127 هـ
744 م
سنة سبع وعشرين ومائة (ذكر ما كان فيها من الأحداث)

ذكر مسير مروان الى الشام وخلع ابراهيم بن الوليد
فمما كان فيها من ذلك مسير مروان بْن محمد إلى الشام  والحرب التي جرت …

بينه وبين سليمان بْن هشام بعين الجر.

ذكر ذلك والسبب الذي كانت عنه هذه الوقعة:
قَالَ أبو جعفر: وكان السبب ما ذكرت بعضه، من أمر مسير مروان بعد مقتل الوليد بن يزيد إلى الجزيرة من أرمينية، وغلبته عليها، مظهرا أنه ثائر بالوليد، منكر قتله، ثم إظهاره البيعة ليزيد بْن الوليد بعد ما ولاه عمل أبيه محمد بْن مروان، وإظهاره ما أظهر من ذلك، وتوجيهه وهو بحران محمد بْن عبد الله بْن علاثة وجماعة من وجوه أهل الجزيرة فحدثني أحمد، قَالَ:
حدثنا عبد الوهاب بْن إبراهيم، قَالَ: حدثنا أبو هاشم مخلد بْن محمد، قَالَ: لما أتى مروان موت يزيد أرسل إلى ابن علاثة وأصحابه فردهم من منبج، وشخص إلى إبراهيم بْن الوليد، فسار مروان في جند الجزيرة، وخلف ابنه عبد الملك في أربعين ألف من الرابطة بالرقة فلما انتهى إلى قنسرين، وبها أخ ليزيد بْن الوليد يقال له بشر، كان ولاه قنسرين فخرج إليه فصافه، فنادى الناس، ودعاهم مروان إلى مبايعته، فمال إليه يزيد بْن عمر بْن هبيرة في القيسية، وأسلموا بشرا وأخا له يقال له مسرور بْن الوليد، – وكان أخا بشر لأمه وأبيه- فأخذه مروان وأخاه مسرور بْن الوليد، فحبسهما وسار فيمن معه من أهل الجزيرة وأهل قنسرين، متوجها إلى أهل حمص، وكان أهل حمص امتنعوا حين مات يزيد بْن الوليد أن يبايعوا ابراهيم وعبد العزيز ابن الحجاج، فوجه إليه إبراهيم عبد العزيز بْن الحجاج وجند أهل دمشق، فحاصرهم في مدينتهم، وأغذ مروان السير، فلما دنا من مدينة حمص، رحل عبد العزيز عنهم، وخرجوا إلى مروان فبايعوه، وساروا بأجمعهم معه ووجه إبراهيم بْن الوليد الجنود مع سليمان بْن هشام، فسار بهم حتى نزل عين الجر، وأتاه مروان وسليمان في عشرين ومائة ألف فارس ومروان في نحو من ثمانين ألفا فالتقيا، فدعاهم مروان إلى الكف عن قتاله، والتخلية عن ابني الوليد: الحكم وعثمان، وهما في سجن دمشق محبوسان، وضمن عنهما ألا يؤاخذاهم بقتلهم أباهما، وألا يطلبا أحدا ممن ولي قتله، فأبوا عليه، وجدوا في قتاله، فاقتتلوا ما بين ارتفاع النهار إلى العصر، واستحر القتل بينهم، وكثر في الفريقين وكان مروان مجربا مكايدا، فدعا ثلاثة نفر من قواده – أحدهم أخ لإسحاق بْن مسلم يقال له عيسى – فأمرهم بالمسير خلف صفه في خيله وهم ثلاثة آلاف، ووجه معهم فعله بالفؤوس، وقد ملأ الصفان من أصحابه وأصحاب سليمان بْن هشام ما بين الجبلين المحيطين بالمرج، وبين العسكرين نهر جرار، وأمرهم إذا انتهوا إلى الجبل أن يقطعوا الشجر، فيعقدوا جسورا، ويجوزوا إلى عسكر سليمان، ويغيروا فيه.
قَالَ: فلم تشعر خيول سليمان وهم مشغولون بالقتال إلا بالخيل والبارقة والتكبير في عسكرهم من خلفهم، فلما رأوا ذلك انكسروا، وكانت هزيمتهم، ووضع أهل حمص السلاح فيهم لحردهم عليهم، فقتلوا منهم نحوا من سبعة عشر ألفا، وكف أهل الجزيرة وأهل قنسرين عن قتلهم، فلم يقتلوا منهم أحدا، وأتوا مروان من أسرائهم بمثل عدة القتلى وأكثر، واستبيح عسكرهم.
فأخذ مروان عليهم البيعة للغلامين: الحكم وعثمان، وخلى عنهم بعد أن قواهم.
بدينار دينار، وألحقهم بأهاليهم، ولم يقتل منهم إلا رجلين يقال لأحدهما يزيد بن العقار وللآخر الوليد بْن مصاد الكلبيان، وكانا فيمن سار إلى الوليد وولي قتله وكان يزيد بْن خالد بْن عبد الله القسري معهم، فسار حتى هرب فيمن هرب مع سليمان بْن هشام إلى دمشق، وكان أحدهما- يعني الكلبيين- على حرس يزيد والآخر على شرطه، فإنه ضربهما في موقفه ذلك بالسياط، ثم أمر بهما فحبسا فهلكا في حبسه.
قَالَ: ومضى سليمان ومن معه من الفل حتى صبحوا دمشق، واجتمع إليه وإلى إبراهيم وعبد العزيز بْن الحجاج رءوس من معهم، وهم يزيد بْن خالد القسري وأبو علاقة السكسكي والأصبغ بْن ذؤالة الكلبي ونظراؤهم، فقال بعضهم لبعض: إن بقي الغلامان ابنا الوليد حتى يقدم مروان ويخرجهما من الحبس ويصير الأمر إليهما لم يستبقيا أحدا من قتلة أبيهما، والرأي أن نقتلهما.
فولوا ذلك يزيد بْن خالد- ومعهما في الحبس أبو محمد السفياني ويوسف بْن عمر- فأرسل يزيد مولى لخالد يقال له أبا الأسد، في عدة من أصحابه، فدخل السجن، فشدخ الغلامين بالعمد، وأخرج يوسف بْن عمر ليقتلوه، وضربت عنقه وأرادوا قتل أبي محمد السفياني، فدخل بيتا من بيوت السجن فأغلقه، وألقى خلفه الفرش والوسائد، واعتمد على الباب فلم يقدروا على فتحه، فدعوا بنار ليحرقوه فلم يؤتوا بها، حتى قيل: قد دخلت خيل مروان المدينة وهرب إبراهيم بْن الوليد، وتغيب، وأنهب سليمان ما كان في بيت المال وقسمه فيمن معه من الجنود وخرج من المدينة

ذكر ظهور عبد الله بْن معاوية بْن عبد الله بن جعفر
قال أبو جعفر: وفي هذه السنة دعا إلى نفسه عبد الله بْن معاوية بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بالكوفة، وحارب بها عبد الله بْن عمر بْن عبد العزيز ابن مروان، فهزمه عبد الله بْن عمر، فلحق بالجبال فغلب عليها.
ذكر الخبر عن سبب خروج عبد الله ودعائه الناس إلى نفسه:
وكان إظهار عبد الله بْن معاوية الخلاف على عبد الله بْن عمر ونصبه الحرب له- فيما ذكر هشام عن أبي مخنف- في المحرم سنة سبع وعشرين ومائة.
وكان سبب خروجه عليه- فيما حَدَّثَنِي أَحْمَدُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عاصم ابن حفص التميمي وغيره من أهل العلم- أن عبد الله بْن معاوية بْن عبد الله ابن جعفر قدم الكوفة زائرا لعبد الله بْن عمر بْن عبد العزيز، يلتمس صلته، لا يريد خروجا، فتزوج ابنة حاتم بْن الشرقي بْن عبد المؤمن بْن شبث بْن ربعي، فلما وقعت العصبية قَالَ له أهل الكوفة: ادع إلى نفسك، فبنو هاشم أولى بالأمر من بني مروان، فدعا سرا بالكوفة وابن عمر بالحيرة، وبايعه ابن ضمرة الخزاعي، فدس إليه ابن عمر فأرضاه، فأرسل إليه: إذا نحن التقينا بالناس انهزمت بهم وبلغ ابن معاوية، فلما التقى الناس قَالَ ابن معاوية: أن ابن ضمرة قد غدر، ووعد ابن عمران ينهزم بالناس، فلا يهولنكم انهزامه، فإنه عن غدر يفعل فلما التقوا انهزم ابن ضمرة، وانهزم الناس، فلم يبق معه أحد، فقال:

تفرقت الظباء على خداش *** فما يدري خداش ما يصيد

فرجع ابن معاوية إلى الكوفة، وكانوا التقوا ما بين الحيرة والكوفة، ثم خرج إلى المدائن فبايعوه، وأتاه قوم من أهل الكوفة، فخرج فغلب على حلوان والجبال.
قَالَ: ويقال قدم عبد الله بْن معاوية الكوفة وجمع جمعا، فلم يعلم عبد الله بْن عمر حتى خرج في الجبانة مجمعا على الحرب، فالتقوا، وخالد بْن قطن الحارثي على أهل اليمن، فشد عليه الأصبغ بْن ذؤالة الكلبي في أهل الشام، فانهزم خالد وأهل الكوفة وأمسكت نزار عن نزار ورجعوا، وأقبل خمسون رجلا من الزيدية إلى دار ابن محرز القرشي يريدون القتال، فقتلوا، ولم يقتل من أهل الكوفة غيرهم.
قَالَ: وخرج ابن معاوية من الكوفة مع عبد الله بْن عباس التميمي إلى المدائن، ثم خرج منها فغلب على الماهين وهمذان وقومس وأصبهان والري، وخرج إليه عبيد أهل الكوفة، وقال:

فلا تركبن الصنيع الذي *** تلوم أخاك على مثله
ولا يعجبنك قول امرى *** يخالف ما قَالَ في فعله

وأما أبو عبيدة معمر بْن المثنى، فإنه زعم أن سبب ذلك أن عبد الله والحسن ويزيد بْن معاوية بْن عبد الله بْن جعفر قدموا على عبد الله بْن عمر، فنزلوا في النخع، في دار مولى لهم، يقال له الوليد بْن سعيد، فأكرمهم ابن عمر واجازهم، واجرى عليهم كل يوم ثلاثمائة درهم، فكانوا كذلك حتى هلك يزيد بْن الوليد، وبايع الناس أخاه إبراهيم بْن الوليد ومن بعده عبد العزيز ابن الحجاج بْن عبد الملك، فقدمت بيعتهما على عبد الله بن عمر بالكوفه، فبايع الناس لهما، وزادهم في العطاء مائة مائه، وكتب بيعتهما إلى الآفاق، فجاءته البيعة، فبينا هو كذلك، إذ أتاه الخبر بأن مروان بْن محمد قد سار في أهل الجزيرة إلى إبراهيم بْن الوليد، وأنه امتنع من البيعة له، فاحتبس عبد الله بْن عمر عبد الله بْن معاوية عنده، وزاده فيما كان يجري عليه، واعده لمروان ابن محمد إن هو ظفر بإبراهيم بْن الوليد ليبايع له، ويقاتل به مروان، فماج الناس في أمرهم، وقرب مروان من الشام، وخرج اليه ابراهيم فقاتله مروان، فهزمه وظفر بعسكره وخرج هاربا، وثبت عبد العزيز بْن الحجاج يقاتل حتى قتل وأقبل إسماعيل بْن عبد الله أخو خالد بْن عبد الله القسري هاربا حتى أتى الكوفة، وكان في عسكر إبراهيم، فافتعل كتابا على لسان إبراهيم بولاية الكوفة، فأرسل إلى اليمانية، فأخبرهم سرا أن إبراهيم بْن الوليد ولاه العراق، فقبلوا ذلك منه، وبلغ الخبر عبد الله بن عمر فباكره صلاة الغداة، فقاتله من ساعته، ومعه عمر بن الغضبان، فلما رأى إسماعيل ذلك- ولا عهد معه وصاحبه الذي افتعل العهد على لسانه هارب منهزم- خاف أن يظهر أمره فيفتضح ويقتل، فقال لأصحابه: إني كاره لسفك الدماء، ولم أحس أن يبلغ الأمر ما بلغ، فكفوا أيديكم فتفرق القوم عنه، فقال لأهل بيته: إن إبراهيم قد هرب، ودخل مروان دمشق، فحكى ذلك عن أهل بيته، فانتشر الخبر، واشرأبت الفتنة، ووقعت العصبية بين الناس.
وكان سبب ذلك أن عبد الله بْن عمر كان أعطى مضر وربيعة عطايا عظاما، ولم يعط جعفر بْن نافع بْن القعقاع بْن شور الذهلي وعثمان بن الخيبرى أخا بنى تيم اللات بْن ثعلبة شيئا، ولم يسوهما بنظرائهما، فدخلا عليه، فكلماه كلاما غليظا، فغضب ابن عمر، وأمر بهما، فقام إليهما عبد الملك الطائي- وكان على شرطه يقوم على رأسه- فدفعهما، فدفعاه وخرجا مغضبين.
وكان ثمامة بْن حوشب بْن رويم الشيباني حاضرا، فخرج مغاضبا لصاحبيه، فخرجوا جميعا إلى الكوفة، وكان هذا وابن عمر بالحيرة، فلما دخلوا الكوفة نادوا: يا آل ربيعة، فثارت إليهم ربيعة، فاجتمعوا وتنمروا، وبلغ الخبر ابن عمر، فأرسل إليهم أخاه عاصما، فأتاهم وهم بدير هند قد اجتمعوا وحشدوا، فألقى نفسه بينهم، وقال: هذه يدي لكم فاحكموا، فاستحيوا وعظموا عاصما، وتشكروا له، وأقبل على صاحبيهم فسكتا وكفا، فلما أمسى ابن عمر أرسل من تحت ليلته إلى عمر بْن الغضبان بمائة ألف، فقسمها في قومه بني همام بْن مرة بْن ذهل بْن شيبان، وأرسل إلى ثمامة بْن حوشب بْن رويم بمائة ألف، فقسمها في قومه، وأرسل إلى جعفر بْن نافع بْن القعقاع بعشرة آلاف، وإلى عثمان بْن الخيبري بعشرة آلاف.
قَالَ أبو جعفر: فلما رأت الشيعة ضعفه اغتمزوا فيه، واجترءوا عليه وطمعوا فيه ودعوا إلى عبد الله بْن معاوية بْن عبد الله بْن جعفر وكان الذى ولى ذلك هلال ابن أبي الورد مولى بني عجل، فثاروا في غوغاء الناس حتى أتوا المسجد، فاجتمعوا فيه وهلال القائم بالأمر، فبايعه ناس من الشيعة لعبد الله بْن معاوية، ثم مضوا من فورهم إلى عبد الله، فأخرجوه من دار الوليد بْن سعيد، حتى أدخلوه القصر، وحالوا بين عاصم بْن عمر وبين القصر، فلحق بأخيه عبد الله بالحيرة، وجاء ابن معاوية الكوفيون فبايعوه، فيهم عمر بْن الغضبان بْن القبعثري ومنصور بْن جمهور وإسماعيل بْن عبد الله القسري ومن كان من أهل الشام بالكوفة له أهل وأصل، فأقام بالكوفة أياما يبايعه الناس، وأتته البيعة من المدائن وفم النيل، واجتمع إليه الناس، فخرج يريد عبد الله بْن عمر بالحيرة، وبرز له عبد الله بْن عمر فيمن كان معه من أهل الشام، فخرج رجل من اهل الشام يسأله البراز، فبرز له القاسم بْن عبد الغفار، فقال له الشامي: لقد دعوت حين دعوت، وما أظن أن يخرج إلي رجل من بكر بْن وائل، والله ما أريد قتالك، ولكن أحببت أن ألقي إليك ما انتهى إلينا، اخبرك أنه ليس معكم رجل من أهل اليمن، لا منصور ولا إسماعيل ولا غيرهما إلا وقد كاتب عبد الله بْن عمر، وجاءته كتب مضر، وما أرى لكم أيها الحي من ربيعه كتابا ولا رسولا، وليسوا مواقيعكم يومكم حتى تصبحوا فيواقعوكم، فإن استطعتم ألا تكون بكم الحزة فافعلوا، فإني رجل من قيس، وسنكون غدا بإزائكم، فإن أردتم الكتاب إلى صاحبنا أبلغته، وإن أردتم الوفاء لمن خرجتم معه فقد أبلغتكم حال الناس فدعا القاسم رجالا من قومه، فأعلمهم ما قَالَ له الرجل، وان ميمنه ابن عمر من ربيعة، ومضر ستقف بإزاء ميسرته وفيها ربيعة، فقال عبد الله بْن معاوية: إن هذه علامة ستظهر لنا إن أصبحنا، فإن أحب عمر بْن الغضبان فليلقني الليلة، وإن منعه شغل ما هو فيه فهو عذر، وقل له: إني لأظن القيسي قد كذب، فأتى الرسول عمر بذلك، فرده إليه بكتاب يعلمه ان رسولي هذا بمنزلتي عندي، ويأمره أن يتوثق من منصور وإسماعيل، وإنما أراد أن يعلمهما بذلك قَالَ: فأبى ابن معاوية أن يفعل، فأصبح الناس غادين على القتال، وقد جعل اليمن في الميمنة ومضر وربيعة في الميسرة، ونادى مناد: من أتى برأس فله كذا وكذا، أو بأسير فله كذا وكذا، والمال عند عمر بن الغضبان.
والتقى الناس واقتتلوا، وحمل عمر بْن الغضبان على ميمنة ابن عمر فانكشفوا، ومضى إسماعيل ومنصور من فورهما الى الحيرة، ورجمت غوغاء الناس أهل اليمن من أهل الكوفة، فقتلوا فيهم أكثر من ثلاثين رجلا، وقتل الهاشمي العباس بْن عبد الله زوج ابنة الملاة.
ذكر عمر أن محمد بْن يحيى حدثه عن أبيه، عن عاتكة بنت الملاة، تزوجت أزواجا، منهم العباس بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْن الحارث بْن نوفل، قتل مع عبد الله بْن عمر بْن عبد العزيز في العصبية بالعراق وقتل مبكر ابن الحواري بْن زياد في غيرهم، ثم انكشفوا وفيهم عبد الله بْن معاوية حتى دخل نصر الكوفة، وبقيت الميسرة من مضر وربيعة ومن بإزائهم من أهل الشام، وحمل أهل القلب من اهل الشام على الزيدية فانكشفوا، حتى دخلوا الكوفة، وبقيت الميسرة وهم نحو خمسمائة رجل، واقبل عامر بن ضباره ونباته ابن حنظلة بْن قبيصة وعتبة بْن عبد الرحمن الثعلبي والنضر بْن سعيد بْن عمرو الحرشي، حتى وقفوا على ربيعة، فقالوا لعمر بْن الغضبان: أما نحن يا معشر ربيعة، فما كنا نأمن عليكم ما صنع الناس بأهل اليمن، ونتخوف عليكم مثلها، فانصرفوا فقال عمر: ما كنت ببارح أبدا حتى أموت، فقالوا: إن هذا ليس بمغن عنك ولا عن أصحابك شيئا، فأخذوا بعنان دابته فأدخلوه الكوفة قَالَ عمر: حدثني علي بْن محمد، عن سليمان بْن عبد الله النوفلي، قَالَ:
حدثني أبي، قَالَ: حدثنا خراش بْن المغيرة بْن عطية مولى لبني ليث، عن أبيه، قَالَ: كنت كاتب عبد الله بن عمر، فو الله إني لعنده يوما وهو بالحيرة إذ أتاه آت فقال: هذا عبد الله بْن معاوية قد أقبل في الخلق، فأطرق مليا وجاءه رئيس خبازيه، فقام بين يديه كأنه يؤذنه بادراك طعامه، فأومأ إليه عبد الله: أن هاته فجاء بالطعام، وقد شخصت قلوبنا، ونحن نتوقع أن يهجم علينا ابن معاوية ونحن معه، قَالَ: فجعلت أتفقده: هل أراه تغير في شيء من أمره من مطعم أو مشرب أو منظر أو أمر أو نهي؟ فلا والله، ما أنكرت من هيئته قليلا ولا كثيرا، وكان طعامه إذا أتي به وضع بين كل اثنين منا صحفة قَالَ: فوضعت بيني وبين فلان صحفة، وبين فلان وفلان صحفة أخرى، حتى عد من كان على خوانه، فلما فرغ من غدائه ووضوئه، أمر بالمال فأخرج، حتى اخرجت آنيه من ذهب وفضه وكسا، ففرق أكثر ذلك في قواده، ثم دعا مولى له أو مملوكا كان يتبرك به ويتفاءل باسمه- إما يدعى ميمونا أو فتحا أو اسما من الاسماء المتبرك بها- فقال له: خذ لواءك، وامض إلى تل كذا وكذا فاركزه عليه، وادع أصحابك، وأقم حتى آتيك ففعل وخرج عبد الله وخرجنا معه، حتى صار إلى التل فإذا الأرض بيضاء من أصحاب ابن معاوية، فأمر عبد الله مناديا، فنادى:
من جاء برأس فله خمسمائة، فو الله ما كان بأسرع من أن أتي برأس، فوضع بين يديه، فامر له بخمسمائة، فدفعت إلى الذي جاء به، فلما رأى اصحابه وفاءه لصاحب الراس، ثاروا بالقوم، فو الله ما كان إلا هنيهة حتى نظرت إلى نحو من خمسمائة رأس قد ألقيت بين يديه، وانكشف ابن معاوية ومن معه منهزمين، فكان أول من دخل الكوفة من أصحابه منهزما أبو البلاد مولى بني عبس وابنه سليمان بين يديه- وكان أبو البلاد متشيعا- فجعل أهل الكوفة ينادونهم كل يوم، وكأنهم يعيرونهم بانهزامه، فجعل يصيح بابنه سليمان: امض ودع النواضح ينفقن قَالَ: ومر عبد الله بْن معاوية فطوى الكوفة، ولم يعرج بها حتى أتى الجبل.
وأما أبو عبيدة: فإنه ذكر أن عبد الله بْن معاوية وإخوته دخلوا القصر فلما أمسوا قالوا لعمر بْن الغضبان وأصحابه: يا معشر ربيعة، قد رأيتم ما صنع الناس بنا، وقد أعلقنا دماءنا في أعناقكم، فإن كنتم مقاتلين معنا قاتلنا معكم، وإن كنتم ترون الناس خاذلينا وإياكم، فخذوا لنا ولكم أمانا، فما أخذتم لأنفسكم فقد رضينا لأنفسنا، فقال لهم عمر بن الغضبان:
ما نحن بتاركيكم من إحدى خلتين: إما أن نقاتل معكم، وإما أن نأخذ لكم أمانا كما نأخذ لأنفسنا، فطيبوا نفسا، فأقاموا في القصر، والزيدية على افواه السكك يغدو عليهم أهل الشام ويروحون، يقاتلونهم أياما.
ثم إن ربيعة أخذت لأنفسها وللزيدية ولعبد الله بن معاويه أمانا، الا يتبعوهم ويذهبوا حيث شاءوا وأرسل عبد الله بْن عمر إلى عمر بْن الغضبان يأمره بنزول القصر وإخراج عبد الله بْن معاوية، فأرسل إليه ابن الغضبان فرحله ومن معه من شيعته ومن تبعه من أهل المدائن وأهل السواد واهل الكوفة، فسار بهم رسل عمر حتى أخرجوهم من الجسر فنزل عمر من القصر

ذكر خبر رجوع الحارث بن سريج الى مرو
وفي هذه السنة وافى الحارث بْن سريج مرو، خارجا إليها من بلاد الترك بالأمان الذي كتب له يزيد بْن الوليد، فصار إلى نصر بْن سيار، ثم خالفه وأظهر الخلاف له، وبايعه على ذلك جمع كبير.

ذكر الخبر عن أمره وأمر نصر بعد قدومه عليه:
ذكر علي بْن محمد عن شيوخه، أن الحارث سار إلى مرو، مخرجه من بلاد الترك، فقدمها يوم الأحد لثلاث بقين من جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين ومائة، فتلقاه سلم بْن أحوز، والناس بكشماهن، فقال محمد بن الفضل ابن عطية العبسي: الحمد لله الذي أقر أعيننا بقدومك، وردك الى فئه الإسلام وإلى الجماعة قَالَ: يا بني، أما علمت أن الكثير إذا كانوا على معصية الله كانوا قليلا، وأن القليل إذا كانوا على طاعة الله كانوا كثيرا! وما قرت عيني منذ خرجت إلى يومي هذا، وما قرة عيني إلا أن يطاع الله فلما دخل مرو قَالَ: اللهم إني لم أنو قط في شيء مما بيني وبينهم إلا الوفاء، فإن أرادوا الغدر فانصرني عليهم وتلقاه نصر فانزله قصر بخاراخذاه، وأجرى عليه نزلا خمسين درهما في كل يوم، وكان يقتصر على لون واحد، وأطلق نصر من كان عنده من أهله، أطلق محمد بْن الحارث والألوف بنت الحارث وأم بكر، فلما أتاه ابنه محمد، قَالَ: اللهم اجعله بارا تقيا.
قَالَ: وقدم الوضاح بْن حبيب بْن بديل على نصر بْن سيار من عند عبد الله بْن عمر، وقد أصابه برد شديد، فكساه أثوابا، وأمر له بقرى وجاريتين، ثم أتى الحارث بن سريج، وعنده جماعة من أصحابه قيام على رأسه، فقال له: أنا بالعراق، نشهر عظم عمودك وثقله، وإني أحب أن أراه، فقال: ما هو إلا كبعض ما ترى مع هؤلاء- وأشار إلى أصحابه- ولكني إذا ضربت به شهرت ضربتني، قَالَ: وكان في عموده بالشامي ثمانية عشر رطلا قَالَ: ودخل الحارث بْن سريج على نصر، وعليه الجوشن الذي أصابه من خاقان، وكان خيره بين مائة ألف دينار دنبكانية وبين الجوشن، فاختار الجوشن فنظرت إليه المرزبانة بنت قديد، امرأة نصر بْن سيار، فأرسلت إليه بجرز لها سمور، مع جارية لها فقالت، أقرئي ابن عمي السلام، وقولي له: اليوم بارد فاستدفئ بهذا الجرز السمور، فالحمد لله الذي أقدمك صالحا فقال للجارية: أقرئي بنت عمي السلام، وقولي لها: أعارية أم هدية؟ فقالت: بل هدية، فباعه بأربعة آلاف دينار وقسمها في أصحابه.
وبعث إليه نصر بفرش كثيرة وفرس، فباع ذلك كله، وقسمه في أصحابه بالسوية وكان يجلس على برذعة، وتثنى له وسادة غليظة وعرض نصر على الحارث أن يوليه ويعطيه مائة ألف دينار، فلم يقبل، وارسل الى نصر:
إني لست من هذه الدنيا ولا من هذه اللذات، ولا من تزويج عقائل العرب في شيء، وإنما أسأل كتاب الله عز وجل والعمل بالسنة واستعمال أهل الخير والفضل، فإن فعلت ساعدتك على عدوك.
وأرسل الحارث إلى الكرماني: إن أعطاني نصر العمل بكتاب الله وما سألته من استعمال أهل الخير والفضل عضدته وقمت بأمر الله، وإن لم يفعل استعنت بالله عليه، وأعنتك إن ضمنت لي ما أريد من القيام بالعدل والسنة.
وكان كلما دخل عليه بنو تميم دعاهم إلى نفسه، فبايعه محمد بْن حمران ومحمد ابن حرب بْن جرفاس المنقريان والخليل بْن غزوان العدوى، وعبد الله ابن مجاعة وهبيرة بْن شراحيل السعديان، وعبد العزيز بن عبد ربه الليثى، وبشر ابن جرموز الضبي، ونهار بْن عبد الله بْن الحتات المجاشعي، وعبد الله النباتي وقال الحارث لنصر: خرجت من هذه المدينة منذ ثلاث عشرة سنة إنكارا للجور، وأنت تريدني عليه! فانضم الى الحارث ثلاثة آلاف

خلافه مروان بن محمد
وفي هذه السنة بويع بدمشق لمروان بْن محمد بالخلافة:

ذكر الخبر عن سبب البيعة له:
حدثني أحمد، قَالَ: حدثنا عبد الوهاب بْن إبراهيم، قَالَ: حدثنا أبو هاشم مخلد بْن محمد مولى عثمان بْن عفان، قَالَ: لما قيل: قد دخلت خيل مروان دمشق هرب إبراهيم بْن الوليد وتغيب، فانتهب سليمان ما كان في بيت المال وقسمه فيمن معه من الجند، وخرج من المدينة، وثار من فيها من موالي الوليد بْن يزيد إلى دار عبد العزيز بْن الحجاج فقتلوه، ونبشوا قبر يزيد بْن الوليد وصلبوه على باب الجابية، ودخل مروان دمشق فنزل عاليه، وأتي بالغلامين مقتولين وبيوسف بْن عمر فأمر بهم فدفنوا، وأتي بأبي محمد السفياني محمولا في كبوله، فسلم عليه بالخلافة، ومروان يومئذ يسلم عليه بالإمرة، فقال له: مه، فقال: إنهما جعلاها لك بعدهما، وأنشده شعرا قاله الحكم في السجن.
قَالَ: وكانا قد بلغا، وولد لأحدهما وهو الحكم والآخر قد احتلم قبل ذلك بسنتين، قَالَ: فقال الحكم:

ألا من مبلغ مروان عني *** وعمي الغمر طال بذا حنينا
بأني قد ظلمت وصار قومي *** على قتل الوليد متابعينا
أيذهب كلبهم بدمي ومالي *** فلا غثا أصبت ولا سمينا
ومروان بأرض بني نزار *** كليث الغاب مفترس عرينا
ألم يحزنك قتل فتى قريش *** وشقهم عصي المسلمينا
الا فاقر السلام على قريش *** وقيس بالجزيرة أجمعينا
وساد الناقص القدري فينا *** وألقى الحرب بين بني أبينا
فلو شهد الفوارس من سليم *** وكعب لم أكن لهم رهينا
ولو شهدت ليوث بني تميم *** لما بعنا تراث بني أبينا
أتنكث بيعتي من أجل أمي *** فقد بايعتم قبلي هجينا
فليت خئولتى من غير كلب *** وكانت في ولادة آخرينا
فإن أهلك أنا وولي عهدي *** فمروان أمير المؤمنينا

ثم قَالَ: ابسط يدك أبايعك، وسمعه من مع مروان من أهل الشام، فكان أول من نهض معاوية بْن يزيد بْن الحصين بْن نمير ورءوس أهل حمص، فبايعوه، فأمرهم أن يختاروا لولاية أجنادهم، فاختار أهل دمشق زامل بْن عمرو الجبراني، وأهل حمص عبد الله بْن شجرة الكندي، وأهل الأردن الوليد بْن معاوية بْن مروان، وأهل فلسطين ثابت بْن نعيم الجذامي الذي كان استخرجه من سجن هشام وغدر به بأرمينية، فأخذ عليهم العهود المؤكدة والأيمان المغلظة على بيعته، وانصرف إلى منزله من حران.
قَالَ أبو جعفر: فلما استوت لمروان بْن محمد الشام وانصرف إلى منزله بحران طلب الأمان منه ابراهيم بن الوليد وسليمان بن هشام فامنهم، فقدم عليه سليمان- وكان سليمان بْن هشام يومئذ بتدمر بمن معه من إخوته وأهل بيته ومواليه الذكوانية- فبايعوا مروان بْن محمد

ذكر الخبر عن انتقاض اهل حمص على مروان
وفي هذه السنة انتقض على مروان أهل حمص وسائر أهل الشام فحاربهم.

ذكر الخبر عن أمرهم وأمره وعن سبب ذلك:
حدثني أحمد، قَالَ حدثني عبد الوهاب بْن إبراهيم، قَالَ: حدثنا أبو هاشم مخلد بْن محمد بْن صالح، قَالَ: لما انصرف مروان إلى منزله من حران بعد فراغه من أهل الشام لم يلبث إلا ثلاثة أشهر، حتى خالفه أهل الشام وانتقضوا عليه، وكان الذي دعاهم إلى ذلك ثابت بْن نعيم، وراسلهم وكاتبهم، وبلغ مروان خبرهم، فسار إليهم بنفسه، وأرسل أهل حمص إلى من بتدمر من كلب، فشخص إليهم الأصبغ بْن ذؤالة الكلبي ومعه بنون له ثلاثة رجال: حمزة وذؤالة وفرافصة ومعاوية السكسكي- وكان فارس أهل الشام- وعصمة بْن المقشعر وهشام بْن مصاد وطفيل بن حارثة ونحو ألف من فرسانهم، فدخلوا مدينة حمص ليلة الفطر من سنة سبع وعشرين ومائة.
قَالَ: ومروان بحماة ليس بينه وبين مدينة حمص إلا ثلاثون ميلا، فأتاه خبرهم صبيحة الفطر، فجد في السير، ومعه يومئذ إبراهيم بْن الوليد المخلوع وسليمان بْن هشام، وقد كانا راسلاه وطلبا إليه الأمان، فصارا معه في عسكره يكرمهما ويدنيهما ويجلسان معه على غدائه وعشائه، ويسيران معه في موكبه.
فانتهى إلى مدينة حمص بعد الفطر بيومين، والكلبية فيها قد ردموا أبوابها من داخل، وهو على عدة معه روابطه، فأحدقت خيله بالمدينة، ووقف حذاء باب من أبوابها، وأشرف على جماعة من الحائط، فناداهم مناديه:
ما دعاكم إلى النكث؟ قالوا: فإنا على طاعتك لم ننكث، فقال لهم: فإن كنتم على ما تذكرون فافتحوا، ففتحوا الباب، فاقتحم منه عمرو بن الوضاح في الوضاحية وهم نحو من ثلاثة آلاف فقاتلوهم في داخل المدينة، فلما كثرتهم خيل مروان، انتهوا إلى باب من أبواب المدينة يقال له باب تدمر، فخرجوا منه والروابط عليه فقاتلوهم، فقتل عامتهم، وافلت الأصبغ بن ذؤاله والسكسكى واسر ابنا الأصبغ: ذؤالة وفرافصة في نيف وثلاثين رجلا منهم، فاتى بهم مروان فقتلهم وهو واقف، وأمر بجمع قتلاهم وهم خمسمائة او ستمائه، فصلبوا حول المدينة، وهدم من حائط مدينتها نحوا من غلوة وثار أهل الغوطة إلى مدينة دمشق، فحاصروا أميرهم زامل بْن عمرو، وولوا عليهم يزيد بْن خالد القسري وثبت مع زامل المدينة وأهلها وقائد في نحو أربعمائة، يقال له أبو هبار القرشي فوجه إليهم مروان من حمص أبا الورد بْن الكوثر بْن زفر بْن الحارث- واسمه مجزأة- وعمرو بْن الوضاح في عشرة آلاف، فلما دنوا من المدينة حملوا عليهم، وخرج أبو هبار وخيله من المدينة، فهزموهم واستباحوا عسكرهم وحرقوا المزة من قرى اليمانية، ولجأ يزيد بْن خالد وأبو علاقة إلى رجل من لخم من أهل المزة، فدل عليهما زامل، فأرسل إليهما، فقتلا قبل أن يوصل بهما إليه، فبعث برأسيهما الى مروان بحمص، وخرج ثابت ابن نعيم من أهل فلسطين، حتى أتى مدينة طبرية، فحاصر أهلها، وعليها الوليد بْن معاوية بْن مروان، ابن أخي عبد الملك بْن مروان، فقاتلوه أياما، فكتب مروان إلى أبي الورد ان يشخص إليهم فيمدهم، قَالَ:
فرحل من دمشق بعد أيام، فلما بلغهم دنوه خرجوا من المدينة على ثابت ومن معه، فاستباحوا عسكرهم، فانصرف إلى فلسطين منهزما، فجمع قومه وجنده، ومضى إليه أبو الورد فهزمه ثانية، وتفرق من معه، وأسر ثلاثة رجال من ولده، وهم نعيم وبكر وعمران، فبعث بهم إلى مروان فقدم بهم عليه، – وهو بدير أيوب- جرحى، فأمر بمداواة جراحاتهم، وتغيب ثابت بْن نعيم، فولى الرماحس بْن عبد العزيز الكناني فلسطين، وأفلت مع ثابت من ولده رفاعة ابن ثابت- وكان أخبثهم- فلحق بمنصور بْن جمهور، فأكرمه وولاه وخلفه مع أخ له يقال له منظور بْن جمهور، فوثب عليه فقتله، فبلغ منصورا وهو متوجه إلى الملتان، وكان أخوه بالمنصورة، فرجع إليه فأخذه، فبنى له أسطوانة من آجر مجوفة، وأدخله فيها، ثم سمره إليها، وبنى عليه.
قَالَ: وكتب مروان إلى الرماحس في طلب ثابت والتلطف له، فدل عليه رجل من قومه فأخذ ومعه نفر، فأتي به مروان موثقا بعد شهرين، فأمر به وببنيه الذين كانوا في يديه، فقطعت أيديهم وأرجلهم، ثم حملوا إلى دمشق، فرأيتهم مقطعين، فأقيموا على باب مسجدها، لأنه كان يبلغه أنهم يرجفون بثابت، ويقولون: إنه أتى مصر، فغلب عليها.
وقتل عامل مروان بها وأقبل مروان من دير أيوب حتى بايع لابنيه عبيد الله وعبد الله، وزوجهما ابنتي هشام بْن عبد الملك، أم هشام وعائشة، وجمع لذلك اهل بيته جميعا، من ولد عبد الملك محمد وسعيد وبكار وولد الوليد وسليمان ويزيد وهشام وغيرهم من قريش ورءوس العرب، وقطع على أهل الشام بعثا وقواهم، وولى على كل جند منهم قائدا منهم، وأمرهم باللحاق بيزيد بْن عمر بْن هبيرة وكان قبل مسيره إلى الشام وجهه في عشرين ألفا من أهل قنسرين والجزيرة، وأمره أن ينزل دورين إلى أن يقدم، وصيره مقدمة له، وانصرف من دير أيوب إلى دمشق، وقد استقامت له الشام كلها ما خلا تدمر، وأمر بثابت بْن نعيم وبنيه والنفر الذين قطعهم فقتلوا وصلبوا على أبواب دمشق، قَالَ: فرأيتهم حين قتلوا وصلبوا قَالَ: واستبقى رجلا منهم يقال له عمرو بْن الحارث الكلبي، وكان- فيما زعموا- عنده علم من أموال كان ثابت وضعها عند قوم، ومضى بمن معه، فنزل القسطل من أرض حمص مما يلي تدمر، بينهما مسيرة ثلاثة أيام، وبلغه أنهم قد عوروا ما بينه وبينها من الآبار، وطموها بالصخر، فهيأ المزاد والقرب والأعلاف والإبل، فحمل ذلك له ولمن معه، فكلمه الابرش بن الوليد وسليمان ابن هشام وغيرهما، وسألوه أن يعذر إليهم، ويحتج عليهم فأجابهم إلى ذلك فوجه الأبرش إليهم أخاه عمرو بْن الوليد، وكتب إليهم يحذرهم ويعلمهم أنه يتخوف أن يكون هلاكه وهلاك قومه، فطردوه ولم يجيبوه، فسأله الأبرش أن يأذن له في التوجه إليهم، ويؤجله أياما، ففعل، فأتاهم فكلمهم وخوفهم وأعلمهم أنهم حمقى، وأنه لا طاقة لهم به وبمن معه، فأجابه عامتهم، وهرب من لم يثق به منهم إلى برية كلب وباديتهم، وهم السكسكي وعصمة بْن المقشعر وطفيل بْن حارثة ومعاوية بْن أبي سفيان بْن يزيد بْن معاوية، وكان صهر الأبرش على ابنته وكتب الأبرش إلى مروان يعلمه ذلك، فكتب إليه مروان: أن اهدم حائط مدينتهم، وانصرف إلي بمن بايعك منهم.
فانصرف إليه ومعه من رءوسهم الأصبغ بْن ذؤالة وابنه حمزة وجماعة من رؤوسهم، وانصرف مروان بهم على طريق البرية على سورية ودير اللثق، حتى قدم الرصافة ومعه سليمان بْن هشام وعمه سعيد بْن عبد الملك وإخوته جميعا وإبراهيم المخلوع وجماعة من ولد الوليد وسليمان ويزيد، فأقاموا بها يوما، ثم شخص إلى الرقة فاستأذنه سليمان، وسأله أن يأذن له أن يقيم أياما ليقوي من معه من مواليه، ويجم ظهره ثم يتبعه، فأذن له ومضى مروان، فنزل عند واسط على شاطئ الفرات في عسكر كان ينزله، فأقام به ثلاثة أيام، ثم مضى إلى قرقيسيا وابن هبيرة بها، ليقدمه الى العراق لمحاربه الضحاك ابن قيس الشيبانى الحروري، فاقبل من نحو عشرة آلاف ممن كان مروان قطع عليه البعث بدير أيوب لغزو العراق مع قوادهم حتى حلوا بالرصافة، فدعوا سليمان إلى خلع مروان ومحاربته.
وفي هذه السنة دخل الضحاك بْن قيس الشيباني الكوفة.

ذكر الأخبار عن خروج الضحاك محكما ودخوله الكوفة، ومن أين كان إقباله إليها
اختلف في ذلك من أمره، فأما أحمد، فإنه حدثني عن عبد الوهاب ابن إبراهيم، قَالَ: حدثني أبو هاشم مخلد بْن محمد، قَالَ: كان سبب خروج الضحاك أن الوليد حين قتل خرج بالجزيرة حروري يقال له سعيد ابن بهدل الشيباني في مائتين من أهل الجزيرة، فيهم الضحاك، فاغتنم قتل الوليد واشتغال مروان بالشام، فخرج بأرض كفرتوثا، وخرج بسطام البيهسي وهو مفارق لرأيه في مثل عدتهم من ربيعة، فسار كل واحد منهما إلى صاحبه، فلما تقارب العسكران وجه سعيد بْن بهدل الخيبري- وهو أحد قواده، وهو الذي هزم مروان- في نحو من مائة وخمسين فارسا ليبيته، فانتهى إلى عسكره وهم غارون، وقد أمر كل واحد منهم أن يكون معه ثوب أبيض يجلل به رأسه، ليعرف بعضهم بعضا، فبكروا في عسكرهم فأصابوهم في غرة، فقال الخيبري:

إن يك بسطام فإني الخيبري *** أضرب بالسيف وأحمي عسكري

فقتلوا بسطاما وجميع من معه إلا أربعة عشر، فلحقوا بمروان، فكانوا معه فأثبتهم في روابطه، وولى عليهم رجلا منهم يقال له مقاتل، ويكنى أبا النعثل ثم مضى سعيد بْن بهدل نحو العراق لما بلغه من تشتيت الأمر بها واختلاف أهل الشام، وقتال بعضهم بعضا مع عبد الله بْن عمر والنضر بْن سعيد الحرشي- وكانت اليمانية من أهل الشام مع عبد الله بْن عمر بالحيرة، والمضرية، مع ابن الحرشي بالكوفة، فهم يقتتلون فيما بينهم غدوة وعشية.
قَالَ: فمات سعيد بْن بهدل في وجهه ذلك من طاعون أصابه، واستخلف الضحاك بْن قيس من بعده، وكانت له امرأة تسمى حوماء، فقال الخيبري في ذلك:

سقى الله يا حوماء قبر ابن بهدل *** إذا رحل السارون لم يترحل

قال: واجتمع مع الضحاك نحو من الف ثم توجه إلى الكوفة، ومر بأرض الموصل، فاتبعه منها ومن أهل الجزيرة نحو من ثلاثة آلاف، وبالكوفة يومئذ النضر بْن سعيد الحرشي ومعه المضرية، وبالحيرة عبد الله بْن عمر في اليمانية، فهم متعصبون يقتتلون فيما بين الكوفة والحيرة، فلما دنا إليه الضحاك فيمن معه من الكوفة اصطلح ابن عمر والحرشي، فصار أمرهم واحدا، ويدا على قتال الضحاك، وخندقا على الكوفة، ومعهما يومئذ من أهل الشام نحو من ثلاثين ألفا، لهم قوة وعدة، ومعهم قائد من أهل قنسرين، يقال له عباد بْن الغزيل في ألف فارس، قد كان مروان أمد به ابن الحرشي، فبرزوا لهم، فقاتلوهم، فقتل يومئذ عاصم بْن عمر بْن عبد العزيز وجعفر بْن عباس الكندي، وهزموهم أقبح هزيمة، ولحق عبد الله بْن عمر في جماعتهم بواسط، وتوجه ابن الحرشي – وهو النضر – وجماعه المضرية واسماعيل ابن عبد الله القسري إلى مروان، فاستولى الضحاك والجزرية على الكوفة وأرضها، وجبوا السواد ثم استخلف الضحاك رجلا من أصحابه- يقال له ملحان- على الكوفة في مائتي فارس، ومضى في عظم اصحابه الى عبد الله ابن عمر بواسط، فحاصره بها، وكان معه قائد من قواد أهل قنسرين يقال له عطية الثعلبى – وكان من الأشداء – فلما تخوف محاصرة الضحاك خرج في سبعين أو ثمانين من قومه متوجها إلى مروان، فخرج على القادسية، فبلغ ملحانا ممره، فخرج في أصحابه مبادرا يريده، فلقيه على قنطرة السيلحين- وملحان قد تسرع في نحو من ثلاثين فارسا- فقاتله فقتله عطية وناسا من أصحابه، وانهزم بقيتهم حتى دخلوا الكوفة، ومضى عطية حتى لحق فيمن معه مروان.
وأما أبو عبيدة معمر بْن المثنى، فإنه قَالَ: حدثني أبو سعيد، قَالَ:
لما مات سعيد بْن بهدل المري، وبايعت الشراه للضحاك، اقام بشهر زور وثابت إليه الصفرية من كل وجه حتى صار في أربعة آلاف، فلم يجتمع مثلهم لخارجي قط قبله قَالَ: وهلك يزيد بْن الوليد وعامله على العراق عبد الله بْن عمر، فانحط مروان من أرمينية حتى نزل الجزيرة، وولي العراق النضر بْن سعيد- وكان من قواد ابن عمر- فشخص إلى الكوفة، ونزل ابن عمر الحيرة، فاجتمعت المضرية إلى النضر واليمانية إلى ابن عمر، فحاربه أربعة أشهر، ثم أمد مروان النضر بابن الغزيل، فأقبل الضحاك نحو الكوفة وذلك في سنة سبع وعشرين ومائة، فأرسل ابن عمر إلى النضر: هذا لا يريد غيري وغيرك، فهلم نجتمع عليه فتعاقدا عليه، وأقبل ابن عمر، فنزل تل الفتح وأقبل الضحاك ليعبر الفرات، فأرسل إليه ابن عمر حمزة بْن الأصبغ بْن ذؤالة الكلبي ليمنعه من العبور، فقال عبيد الله بْن العباس الكندي: دعه يعبر إلينا، فهو أهون علينا من طلبه فأرسل ابن عمر إلى حمزة يكفه عن ذلك، فنزل ابن عمر الكوفة، وكان يصلي في مسجد الأمير بأصحابه، والنضر بْن سعيد في ناحية الكوفة يصلي بأصحابه، لا يجامع ابن عمر ولا يصلي معه، غير أنهما قد تكافا واجتمعا على قتال الضحاك، وأقبل الضحاك حين رجع حمزة حتى عبر الفرات، ونزل النخيلة يوم الأربعاء في رجب سنة سبع وعشرين ومائة، فخف إليهم أهل الشام من أصحاب ابن عمر والنضر، قبل أن ينزلوا، فأصابوا منهم أربعة عشر فارسا وثلاث عشرة امرأة ثم نزل الضحاك وضرب عسكره، وعبى أصحابه، وأراح، ثم تغادوا يوم الخميس، فاقتتلوا قتالا شديدا، فكشفوا ابن عمر وأصحابه، وقتلوا أخاه عاصما، قتله البرذون بْن مرزوق الشيباني، فدفنه بنو الأشعث بْن قيس في دارهم، وقتلوا جعفر بْن العباس الكندي أخا عبيد الله، وكان جعفر على شرطة عبد الله بْن عمر، وكان الذي قتل جعفرا عبد الملك بْن علقمة بْن عبد القيس، وكان جعفر حين رهقه عبد الملك نادى ابن عم له يقال له شاشلة، فكر عليه شاشلة، وضربه رجل من الصفرية، ففلق وجهه.
قَالَ أبو سعيد: فرأيته بعد ذلك كأن له وجهين، وأكب عبد الملك على جعفر فذبحه ذبحا، فقالت أم البرذون الصفرية:

نحن قتلنا عاصما وجعفرا *** والفارس الضبي حين أصحرا

ونحن جئنا الخندق المقعرا.
فانهزم أصحاب ابن عمر، وأقبل الخوارج، فوقفوا على خندقنا إلى الليل ثم انصرفوا، ثم تغادينا يوم الجمعه، فو الله ما تتاممنا حتى هزمونا، فدخلنا خنادقنا، وأصبحنا يوم السبت، فإذا الناس يتسللون ويهربون إلى واسط، ورأوا قوما لم يروا مثلهم قط أشد بأسا، كأنهم الأسد عند أشبالها، فذهب ابن عمر ينظر أصحابه، فإذا عامتهم قد هربوا تحت الليل، ولحق عظمهم بواسط، فكان ممن لحق بواسط النضر بْن سعيد وإسماعيل بن عبد الله ومنصور ابن جمهور والأصبغ بْن ذؤالة وابناه: حمزة وذؤالة، والوليد بْن حسان الغساني وجميع الوجوه، وبقي ابن عمر فيمن بقي من أصحابه مقيما لم يبرح.
ويقال: إن عبد الله بْن عمر لما ولي العراق ولي الكوفة عبيد الله بْن العباس الكندي وعلى شرطه عمر بْن الغضبان بْن القبعثري، فلم يزالا على ذلك حتى مات يزيد بْن الوليد، وقام إبراهيم بْن الوليد، فأقر ابن عمر على العراق، فولى ابن عمر أخاه عاصما على الكوفة، وأقر ابن الغضبان على شرطه، فلم يزالوا على ذلك حتى خرج عبد الله بْن معاوية فاتهم عمر بْن الغضبان، فلما انقضى أمر عبد الله بْن معاوية ولى عبد الله بْن عمر عمر بْن عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بن الخطاب الكوفة، وعلى شرطه الحكم بْن عتيبة الأسدي من أهل الشام، ثم عزل عمر بن عبد الحميد عن الكوفه، ثم عزل عمر بن الغضبان عن شرطه وولى الوليد بْن حسان الغساني، ثم ولى إسماعيل بْن عبد الله القسري وعلى شرطه أبان بْن الوليد، ثم عزل إسماعيل وولى عبد الصمد بْن أبان بْن النعمان بْن بشير الأنصاري، ثم عزل فولى عاصم بْن عمر، فقدم عليه الضحاك بْن قيس الشيباني.
ويقال: إنما قدم الضحاك وإسماعيل بْن عبد الله القسري في القصر وعبد الله بْن عمر بالحيرة وابن الحرشي بدير هند، فغلب الضحاك على الكوفة، وولى ملحان بْن معروف الشيباني عليها، وعلى شرطه الصفر من بني حنظلة- حروري- فخرج ابن الحرشي يريد الشام، فعارضه ملحان، فقتله ابن الحرشي فولى الضحاك على الكوفه حسان فولى حسان ابنه الحارث على شرطه.
وقال عبد الله بْن عمر يرثي أخاه عاصما لما قتله الخوارج:

رمى غرضي ريب الزمان فلم يدع *** غداة رمى للقوس في الكف منزعا
رمى غرضي الأقصى فأقصد عاصما *** أخا كان لي حرزا ومأوى ومفزعا
فإن تك أحزان وفائض عبرة *** أذابت عبيطا من دم الجوف منقعا
تجرعتها في عاصم واحتسيتها *** فأعظم منها ما احتسى وتجرعا
فليت المنايا كن خلفن عاصما *** فعشنا جميعا أو ذهبن بنا معا

وذكر أن عبد الله بْن عمر يقول: بلغني أن عين بْن عين بْن عين بْن عين يقتل ميم بْن ميم بْن ميم بْن ميم، وكان يأمل أن يقتله، فقتله عبد الله بن على ابن عبد الله بْن عباس بْن عبد المطلب، فذكر أن أصحاب ابن عمر لما انهزموا فلحقوا بواسط، قَالَ لابن عمر أصحابه: علام تقيم وقد هرب الناس! قَالَ:
أتلوم وأنظر، فأقام يوما أو يومين لا يرى إلا هاربا، وقد امتلأت قلوبهم رعبا من الخوارج، فأمر عند ذلك بالرحيل إلى واسط، وجمع خالد بْن الغزيل أصحابه، فلحق بمروان وهو مقيم بالجزيرة، ونظر عبيد الله بْن العباس الكندي إلى ما لقي الناس، فلم يأمن على نفسه، فجنح إلى الضحاك فبايعه، وكان معه في عسكره، فقال أبو عطاء السندي يعيره باتباعه الضحاك، وقد قتل أخاه:

قل لعبيد الله لو كان جعفر *** هو الحي لم يجنح وأنت قتيل
ولم يتبع المراق والثأر فيهم *** وفي كفه عضب الذباب صقيل
إلى معشر أردوا أخاك وأكفروا *** أباك، فماذا بعد ذاك تقول!

– فلما بلغ عبيد الله بْن العباس هذا البيت من قول ابى عطاء، قَالَ أقول:
أعضك الله ببظر أمك-

فلا وصلتك الرحم من ذي قرابة *** وطالب وتر، والذليل ذليل
تركت أخا شيبان يسلب بزه *** ونجاك خوار العنان مطول

قَالَ: فنزل ابن عمر منزل الحجاج بْن يوسف بواسط- فيما قيل- في اليمانية ونزل النضر وأخوه سليمان ابنا سعيد وحنظلة بْن نباتة وابناه محمد ونباتة في المضرية ذات اليمين إذا صعدت من البصرة، وخلوا الكوفة والحيرة للضحاك والشراة، وصارت في أيديهم، وعادت الحرب بين عبد الله بن عمر والنضر ابن سعيد الحرشي إلى ما كان عليه قبل قدوم الضحاك يطلب النضر أن يسلم إليه عبد الله بْن عمر ولاية العراق بكتاب مروان، وياتى عبد الله بْن عمر واليمانية مع ابن عمر والنزارية مع النضر، وذلك أن جند أهل اليمن كانوا مع يزيد الناقص تعصبا على الوليد حيث أسلم خالد بْن عبد الله القسري إلى يوسف بْن عمر حتى قتله، وكانت القيسية مع مروان، لأنه طلب بدم الوليد- وأخوال الوليد من قيس، ثم من ثقيف، أمه زينب بنت محمد بْن يوسف ابنة أخي الحجاج- فعادت الحرب بين ابن عمر والنضر، ودخل الضحاك الكوفة فأقام بها، واستعمل عليها ملحان الشيباني في شعبان سنة سبع وعشرين ومائة، فأقبل منقضا في الشراة إلى واسط، متبعا لابن عمر والنضر، فنزل باب المضمار.
فلما رأى ذلك ابن عمر والنضر نكلا عن الحرب فيما بينهما، وصارت كلمتهما عليه واحدة، كما كانت بالكوفة، فجعل النضر وقواده يعبرون الجسر، فيقاتلون الضحاك وأصحابه مع ابن عمر ثم يعودون إلى مواضعهم، ولا يقيمون مع ابن عمر، فلم يزالوا على ذلك: شعبان وشهر رمضان وشوال، فاقتتلوا يوما من تلك الايام، فاشتد قتالهم، فشد منصور بْن جمهور على قائد من قواد الضحاك، كان عظيم القدر في الشراة، يقال له عكرمة بْن شيبان، فضربه على باب القورج، فقطعه باثنين فقتله وبعث الضحاك قائدا من قواده يدعى شوالا من بني شيبان إلى باب الزاب، فقال: اضرمه عليهم نارا، فقد طال الحصار علينا، فانطلق شوال ومعه الخيبري، أحد بني شيبان في خيلهم، فلقيهم عبد الملك بْن علقمة، فقال لهم: أين تريدون؟ فقال له شوال: نريد باب الزاب، أمرني أمير المؤمنين بكذا وكذا، فقال: أنا معك، فرجع معه وهو حاسر، لا درع عليه، وكان من قواد الضحاك أيضا وكان أشد الناس، فانتهوا إلى الباب فأضرموه، فأخرج لهم عبد الله بْن عمر منصور بن جمهور في ستمائه فارس من كلب، فقاتلوهم أشد القتال، وجعل عبد الملك بْن علقمة يشد عليهم وهو حاسر، فقتل منهم عدة، فنظر إليه منصور بْن جمهور، فغاظه صنيعه، فشد عليه فضربه على حبل عاتقه فقطعه حتى بلغ حرقفته، فخر ميتا، وأقبلت امرأة من الخوارج شادة، حتى أخذت بلجام منصور بْن جمهور، فقالت: يا فاسق، أجب أمير المؤمنين، فضرب يدها- ويقال: ضرب عنان دابته فقطعه في يدها- ونجا.
فدخل المدينة الخيبري يريد منصورا، فاعترض عليه ابن عم له من كلب، فضربه الخيبرى فقتله فقال حبيب بن خدره مولى بنى هلال- وكان يزعم أنه من أبناء ملوك فارس- يرثي عبد الملك بْن علقمة:

وقائلة ودمع العين يجرى *** على روح ابن علقمة السلام
أأدركك الحمام وأنت سار *** وكل فتى لمصرعه حمام
فلا رعش البدين ولا هدان *** ولا وكل اللقاء ولا كهام
وما قتل على شار بعار *** ولكن يقتلون وهم كرام
طغام الناس ليس لهم سبيل *** شجاني يا بن علقمة الطغام

فكان حدهم وبأسهم عليه، وأقمت أنت مستريحا بموضعك هذا، فإن ظفروا بها كان ما أردت وكنت عندهم آمنا، وإن ظفر بهم واردت خلافه وقتاله قاتلته جاما مستريحا، مع أن أمره وأمرهم سيطول، ويوسعونه شرا.
فقال ابن عمر: لا تعجل حتى نتلوم وننظر، فقال: أي شيء ننتظر! فما تستطيع أن تطلع معهم ولا تستقر، وإن خرجنا لم نقم لهم، فما انتظارنا بهم ومروان في راحة، وقد كفيناه حدهم وشغلناهم عنه! أما أنا فخارج لاحق بهم فخرج فوقف حيال صفهم وناداهم: إني جانح أريد أن أسلم وأسمع كلام الله- قَالَ: وهي محنتهم- فلحق بهم فبايعهم، وقال: قد أسلمت، فدعوا له بغداء فتغدى، ثم قَالَ لهم: من الفارس الذي أخذ بعناني يوم الزاب؟ يعني يوم ابن علقمة- فنادوا يا أم العنبر، فخرجت إليهم، فإذا أجمل الناس، فقالت له: أنت منصور؟ قَالَ: نعم، قالت:
قبح الله سيفك، اين ما تذكر منه! فو الله ما صنع شيئا، ولا ترك- تعني ألا يكون قتلها حين أخذت بعنانه فدخلت الجنة- وكان منصور لا يعلم يومئذ أنها امرأة، فقال: يا أمير المؤمنين، زوجنيها، قَالَ: إن لها زوجا- وكانت تحت عبيدة بْن سوار التغلبي- قَالَ: ثم إن عبد الله بْن عمر خرج إليهم في آخر شوال فبايعه.

خبر خروج سليمان بن هشام على مروان بن محمد
وفي هذه السنة- أعني سنة سبع وعشرين ومائه- خلع سليمان بن هشام ابن عبد الملك بْن مروان مروان بْن محمد ونصب الحرب.
ذكر الخبر عن سبب ذلك وما جرى بينهما:
حدثني أحمد بْن زهير، قَالَ: حدثني عبد الوهاب بْن إبراهيم، قَالَ: حدثني أبو هاشم مخلد بْن محمد بْن صالح، قَالَ: لما شخص مروان من الرصافة إلى الرقة لتوجيه ابن هبيرة إلى العراق لمحاربة الضحاك بْن قيس الشيباني استأذنه سليمان بْن هشام في مقام أيام، لإجمام ظهره وإصلاح امره، فاذن له ومضى مروان، فأقبل نحو من عشرة آلاف ممن كان مروان قطع عليه البعث بدير أيوب لغزو العراق مع قوادهم، حتى جاءوا الرصافة، فدعوا سليمان إلى خلع مروان ومحاربته، وقالوا: أنت أرضى منه عند أهل الشام وأولى بالخلافة، فاستزله الشيطان، فأجابهم، وخرج اليهم باخوته وولده ومواليه، فعسكر بهم وسار بجمعهم إلى قنسرين، فكاتب أهل الشام فانقضوا إليه من كل وجه وجند، وأقبل مروان بعد أن شارف قرقيسيا منصرفا إليه، وكتب إلى ابن هبيرة يأمره بالثبوت في عسكره من دورين حتى نزل معسكره بواسط، واجتمع من كان بالهني من موالي سليمان وولد هشام، فدخلوا حصن الكامل بذراريهم فتحصنوا فيه، وأغلقوا الأبواب دونه، فأرسل إليهم: ماذا صنعتم؟ خلعتم طاعتي ونقضتم بيعتي بعد ما أعطيتموني من العهود والمواثيق! فردوا علي رسله: إنا مع سليمان على من خالفه فرد إليهم:
إني أحذركم وأنذركم أن تعرضوا لأحد ممن تبعني من جندي أو يناله منكم أذى، فتحلوا بأنفسكم، ولا أمان لكم عندي فأرسلوا إليه: إنا سنكف.
ومضى مروان، فجعلوا يخرجون من حصنهم، فيغيرون على من اتبعه من أخريات الناس وشذان الجند، فيسلبونهم خيولهم وسلاحهم وبلغه ذلك، فتحرق عليهم غيظا واجتمع إلى سليمان نحو من سبعين ألفا من أهل الشام والذكوانية وغيرهم، وعسكر في قرية لبني زفر يقال لها خساف من قنسرين من أرضها فلما دنا منه مروان قدم السكسكي في نحو سبعة آلاف، ووجه مروان عيسى بْن مسلم في نحو من عدتهم، فالتقوا فيما بين العسكرين، فاقتتلوا قتالا شديدا، والتقى السكسكي وعيسى، وكل واحد منهما فارس بطل، فاطعنا حتى تقصفت رماحهما، ثم صارا إلى السيوف، فضرب السكسكي مقدم فرس صاحبه، فسقط لجامه في صدره، وجال به فرسه، فاعترضه السكسكي، فضربه بالعمود فصرعه، ثم نزل إليه فأسره، وبارز فارسا من فرسان أنطاكية، يقال له سلساق قائد الصقالبة فأسره، وانهزمت مقدمه مروان وبلغه الخبر وهو في مسيره، فمضى وطوى على تعبئة، ولم ينزل حتى انتهى الى سليمان، وقد تعبا له، وتهيأ لقتاله، فلم يناظره حتى واقعه، فانهزم سليمان ومن معه، واتبعتهم خيوله تقتلهم وتأسرهم، وانتهوا إلى عسكرهم فاستباحوه، ووقف مروان موقفا، وأمر ابنيه فوقفا موقفين، ووقف كوثر صاحب شرطته في موضع، ثم أمرهم ألا يأتوا بأسير إلا قتلوه إلا عبدا مملوكا، فأحصى من قتلاهم يومئذ نيف على ثلاثين ألفا.
قَالَ: وقتل إبراهيم بْن سليمان أكبر ولده، وأتي بخال لهشام بْن عبد الملك يقال له خالد بْن هشام المخزومي- وكان بادنا كثير اللحم- فأدني إليه وهو يلهث، فقال له: يا فاسق، أما كان لك في خمر المدينة وقيانها ما يكفك عن الخروج مع الخراء تقاتلني! قَالَ: يا أمير المؤمنين، أكرهني، فأنشدك الله والرحم! قَالَ: وتكذب أيضا! كيف أكرهك وقد خرجت بالقيان والزقاق والبرابط معك في عسكره! فقتله قَالَ: وادعى كثير من الأسراء من الجند أنهم رقيق، فكف عن قتلهم، وأمر ببيعهم فيمن يزيد مع ما بيع مما أصيب في عسكرهم.
قَالَ: ومضى سليمان مفلولا حتى انتهى إلى حمص، فانضم إليه من أفلت ممن كان معه، فعسكر بها، وبنى ما كان مروان أمر بهدمه من حيطانها، ووجه مروان يوم هزمه قوادا وروابط في جريدة خيل، وتقدم إليهم أن يسبقوا كل خبر، حتى يأتوا الكامل، فيحدقوا بها الى ان يأتيهم، حنقا عليهم، فأتوهم فنزلوا عليهم، وأقبل مروان نحوهم حتى نزل معسكره من واسط، فأرسل إليهم أن انزلوا على حكمي، فقالوا: لا حتى تؤمننا بأجمعنا، فدلف إليهم، ونصب عليهم المجانيق، فلما تتابعت الحجارة عليهم نزلوا على حكمه، فمثل بهم واحتملهم أهل الرقة فآووهم، وداووا جراحاتهم، وهلك بعضهم وبقي أكثرهم، وكانت عدتهم جميعا نحوا من ثلاثمائه ثم شخص إلى سليمان ومن تجمع معه بحمص، فلما دنا منهم اجتمعوا، فقال بعضهم لبعض: حتى متى ننهزم من مروان! هلموا فلنتبايع على الموت ولا نفترق بعد معاينته حتى نموت جميعا فمضى على ذلك من فرسانهم من قد وطن نفسه على الموت نحو من تسعمائة، وولى سليمان على شطرهم معاوية السكسكي، وعلى الشطر الثانى ثبيتا البهراني فتوجهوا إليه مجتمعين، على أن يبيتوه إن أصابوا منه غرة، وبلغه خبرهم وما كان منهم، فتحرز وزحف إليهم في الخنادق على احتراس وتعبئة، فراموا تبييته فلم يقدروا، فتهيئوا له وكمنوا في زيتون ظهر على طريقه، في قرية تسمى تل منس من جبل السماق، فخرجوا عليه وهو يسير على تعبئة، فوضعوا السلاح فيمن معه، وانتبذ لهم، ونادى خيوله فثابت إليه من المقدمة والمجنبتين والساقة، فقاتلوهم من لدن ارتفاع النهار إلى بعد العصر، والتقى السكسكي وفارس من فرسان بني سليم، فاضطربا، فصرعه السلمي عن فرسه، ونزل إليه، وأعانه رجل من بني تميم، فأتياه به أسيرا وهو واقف، فقال: الحمد لله الذي أمكن منك فطالما بلغت منا! فقال: استبقني فإني فارس العرب، قَالَ: كذبت، الذي جاء بك أفرس منك، فأمر به فأوثق، وقتل ممن صبر معه نحو من ستة آلاف.
قَالَ: وأفلت ثبيت ومن انهزم معه، فلما أتوا سليمان خلف أخاه سعيد ابن هشام في مدينة حمص، وعرف أنه لا طاقة له به، ومضى هو إلى تدمر، فأقام بها، ونزل مروان على حمص، فحاصرهم بها عشرة أشهر.
ونصب عليها نيفا وثمانين منجنيقا، فطرح عليهم حجارتها بالليل والنهار وهم في ذلك يخرجون إليه كل يوم فيقاتلونه، وربما بيتوا نواحي عسكره، وأغاروا على الموضع الذى يطمعون في اصابه العورة والفرضه منه.
فلما تتابع عليهم البلاء، ولزمهم الذل سألوه أن يؤمنهم على أن يمكنوه من سعيد بْن هشام وابنيه عثمان ومروان ومن رجل كان يسمى السكسكي، كان يغير على عسكرهم، ومن حبشي كان يشتمه ويفتري عليه، فأجابهم إلى ذلك وقبله وكانت قصة الحبشي انه كان يشرف من الحائط ويربط في ذكره ذكر حمار، ثم يقول: يا بني سليم، يا أولاد كذا وكذا، هذا لواؤكم!
وكان يشتم مروان، فلما ظفر به دفعه إلى بني سليم، فقطعوا مذاكيره وأنفه، ومثلوا به، وأمر بقتل المتسمي السكسكي والاستيثاق من سعيد وابنيه، وأقبل متوجها إلى الضحاك.
وأما غير أبي هاشم مخلد بْن محمد، فإنه ذكر من أمر سليمان بْن هشام بعد انهزامه من وقعة خساف غير ما ذكره مخلد، والذي ذكره من ذلك أن سليمان بْن هشام بْن عبد الملك حين هزمه مروان يوم خساف أقبل هاربا، حتى صار إلى عبد الله بْن عمر، فخرج مع عبد الله بْن عمر إلى الضحاك، فبايعه، وأخبر عن مروان بفسق وجور وحضض عليه، وقال: أنا سائر معكم في موالي ومن اتبعني، فسار مع الضحاك حين سار إلى مروان، فقال شبيل ابن عزرة الضبعي في بيعتهم الضحاك:

ألم تر أن الله أظهر دينه *** فصلت قريش خلف بكر بْن وائل

فصارت كلمة ابن عمر وأصحابه واحدة على النضر بْن سعيد، فعلم أنه لا طاقة له بهم، فارتحل من ساعته يريد مروان بالشام.
وذكر أبو عبيدة أن بيهسا أخبره: لما دخل ذو القعدة سنة سبع وعشرين ومائة، استقام لمروان الشام ونفى عنها من كان يخالفه، فدعا يزيد بن عمر ابن هبيرة، فوجهه عاملا على العراق، وضم إليه اجناد الجزيرة، فاقبل حتى نزل سعيد بْن عبد الملك، وأرسل ابن عمر إلى الضحاك يعلمه ذلك قَالَ: فجعل الضحاك لنا ميسان وقال: إنها تكفيكم حتى ننظر عما تنجلي واستعمل ابن عمر عليها مولاه الحكم بْن النعمان.
فأما أبو مخنف فإنه قَالَ- فيما ذكر عنه هشام: إن عبد الله بْن عمر صالح الضحاك على أن بيد الضحاك ما كان غلب عليه من الكوفة وسوادها، وبيد ابن عمر ما كان بيده من كسكر وميسان ودستميسان وكور دجلة والأهواز وفارس، فارتحل الضحاك حتى لقي مروان بكفرتوثا من ارض الجزيرة.
وقال أبو عبيدة: تهيأ الضحاك ليسير إلى مروان، ومضى النضر يريد الشام، فنزل القادسية، وبلغ ذلك ملحان الشيباني عامل الضحاك على الكوفة، فخرج إليه فقاتله وهو في قلة من الشراة، فقاتله فصبر حتى قتله النضر وقال ابن خدره يرثيه وعبد الملك بْن علقمة:

كائن كملحان من شار أخي ثقة *** وابن علقمة المستشهد الشاري
من صادق كنت أصفيه مخالصتي *** فباع داري بأعلى صفقة الدار
إخوان صدق أرجيهم وأخذلهم *** أشكو إلى الله خذلاني وإخفاري

وبلغ الضحاك قتل ملحان، فاستعمل على الكوفة المثنى بْن عمران من بني عائدة، ثم سار الضحاك في ذي القعدة، فأخذ الموصل، وانحط ابن هبيرة من نهر سعيد حتى نزل غزة من عين التمر، وبلغ ذلك المثنى بْن عمران العائذي، عامل الضحاك على الكوفة، فسار إليه فيمن معه من الشراة، ومعه منصور بْن جمهور، وكان صار إليه حين بايع الضحاك خلافا على مروان، فالتقوا بغزة، فاقتتلوا قتالا شديدا أياما متوالية، فقتل المثنى وعزيز وعمرو- وكانوا من رؤساء أصحاب الضحاك- وهرب منصور، وانهزمت الخوارج، فقال مسلم حاجب يزيد:

ارت للمثنى يوم غزه حتفه *** واذرت عزيز بين تلك الجنادل
وعمرا أزارته المنية بعد ما *** أطافت بمنصور كفات الحبائل

وقال غيلان بْن حريث في مدحه ابن هبيرة:

نصرت يوم العين إذ لقيتا *** كنصر داود على جالوتا

فلما قتل منهم من قتل في يوم العين، وهرب منصور بْن جمهور، أقبل لا يلوي حتى دخل الكوفة، فجمع بها جمعا من اليمانية والصفرية ومن كان تفرق منهم يوم قتل ملحان ومن تخلف منهم عن الضحاك، فجمعهم منصور جميعا، ثم سار بهم حتى نزل الروحاء، وأقبل ابن هبيرة في أجناده حتى لقيهم، فقاتلهم أياما ثم هزمهم، وقتل البرذون بْن مرزوق الشيباني، وهرب منصور ففي ذلك يقول غيلان بْن حريث:

ويوم روحاء العذيب دففوا *** على ابن مرزوق سمام مزعف

قَالَ: وأقبل ابن هبيرة حتى نزل الكوفة ونفى عنها الخوارج، وبلغ الضحاك ما لقي أصحابه، فدعا عبيدة بْن سوار التغلبي، فوجهه إليهم، وانحط ابن هبيرة يريد واسطا وعبد الله بْن عمر بها، وولى على الكوفة عبد الرحمن بْن بشير العجلي، وأقبل عبيدة بْن سوار مغذا في فرسان أصحابه، حتى نزل الصراة، ولحق به منصور بْن جمهور، وبلغ ذلك ابن هبيرة فسار إليهم فالتقوا بالصراة في سنة سبع وعشرين ومائة.
وفي هذه السنة توجه سليمان بْن كثير ولاهز بْن قريظة وقحطبة بْن شبيب- فيما ذكر- إلى مكة، فلقوا إبراهيم بْن محمد الإمام بها، وأعلموه أن معهم عشرين ألف دينار ومائتي ألف درهم ومسكا ومتاعا كثيرا، فأمرهم بدفع ذلك إلى ابن عروة مولى محمد بْن علي، وكانوا قدموا معهم بأبي مسلم ذلك العام، فقال ابن كثير لإبراهيم بْن محمد: إن هذا مولاك.
وفيها كتب بكير بْن ماهان إلى إبراهيم بْن محمد يخبره أنه في أول يوم من أيام الآخرة، وآخر يوم من أيام الدنيا، وأنه قد استخلف حفص بن سليمان، وهو رضا للأمر، وكتب إبراهيم إلى أبي سلمة يأمره بالقيام بأمر أصحابه، وكتب إلى أهل خراسان يخبرهم أنه قد أسند أمرهم إليه، ومضى أبو سلمة إلى خراسان فصدقوه، وقبلوا أمره، ودفعوا إليه ما اجتمع قبلهم من نفقات الشيعة وخمس أموالهم وحج بالناس في هذه السنة عبد العزيز بْن عمر بْن عبد العزيز، وهو عامل مروان على المدينة ومكة والطائف، حَدَّثَنِي بذلك أحمد بْن ثابت الرازي، عمن ذكره، عن إِسْحَاق بْن عِيسَى، عن أبي معشر وكذلك قال الواقدي وغيره.
وكان العامل على العراق النضر بْن الحرشي، وكان من امره وامر عبد الله ابن عمر والضحاك الحروري ما قد ذكرت قبل وكان بخراسان نصر بْن سيار وبها من ينازعه فيها كالكرماني والحارث بْن سريج.