290 هـ
902 م
سنه تسعين ومائتين (ذكر الخبر عن الأحداث التي كانت فيها)

فمما كان فيها من ذلك توجيه المكتفي رسولا الى اسماعيل بن احمد لليلتين خلتا من المحرم منها بخلع وعقد ولايه له على الري،وبهدايا مع …

عبد الله ابن الفتح ولخمس بقين من المحرم منها ورد- فيما ذكر- كتاب على بن عيسى من الرقة، يذكر فيه ان القرمطى بن زكرويه المعروف بالشيخ، وافى الرقة في جمع كثير، فخرج اليه جماعه من اصحاب السلطان ورئيسهم سبك غلام المكتفي، فواقعوه، فقتل سبك، وانهزم اصحاب السلطان ولست خلون من شهر ربيع الآخر ورد الخبر بان طغج بن جف اخرج من دمشق جيشا الى القرمطى، عليهم غلام له يقال له بشير، فواقعهم القرمطى، فهزم الجيش وقتل بشيرا ولثلاث عشرة بقيت من شهر ربيع الآخر خلع على ابى الأغر ووجه به لحرب القرمطى بناحيه الشام، فمضى الى حلب في عشره آلاف رجل.
ولإحدى عشرة بقيت من شهر ربيع الآخر خلع على ابى العشائر احمد بن نصر وولى طرسوس، وعزل عنها مظفر بن حاج لشكايه اهل الثغور اياه.
وللنصف من جمادى الاولى من هذه السنه، وردت كتب التجار الى بغداد من دمشق مؤرخه لسبع بقين من ربيع الآخر يخبرون فيها ان القرمطى الملقب بالشيخ قد هزم طغج غير مره، وقتل اصحابه الا القليل، وانه قد بقي في قله، وامتنع من الخروج، وانما تجتمع العامه، ثم تخرج للقتال، وانهم قد أشرفوا على الهلكة، فاجتمعت جماعه من تجار بغداد في هذا اليوم، فمضوا الى يوسف بن يعقوب، فاقرءوه كتبهم، وسألوه المضى الى الوزير ليخبره خبر اهل دمشق، فوعدهم ذلك.
ولسبع بقين من جمادى الاولى احضر دار السلطان ابو خازم ويوسف وابنه محمد، واحضر صاحب طاهر بن محمد بن عمرو بن الليث، فقوطع على مال فارس، ثم عقد المكتفي لطاهر على اعمال فارس، وخلع على صاحبه، وحملت اليه خلع مع العقد.
وفي جمادى الاولى هرب من مدينه السلام القائد المستأمن المعروف بابى سعيد الخوارزمي، وأخذ نحو طريق الموصل، فكتب الى عبد الله المعروف بغلام نون، وكان يتقلد المعاون بتكريت والاعمال المتصلة بها الى حد سامرا والى الموصل في معارضته واخذه، فزعموا ان عبد الله عارضه، فاختدعه ابو سعيد حتى اجتمعا جميعا على غير حرب، ففتك به ابو سعيد فقتله، ومضى ابو سعيد نحو شهرزور، فاجتمع هو وابن ابى الربيع الكردى، وصاهره، واجتمعا على عصيان السلطان ثم ان أبا سعيد قتل بعد ذلك، وتفرق من كان اجتمع اليه.
ولعشر خلون من جمادى الآخرة، شخص ابو العشائر الى عمله بطرسوس، وخرج معه جماعه من المطوعة للغزو، ومعه هدايا من المكتفي الى ملك الروم.
ولعشر بقين من جمادى الآخرة خرج المكتفي بعد العصر عامدا سامرا، مريدا البناء بها للانتقال إليها، فدخلها يوم الخميس لخمس بقين من جمادى الآخرة، ثم انصرف الى مضارب قد ضربت له بالجوسق، فدعا القاسم بن عبيد الله والقوام بالبناء، فقدروا له البناء وما يحتاج اليه من المال للنفقة عليه، فكثروا عليه في ذلك، وطولوا مده الفراغ مما اراد بناءه، وجعل القاسم يصرفه عن رايه في ذلك، ويعظم امر النفقة في ذلك وقدر مبلغ المال، فثناه عن عزمه، ودعا بالغداء، فتغدى ثم نام، فلما هب من نومه ركب الى الشط، وقعد في الطيار، وامر القاسم بن عبيد الله بالانحدار.
ورجع اكثر الناس من الطريق قبل ان يصلوا الى سامرا حين تلقاهم الناس راجعين.
ولسبع خلون من رجب خلع على ابنى القاسم بن عبيد الله، فولى الاكبر منهما ضياع الولد والحرم والنفقات، والاصغر منهما كتبه ابى احمد بن المكتفي، وكانت هذه الاعمال الى الحسين بن عمرو النصراني، فعزل بهما، وكان القاسم بن عبيد الله اتهم الحسين بن عمرو انه قد سعى به الى المكتفي.
ثم ان الحسين بن عمرو كاشف القاسم بن عبيد الله بحضره المكتفي، فلم يزل القاسم يدبر عليه، ويغلظ قلب المكتفي عليه، حتى وصل الى ما اراد من امره.
وفي يوم الجمعه لاربع عشره بقيت من شعبان قرئ كتابان في الجامعين بمدينه السلام بقتل يحيى بن زكرويه الملقب بالشيخ، قتله المصريون على باب دمشق، وقد كانت الحرب اتصلت بينه وبين من حاربه من اهل دمشق وجندها ومددهم من اهل مصر، وكسر لهم جيوشا، وقتل منهم خلقا كثيرا، وكان يحيى بن زكرويه هذا يركب جملا برحاله، ويلبس ثيابا واسعه ويعتم عمه اعرابيه، ويتلثم، ولم يركب دابه من لدن ظهر الى ان قتل، وامر اصحابه الا يحاربوا أحدا، وان اتى عليهم حتى يبتعث الجمل من قبل نفسه، وقال لهم: إذا فعلتم ذلك لم تهزموا.
وذكر انه كان إذا اشار بيده الى ناحيه من النواحي التي فيها محاربوه، انهزم اهل تلك الناحية، فاستغوى بذلك الاعراب ولما كان في اليوم الذى قتل فيه يحيى بن زكرويه الملقب بالشيخ، وانحازوا الى أخيه الحسين بن زكرويه، فطلب أخاه الشيخ في القتلى، فوجده، فواراه وعقد الحسين بن زكرويه لنفسه، وتسمى باحمد بن عبد الله، وتكنى بابى العباس وعلم اصحاب بدر بعد ذلك بقتل الشيخ، فطلبوه في القتلى فلم يجدوه، ودعا الحسين بن زكرويه الى مثل ما دعا اليه اخوه، فأجابه اكثر اهل البوادى وغيرهم من سائر الناس، واشتدت شوكته وظهر وصار الى دمشق، فذكر ان أهلها صالحوه على خراج دفعوه اليه، ثم انصرف عنهم، ثم سار الى اطراف حمص، فتغلب، عليها، وخطب له على منابرها، وتسمى بالمهدى، ثم سار الى مدينه حمص، فاطاعه أهلها، وفتحوا له بابها خوفا منه على انفسهم فدخلها، ثم سار منها الى حماه ومعره النعمان وغيرهما، فقتل أهلها، وقتل النساء والأطفال ثم سار الى بعلبك فقتل عامه أهلها حتى لم يبق منهم- فيما قيل- الا اليسير، ثم سار الى سلميه فحاربه أهلها ومنعوه الدخول، ثم وادعهم واعطاهم الامان، ففتحوا له بابها، فدخلها، فبدا بمن فيها من بنى هاشم، وكان بها منهم جماعه فقتلهم، ثم ثنى باهل سلميه فقتلهم اجمعين.
ثم قتل البهائم، ثم قتل صبيان الكتاتيب، ثم خرج منها، وليس بها عين تطرف- فيما قيل- وسار فيما حوالى ذلك من القرى يقتل ويسبى ويحرق ويخيف السبيل.
فذكر عن متطبب بباب المحول يدعى أبا الحسن انه قال: جاءتني امراه بعد ما ادخل القرمطى صاحب الشامة واصحابه بغداد، فقالت لي: انى اريد ان تعالج شيئا في كتفي، قلت: وما هو؟ قالت: جرح، قلت:
انا كحال، وهاهنا امراه تعالج النساء، وتعالج الجراحات، فانتظرى مجيئها.
فقعدت، ورايتها مكروبه كئيبه باكيه، فسألتها عن حالها، وقلت:
ما سبب جراحتك؟ فقالت: قصتي تطول، فقلت: حدثيني بها وصادقينى، وقد خلا من كان عندي، فقالت: كان لي ابن غاب عنى، وطالت غيبته، وخلف على اخوات له، فضقت واحتجت واشتقت اليه، وكان شخص الى ناحيه الرقة، فخرجت الى الموصل والى بلد والى الرقة، كل ذلك اطلبه، واسال عنه، فلم ادل عليه، فخرجت عن الرقة في طلبه، فوقعت في عسكر القرمطى، فجعلت اطوف واطلبه، فبينا انا كذلك إذ رايته فتعلقت به، فقلت: ابنى! فقال: أمي! فقلت: نعم، قال: ما فعل أخواتي؟ قلت: بخير، وشكوت ما نالنا بعده من الضيق، فمضى بي الى منزله، وجلس بين يدي، وجعل يسائلني عن أخبارنا، فخبرته، ثم قال:
دعينى من هذا وأخبريني ما دينك؟ فقلت: يا بنى اما تعرفنى! فقال:
وكيف لا اعرفك! فقلت: ولم تسألني من ديني وأنت تعرفنى وتعرف ديني! فقال: كل ما كنا فيه باطل، والدين ما نحن فيه الان، فاعظمت ذلك وعجبت منه، فلما رآنى كذلك خرج وتركني ثم وجه الى بخبز ولحم وما يصلحني، وقال: اطبخيه، فتركته ولم امسه، ثم عاد فطبخه، واصلح امر منزله، فدق الباب داق، فخرج اليه فإذا رجل يسأله، ويقول له:
هذه القادمة عليك تحسن ان تصلح من امر النساء شيئا؟ فسألني فقلت:
نعم، فقال: امضى معى، فمضيت فأدخلني دارا، وإذا امراه تطلق، فقعدت بين يديها، وجعلت اكلمها، فلا تكلمني، فقال لي الرجل الذى جاء بي إليها: ما عليك من كلامها، اصلحى امر هذه، ودعى كلامها، فاقمت حتى ولدت غلاما، واصلحت من شانه، وجعلت اكلمها واتلطف بها واقول لها: يا هذه، لا تحتشمينى، فقد وجب حقي عليك، أخبريني خبرك وقصتك ومن والد هذا الصبى، فقالت: تساليننى عن ابيه لتطالبيه بشيء يهبه لك! فقلت: لا، ولكن أحب ان اعلم خبرك، فقالت لي: انى امراه هاشمية- ورفعت راسها، فرايت احسن الناس وجها- وان هؤلاء القوم أتونا، فذبحوا ابى وأمي واخوتى واهلى جميعا، ثم أخذني رئيسهم، فاقمت عنده خمسه ايام، ثم أخرجني، فدفعنى الى اصحابه، فقال: طهروها فأرادوا قتلى، فبكيت وكان بين يديه رجل من قواده، فقال: هبها لي، فقال:
خذها، فأخذني، وكان بحضرته ثلاثة انفس قيام من اصحابه، فسلوا سيوفهم، وقالوا: لا نسلمها إليك، اما ان تدفعها إلينا، والا قتلناها، وأرادوا قتلى، وضجوا، فدعاهم رئيسهم القرمطى، وسألهم عن خبرهم فخبروه، فقال: تكون لكم اربعتكم، فأخذوني، فانا مقيمه معهم اربعتهم، والله ما ادرى ممن هو هذا الولد منهم!
قالت: فجاء بعد المساء رجل فقالت لي: هنيه فهناته بالمولود، فأعطاني سبيكة فضه، وجاء آخر وآخر، أهنئ كل واحد منهم فيعطيني سبيكة فضه، فلما كان في السحر جاء جماعه مع رجل وبين يديه شمع، وعليه ثياب خز تفوح منه رائحه المسك، فقالت لي: هنيه، فقمت اليه، فقلت: بيض الله وجهك، والحمد لله الذى رزقك هذا الابن، ودعوت له، فأعطاني سبيكة فيها الف درهم، وبات الرجل في بيت، وبت مع المرأة في بيت، فلما اصبحت قلت للمرأة: يا هذه، قد وجب عليك حقي، فالله الله في، خلصينى! قالت: مم أخلصك؟ فخبرتها خبر ابنى، وقلت لها: انى جئت راغبه اليه، وانه قال لي كيت وكيت، وليس في يدي منه شيء، ولي بنات ضعاف خلفتهن باسوا حال، فخلصينى من هاهنا لاصل الى بناتي، فقالت: عليك بالرجل الذى جاء آخر القوم، فسليه ذلك، فانه يخلصك فاقمت يومى الى ان أمسيت، فلما جاء تقدمت اليه، وقبلت يده ورجله، وقلت:
يا سيدي قد وجب حقي عليك، وقد أغناني الله على يديك بما أعطيتني، ولي بنات ضعاف فقراء، فان أذنت لي ان امضى فاجيئك ببناتى حتى يخدمنك ويكن بين يديك! فقال: وتفعلين؟ قلت: نعم، فدعا قوما من غلمانه، فقال: امضوا معها حتى تبلغوا بها موضع كذا وكذا، ثم اتركوها وارجعوا.
فحملوني على دابه، ومضوا بي قالت: فبينما نحن نسير، وإذا انا بابني يركض، وقد كنا سرنا عشره فراسخ- فيما خبرني به القوم الذين معى- فلحقني وقال: يا فاعله، زعمت انك تمضين وتجيئين ببناتك! وسل سيفه ليضربني، فمنعه القوم، فلحقني طرف السيف، فوقع في كتفي، وسل القوم سيوفهم، فارادوه، فتنحى عنى وساروا بي حتى بلغوا بي الموضع الذى سماه لهم صاحبهم، فتركوني ومضوا، فتقدمت الى هاهنا وقد طفت لعلاج جرحى، فوصف لي هذا الموضع، فجئت الى هاهنا قالت: ولما قدم امير المؤمنين بالقرمطى وبالأسارى من اصحابه خرجت لانظر اليهم، فرايت ابنى فيهم على جمل، عليه برنس وهو يبكى وهو فتى شاب، فقلت له: لا خفف الله عنك ولا خلصك! قال المتطبب: فقمت معها الى المتطببة لما جاءت، واوصيتها بها، فعالجت جرحها وأعطتها مرهما، فسالت المتطببة عنها بعد منصرفها، فقالت: قد وضعت يدي على الجرح، وقلت: انفحى، فنفحت فخرجت الريح من الجرح من تحت يدي، وما أراها تبرا منه، ومضت فلم تعد إلينا.
ولإحدى عشرة بقيت من شوال من هذه السنة، قبض القاسم بن عبيد الله على الحسين بن عمرو النصراني، وحبسه، وذلك انه لم يزل يسعى في امره الى المكتفي، ويقدح فيه عنده، حتى امره بالقبض عليه، وهرب كاتب الحسين ابن عمرو حين قبض على الحسين المعروف بالشيرازى، فطلب وكبست منازل جيرانه، ونودى: من وجده فله كذا وكذا، فلم يوجد ولسبع بقين منه صرف الحسين بن عمرو الى منزله، على ان يخرج من بغداد.
وفي الجمعه التي بعدها خرج الحسين بن عمرو وحدر الى ناحيه واسط على وجه النفى، ووجد الشيرازى كاتبه لثلاث خلون من ذي القعده.
ولليلتين خلتا من شهر رمضان من هذه السنة امر المكتفي بإعطاء الجند أرزاقهم والتأهب للشخوص لحرب القرمطى بناحيه الشام، فاطلق للجند في دفعه واحده مائه الف دينار، وذلك ان اهل مصر كتبوا الى المكتفي يشكون ما لقوا من ابن زكرويه المعروف بصاحب الشامة، وانه قد اخرب البلاد، وقتل الناس، وما لقوا من أخيه قبله وقتلهما رجالهم، وانه لم يبق منهم الا العدد اليسير.
ولخمس خلون من شهر رمضان اخرجت مضارب المكتفي، فضربت بباب الشماسيه.
ولسبع خلون منه خرج المكتفي في السحر الى مضربه بباب الشماسيه، ومعه قواده وغلمانه وجيوشه.
ولاثنتى عشره ليله من شهر رمضان، رحل المكتفي من مضربه بباب الشماسيه في السحر، وسلك طريق الموصل وللنصف من شهر رمضان منها مضى ابو الأغر الى حلب، فنزل وادي بطنان قريبا من حلب، ونزل معه جميع اصحابه، فنزع- فيما ذكر- جماعه من اصحابه ثيابهم، ودخلوا الوادى يتبردون بمائه، وكان يوما شديد الحر، فبينا هم كذلك إذ وافى جيش القرمطى المعروف بصاحب الشامة، وقد بدرهم المعروف بالمطوق، فكبسهم على تلك الحال، فقتل منهم خلقا كثيرا وانتهب العسكر، وافلت ابو الأغر في جماعه من اصحابه، فدخل حلب، وافلت معه مقدار الف رجل، وكان في عشره آلاف بين فارس وراجل، وكان قد ضم اليه جماعه ممن كان على باب السلطان من قواد الفراغنه ورجالهم، فلم يفلت منهم الا اليسير ثم صار اصحاب القرمطى الى باب حلب، فحاربهم ابو الأغر ومن بقي معه من اصحابه واهل البلد، فانصرفوا عنه بما أخذوا من عسكره من الكراع والسلاح والأموال والأمتعة بعد حرب كانت بينهم، ومضى المكتفي بمن معه من الجيش حتى انتهى الى الرقة، فنزلها، وسرح الجيوش الى القرمطى جيشا بعد جيش.
ولليلتين خلتا من شوال ورد مدينه السلام كتاب من القاسم بن عبيد الله، يخبر فيه ان كتابا ورد عليه من دمشق من بدر الحمامي صاحب ابن طولون، يخبر فيه انه واقع القرمطى صاحب الشامة، فهزمه ووضع في اصحابه السيف، ومضى من افلت منهم نحو البادية، وان امير المؤمنين وجه في اثره الحسين بن حمدان بن حمدون وغيره من القواد.
وورد أيضا في هذه الأيام- فيما ذكر- كتاب من البحرين من أميرها ابن بانوا، يذكر فيه انه كبس حصنا للقرامطه، فظفر بمن فيه.
ولثلاث عشره خلت من ذي القعده منها- فيما ذكر- ورد كتاب آخر من ابن بانوا من البحرين، يذكر فيه انه واقع قرابه لأبي سعيد الجنابى، وولى عهده من بعده على اهل طاعته، فهزمه وكان مقام هذا المهزوم بالقطيف فوجد بعد ما انهزم اصحابه قتيلا بين القتلى، فاحتز راسه، وانه دخل القطيف فافتتحها ومن كتب صاحب الشامة الى بعض عماله:
بسم اللَّه الرحمن الرحيم من عبد اللَّه احمد بن عبد الله المهدى المنصور بالله الناصر لدين الله القائم بأمر الله الحاكم بحكم الله، الداعي الى كتاب الله، الذاب عن حرم الله، المختار من ولد رسول الله امير المؤمنين وامام المسلمين، ومذل المنافقين خليفه الله على العالمين، وحاصد الظالمين، وقاصم المعتدين، ومبيد الملحدين، وقاتل القاسطين، ومهلك المفسدين، وسراج المبصرين، وضياء المستضيئين، ومشتت المخالفين، والقيم بسنه سيد المرسلين، وولد خير الوصيين، صلى الله عليه وعلى اهل بيته الطيبين، وسلم كثيرا، الى جعفر بن حميد الكردى: سلام عَلَيْك، فإني أحمد إليك اللَّه الَّذِي لا اله الا هو، واساله ان يصلى على جدي محمد رسول الله ص اما بعد، فقد انهى إلينا ما حدث قبلك من اخبار أعداء الله الكفره، وما فعلوه بناحيتك، واظهروه من الظلم والعيث والفساد في الارض، فاعظمنا ذلك، ورأينا ان ننفذ الى ما هناك من جيوشنا من ينقم الله به من اعدائه الظالمين، الذين {يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً} [المائدة: 64] وأنفذنا عطيرا داعيتنا وجماعه من المؤمنين الى مدينه حمص، وامددناهم بالعساكر، ونحن في أثرهم، وقد اوعزنا اليهم في المصير الى ناحيتك لطلب أعداء الله حيث كانوا، ونحن نرجو ان يجرينا الله فيهم على احسن عوائده عندنا في أمثالهم، فينبغي ان تشد قلبك وقلوب من معك من أوليائنا، وتثق بالله وبنصره الذى لم يزل يعودناه في كل من مرق عن الطاعة وانحرف عن الايمان، وتبادر إلينا باخبار الناحية، وما يتجدد فيها، ولا تخف عنى شيئا من امرها ان شاء الله سبحانك اللهم، وتحيتهم فيها سلام، وآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، وصلى الله على جدي محمد رسول الله.
وعلى اهل بيته وسلم كثيرا.

نسخه كتاب عامل له إِلَيْهِ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لعبد اللَّه احمد الامام المهدى المنصور بالله، ثم الصدر كله على مثال نسخه صدر كتابه الى عامله الذى حكينا في الكتاب الذى قبل هذا الكتاب، الى ولد خير الوصيين صلى الله عليه وعلى اهل بيته الطيبين وسلم كثيرا.
ثم بعد ذلك من عامر بن عيسى العنقائى.
سلام على أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ورحمة اللَّه وبركاته، أَمَّا بَعْدُ اطال الله بقاء امير المؤمنين، وادام الله عزه وتاييده، ونصره وسلامته، وكرامته ونعمته وسعادته، واسبغ نعمه عليه، وزاد في إحسانه اليه، وفضله لديه فقد كان وصل كتاب سيدي امير المؤمنين اطال الله بقاءه، يعلمه فيه ما كان من نفوذ بعض الجيوش المنصوره مع قائد من قواده الى ناحيتنا لمجاهده أعداء الله بنى الفصيص والخائن ابن دحيم، وطلبهم حيث كانوا، والإيقاع بهم وباسبابهم وضياعهم، ويأمرني ادام الله عزه عند نظري في كتابه بالنهوض في كل من قدرت عليه من اصحابى وعشائرى للقائهم ومكانفه الجيش ومعاضدتهم والمسير بسيرهم، والعمد كل ما يومون اليه ويأمرون به، وفهمته، ولم يصل الى هذا الكتاب أعز الله امير المؤمنين حتى وافت الجيوش المنصوره، فنالت طرفا من ناحيه ابن دحيم، وانصرفوا بالكتاب الوارد عليهم من مسرور بن احمد الداعيه ليلقوه بمدينه افاميه ثم ورد على كتاب مسرور بن احمد في درجه الكتاب الذى اقتصصت ما فيه في صدر كتابي هذا، يأمرني فيه بجمع من تهيأ من اصحابى وعشيرتي والنهوض الى ما قبله، ويحذرني التخلف عنه وكان ورود كتابه على وقت صح عندنا نزول المارق سبك عبد مفلح مدينه عرقه في زهاء الف رجل، ما بين فارس وراجل وقد شارف بلدنا، واطل على ناحيتنا، وقد وجه احمد بن الوليد عبد امير المؤمنين اطال الله بقاءه الى جميع اصحابه، ووجهت الى جميع اصحابى، فجمعناهم إلينا، ووجهنا العيون الى ناحيه عرقه لنعرف اخبار هذا الخائن، واين يريد، فيكون قصدنا ذلك الوجه، ونرجو ان يظفر الله به، ويمكن منه بمنه وقدرته.
ولولا هذا الحادث، ونزول هذا المارق في هذه الناحية، واشرافه على بلدنا لما تاخرت في جماعه اصحابى عن النهوض الى مدينه افاميه، لتكون يدي مع أيدي القواد المقيمين بها لمجاهده من بتلك الناحية حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين واعلمت سيدي امير المؤمنين اطال الله بقاءه السبب في تخلفى عن مسرور بن احمد، ليكون على علم منه ثم ان أمرني ادام الله عزه بالنفوذ الى افاميه كان نفوذى برايه، وامتثلت ما يأمرني به ان شاء الله اتم الله على امير المؤمنين نعمه وادام عزه وسلامته، وهناه كرامته، والبسه عفوه وعافيته.
والسلام على امير المؤمنين ورحمه الله وبركاته، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد النبي وعلى اهل بيته الطاهرين الاختيار.
وفيها وجه القاسم بن عبيد الله الجيوش الى صاحب الشامة، وولى حربه محمد بن سليمان الكاتب الذى كان اليه ديوان الجيش، وضم جميع القواد اليه، وامرهم بالسمع له والطاعة، فنفذ من الرقة في جيش كثيف، وكتب الى من تقدمه من القواد بالسمع له والطاعة وفيها ورد رسولا صاحب الروم، أحدهما خادم، والآخر فحل، يسأله الفداء بمن في يده من المسلمين اسير، ومعهما هدايا من صاحب الروم وأسارى من المسلمين بعث بهم اليه، فأجبنا الى ما سالا، وخلع عليهما.
وحج بالناس في هذه السنة الفضل بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ العباس ابن محمد.