129 هـ
746 م
سنة تسع وعشرين ومائة

قال اسماعيل بن اسحاق: لما قتل ابن هبيرة عبيدة بن سوار أصحابه سار إلى واسط، فوثب من كان في المدينة، …

فسدوا باب القصر على ابن عمر باللبن حتى أتاه ابن هبيرة، فقدم إليه بشر بن عبد الملك بن بشر بن مروان، چفتناول سيفه وأمره بالدخول إلى بيت من بيوت القصر، وكره ابن هبيرة أن يلي ذلك منه، وكتب إلىقال اسماعيل بن اسحاق: لما قتل ابن هبيرة عبيدة بن سوار أصحابه سار إلى واسط، فوثب من كان في المدينة، فسدوا باب القصر على ابن عمر باللبن حتى أتاه ابن هبيرة، فقدم إليه بشر بن عبد الملك بن بشر بن مروان، چفتناول سيفه وأمره بالدخول إلى بيت من بيوت القصر، وكره ابن هبيرة أن يلي ذلك منه، وكتب إلى مروان بذلك، فكتب إليه مروان يأمره بقتله غيلة، فكره ابن هبيرة ذلك منه، وكتب إليه مروان أن يرسل إليه، فأرسل به إلى مروان فحبسه بحران مع ابراهيم بن محمد بن علي.

وفي هذه السنة وهي سنة تسع وعشرين ومائة خرج عبد الله ابن يحيى الأعور الكندي الذي يسمى طالب الحق بحضرموت وعليها ابراهيم بن جبلة بن مخرمة الكندي، فأخرج ابراهيم منها من غير قتال، واجتمعت الأباضية إليه فبايعوه وعامة أصحابه أهل البصرة، ثم خرج إلى صنعاء وعليها القاسم بن عمر الثقفي وهو في ألفي رجل من الشراة، وخرج القاسم بن عمر وهو في نحو من ثلاثين ألفا، فالتقوا بالجانح قرية من قرى أبين، فاقتتلوا قتالا شديدا، ثم انهزم القاسم وأكثر القتلى في أصحابه حتى أتى صنعاء، وسار عبد الله بن يحيى وقد خندق القاسم خنادق، فبيته في وجه الصبح فهرب القاسم وقتل الصلت بن يوسف بن عمر في المعركة، وقتل ناس كثر، ودخل صنعاء فأخذ الخزائن والأموال فقوي بها، فأقام أشهرا، ثم وجه إلى مكة رجلا من أهل البصرة من الأزد يقال له: بلج بن المثنى، ثم وجه أبا حمزة المختار بن عوف الأزدي في عشرة آلاف، وأمره أن يقيم بمكة.
فزعم اسماعيل بن اسماعيل: أن بلجا قدم في الموسم، فلم يشعر الناس وهم بعرفات حتى أطلعت عليها الخيل من الجبل من طريق الطائف، فاجتمع الناس إلى عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك بن مروان وهو والي مكة والمدينة، فكره عبد الواحد قتالهم فمشى عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب بينهم حتى أخذ عليهم ولهم ألا يحدثوا حدثا حتى ينقضي أمر الموسم ففعلوا، فوقف عبد الواحد بالناس، ووقف بلج في أصحابه بعرفات وبجمع، وأقاموا أيام منى، فلما كان يوم النفر نفر عبد الواحد فأتى مكة ثم أتى أبو حمزة مكة، فخطبهم على المنبر فقال: يا أهل مكة تعيروني بأصحابي تزعمون أنهم شباب.

خطبة أبي حمزة:
يا أهل مكة تعيروني بأصحابي تزعمون أنهم شباب ؟ وهل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا شبابا ؟ أما إني عالم بتتابعكم فيما يضركم في معادكم، ولو لا اشتغالي بغيركم ما تركت الأخذ فوق أيديكم نعم شباب مكتهلون في شبابهم، ثقال، غبية عن الشر أعينهم، بطية عن الباطل أرجلهم، قد نظر إليهم في جوف الليل منثنية أصلابهم بمثاني القرآن، إذا مر أحدهم باية فيها ذكر الجنة بكى شوقا إليها، وإذا مر باية فيها ذكر الناس شهق شهقة كأن زفير جهنم في أذنيه، قد وصلوا كلالهم بكلالهم كلال ليلهم بكلال نهارهم، قد أكلت الأرض جباههم وأيديهم وركبهم، مصفرة ألوانهم، ناحلة أجسامهم من طول القيام وكثرة الصيام، مستقلين لذلك في جنب الله، موفون بعهد الله، منجزون لوعد الله إذا رأوا سهام العدو فوقت، ورماحهم قد أشرعت، وسيوفهم قد انتضيت، وأبرقت الكتيبة وأرعدت بصواعق الموت، استهانوا بوعيد الكتيبة لوعيد الله، مضى الشاب منهم قدما حتى تختلف رجلاه عن عنق فرسه، قد رملت محاسن وجهه بالدماء وعفر جبينه في الثرى، وأسرعت إليه سباع الأرض، فكم من عين في منقار طائر طالما بكى صاحبها من خشية الله، وكم من كف قد بانت بمعصمها طالما اعتمد عليها صاحبها في سجوده في جوف الليل لله، وكم من خد رقيق وجبين عتيق قد فلق بعمد الحديد، رحمة الله على تلك الأبدان، وأد خل أرواحها الجنان ثم قال: الناس منا ونحن منهم، إلا عابد وثن أو كفرة أهل الكتاب أو سلطانا جائرا أو شادا على عضدة.

وحدثنا اسماعيل بن اسحاق: عن الزنجي بن خالد قال: خطبنا أبو حمزة بمكة خطبة شكك المستبصر وزاد المرتاب، حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس سالناكم عن ولاتكم هؤلاء، فقلتم فيهم والله الذي نعرف، قلتم: أخذوا المال من غير حله فوضعوه في غير حقه، وجاروا في الحكم واستأثروا بحقوقنا وفيئنا فجعلوه دولة بين أغنيائهم وذوي شرف الدنيا منهم، وجعلوا مقاسمنا وحقوقنا في مهور النساء وفروج الإماء، فقلنا لكم: تعالوا إلى هؤلاء الذين ظلمونا وظلموكم وجاروا في الحكم فحكموا بغير ما أنزل الله، فقلتم: لا نقوى على ذلك، وددنا أنا أصبنا من يكفينا.
فقلنا: نحن نكفيكم ثم الله راع علينا إن ظفرنا لنعطين كل ذي حق حقه، فجئنا فاتقينا الرماح بوجوهنا والسيوف بصدورنا، وجعلنا الله علينا راعيا كفيلا لئن ظفرنا لنعطين كل ذي حق حقه، فعرضتم دونهم فقاتلتمونا فأبعدكم الله، فو الله لو قلتم: لا نعرف الذي تقولون ولا نعلمه كان أعذر مع أنه لا عذر للجاهل، ولكن أبى الله إلا أن ينطق بالحق على ألسنتكم ويأخذكم به في الآخرة.

وفي هذه السنة وهي سنة تسع وعشرين ومائة: بعث ابن هبيرة نباتة بن حنظلة أحد بني أبي بكر بن كلاب إلى سليمان بن حبيب بن المهلب وكان قد أتى الأهواز حين انحاز شيبان بن عبد العزيز وكان معه، فوجه سليمان بن حبيب داود بن حاتم فالتقوا بالمذيار وهي مناذر، فقتل داود وأصحابه وهزموا، وقتل داود بن حاتم وقبيصة بن عمرو بن المهلب بن قبيصة بن المهلب ومخلد بن معاوية بن المهلب.

وفي هذه السنة وجه ابن هبيرة عامر بن ضبارة من مرة غطفان إلى شيبان بن عبد العزيز اليشكري بعد أن انحاز شيبان عن مروان، فوجه شيبان الجون الشيباني، فالتقوا بالسن، فقتل الجون وأصحابه، فانحدر شيبان إلى شهرزور، فكتب مروان إلى ابن ضبارة لا تقاتله وكلما ارتحل من منزل فأنزله، وجعل يتفرق عليه أصحابه حتى أتى ماه.
قال اسماعيل بن إسحاق: ثم أتى الصيمرة، ثم أتى جزيرة أبركاوان، ثم عبر إلى عمان، فقتل بها.
وكتب ابن هبيرة إلى عامر بن ضبارة أن يقبل عبد الله بن معاوية الهاشمي، فلقيه بأصطخر ومعه أخواه الحسن ويزيد ابنا معاوية، فهزمه ابن ضبارة حتى أتى خراسان وقد ظهر أبو مسلم في شهر رمضان سنة تسع وعشرين ومائة فحبس الهاشمي وأخوته.

وفي هذه السنة وهي سنة تسع وعشرين ومائة: سار الكرماني إلى مرو الروذ وسار إليه سلم بن أحوز المازني والي نصر بن سيار، فالتقوا فهزم الكرماني ووقعت تميم في العسكر في السلب، فكر عليهم الكرماني فهزمهم، وذلك عند الليل، فرجعوا إلى عسكرهم، فتوادعوا ثلاثة أيام، فأخذ الكرماني ليلا من وراء الجبل، فلما أصبحوا اتبعوه فاقتتلوا، ثم اصطلحوا على أن يسكن الكرماني قرية باب عبد القيس حتى يروا من رأيهم، وابن أحوز وأصحابه مدينة مرو الروذ، وجاء نصر بن سيار حتى أتاهم فاقتتلوا ستة أشهر، حتى جثم الشتاء وهزل الكراع، فبعث الكرماني إلي ابنه وهو على مرو، فبعث إليه نحوا من ألف رجل، وبعث من الثياب والمتاع ما يصلحهم لسنتهم، وعليهم عبد الجبار بن شعيب رجل من بني هناءة، فلقيتهم خيل لبني تميم فهزمتهم وأخذوا ما معهم، فرجعوا إلى مرو، فوثب من كان بمرو من بني تميم على ابن الكرماني وعليهم عرفجة بن الورد السعدي فحاصروا ابن الكرماني في المدينة، وبلغهم أن نصرا والكرماني اصطلحا فأخرجوا ابن الكرماني من المدينة ورجع نصر والكرماني إلى مرو، فلبث الكرماني أياما، ثم تنحى عن نصر وخرج من ليلته، فلما صلى نصر الغداة خرج إليهم ومشت السفراء بينهم وجعلوا ينهون الناس عن القتال، فبينما هم كذلك إذ حمل الحارث بن شريح في بني حنظلة، ونشب القتال، فانهزم الكرماني فلحقوه فقتلوه، وجاء برأسه رجل من بني مجاشع يقال له: محارب بن هلال بن عليم ولحق ابن الكرماني وربيعة والأزد بسرخس، فلحقوا بشيبان بن مسلمة رجل من بني سدوس حروري، وقد غلب على سرخس وطوس وناحية أبرشهر في قريب من ثلاثين ألفا من الخوارج، فبايعوه وصاروا معه، فلما رأى ذلك من معه من خوارج البصرة قالوا: ركن إلى الدنيا وتعصب، فخرج مشكان مولى لبني سليم في خمسة آلاف، وفارقه عبد الله بن السمط مولى لمضر في نحو من ألفين، وقعد عبد الرحمن بن زياد مولى لقريش في بيته، وكان رأسا فيهم، فسار شيبان في بقية من معه من الحرورية في وجهين، فبعث ابن الكرماني في خمسة آلاف أو ستة آلاف حتى عبر إلى مرو، وسار شيبان حتى أتى مرو أيضا، فسار نصر بن سيار في جماعة مضر نحو ابن الكرماني، فلقيه بقرية من قرى مرو يقال لها: قار، فاقتتلوا قتالا شديدا، ثم انهزمت الحرورية وقتلوا منهم نحوا من ثلاث مائة رجل وارتحل ابن الكرماني من ليلته فنزل بقرية يقال لها: أبزن أسفل من مكانه وغدا عليه نصر في أصحابه، فقاتلهم وقتلهم قتلا ذريعا، وأفلت ابن الكرماني، ودخل شيبان من الجانب الآخر، فأتى ناحية الأزد وخندق وبايعته ربيعة والأسد، وحاصرهم نصر فخند ق فا قتتلوا في ذينك الخندقين نحوا من سنة ونصف.

وفي هذه السنة وهي سنة تسع وعشرين ومائة: تحركت الأباضية بالمغرب فوثب عبد الرحمن بن حبيب الفهري على رأسهم: سعد بن مسعود فقتله وصلبه، فخرجت الا باضية عليهم عبد الجبار بن معن، فلقيهم يزيد بن صفوان المعافري في صفر سنة تسع وعشرين ومائة، فقتل الأميران وانهزم أصحاب ابن حبيب، وأقبل أبو قرة الصفري من تلمسين أيضا في صفر، فوجه إليه ابن حبيب سليمان بن عثمان، فقتل سليمان وعبد الله وعثمان في أشراف أهل إفريقية، وانصرف أبو قرة راجعا إلى تلمسين..وأقام الحج عبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك بن مروان.
وفي هذه السنة وهي سنة تسع وعشرين: مات بشر بن حرب أبو عمرو،
وعمرو بن مالك النكري.
وقبل الثلاثين: مات غيلان بن جرير، وعبد الله بن أبي إسحاق النحوي الحضرمي ومطر بن طهمان الوراق، وعاصم الجحدري، وواصل الأحدب، وأبو المنهال الرياحي وهو سيار بن سلامة، وطارق بن عبد الرحمن، وزياد بن فياض، وفراس، وقابوس بن أبي ظبيان.