِلَى خليد بن عَبْدِ اللَّهِ الحنفي بولاية خُرَاسَان، ثُمَّ بعث الربيع بن زياد الحارثي إِلَى خُرَاسَان فِي خمسين ألفا، مِنَ الْبَصْرَةِ خمسة وعشرين ألفا، ومن الْكُوفَة خمسة وعشرين ألفا، عَلَى أهل الْبَصْرَة الربيع، وعلى أهل الْكُوفَة عَبْد اللَّهِ ابن أبي عقيل، وعلى الجماعة الربيع بن زياد.
وقيل: حج بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السنة مَرْوَان بن الحكم وَهُوَ عَلَى الْمَدِينَة، وكانت الولاة والعمال عَلَى الأمصار فِي هَذِهِ السنة من تقدم ذكره قبل، المغيره ابن شُعْبَةَ عَلَى الْكُوفَة، وشريح عَلَى القضاء بِهَا، وزياد عَلَى الْبَصْرَة، والعمال من قَدْ سميت قبل.
وفي هَذِهِ السنة كَانَ مشتى عبد الرَّحْمَن بن خَالِد بن الْوَلِيد بأرض الروم