رمضان 53 هـ
أيلول 673 م
سنة ثلاث وخمسين (ذكر مَا كَانَ فِيهَا من الأحداث)

فمما كَانَ فِيهَا من ذلك مشتى عبد الرحمن بن أم الحكم الثقفي بأرض الروم وفيها فتحت رودس، جزيرة فِي البحر، ففتحها جُنَادَة …


بن ابى اميه الأزدي، فنزلها الْمُسْلِمُونَ- فِيمَا ذكر مُحَمَّد بن عُمَرَ- وزرعوا واتخذوا بِهَا أموالا ومواشي يرعونها حولها، فإذا أمسوا أدخلوها الحصن، ولهم ناطور يحذرهم مَا فِي البحر ممن يريدهم بكيد، فكانوا عَلَى حذر مِنْهُمْ، وكانوا أشد شَيْء عَلَى الروم، فيعترضونهم فِي البحر فيقطعون سفنهم، وَكَانَ مُعَاوِيَة يدر لَهُمُ الأرزاق والعطاء، وَكَانَ العدو قَدْ خافهم، فلما مات مُعَاوِيَة أقفلهم يَزِيد بن معاويه.
وفيها كانت وفاه زياد بن سمية، حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ فِيلٍ مَوْلَى زِيَادٍ، قَالَ: مَلَكَ زِيَادٌ الْعِرَاقَ خَمْسَ سِنِينَ، ثُمَّ مَاتَ سَنَةَ ثَلاثٍ وَخَمْسِينَ.
حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: لما نزل زياد عَلَى العراق بقي إِلَى سنة ثلاث وخمسين، ثُمَّ مات بالكوفة فِي شهر رمضان وخليفته عَلَى الْبَصْرَة سمرة بن جندب.

ذكر سبب مهلك زياد بن سمية
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَرْوَزِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَوْذَبٍ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ زِيَادٍ، أَنَّ زِيَادًا كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ: إِنِّي ضَبَطْتُ الْعِرَاقَ بِشِمَالِي، وَيَمِينِي فَارِغَةٌ فَضَمَّ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ الْعَرُوضَ- وَهِيَ الْيَمَامَةُ وَمَا يَلِيهَا- فَدَعَا عَلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ، فَطُعِنَ وَمَاتَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ حِينَ بَلَغَهُ الْخَبَرُ: اذْهَبْ إِلَيْكَ ابْنَ سُمَيَّةَ، فَلا الدُّنْيَا بَقِيَتْ لَكَ، وَلا الآخِرَةَ أَدْرَكْتَ.
حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: كَتَبَ زِيَادٌ إِلَى مُعَاوِيَةَ:
قَدْ ضَبَطْتُ لَكَ الْعِرَاقَ بِشِمَالِي وَيَمِينِي فَارِغَةٌ، فَاشْغَلْهَا بِالْحِجَازِ، وَبَعَثَ فِي ذَلِكَ الْهَيْثَمَ بْنَ الأَسْوَدِ النَّخَعِيَّ، وَكَتَبَ لَهُ عَهْدَهُ مَعَ الْهَيْثَمِ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ أَهْلَ الْحِجَازِ أَتَى نَفَرٌ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: ادْعُوا اللَّهَ عَلَيْهِ يَكْفِيكُمُوهُ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَاسْتَقْبَلُوهَا فَدَعَوْا وَدَعَا، فَخَرَجَتْ طَاعُونَةٌ عَلَى أُصْبُعِهِ، فَأَرْسَلَ إِلَى شُرَيْحٍ- وَكَانَ قَاضِيهِ- فَقَالَ: حَدَثَ بِي مَا تَرَى، وَقَدْ أُمِرْتُ بِقَطْعِهَا، فَأَشِرْ عَلَيَّ، فَقَالَ لَهُ شُرَيْحٌ:
إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَكُونَ الْجِرَاحُ عَلَى يَدِكَ، وَالأَلَمُ عَلَى قَلْبِكَ، وَأَنْ يَكُونَ الأَجَلُ قَدْ دَنَا، فَتَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَجْذَمَ، وَقَدْ قَطَعْتَ يَدَكَ كَرَاهِيَةً لِلِقَائِهِ، أَوْ أَنْ يَكُونَ فِي الأَجَلِ تَأْخِيرٌ وَقَدْ قَطَعْتَ يَدَكَ فَتَعِيشُ أَجْذَمَ وَتُعَيَّرُ وَلَدُكَ.
فَتَرَكَهَا، وَخَرَجَ شُرَيْحٌ فَسَأَلُوهُ، فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا أَشَارَ بِهِ، فَلامُوهُ وَقَالُوا:
هَلا أَشَرْتَ عَلَيْهِ بِقَطْعِهَا! فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ».
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ المروزي، قَالَ: حدثني أبي، قال: حدثني سُلَيْمَان، قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: سَمِعْتُ بَعْضَ مَنْ يُحَدِّثُ أَنَّهُ أَرْسَلَ إِلَى شُرَيْحٍ يَسْتَشِيرُهُ فِي قَطْعِ يَدِهِ، فَقَالَ: لا تَفْعَلْ، إِنَّكَ إِنْ عِشْتَ صِرْتَ أَجْذَمَ، وَإِنْ هَلَكْتَ إِيَّاكَ جَانِيًا عَلَى نَفْسِكَ، قَالَ: أَنَامُ وَالطَّاعُونَ فِي لِحَافٍ! فَعَزَمَ أَنْ يَفْعَلَ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَى النَّارِ وَالْمَكَاوِي جَزِعَ وَتَرَكَ ذَلِكَ.
حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْد الْمَلِكِ بن قريب الأصمعي، قَالَ:
حَدَّثَنِي ابن أبي زياد، قَالَ: لما حضرت زيادا الوفاة قَالَ لَهُ ابنه: يَا أبت، قَدْ هيأت لك ستين ثوبا أكفنك فِيهَا، قَالَ: يَا بني، قَدْ دنا من أبيك لباس خير من لباسه هَذَا، أو سلب سريع، فمات فدفن بالثوية إِلَى جانب الْكُوفَة، وَقَدْ توجه يَزِيد إِلَى الحجاز واليا عَلَيْهَا، فَقَالَ مسكين بن عَامِر بن شريح بن عَمْرو بن عدس بن زَيْد بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دارم:

رأيت زيادة الإِسْلام ولت *** جهارا حين ودعنا زياد

وَقَالَ الفرزدق لمسكين- ولم يكن هجا زيادا حَتَّى مات:

أمسكين أبكى اللَّه عينك إنما *** جرى فِي ضلال دمعها فتحدرا
بكيت امرأ من آل ميسان كافرا *** ككسرى عَلَى عدانه أو كقيصرا
أقول لَهُ لما أتاني نعيه *** بِهِ لا بظبي بالصريمة أعفرا

فأجابه مسكين، فَقَالَ:

أَلا أيها المرء الَّذِي لست ناطقا *** وَلا قاعدا فِي القوم إلا انبرى ليا
فجئني بعم مثل عمي أو أب *** كمثل أبي أو خال صدق كخاليا
كعمرو بن عَمْرو أو زرارة والدا *** أو البشر من كل فرعت الروابيا
وما زال بي مثل القناة وسابح *** وخطارة غب السرى من عياليا
فهذا لأيام الحفاظ وهذه *** لرحلي وهذا عدة لارتحاليا!

وَقَالَ الفرزدق:

أبلغ زيادا إذا لاقيت مصرعه *** أن الحمامة قَدْ طارت من الحرم
طارت فما زال ينميها قوادمها *** حَتَّى استغاثت إِلَى الأنهار والأجم

حَدَّثَنِي عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، عَنْ سُلَيْمَانَ، قَالَ:
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ يَزِيدَ، قَالَ: رَأَيْتُ زِيَادًا فِيهِ حُمْرَةٌ، فِي عَيْنِهِ الْيُمْنَى انْكِسَارٌ، أَبْيَضُ اللِّحْيَةِ مَخْرُوطُهَا، عَلَيْهِ قَمِيصٌ مَرْقُوعٌ، وَهُوَ عَلَى بَغْلَةٍ عَلَيْهَا لِجَامُهَا قَدْ أرسنها ذكر الخبر عن وفاه الربيع بن زياد الحارثى
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ كَانَتْ وَفَاةُ الرَّبِيعِ بْنُ زِيَادٍ الْحَارِثِيُّ، وَهُوَ عَامِلُ زِيَادٍ عَلَى خُرَاسَانَ.

ذكر الخبر عن سبب وفاته:
حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: ولي الربيع بن زياد خُرَاسَان سنتين وأشهرا، ومات فِي العام الَّذِي مات فِيهِ زياد، واستخلف ابنه عَبْد اللَّهِ بن الربيع، فولي شهرين، ثُمَّ مات عَبْد اللَّهِ قَالَ: فقدم عهده من قبل زياد عَلَى خُرَاسَان وَهُوَ يدفن، واستخلف عَبْد اللَّهِ بن الربيع عَلَى خُرَاسَان خليد بن عَبْدِ اللَّهِ الحنفي.
قَالَ علي: وأخبرني مُحَمَّد بن الفضل، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: بلغنى ان الربيع ابن زياد ذكر يَوْمًا بخراسان حجر بن عدي، فَقَالَ: لا تزال العرب تقتل صبرا بعده، ولو نفرت عِنْدَ قتله لم يقتل رجل مِنْهُمْ صبرا، ولكنها أقرت فذلت، فمكث بعد هَذَا الكلام جمعة، ثُمَّ خرج فِي ثياب بياض فِي يوم جمعة، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إني قَدْ مللت الحياة، وإني داع بدعوة فأمنوا ثُمَّ رفع يده بعد الصَّلاة، وَقَالَ: اللهم إن كان لي عندك خير فاقبضني إليك عاجلا وأمن الناس فخرج، فما توارت ثيابه حَتَّى سقط فحمل إِلَى بيته، واستخلف ابنه عَبْد اللَّهِ، ومات من يومه، ثُمَّ مات ابنه، فاستخلف خليد بن عَبْدِ اللَّهِ الحنفي، فأقره زياد، فمات زياد وخليد عَلَى خُرَاسَان، وهلك زياد وَقَدِ استخلف عَلَى عمله عَلَى الْكُوفَة عَبْد اللَّهِ بن خَالِد بن أسيد، وعلى الْبَصْرَة سمرة بن جندب الفزاري.
فحدثني عمر بن شبة، قال: حدثني علي، قَالَ: مات زياد وعلى الْبَصْرَة سمرة بن جندب خليفة لَهُ، وعلى الْكُوفَة عَبْد اللَّهِ بن خَالِد بن أسيد، فأقر سمرة عَلَى الْبَصْرَة ثمانية عشر شهرا.
قَالَ عمر: وبلغني عن جَعْفَر بن سُلَيْمَانَ الضبعي، قَالَ: أقر مُعَاوِيَة سمرة بعد زياد ستة أشهر، ثُمَّ عزله، فَقَالَ سمرة: لعن اللَّه مُعَاوِيَة! وَاللَّهِ لو أطعت اللَّه كما أطعت مُعَاوِيَة مَا عذبني ابدا حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قال: حدثنى سليمان ابن مُسْلِمٍ الْعِجْلِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: مَرَرْتُ بِالْمَسْجِدِ، فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى سَمُرَةَ فَأَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ فَجَعَلَ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَضَرَبَ عُنُقَهُ، فَإِذَا رَأْسُهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَبَدَنُهُ نَاحِيَةً، فَمَرَّ أَبُو بَكْرَةَ، فَقَالَ: يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ * وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ} [الأعلى:13-14] ، قَالَ أَبِي: فَشَهِدْتُ ذَاكَ، فَمَا مَاتَ سَمُرَةُ حَتَّى أَخَذَهُ الزَّمْهَرِيرُ، فَمَاتَ شَرَّ مِيتَةٍ، قَالَ: وَشَهِدْتُهُ وَأُتِيَ بِنَاسٍ كَثِيرٍ وَأُنَاسٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيَقُولُ لِلرَّجُلِ:
مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنِّي بَرِيءٌ مِنَ الْحَرُورِيَّةِ، فَيَقْدَمُ فَيَضْرِبُ عُنُقَهُ حَتَّى مَرَّ بِضْعَةٌ وَعِشْرُونَ.
وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ سعيد بن العاص في قول أبي معشر والواقدى وَغَيْرُهُمَا.
وَكَانَ الْعَامِلُ فِيهَا عَلَى الْمَدِينَةِ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ، وَعَلَى الْكُوفَةِ بَعْدَ مَوْتِ زِيَادٍ عبد الله بن خالد بن أسيد، وعلى الْبَصْرَةِ بَعْدَ مَوْتِ زِيَادٍ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ، وَعَلَى خُرَاسَانَ خُلَيْدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْحَنَفِيَّ.