294 هـ
906 م
سنه اربع وتسعين ومائتين (ذكر الخبر عما كان فيها من الأحداث الجليله)

فمما كان فيها من ذلك دخول ابن كيغلغ طرسوس غازيا في أول المحرم، وخرج معه رستم وهي غزاه رستم الثانيه، فبلغوا سلندو، ففتح الله  …

عليهم، وصاروا الى آلس، فحصل في ايديهم نحو من خمسه آلاف راس، وقتلوا من الروم مقتله عظيمه، وانصرفوا سالمين.

خبر زكرويه بن مهرويه القرمطى
ولاثنتى عشره خلت من المحرم ورد الخبر مدينه السلام ان زكرويه بن مهرويه القرمطى ارتحل من الموضع المعروف بنهر المثنية، يريد الحاج، وانه وافى موضعا بينه وبين واقصه اربعه اميال.
وذكر عن محمد بن داود انهم مضوا في البر من جهة المشرق، حتى صاروا بالماء المسمى سلمان وصار ما بينهم وبين السواد مفازة، فأقام بموضعه يريد الحاج ينتظر القافلة الاولى، ووافت القافلة واقصه لست- او سبع- خلون من المحرم، فانذرهم اهل المنزل، واخبروهم ان بينهم وبينهم اربعه اميال.
فارتحلوا ولم يقيموا، فنجوا وكان في هذه القافلة الحسن بن موسى الربعي وسيما الابراهيمى، فلما امعنت القافلة في السير صار القرمطى الى واقصه، فسألهم عن القافلة فاخبروه انها لم تقم بواقصه، فاتهمهم بإنذارهم إياهم، فقتل من العلافين بها جماعه، واحرق العلف، وتحصن أهلها في حصنهم، فأقام بها أياما، ثم ارتحل عنها نحو زبالة.
وذكر عن محمد بن داود انه قال: ان العساكر سارت في طلب زكرويه نحو عيون الطف، ثم انصرفت عنه لما علمت بمكانه بسلمان، ونفذ علان بن كشمرد مع قطعه من فرسان الجيش متجرده على طريق جاده مكة نحو زكرويه، حتى نزلوا السبال، فمضى نحو واقصه حتى نزلها بعد ان جازت القافلة الاولى، ومر زكرويه في طريقه بطوائف من بنى اسد، فأخذها من بيوتها معه، وقصد الحاج المنصرفين عن مكة، وقصد الجادة نحوهم.
ووافى خبر الطير من الحوفه لاربع عشر بقيت من المحرم من هذه السنه بان زكرويه اعترض قافلة الخراسانيه يوم الأحد لإحدى عشره خلت من المحرم بالعقبه من طريق مكة، فحاربوه حربا شديدا، فساءلهم: وقال: افيكم السلطان؟ قالوا: ليس معنا سلطان، ونحن الحاج، فقال لهم: فامضوا فلست أريدكم فلما سارت القافلة تبعها فاوقع بها، وجعل اصحابه ينخسون الجمال بالرماح، ويبعجونها بالسيوف، فنفرت، واختلطت القافلة، وأكب اصحاب الخبيث على الحاج يقتلونهم كيف شاءوا، فقتلوا الرجال والنساء، وسبوا من النساء من أرادوا، واحتووا على ما كان في القافلة، وقد كان لقى بعض من افلت من هذه القافلة علان بن كشمرد، فسأله عن الخبر، فاعلمه ما نزل بالقافلة الخراسانيه، وقال له: ما بينك وبين القوم الا قليل، والليلة او في غد توافى القافلة الثانيه، فان رأوا علما للسلطان قويت انفسهم والله الله فيهم! فرجع علان من ساعته، وامر من معه بالرجوع، وقال: لا اعرض اصحاب السلطان للقتل، ثم اصعد زكرويه، ووافته القافلة الثانيه.
وقد كان السلطان كتب الى رؤساء القافلتين الثانيه والثالثه ومن كان فيهما من القواد والكتاب مع جماعه من الرسل الذين تنكبوا طريق الجادة بخبر الفاسق وفعله بالحاج، ويأمرهم بالتحرز منه، والعدول عن الجادة نحو واسط والبصره، او الرجوع الى فيد او الى المدينة، الى ان يلحق بهم الجيوش.
ووصلت الكتب اليهم فلم يسمعوا ولم يقيموا، ولم يلبثوا وتقدم اهل القافلة الثانيه وفيها المبارك القمي واحمد بن نصر العقيلي واحمد بن على بن الحسين الهمذاني، فوافوا الفجره، وقد رحلوا عن واقصه، وعوروا مياهها، وملئوا بركها وبئارها بجيف الإبل والدواب التي كانت معهم، مشققه بطونها، ووردوا منزل العقبه في يوم الاثنين لاثنتى عشره خلت من المحرم، فحاربهم اصحاب القافلة الثانيه وكان ابو العشائر مع اصحابه في أول القافلة ومبارك القمي فيمن معه في ساقتها، فجرت بينهم حرب شديده حتى كشفوهم، وأشرفوا على الظفر بهم، فوجد الفجره من ساقتهم غره، فركبوهم من جهتها، ووضعوا رماحهم في جنوب ابلهم وبطونها، فطحنتهم الإبل وتمكنوا منهم، فوضعوا السيف فيهم فقتلوهم عن آخرهم، الا من استعبدوه ثم انفذوا الى ما دون العقبه باميال فوارس لحقوا المفلته من السيف، فأعطوهم الامان، فرجعوا فقتلوهم اجمعين، وسبوا من النساء ما أحبوا، واكتسحوا الأموال والأمتعة وقتل المبارك القمي والمظفر ابنه، واسر ابو العشائر، وجمع القتلى، فوضع بعضهم على بعض، حتى صاروا كالتل العظيم ثم قطعت يدا ابى العشائر ورجلاه، وضربت عنقه، واطلق من النساء من لم يرغبوا فيه، وافلت من الجرحى قوم وقعوا بين القتلى، فتحاملوا في الليل ومضوا، فمنهم من مات، ومنهم من نجا وهم قليل وكان نساء القرامطة يطفن مع صبيانهم في القتلى يعرضون عليهم الماء، فمن كلمهم أجازوا عليه.

وقيل انه كان في القافلة من الحاج زهاء عشرين الف رجل، قتل جميعهم غير نفر يسير ممن قوى على العدو، فنجا بغير زاد ومن وقع في القتل وهو مجروح، وافلت بعد، او من استعبدوه لخدمتهم.
وذكر ان الذى أخذوا من المال والأمتعة الفاخره في هذه القافلة قيمه الفى الف دينار.
وذكر عن بعض الضرابين انه قال: وردت علينا كتب الضرابين بمصر انكم في هذه السنه تستغنون، قد وجه آل ابن طولون والقواد المصريون الذين أشخصوا الى مدينه السلام، ومن كان في مثل حالهم في حمل ما لهم بمصر الى مدينه السلام، وقد سبكوا آنيه الذهب والفضه والحلى نقارا، وحمل الى مكة ليوافوا به مدينه السلام مع الحاج، فحمل في القوافل الشاخصه الى مدينه السلام، فذهب ذلك كله.
وذكر ان القرامطة بينا هم يقتلون وينهبون هذه القافلة يوم الاثنين، إذ اقبلت قافلة الخراسانيه، فخرج اليهم جماعه من القرامطة، فواقعوهم، فكان سبيلهم سبيل هذه فلما فرغ زكرويه من اهل القافلة الثانيه من الحاج.
وأخذ أموالهم، واستباح حريمهم، رحل من وقته من العقبه بعد ان ملا البرك والابار بها بالجيف من الناس والدواب وكان ورد خبر قطعه على القافلة الثانيه من قوافل السلطان مدينه السلام في عشيه يوم الجمعه لاربع عشره بقيت من المحرم، فعظم ذلك على الناس جميعا وعلى السلطان، وندب الوزير العباس بن الحسن بن أيوب محمد بن داود بن الجراح الكاتب المتولى دواوين الخراج والضياع بالمشرق وديوان الجيش للخروج الى الكوفه، والمقام بها لانفاذ الجيوش الى القرمطى فخرج من بغداد لإحدى عشره بقيت من المحرم، وحمل معه اموالا كثيره لاعطاء الجند.
ثم سار زكرويه الى زبالة فنزلها، وبث الطلائع امامه ووراءه خوفا من اصحاب السلطان المقيمين بالقادسية ان يلحقوه، ومتوقعا ورود القافلة الثالثه التي فيها الأموال والتجار ثم سار الى الثعلبية، ثم الى الشقوق، واقام بها بين الشقوق والبطان في طرف الرمل في موضع يعرف بالطليح، ينتظر القافلة الثالثه، وفيها من القواد نفيس المولدى وصالح الأسود، ومعه الشمسه والخزانه وكانت الشمسه جعل فيها المعتضد جوهرا نفيسا.
وفي هذه القافلة، كان ابراهيم ابن ابى الاشعث- واليه كان قضاء مكة والمدينة وامر طريق مكة والنفقة فيه لمصالحه- وميمون بن ابراهيم الكاتب- وكان اليه امر ديوان زمام الخراج والضياع- واحمد بن محمد بن احمد المعروف بابن الهزلج، والفرات بن احمد بن محمد بن الفرات، والحسن بن اسماعيل قرابه العباس بن الحسن- وكان يتولى بريد الحرمين- وعلى بن العباس النهيكى.
فلما صار اهل هذه القافلة الى فيد بلغهم خبر الخبيث زكرويه واصحابه، وأقاموا بفيد أياما ينتظرون تقويه لهم من قبل السلطان، وقد كان ابن كشمرد رجع من الطريق الى القادسية في الجيوش التي أنفذها السلطان معه وقبله وبعد.
ثم سار زكرويه الى فيد، وبها عامل السلطان، يقال له حامد بن فيروز، فالتجا منه حامد الى احد حصنيها في نحو من مائه رجل كانوا معه في المسجد، وشحن الحصن الآخر بالرجال، فجعل زكرويه يراسل اهل فيد، ويسألهم ان يسلموا اليه عاملهم ومن فيها من الجند، وانهم ان فعلوا ذلك آمنهم فلم يجيبوه الى ما سال ولما لم يجيبوه حاربهم، فلم يظفر منهم بشيء.
قال: فلما راى انه لا طاقه له بأهلها، تنحى فصار الى النباج، ثم الى حفير ابى موسى الأشعري.
وفي أول شهر ربيع الاول انهض المكتفي وصيف بن صوارتكين- ومعه من القواد جماعه- فنفذوا من القادسية على طريق خفان، فلقيه وصيف يوم السبت لثمان بقين من شهر ربيع الاول، فاقتتلوا يومهم، ثم حجز بينهم الليل، فباتوا يتحارسون، ثم عاودهم الحرب، فقتل جيش السلطان منهم مقتله عظيمه، وخلصوا الى عدو الله زكرويه، فضربه بعض الجند بالسيف على قفاه وهو مول ضربه اتصلت بدماغه فاخذ أسيرا وخليفته وجماعه من خاصته واقربائه، فيهم ابنه وكاتبه وزوجته، واحتوى الجند على ما في عسكره.
وعاش زكرويه خمسه ايام ثم مات، فشق بطنه، ثم حمل بهيئته، وانصرف بمن كان بقي حيا في يديه من اسرى الحاج.

[أخبار متفرقة]
وفيها غزا ابن كيغلغ من طرسوس، فأصاب من العدو اربعه آلاف راس سبى ودواب ومواشى كثيره ومتاعا ودخل بطريق من البطارقه اليه في الامان، واسلم وكان شخوصه من طرسوس لهذه الغزاة في أول المحرم من هذه السنه.
وفيها كاتب اندرونقس البطريق السلطان يطلب الامان، وكان على حرب اهل الثغور من قبل صاحب الروم، فاعطى ذلك، فخرج، واخرج نحوا من مائتي نفس من المسلمين كانوا اسرى في حصنه، وكان صاحب الروم قد وجه اليه من يقبض عليه، فاعطى المسلمين الذين كانوا في حصنه اسرى السلاح، واخرج معهم بعض بنيه، فكبسوا البطريق الموجه اليه للقبض عليه ليلا، فقتلوا ممن معه خلقا كثيرا، وغنموا ما في عسكره وكان رستم قد خرج في اهل الثغور في جمادى الاولى قاصدا اندرونقس ليتخلصه، فوافى رستم قونيه بعقب الوقعه وعلم البطارقه بمسير المسلمين اليهم فانصرفوا، ووجه اندرونقس ابنه الى رستم، ووجه رستم كاتبه وجماعه من البحريين، فباتوا في الحصن، فلما أصبحوا خرج اندرونقس وجميع من معه من أسارى المسلمين، ومن صار اليهم منهم، ومن وافقه على رايه من النصارى، واخرج ماله ومتاعه الى معسكر المسلمين، وخرب المسلمون قونيه، ثم قفلوا الى طرسوس واندرونقس وأسارى المسلمين ومن كان مع اندرونقس من النصارى.
وفي جمادى الآخرة منها كانت بين اصحاب حسين بن حمدان بن حمدون وجماعه من اصحاب زكرويه كانوا هربوا من الوقعه التي اصابه فيها ما اصابه، وأخذوا طريق الفرات يريدون الشام، فاوقع بهم وقعه، فقتل جماعه منهم، اسر جماعه من نسائهم وصبيانهم.
وفيها وافى رسل ملك الروم احدهم خال ولده اليون وبسيل الخادم، ومعهم جماعه باب الشماسيه بكتاب منه الى المكتفي يسأله الفداء بمن في بلاده من المسلمين، من في بلاد الاسلام من الروم، وان يوجه المكتفي رسولا الى بلاد الروم ليجمع الأسرى من المسلمين الذين في بلاده، وليجتمع هو معه على امر يتفقان عليه، ويتخلف بسيل الخادم بطرسوس ليجتمع اليه الأسرى من الروم في الثغور ليصيرهم مع صاحب السلطان الى موضع الفداء فأقاموا بباب الشماسيه أياما، ثم ادخلوا بغداد ومعهم هديه من صاحب الروم عشره من أسارى المسلمين، فقبلت منهم واجيب صاحب الروم الى ما سال.
وفيها أخذ رجل بالشام- زعم انه السفياني- فحمل هو وجماعه معه من الشام الى باب السلطان، فقيل انه موسوس.
وفيها أخذ الاعراب بطريق مكة رجلين يعرف أحدهما بالحداد والآخر بالمنتقم، وذكر ان المعروف بالمنتقم منهما أخو امراه زكرويه، فدفعوهما الى نزار بالكوفه، فوجههما نزار الى السلطان، فذكر عن الاعراب انهما كانا صارا إليهما يدعوانهم الى الخروج على السلطان.
وفيها وجه الحسين بن حمدان من طريق الشام رجلا يعرف بالكيال مع ستين رجلا من اصحابه الى السلطان كانوا استأمنوا اليه من اصحاب زكرويه.
وفيها وصل الى بغداد اندرونقس البطريق وفيها كانت وقعه بين الحسين بن حمدان واعراب كليب والنمر واسد وغيرهم، اجتمعوا عليه في شهر رمضان منها، فهزموه حتى بلغوا به باب حلب وفيها حاصر اعراب طيّئ وصيف بن صوارتكين بفيد، وكان وجه أميرا على الموسم، فحوصر ثلاثة ايام، ثم خرج اليهم، فواقعهم فقتل منهم قتلى، ثم انهزمت الاعراب ورحل وصيف من فيد بمن معه من الحاج.
وحج بالناس الفضل بن عبد الملك الهاشمى.