127 هـ
744 م
سنة سبع وعشرين ومائة

فيها وقعت الفتنة قال اسماعيل بن ابراهيم: قتل الوليد بن يزيد ومروان بن محمد بن مروان بأرمينية واليا، فلما أتاه قتل الوليد دعا الناس إلى بيعة …

من رضية المسلمون فبايعوه، فلما أتاه وفاة يزيد بن الوليد دعا قيسا وربيعة ففرض لستة وعشرين ألفا من قيس وسبعة آلاف من ربيعة، فأعطاهم أعطياتهم، وولي على قيس اسحاق بن مسلم العقيلي، وعلى ربيعة المساور بن عقبة، ثم خرج يريد الشام واستخلف على الجزيرة أخاه عبد العزيز بن محمد بن مروان، فلقيه وجوه قيس، الوثيق بن الهذيل بن زفر ويزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري، وأبو الورد ابن الهذيل بن زفر وعاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي في أربعة أو خمسة آلاف من قيس، فساروا معه حتى قدم حلب وبها بشر ومسرور ابنا الوليد بن عبد الملك أرسلهما ابراهيم بن الوليد حين بلغه مسير مروان، فصاف القوم، فخرج أبو الورد بن الهذيل بن زفر في ثلاث مائة وكبروا وحملوا على مروان حتى كانوا قريبا منه، ثم حولوا وجههم وقلبوا أترستهم ولحقوا بمروان، وحمل مروان ومن معه فانهزم مسرور وبشر من غير قتال، فأخذهما مروان فحبسهما عنده وأسر ناسا كثيرا من أصحابهما فأعتقهم مروان، ثم سار مروان حتى أتى حمص فدعاهم إلى المسير معه والبيعة لوليي العهد الحكم وعثمان ابني الوليد بن يزيد وهما محبوسان عند ابراهيم بن الوليد بدمشق.

فبايعوه وخرجوا معه حتى أتى معسكر سليمان بن هشام بن عبد الملك بعد قتال شديد، وحوى مروان عسكره.
وبلغ عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك ما لقي سليمان وهو معسكر في ناحية أخرى فأقبل إلى دمشق، فأخرج ابراهيم بن الوليد من دمشق ونزل باب الجابية وتهيأ للقتال ومعه الأموال على العجل ودعا الناس فخذلوه، وأقبل عبد العزيز بن الحجاج وسليمان بن الوليد، فدخلا مدينة دمشق يريدان قتل الحكم وعثمان ابني الوليد وهما في السجن، وجاء يزيد بن خالد بن عبد الله القسري فدخل السجن فقتل يوسف بن عمر الثقفي والحكم وعثمان ابني الوليد بن يزيد وهما الحملان.

قال اسماعيل: فحدثني عبد الله بن واقد الجرمي أن يزيد بن خالد قتلهما، ويقال: ولي قتلهما مولى لخالد بن عبد الله يقال له: أبو الأسد شدخهما بالعمد، وأتاهم رسول ابراهيم فتوجه عبد العزيز بن الحجاج إلى داره ليخرج عياله، فثار به أهل دمشق فقتلوه واحتزوا رأسه، فأتوا به أبا محمد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية، وكان محبوسا مع يوسف بن عمر وأصحابه، فأخرجوه فوضعوه على المنبر في قيوده ورأس عبد العزيز بين يديه وحلوا قيوده وهو على المنبر، فخطبهم وبايع لمروان، وشتم يزيد وابراهيم ابني الوليد وأشياعهم، وأمر بجسد عبد العزيز فصلب على باب الجابية منكوسا، وبعث برأسه إلى مروان بن محمد، وبلغ ابراهيم فخرج هاربا، واستأمن أبو محمد لأهل دمشق فأمنهم مروان ورضي عنهم، ثم أتى مروان يزيد بن خالد بن يزيد بن معاوية.

وأبو محمد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية ومحمد بن عبد الملك بن مروان وأبو بكر بن عبد الله بن يزيد، فأذن لهم، وكان أول من تكلم أبو محمد بن عبد الله بن يزيد بن معاوية، فسلم عليه بالخلافة وعزاه على الوليد وابنيه الحكم وعثمان ابني الوليد، فقال: وأصيب الغلامان إنا لله إن كانا الحملين اللذين يؤكلان ويوضعان، ثم بايعوه.

ثم أتى دمشق فأمر بيزيد بن الوليد فنبش وصلب، وأتته بيعة أهل الشام.
وفيها أتى ابراهيم بن الوليد مروان بن محمد بالجزيرة، فخلع نفسه وبايعه، فقبل منه وأمنه، وسار ابراهيم فنزل الرقة على شاطئ الفرات، ثم أتاه كتاب سليمان بن هشام يستأمنه، فأمنه فأتاه فبايعه، واستقامت لمروان بن محمد، و كانت ولاية ابراهيم بن الوليد المخلوع أشهرا.
قال أبو الحسن: شهرين ونصفا.
وفيها قتل يزيد بن خالد بن عبد الله القسري بالغوطة، قتله رجل من بني تميم يقال له: صعصعة.
وفيها قتل زامل بن عمرو بأمر مروان: الوليد وخالدا ابني يزيد بن الوليد بن عبد الملك.
وفيها خلع ثابت بن نعيم وقال: أنا الأصفر القحطاني.
وفيها خلع أهل حمص ودمشق مروان، فسار مروان حتى أتى حمص فظهر عليهم، فقتل رؤساء من رؤسائهم، وأمر بهدم ناحية من مدينتهم ونادى في الناس بالأمان، ثم وجه الوليد بن معاوية بن مروان إلى ثابت بن نعيم وهو بالطبرية، فحاصر أهلها وانهزم ثابت وقتل من أصحابه مقتلة عظيمة، وهرب ثابت فأتى فلسطين مستخفيا، وأتبعه مروان عمرو بن الوضاح وأبا الورد، فعلم بمكانه فأخذ، به إلى مروان بدمشق فقطع يديه ورجليه.

وفيها وهي سنة سبع وعشرين ومائة: بايع أهل الكوفة عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ذي الجناحين ومعه أخواه الحسن ويزيد ابنا معاوية.
فحدثني اسماعيل بن ابراهيم قال: قدم عبد الله بن معاوية عبد الله بن جعفر وأخواه الحسن ويزيد ابنا معاوية على عبد الله بن عمر بن عبد العزيز الكوفة في ولاية يزيد بن الوليد فأكرمهم وحملهم وأجرى عليهم كل يوم ثلاث مائة درهم، فلما مات يزيد وبايع ابراهيم بن الوليد مروان ثار ناس من الشيعة فدعوا إلى بيعة ابن معاوية، وكان الذي فعل ذلك هلال بن الورد مولى بني عجل، وأتواه به وأدخلوه القصر وبايعه أهل الكوفة واسماعيل بن عبد الله ومن كان من أهل الشام بالكوفة ودخل فأقام أياما يبايعه الناس، وأتته بيعته من المدائن ومن كل وجه، وخرج يوم الأربعاء يريد ابن عمر، فلم يكن بينهم قتال، ثم أصبح الناس غادين إلى القتال، فقتل مكبر بن الحواري في ناس كثير من أهل اليمن مع ابن معاوية وانهزم فدخل القصر، وبقيت الزيدية فقاتلوا قتالا شديد وألزموا أفواه السكك حتى أخذ لعبد الله بن معاوية وأخويه أن يأخذوا حيث شاؤوا من البلاد ولا يتبعوا، وأرسل ابن عمر إلى عمر بن الغضبان بن القنعثراء يأمره بنزول القصر وإخراج ابن معاوية، فأرسل إليه عمر بن الغضبان فرحله ومن معه من شيعته ومن تبعه من أهل المدائن وأهل السواد وأهل الكوفة.

فسارت بهم رسل عمر حتى أخرجوهم من الجسر، ونزل عمر القصر، ثم بعث ابن عمر اسماعيل بن عبد الله أميرا.
وفي هذه السنة وهي سنة سبع وعشرين ومائة مات سعيد بن بحدل الخارجي.
فحدثني اسماعيل بن ابراهيم أن سعيد بن بحدل لما حضرته الوفاة بشهرزور اجتمع إليه قواده، فدعاهم أن يستخلف عليهم رجلا منهم فجعلوا ذلك إليه، فقال لنا: اختاروا منكم عشرة فأخرج منهم عشرة، ثم صيرهم إلى أربعة ثم قال للأربعة: اختاروا فاختاروا الضحاك بن قيس المحلمي وشيبان بن عبد العزيز اليشكري، فقال لهما سعيد: اختارا للمسلمين ولأنفسكما، فقال شيبان: فإني أختار لنفسي وللعامة الضحاك.
وقال الضحاك: أختار لنفسي وللعامة شيبان.
فأبى شيبان إلا الضحاك ورضي بذلك أصحابهما، فبايعوا الضحاك فقال الضحاك بيتا:

لأوردن رجالا إن ملكتهم *** طعنا يثج كأفواه المثاعيب

قال اسماعيل بن ابراهيم: حدثني الوليد بن سعيد الشيباني: أن سعيد بن بحدل جعلها شورى بين ستة منهم: الضحاك، والخيبري وشيبان، وعبيدة بن سوار التغلبي، وكان غائبا بأذربيجان، فبايعوا الضحاك، ثم قدم عبيدة فأبى أن يرضى بالضحاك، فقالوا له: لتدخلن فيما دخلنا فيه أو لنشعرنك برماحنا فبايعه.
ثم وجه الضحاك حبناء بن عصمة الشيباني في خيل إلى تكريت فغلب عليها فبعث بمالها إلى الضحاك، ووجه أبا الريش خالد بن الريش إلى حولان وأرضها فلقي جميع بن مقرن الكلبي وحريث بن أبي الجهم، فقتل جميع وانهزم حريث فأتى المدائن، ووجه عبد الله بن عمر الأصبغ بن ذؤالة فنزل المدائن، فأقبل أبو الريش وعبثل وحبناء بن عصمة فالتقوا جميعا بالمدائن، فقطع الأصبغ بن ذؤالة الجسر، وانصرف إلى الكوفة، وأقبل الضحاك بن قيس يريد الكوفة، فنزل دير الثعالب في ثلاثة آلاف، والمكثر يقول: في أربعة آلاف، وبعث عبد الله بن عمر عبيد الله بن العباس الكندي في عشرة آلاف، فتوافوا وبينهم الفرات، فقال مسكين: يا عبيد الله اختر إن شئت أن تعبر إلينا ولك الذمة ألا نحركك حتى تقطع جميع من معك، وإما أن تعطينا مثل ذلك فنعبر إليكم، فأبى ذلك عبيد الله وانصرف إلى الكوفة، وعبر مسكين الفرات، وأقبل الضحاك فنزل بشاطئ الفرات، وضرب الناس معابر فعبروا، وسار مسكين فوجد ابن عمر وأهل الشام وأهل الكوفة على أفواه السكك وقد خندقوا، وذلك يوم الأربعاء لليال خلون من شعبان سنة سبع وعشرين ومائة، فانقحم أصحاب مسكين الخنادق، فأصيب منهم سبعة عشر انسانا من رجل وامرأة وبلغ ذلك الضحاك، فبعث حبناء بن عصمة في ناس، وعزم عليهم ألا يقاتلوا تلك اللية.
وأقبل الضحاك فيمن معه، فحمل عليهم حتى إذا كان حيث تناله النشاب أنزل من كل كردوس عصابة نشطوا للقتال، فلم يلبث أهل الشام أن انهزموا وعبروا الخنادق فدخلوا الكوفة، ثم رجعوا من ساعتهم، وذلك يوم الخميس فرجعوا إلى مواقفهم وحمل بعضهم عليهم، فقتل عاصم بن عمر بن عبد العزيز وجعفر بن العباس وانهزم أهل الشام، ثم غدا ابن عمر يوم الجمعة، وحضض الناس، ووجه الأصبغ بن ذؤالة في عشرة آلاف، فأخذ المحجة كأنه يريد الشام، والضحاك ومن معه وقوف، وهو يريد أن يخالفهم إلى عسكرهم، وقد كان بلغهم فخلفوا شيبان في العسكر، فانطلق الأصبغ ومن معه حتى إذا كانوا بازاء الضحاك حمل الضحاك على ابن عمر وعليهم فلم يلو أحد منهم على صاحبه،، فلما جنهم الليل خرج أهل أهل الشام من الكوفة متوجهين في كل وجه، فلم يبق فيها منهم أحد فأصبح ابن عمر فخرج متوجها إلى واسط، فنادى منادي الضحاك ألا تتبعوا موليا ولا تجرحوا أحدا وقد أجلناكم يا أهل الشام ثلاثا، فمن دخل فيما دخلنا فيه فله ما لنا، ومن أحب أن يتوجه حيث شاء من الأرض فليتوجه آمنا، فمن أتاهم ألحقوه بهم، ومن شخص لم يعرضوا له، وبعث حبناء بن عصمة إلى قصر الكوفة، فباع الفئ وأصاب خزائن كثيرة وسلاحا وأموالا.

فلما كان أول يوم من شهر رمضان سار الضحاك إلى واسط، فاستخلف على الكوفة ملحان، وسار الضحاك حتى نزل على ابن عمر بواسط فقاتله، وفارس أهل الشام والقائم بتلك الحرب منصور بن جمهور، فقتل جحشنة ابن أخي منصور في تلك الحرب، وحمل منصور على عكرمة فقتله.
قال اسماعيل بن اسحاق: وحدثني الوليد بن سعيد قال: خرج منصور يوما فحمل على عبد الملك بن علقمة، فطعنه فأنفذ الرمح من ظهره، فتقوضت صفوف الضحاك وانصرفوا جزعا عليه.
يقال: كان القتال ستة أشهر ويقال: سنة حتى صالحه ابن عمر، فأرسل ابن عمر إلى الضحاك على أن يعطيه الرضى ويقره على عمله.
قال اسماعيل: فحدثني عون بن يزيد الباهلي قال: إني بواسط إذ رأيت عبد الله بن عمر أتى الضحاك فأعطاه الرضى، وفي ذلك يقول شبيل بن عزرة
الضبعي:

ألم تر أن الله أظهر دينه *** وصلت قريش خلف بكر بن وائل 

وأقام الحج سنة سبع وعشرين ومائة عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز بن مروان.
وفي سنة سبع وعشرين ومائة مات أبو اسحاق الهمداني يقال: يوم دخل الضحاك بن قيس الكوفة، وأبو حصين، وسعيد بن مسروق الثوري وجابر بن يزيد الجعفي.
قال أبو نعيم: سنة ثمان وعشرين ومائة، وعاصم بن بهدلة مولى بني أسد، واسماعيل بن عبد الرحمن السدي، وجامع بن شداد، كلهم بالكوفة، ومحمد بن واسع الأزدي بالبصرة، ويزيد بن أبي حبيب بمصر، ووهب بن كيسان مولى آل الزبير.