173 هـ
789 م
سنة ثلاث وسبعين ومائة (ذكر الخبر عما كَانَ فِيهَا من الأحداث)

ذكر خبر وفاه محمد بن سليمان، فمن ذلك وفاة محمد بْن سليمان بالبصرة، لليال بقين من جمادى الآخرة منها. وذكر أنه لما مات محمد بْن سليمان …

وجه الرشيد إلى كل ما خلفه رجلا أمره باصطفائه، فأرسل إلى ما خلف من الصامت من قبل صاحب بيت ماله رجلا، وإلى الكسوة بمثل ذلك، وإلى الفرش والرقيق والدواب من الخيل والإبل، وإلى الطيب والجوهر وكل آلة برجل من قبل الذي يتولى كل صنف من الأصناف، فقدموا البصرة، فأخذوا جميع ما كان لمحمد مما يصلح للخلافة، ولم يتركوا شيئا إلا الخرثي الذي لا يصلح للخلفاء، وأصابوا له ستين ألف ألف، فحملوها مع ما حمل، فلما صارت في السفن أخبر الرشيد بمكان السفن التي حملت ذلك، فأمر أن يدخل جميع ذلك خزائنه إلا المال، فإنه أمر بصكاك فكتبت للندماء، وكتبت للمغنين صكاك صغار لم تدر في الديوان، ثم دفع إلى كل رجل صكا بما رأى أن يهب له، فأرسلوا وكلاءهم إلى السفن، فأخذوا المال على ما أمر لهم به في الصكاك أجمع، لم يدخل منه بيت ماله دينار ولا درهم، واصطفى ضياعه، وفيها ضيعة يقال لها برشيد بالأهواز لها غلة كثيرة.
وذكر علي بْن محمد، عن أبيه، قَالَ: لما مات محمد بْن سليمان اصيب في خزانه لباسه مذ كان صبيا في الكتاب إلى أن مات مقادير السنين، فكان من ذلك ما عليه آثار النقس، قَالَ: وأخرج من خزانته ما كان يهدى له من بلاد السند ومكران وكرمان وفارس والأهواز واليمامة والري وعمان، من الالطاف والادهان والسمك والحبوب والجبن، وما أشبه ذلك، ووجد اكثره فاسدا وكان من ذلك خمسمائة كنعدة ألقيت من دار جعفر ومحمد في الطريق، فكانت بلاء قَالَ: فمكثنا حينا لا نستطيع أن نمر بالمربد من نتنها.

ذكر وفاه الخيزران أم الهادي والرشيد
وفيها توفيت الخيزران أم هارون الرشيد وموسى الهادي.

ذكر الخبر عن وقت وفاتها:
ذكر يحيى بْن الحسن أن أباه حدثه، قَالَ: رأيت الرشيد يوم ماتت الخيزران، وذلك في سنة ثلاث وسبعين ومائة، وعليه جبة سعيديه وطيلسان خرق أزرق، قد شد به وسطه، وهو آخذ بقائمة السرير حافيا يعدو في الطين، حتى أتى مقابر قريش فغسل رجليه، ثم دعا بخف وصلى عليها، ودخل قبرها، فلما خرج من المقبرة وضع له كرسي فجلس عليه، ودعا الفضل بْن الربيع، فقال له: وحق المهدي- وكان لا يحلف بها إلا إذا اجتهد- إني لأهم لك من الليل بالشيء من التولية وغيرها، فتمنعني أمي فأطيع أمرها، فخذ الخاتم من جعفر فقال الفضل بْن الربيع لإسماعيل بْن صبيح: أنا أجل أبا الفضل عن ذلك، بأن أكتب إليه وآخذه، ولكن إن رأى أن يبعث به! قَالَ وولى الفضل نفقات العامة والخاصة وبادوريا والكوفة، وهي خمسة طساسيج، فأقبلت حالة تنمى إلى سنة سبع وثمانين ومائة.
وقيل إن وفاة محمد بْن سليمان والخيزران كانت في يوم واحد.
وفيها أقدم الرشيد جعفر بْن محمد بْن الأشعث من خراسان، وولاها ابنه العباس بْن جعفر بْن محمد بْن الأشعث.
وحج بالناس فيها هارون، وذكر أنه خرج محرما من مدينة السلام.