126 هـ
743 م
سنة ست وعشرين ومائة

فيها قتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان حدثني الوليد بن هشام عن أبيه عن جده، وعبد الله بن مغيرة عن أبيه، وأبو اليقظان، …

وغيرهم قالوا: قتل الوليد بالبخراء من تدمر على أميال يوم الخميس لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة ست وعشرين ومائة وهو ابن خمس وثلاثين أو ست وثلاثين.
وحدثني يحيى بن محمد عن عبد العزيز بن أبي عمران قال: قتل وهو ابن خمس أو أربع وأربعين.
وقال حاتم بن مسلم: ابن خمس وأربعين وأشهر.
ولد الوليد بدمشق سنة تسعين، ويقال: اثنتين وتسعين، كانت ولايته سنة وشهرين واثنين وعشرين يوما.
حدثني اسماعيل بن ابراهيم قال: حدثني عبد الله بن واقد الجرمي وكان شهد قتل الوليد قال: لما أجمعوا على قتل الوليد قلدوا أمرهم يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان، وبايعه من أهل بيته عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك، فخرج يزيد بن الوليد فأتى أخاه العباس ليلا فشاوره في قتل الوليد فنهاه عن ذلك، فأقبل يزيد ليلا حتى دخل دمشق في أربعين رجلا، وكسروا باب المقصورة ودخلوا على واليها، فأوثقوه، وحمل يزيد الأموال على العجل إلى باب المضمار، وعقد لعبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك، ونادى مناديه من انتدب إلى الوليد فله ألفان، فانتدب معه ألفا رجل، وضم مع عبد العزيز بن الحجاج يعقوب بن عبد الرحمن بن سليم ومنصور بن جمهور، وبلغ الوليد بن يزيد فتوجه من البلقاء متوجها إلى حمص، وكتب إلى العباس بن الوليد بن عبد الملك يأتيه في جند من أهل حمص وهو منها قريب، وخرج الوليد حتى انتهى إلى البخراء قصر في برية ورمل من تدمر على أميال وصبحت الخيل الوليد بالبخراء وقدم العباس بن الوليد بغير خيل، فحبسه عبد العزيز بن الحجاج خلفه، ونادى منادي عبد العزيز: من أتى العباس بن الوليد فهو آمن وهو بيننا وبينكم.

فظن الناس أن العباس مع عبد العزيز فتفرقوا عن الوليد، وهجم عليه الناس فكان أول من هجم عليه السري بن زياد بن أبي كبشة السكسكي وعبد السلام اللخمي، فأهوى إليه السري بالسيف، وضربه عبد السلام على قرنه وقتل.
قال اسماعيل: وحدثني عبد الله بن واقد الجرمي قال: دخلوا على الوليد وقد ظاهر بين درعين وبيده السيف صلتا، فأحجموا عنه، فنادى مناديهم: اقتلوا اللوطي قتلة قوم لوط، فقتل.
قال اسماعيل: فحدثني عبد الله بن واقد قال: حدثني يزيد بن أبي فروة مولى بني أمية قال: لما أتي يزيد بن الوليد برأس الوليد بن يزيد قال: أنصبه للناس ؟ فقلت: لا تفعل إنما ينصب رأس الخارجي، فحلف لينصبنه ولا ينصبه أحد غيري، فوضع على رمح ونصبه على درج مسجد دمشق ثم قال: اذهب فطف به في مدينة دمشق.
حدثني الوليد بن هشام عن أبيه قال: لما أحاطوا بالوليد أخذ المصحف وقال: أقتل كما قتل ابن عمي عثمان.
فحدثني اسماعيل بن ابراهيم قال: حدثني أبي ابراهيم بن اسحاق: أن يزيد بن الوليد قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد: أيها الناس إني والله ما خرجت أشرا، ولا بطرا، ولا حرصا على الدنيا، ولا رغبة في الملك، وما بي إطراء نفسي، ولا تزكية عملي، وإني لظلوم لنفسي إن لم يرحمني ربي، ولكني خرجت غضبا لله ودينه، وداعيا إلى كتابه وسنة نبيه حين درست معالم الهدى، وطفئ نور أهل التقوى، وظهر الجبار العنيد، المستحل الحرمة، والراكب البدعة، والمغير السنة، فلما رأيت ذلك أشفقت إذ غشيتكم ظلمة لا تقلع عنكم على كثرة من ذنوبكم، وقسوة من قلوبكم وأشفقت أن يدعو كثيرا من الناس إلى ما هو عليه، فيجيبه من أجابه منكم، فاستخرت الله في أمري، وسألته ألا يكلني إلى نفسي، ودعوت إلى ذلك من أجابني من أهلي وأهل ولايتي، وهو ابن عمي في نسبي وكفئي في حسبي، فأراح الله منه العباد، وطهر منه البلاد، ولاية من الله وعونا بلا حول منا ولا قوة، ولكن بحول الله وقوته وولايته وعونه.
أيها الناس: إن لكم عندي إن وليت أموركم ألا أضع لبنة على لبنة، ولا حجرا على حجر، ولا أنقل مالا من بلد إلى بلد حتى أسد ثغرة، وأقسم بين مسالحه ما يقوون به، فإن فضل فضل رددته إلى البلد الذي يليه وهو أحوج إليه حتى تستقيم المعيشة بين المسلمين وتكونوا فيه سواء.
ولا أجمر بعوثكم فتفتتنوا ويفتتن أهاليكم، فإن أردتم بيعتي على الذي بذلت لكم فأنا لكم به، وإن حلت فلا بيعة لي عليكم، وإن رأيتم أحدا هو أقوى عليها مني فأردتم بيعته فأنا أول من بايع ودخل في طاعته، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

تسمية عمال الوليد بن يزيد المدينة: كتب الوليد إلى محمد بن هشام بن اسماعيل وهو وال على مكة لهشام بن عبد الملك، فقدم عليه واستخلف على المدينة محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، فعزله الوليد.
وجمعها ليوسف بن محمد بن يوسف مع مكة والطائف حتى قتل الوليد.

اليمن: الضحاك بن زمل حتى قتل الوليد.

البصرة: كان القاسم بن محمد بن القاسم عليها حتى مات هشام، فأقره الوليد حتى قتل.

الكوفة: عبيد الله بن العباس الكندي، ثم عزله يوسف وولى أبا أمية بن المغيرة بن عبد الله بن أبي عقيل الثقفي، فأقام جمعة حتى هرب يوسف بعد قتل الوليد.

خراسان: أقر عليها نصر بن سيار الليثي حتى قتل الوليد.

سجستان: حرب بن قطن بن قبيصة الهلالي حتى قتل الوليد.

السند: عمرو بن محمد بن القاسم الثقفي حتى قتل الوليد.

البحران: محمد بن حسان بن سعيد الأسيدي حتى قتل الوليد، ويقال: قتل بشر بن سلام العبدي المسيب بن فضالة وبقي حتى قدم ابن هبيرة.

اليمامة: المهاجر بن عبد الله الكلابي حتى قتل الوليد.

إفريقية: مات هشام وعليها حنظلة بن صفوان، فلم يزل واليا حتى قتل
الوليد، وخرج سنة تسع ومائة.

عمان: ولاها يوسف بن عمر الفيض بن محمد بن كردم بن بيهس.

القضاء قضاء البصرة: عامر بن عبيدة حتى قتل الوليد ووقعت الفتنة فاعتزل.

الكوفة: ابن أبي ليلى حتى قتل الوليد.

المدينة: ولاها يوسف بن محمد بن يوسف سعد بن ابراهيم، ثم عزله.
وولى يحيى بن سعيد حتى قتل الوليد.

الموسم: يوسف بن محمد بن يوسف سنة خمس وعشرين ومائة.

الجزيرة وأرمينية وأذربيجان: مروان بن محمد بن مروان بن الحكم حتى قتل الوليد، فاستخلف مروان على أرمينية وأذربيجان عاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي وانصرف إلى الشام.

الصائفة: الغمر بن يزيد بن عبد الملك بن مروان.

شرط الوليد: عبد الرحمن بن حنبل الكلبي، ثم عزله.
وولى عبد الله بن عامر الكلاعي.

كاتب الرسائل: سالم مولى سعيد بن عبد الملك، ثم كتب له ابنه عبد الله بن سالم.
الخراج والجند: عبد الملك بن محمد بن الحجاج بن يوسف، ثم ولى الحجاج بن عمير.
الخاتم والخزائن وبيوت الاموال: عبد الرحمن بن حنبل الكلابي مع الشرط.
الخاتم الصغير: رباح بن أبي عمارة.
حاجبه: عيسى بن مقسم.
الحرس: غيلان ختن أبي معن.

ولاية يوسف بن عمر العراق حدثني الوليد بن هشام عن أبيه عن جده، وعبد الله بن مغيرة عن أبيه، وأبو اليقظان، وغيرهم قالوا: جمع هشام بن عبد الملك بن مروان العراق ليوسف بن عمر الثقفي سنة عشرين و مائة، فكان على شرطه بالحيرة العباس بن سعد بن مرة من مرة غطفان، وجعل شرط البصرة والكوفة إلى عمالها يولون من شاؤوا.

وكاتب الخراج: قحذم بن سليمان مولى آل بكرة.

وعلى رسائل الخليفة: رشدين مولاه.

وعلى رسائل العمال: عقبة.

قتل يوسف سنة سبع وعشرين ومائة وهو ابن نيف وستين سنة.
وفي ولاية يوسف بن عمر: مات جبلة بن سحيم.
وفي هذه السنة وهي سنة ست وعشرين ومائة: مات عمرو بن دينار مولى آل باذان بمكة، وسعيد بن أبي سعيد المقبري بالمدينة، وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر بالمدينة، وسليمان بن حبيب بالشام وكان قاضيا.
وفي ولاية الوليد بن يزيد: مات نبيه بن وهب، ومحمد بن قيس مولى أبي سفيان بن حرب.
والحصين بن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ.
وفيها بويع يزيد بن الوليد بن عبد الملك في أول رجب، وأمه بنت يزدجرد بن كسرى.
وفي هذه السنة: مات يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان الذي يقال
له: يزيد الناقص.
حدثني الوليد بن هشام عن أبيه عن جده، وعبد الله بن ومغيرة عن أبيه، وأبو اليقظان، وغيرهم قالوا: مات يزيد بن الوليد بن عبد الملك بدمشق لعشر بقين من ذي الحجة سنة ست وعشرين ومائة، وهو ابن خمس أو ست وثلاثين سنة، وصلى عليه أخوه إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك.
قال حاتم بن مسلم: وهو ابن ست وأربعين.
وقال عبد العزيز: بويع وهو ابن تسع وثلاثين سنة ومات ولم يبلغ الأربعين، ولد يزيد بدمشق سنة ست وتسعين، وبايع أهل الشام إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك ما خلا أهل حمص فإنهم أبوا أن يبايعوه.

فحدثني العلاء بن برد بن سنان قال: حدثني أبي قال: حضرت يزيد بن الوليد حين حضرته الوفاة، فأتاه قطن فقال: أنا رسول من وراء بابك يسألونك بحق الله لما وليت أمرهم أخاك ابراهيم ؟، فقطب وقال بيده على جبهته: أنا أولي ابراهيم ؟ ثم قال لي: يا أبا العلاء إلى من ترى أن أعهد ؟ فقلت: أمر نهيتك عن الدخول في أوله فلا أشير عليك في آخره، قال: وأصابته إغماءة حتى ظننت أنه قد مات، ففعل ذلك غير مرة، قال: فقعد قطن فافتعل عهدا على لسان يزيد بن الوليد ودعا ناسا فأشهدهم عليه.
قال أبي: ولا والله ما عهد إليه يزيد شيئا ولا إلى أحد من الناس.

تسمية عمال يزيد بن الوليد ولي العراق: منصور بن جمهور الكلبي، ويقال: أفتعل عهدا على لسانه، ولي نحوا من أربعين يوما، وجعل على شرطه الحجاج بن أرطاة الفقيه.
مكة والمدينة والطائف: ولاها يزيد بن الوليد عبد العزيز بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان، ثم عزله.
وولاها عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز.

البصرة: قتل الوليد وعليها محمد بن القاسم بن محمد، فهرب فاصطلح أهل البصرة على عبد الله بن عبد الله بن أمية يقال له: الأفوه، فصلى بها جمعة، ثم قدم جرير بن يزيد بن جرير بن عبد الله البجلي، ثم ولي عبد الله بن عمر بن عبد العزيز العراق، فكتب إلى عبد الله بن أبي عثمان فصلى بالناس حتى قدم ابن سهيل، ويقال: ولى عبد الله بن عمر بعد عبد الله بن أبي عثمان سعيد بن عمرو بن جعدة بن هبيرة المخزومي، فأخرجه أهل البصرة.

فولى عمرو بن سهيل بن عبد العزيز بن مروان، وبعث الضحاك بن قيس الخارجي حين غلب عمارة.

الكوفة: ولاها منصور بن جمهور عبيد الله بن العباس، فعزله ابن عمر وولى أخاه عاصم بن عمر.

سجستان: قتل الوليد وعليها حرب بن قطن، فولاها منصور بن جمهور محمد بن عزار فعزله ابن عمر.
وولاها حرب بن قطن فأقام شهرا، ثم خرج عنها واستخلف سوار بن الأسعر المازني فلم ترض بكر بن وائل، وقاتلوا تميما، فبعث ابن عمر سعيد بن عمرو من آل سعيد بن العاص فلم ترض تميم وبكر.

خراسان: نصر بن سيار حتى انقضاء أمر بني أمية.

السند: لما عزل منصور بن جمهور عن العراق أتى السند فغلب عليها ونزل
العسكر وسماها المنصورية.

إفريقية: عبد الرحمن بن حبيب غلب عليها.

القضاء قضاء البصرة: اعتزل عامر بن عبيدة في الفتنة.

الكوفة: ابن أبي ليلى.

المدينة: ولاها عبد العزيز بن عبد الله بن عمرو بن عثمان سعد بن ابراهيم، ثم عزل يزيد عبد العزيز بن عبد الله وولى عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، فعزل سعد بن ابراهيم و استقضى عثمان بن عمر التيمي.
شرط يزيد بن الوليد: بكير بن شماخ اللخمي حتى مات يزيد.
كاتب الرسائل: ليث بن أبي سليمان بن سعد.
الخراج والجند و الخاتم الصغير: النضر بن عمرو من أهل اليمن مع الحرس.

خاتم الخلافة: عبد الرحمن بن حنبل الكلبي، ويقال: قطن مولاه.
وفي هذه السنة وهي سنة ست وعشرين ومائة أمر عمرو بن سهيل بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم.
فحدثنا أبو عبيدة قال: وجه يزيد بن الوليد عند ولايته عبد الله بن عمر بن عبد العزيز إلى العراق.

وفي هذه السنة وهي سنة ست وعشرين ومائة خرج سعيد بن بحدل من النمر بن قاسط بالجزيرة في شعبان سنة ست وعشرين ومائة، ثم قطع دجلة إلى قردا ثم سار حتى نزل المرج من كور الموصل في أول يوم من شهر رمضان، فلقي أبا كرب رجلا من حمير قد كان خرج في ناس كثير وسمي أمير المؤمنين، فنظر في مخرجهما فوجدوا سعيدا خرج قبله، فعرف ذلك له أبو كرب وسلم الأمر إليه وأتى منزله  وتفرق أصحابه، فاجتمع إلى سعيد نحو من خمس مائة رجل حتى نزل على مدينة الموصل أياما، فسألوه أن يرحل عنهم، وأعطوه الرضا فرحل عنهم وسار إلى شهرزور، فلقي شيبان بن عبد العزيز اليشكري وقد اجتمع إليه وسمي أمير المؤمنين فنظر في مخرجهما، فوجدوا سعيدا خرج قبله، فسلم شيبان وسار معه وقد كان شيبان قبل ذلك لقي رجلا من أهل الشام يقال له: نصير في خيل فقتله وانهزم أصحابه.