محرم 12 هـ
آذار 633 م
سنة اثنتي عشرة من الهجرة

مسير خالد الى العراق وصلح الحيرة، قال أبو جعفر، ولما فرغ خالد من أمر اليمامة، كتب إليه أبو بكر الصديق رحمه اللَّه، وخالد مقيم باليمامة؛ …

فيما حَدَّثَنَا عبيد الله بن سعد الزهري، قال: أخبرنا عمي، قال: أخبرنا سيف بن عمر، عن عمرو بْن مُحَمَّد، عن الشعبي: أن سر إلى العراق حتى تدخلها، وابدأ بفرج الهند، وهي الأبلة، وتألف أهل فارس، ومن كان في ملكهم من الأمم.
حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ بِالإِسْنَادِ الَّذِي قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، عَنِ الْقَوْمِ الَّذِينَ ذَكَرْتُهُمْ فِيهِ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجَّهَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى أَرْضِ الْكُوفَةِ، وَفِيهَا الْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ الشَّيْبَانِيُّ، فَسَارَ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشَرَةَ، فَجَعَلَ طَرِيقَهَ الْبَصْرَةَ، وَفِيهَا قُطْبَةُ بْنُ قَتَادَةَ السَّدُوسِيُّ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَمَّا الْوَاقِدِيُّ، فَإِنَّهُ قَالَ: اخْتُلِفَ فِي أَمْرِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَقَائِلٌ يَقُولُ: مَضَى مِنْ وَجْهِهِ ذَلِكَ مِنَ الْيَمَامَةِ إِلَى الْعِرَاقِ وَقَائِلٌ يَقُولُ: رَجَعَ مِنَ الْيَمَامَةِ، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ، ثُمَّ سَارَ إِلَى الْعِرَاقِ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى طَرِيقِ الْكُوفَةِ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْحِيرَةِ.
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إِسْحَاقَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ كَتَبَ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ يَأْمُرُهُ أَنْ يَسِيرَ إِلَى الْعِرَاقِ، فَمَضَى خَالِدٌ يُرِيدُ الْعِرَاقَ، حَتَّى نَزَلَ بِقَرْيَاتٍ مِنَ السَّوَادِ، يُقَالُ لَهَا: بَانِقْيَا وَبَارُوسْمَا وأُلَيْسَ، فَصَالَحَهُ أَهْلُهَا، وَكَانَ الَّذِي صَالَحَهُ عَلَيْهَا ابْنُ صَلُوبَا، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشَرَةَ، فَقَبِلَ مِنْهُمْ خالد الجزية وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا فِيهِ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لابْنِ صَلُوبَا السَّوَادِيِّ -وَمَنْزِلُهُ بِشَاطِئِ الْفُرَاتِ- إِنَّكَ آمِنٌ بِأَمَانِ اللَّهِ -إِذْ حَقَنَ دَمَهُ بِإِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ- وَقَدْ أَعْطَيْتَ عَنْ نَفْسِكَ وَعَنْ أَهْلِ خَرْجِكَ وَجَزِيرَتِكَ وَمَنْ كَانَ فِي قَرْيَتَيْكَ -بَانِقْيَا وَبَارُوسْمَا- أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَقَبِلْتُهَا مِنْكَ، وَرَضِيَ مَنْ مَعِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِهَا مِنْكَ، وَلَكَ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ وَشَهِدَ هِشَامُ بْنُ الْوَلِيدِ.
ثُمَّ أَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِمَنْ مَعَهُ حَتَّى نَزَلَ الْحِيرَةِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَشْرَافُهُمْ مَعَ قَبِيصَةَ بْنِ إِيَاسِ بْنِ حَيَّةَ الطَّائِيِّ -وَكَانَ أَمَّرَهُ عليها كسرى بعد النعمان ابن الْمُنْذِرِ- فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ وَلأَصْحَابِهِ: أَدْعُوكُمْ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الإِسْلامِ فَإِنْ أَجَبْتُمْ إِلَيْهِ فَأَنْتُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، لَكُمْ مَا لَهُمْ وَعَلَيْكُمْ مَا عليهم، فان ابيتم فالجزية، فَإِنْ أَبَيْتُمُ الْجِزْيَةَ فَقَدْ أَتَيْتُكُمْ بِأَقْوَامٍ هُمْ أَحْرَصُ عَلَى الْمَوْتِ مِنْكُمْ عَلَى الْحَيَاةِ، جَاهَدْنَاكُمْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ.
فَقَالَ لَهُ قَبِيصَةُ بْنُ إِيَاسٍ: مَا لَنَا بِحَرْبِكَ مِنْ حَاجَةٍ، بَلْ نُقِيمُ عَلَى دِينِنَا، وَنُعْطِيكَ الْجِزْيَةَ فَصَالَحَهُمْ عَلَى تِسْعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَكَانَتْ أَوَّلُ جزية وقعت بالعراق، هي القريات الَّتِي صَالَحَ عَلَيْهَا ابْنَ صَلُوبَا.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَمَّا هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَمَّا كَتَبَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَهُوَ بِالْيَمَامَةِ أَنْ يَسِيرَ إِلَى الشَّامِ، أَمَرَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْعِرَاقِ فَيَمُرَّ بِهَا، فَأَقْبَلَ خَالِدٌ مِنْهَا يَسِيرُ حَتَّى نَزَلَ النِّبَاجَ.
قَالَ هِشَامٌ: قَالَ أَبُو مِخْنَفٍ: فَحَدَّثَنِي أَبُو الْخَطَّابِ حَمْزَةُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، أَنَّ الْمُثَنَّى بْنَ حَارِثَةَ الشَّيْبَانِيَّ، سَارَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ، فَقَالَ: أَمِّرْنِي عَلَى مَنْ قَبْلِي مِنْ قَوْمِي، أُقَاتِلُ مَنْ يَلِينِي مِنْ أَهْلِ فَارِسٍ، وَأَكْفِيكَ نَاحِيَتِي، فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَأَقْبَلَ فَجَمَعَ قَوْمَهُ وَأَخَذَ يُغِيرُ بِنَاحِيَةِ كَسْكَرٍ مَرَّةً، وَفِي أَسْفَلِ الْفُرَاتِ مَرَّةً، وَنَزَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ النِّبَاجَ والمثنى بن حارثة بخفان معسكر، فَكَتَبَ إِلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ لِيَأْتِيَهُ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ بِكِتَابٍ مِنْ أَبِي بَكْرٍ يَأْمُرُهُ فِيهِ بِطَاعَتِهِ، فَانْقَضَّ إِلَيْهِ جَوَادًا حَتَّى لَحِقَ بِهِ، وَقَدْ زَعَمَتْ بَنُو عِجْلٍ أَنَّهُ كَانَ خَرَجَ مَعَ الْمُثَنَّى بْنِ حَارِثَةَ رَجُلٌ منهم يقال له مذعور بن عدى، نازع الْمُثَنَّى بْنَ حَارِثَةَ، فَتَكَاتَبَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَكَتَبَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى الْعِجْلِيِّ يَأْمُرُهُ بِالْمَسِيرِ مَعَ خَالِدٍ إِلَى الشَّامِ، وَأَقَرَّ الْمُثَنَّى عَلَى حَالِهِ، فَبَلَغَ الْعِجْلِيُّ مِصْرَ، فَشَرُفَ بِهَا وَعَظُمَ شَأْنُهُ، فَدَارُهُ الْيَوْمَ بِهَا مَعْرُوفَةٌ، وَأَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ يَسِيرُ، فَعَرَضَ لَهُ جَابَانُ صَاحِبُ أُلَيْسَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ الْمُثَنَّى بْنَ حَارِثَةَ، فَقَاتَلَهُ فَهَزَمَهُ، وَقَتَلَ جُلَّ أَصْحَابِهِ، إِلَى جَانِبِ نَهْرٍ ثَمَّ يُدْعَى نَهْرَ دَمٍ لِتِلْكَ الْوَقْعَةِ، وَصَالَحَ أَهْلَ أُلَيْسَ، وَأَقْبَلَ حَتَّى دَنَا مِنَ الْحِيرَةِ، فَخَرَجَتْ إِلَيْهِ خُيُولُ آزَاذْبَهْ صَاحِبِ خَيْلِ كِسْرَى الَّتِي كَانَتْ فِي مَسَالِحِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَرَبِ، فَلَقُوهُمْ بِمُجْتَمَعِ الأَنْهَارِ، فَتَوَجَّهَ إِلَيْهِمُ الْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ، فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ وَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَهْلُ الْحِيرَةِ خَرَجُوا يَسْتَقْبِلُونَهُ، فِيهِمْ عَبْدُ الْمَسِيحِ بْنُ عَمْرِو بْنِ بُقَيْلَةَ وَهَانِئُ بْنُ قَبِيصَةَ، فَقَالَ خَالِدٌ لِعَبْدِ الْمَسِيحِ: مِنْ أَيْنَ أَثَرُكَ؟ قَالَ: مِنْ ظَهْرِ أَبِي، قَالَ: مِنْ أَيْنَ خَرَجْتَ؟ قَالَ: مِنْ بَطْنِ أُمِّي، قَالَ: وَيْحَكَ! عَلَى أَيِّ شَيْءٍ أَنْتَ؟ قَالَ: عَلَى الأَرْضِ، قَالَ: وَيْلَكَ! فِي أَيِّ شَيْءٍ أَنْتَ؟ قَالَ: فِي ثِيَابِي، قَالَ: وَيْحَكَ! تَعَقِلُ؟ قَالَ: نَعَمْ وأقيد، قَالَ: إِنَّمَا أَسْأَلُكَ، قَالَ: وَأَنَا أُجِيبُكَ، قَالَ: أَسِلْمٌ أَنْتَ أَمْ حَرْبٌ؟ قَالَ: بَلْ سِلْمٌ، قَالَ: فَمَا هَذِهِ الْحُصُونُ الَّتِي أَرَى؟ قَالَ: بَنَيْنَاهَا لِلسَّفِيهِ نَحْبِسُهُ حَتَّى يَجِيءَ الْحَلِيمُ فَيَنْهَاهُ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ خَالِدٌ: إِنِّي أَدْعُوكُمْ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى عِبَادَتِهِ وَإِلَى الإِسْلامِ، فَإِنْ قَبِلْتُمْ فَلَكُمْ مَا لَنَا وَعَلَيْكُمْ مَا عَلَيْنَا، وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَالْجِزْيَةِ، وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِقَوْمٍ يُحِبُّونَ الْمَوْتَ كَمَا تُحِبُّونَ أَنْتُمْ شُرْبَ الْخَمْرِ فَقَالُوا: لا حَاجَةَ لَنَا فِي حَرْبِكَ، فَصَالَحَهُمْ عَلَى تِسْعِينَ وَمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَكَانَتْ أَوَّلُ جِزْيَةٍ حُمِلَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ مِنَ الْعِرَاقِ ثم نزل عَلَى بَانِقْيَا، فَصَالَحَهُ بصُبْهُرَى بْنُ صلُوبَا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ وَطَيْلَسَانٍ، وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا، وَكَانَ صَالَحَ خَالِدٌ أَهْلَ الْحِيرَةِ عَلَى أَنْ يَكُونُوا لَهُ عُيُونًا، فَفَعَلُوا.
قَالَ هِشَامٌ، عَنْ أَبِي مِخْنَفٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْمُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَقْرَأَنِي بَنُو بُقَيْلَةَ كِتَابَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى أَهْلِ الْمَدَائِنِ:
مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى مَرَازِبَةِ أَهْلِ فَارِسٍ، سَلامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّ خِدْمَتَكُمْ، وَسَلَبَ مُلْكَكُمْ، وَوَهَّنَ كَيْدَكُمْ وَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى صَلاتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ مَا لنَا، وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْنَا.
أَمَّا بَعْدُ، فَإِذَا جَاءَكُمْ كِتَابِي فَابْعَثُوا إِلَيَّ بِالرُّهُنِ، وَاعْتَقِدُوا مِنِّي الذمة، والا فوالذى لا إِلَهَ غَيْرُهُ لأَبْعَثَنَّ إِلَيْكُمْ قَوْمًا يُحِبُّونَ الْمَوْتَ كَمَا تُحِبُّونَ الْحَيَاةَ فَلَمَّا قَرَءُوا الْكِتَابَ، أَخَذُوا يَتَعَجَّبُونَ، وَذَلِكَ سَنَةُ اثْنَتَيْ عَشَرَةَ.
قال أبو جعفر: وأما غير ابن إسحاق وغير هشام ومن ذكرت قوله من قبل، فإنه قال في أمر خالد ومسيره إلى العراق ما حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، عَنْ سَيْفِ بْنِ عُمَرَ، عن عمرو بن محمد، عن الشعبي، قال: لَمَّا فَرَغَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِنَ الْيَمَامَةِ، كَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: إن اللَّه فَتَحَ عَلَيْكَ فعارق حَتَّى تَلْقَى عِيَاضًا وَكَتَبَ إِلَى عِيَاضِ بْنِ غَنْمٍ وَهُوَ بَيْنَ النِّبَاجِ وَالْحِجَازِ: أَنْ سِرْ حَتَّى تَأْتِيَ المُصَيَّخَ فَابْدَأْ بِهَا، ثُمَّ ادْخُلِ الْعِرَاقَ مِنْ أَعْلاهَا، وَعَارق حَتَّى تَلْقَى خَالِدًا وَأْذَنَا لِمَنْ شَاءَ بِالرُّجُوعِ، وَلا تَسْتَفْتِحَا بِمُتَكَارِهٍ.
وَلَمَّا قَدِمَ الْكِتَابُ عَلَى خَالِدٍ وَعِيَاضٍ، وَأَذِنَا فِي الْقَفْلِ عَنْ أَمْرِ أَبِي بَكْرٍ قَفَلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَمَا حَوْلَهَا وَأَعْرَوْهُمَا، فَاسْتَمَدَّا أَبَا بَكْرٍ، فَأَمَدَّ أَبُو بَكْرٍ خَالِدًا بِالْقَعْقَاعِ بْنِ عَمْرٍو التَّمِيمِيِّ، فَقِيلَ لَهُ: أَتَمُدُّ رَجُلا قَدِ ارْفَضَّ عَنْهُ جُنُودُهُ بِرَجُلٍ! فَقَالَ: لا يُهْزَمُ جَيْشٌ فِيهِمْ مِثْلُ هَذَا وَأَمَدَّ عِيَاضًا بِعَبْدِ بْنِ عَوْفٍ الْحِمْيَرِيِّ، وَكَتَبَ إِلَيْهِمَا أَنِ اسْتَنْفِرَا مَنْ قَاتَلَ أَهْلَ الرِّدَّةِ، وَمَنْ ثَبَتَ عَلَى الإِسْلامِ بَعْدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَلا يَغْزُوَنَّ مَعَكُمْ أَحَدٌ ارْتَدَّ حَتَّى أَرَى رَأْيِي فَلَمْ يَشْهَدِ الأَيَّامَ مُرْتَدٌّ.
فَلَمَّا قَدِمَ الْكِتَابُ عَلَى خَالِدٍ بِتَأْمِيرِ الْعِرَاقِ، كَتَبَ إِلَى حَرْمَلَةَ وَسَلْمَى وَالْمُثَنَّى وَمَذْعُورٍ بِاللِّحَاقِ بِهِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُوَاعِدُوا جُنُودَهُمُ الأُبُلَّةَ، وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَمَرَ خَالِدًا فِي كِتَابِهِ: إِذَا دَخَلَ الْعِرَاقَ أَنْ يَبْدَأَ بِفَرْجِ أَهْلِ السِّنْدِ وَالْهِنْدِ -وَهُوَ يَوْمَئِذٍ الأُبُلَّةُ- لِيَوْمٍ قَدْ سَمَّاهُ، ثُمَّ حَشَرَ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِرَاقِ، فَحَشَرَ ثَمَانِيَةَ آلاف من ربيعه ومضر إِلَى أَلْفَيْنِ كَانَا مَعَهُ، فَقَدِمَ فِي عَشَرَةِ آلافٍ عَلَى ثَمَانِيَةِ آلافٍ مِمَّنْ كَانَ مَعَ الأُمَرَاءِ الأَرْبَعَةِ -يَعْنِي بِالأُمَرَاءِ الأَرْبَعَةِ: الْمُثَنَّى، وَمَذْعُورًا، وَسَلْمَى، وَحَرْمَلَةَ- فَلَقِيَ هُرْمُزَ فِي ثَمَانِيَةَ عَشْرَ أَلْفًا.
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، عَنْ سَيْفٍ، عَنِ الْمُهَلَّبِ الأَسَدِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سِيَاهٍ، وَطَلْحَةَ بْنِ الأَعْلَمِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عُتَيْبَةَ، قَالُوا: كَتَبَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، إِذْ أَمَّرَهُ عَلَى حَرْبِ الْعِرَاقِ، أَنْ يَدْخُلَهَا مِنْ أَسْفَلِهَا وَإِلَى عِيَاضٍ إِذْ أَمَّرَهُ عَلَى حَرْبِ الْعِرَاقِ، أَنْ يَدْخُلَهَا مِنْ أَعْلاهَا، ثُمَّ يَسْتَبِقَا إِلَى الْحِيرَةِ، فَأَيُّهُمَا سَبَقَ إِلَى الْحِيرَةِ فَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى صَاحِبِهِ، وَقَالَ: إِذَا اجْتَمَعْتُمَا بِالْحِيرَةِ، وَقَدْ فَضَضْتُمَا مَسَالِحَ فَارِسَ وَأَمِنْتُمَا أَنْ يُؤْتَى الْمُسْلِمُونَ مِنْ خَلْفِهِمْ، فَلْيَكُنْ أَحَدُكُمَا رِدْءًا لِلْمُسْلِمِينَ وَلِصَاحِبِهِ بِالْحِيرَةِ، وَلْيَقْتَحِمِ الآخَرُ عَلَى عَدُوِّ اللَّهِ وَعَدُوِّكُمْ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ دَارَهُمْ وَمُسْتَقَرَّ عِزِّهِمُ، الْمَدَائِنَ.
حَدَّثَنَا عبيد الله، قال: حدثني عمي، عَنْ سَيْفٍ، عَنِ الْمُجَالِدِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَتَبَ خَالِدٌ إِلَى هُرْمُزَ قَبْلَ خُرُوجِهِ مَعَ آزَاذْبَهْ- أَبِي الزياذبه الَّذِينَ بِالْيَمَامَةِ وَهُرْمُزُ صَاحِبُ الثَّغْرِ يَوْمَئِذٍ: أَمَّا بَعْدُ، فَأَسْلِمْ تَسْلَمْ، أَوِ اعْتَقِدْ لِنَفْسِكَ وَقَوْمِكَ الذِّمَّةَ، وَأَقْرِرْ بِالْجِزْيَةِ، وَإِلا فَلا تَلُومَنَّ إِلا نَفْسَكَ، فَقَدْ جِئْتُكَ بِقَوْمٍ يُحِبُّونَ الْمَوْتَ كَمَا تُحِبُّونَ الْحَيَاةَ.
قَالَ سَيْفٌ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ الأَعْلَمِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عُتَيْبَةَ -وَكَانَ قَاضِي أَهْلِ الْكُوفَةِ- قَالَ: فَرَّقَ خَالِدٌ مَخْرَجَهُ مِنَ الْيَمَامَةِ إِلَى الْعِرَاقِ جُنْدَهُ ثَلاثَ فِرَقٍ، وَلَمْ يَحْمِلْهُمْ عَلَى طَرِيقٍ وَاحِدَةٍ فَسَرَّحَ الْمُثَنَّى قَبْلَهُ بِيَوْمَيْنِ وَدَلِيلُهُ ظفرُ، وَسَرَّحَ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ وَعَاصِمَ بْنَ عَمْرٍو وَدَلِيلاهُمَا مَالِكُ بْنُ عَبَّادٍ وَسَالمُ بْنُ نَصْرٍ، أَحَدُهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ بِيَوْمٍ، وَخَرَجَ خَالِدٌ وَدَلِيلُهُ رَافِعٌ، فَوَاعَدَهُمْ جَمِيعًا الْحَفِيرَ لِيَجْتَمِعُوا بِهِ وَلِيُصَادِمُوا بِهِ عَدُوَّهُمْ، وَكَانَ فَرْجُ الْهِنْدِ أَعْظَمَ فُرُوجِ فَارِسَ شَأْنًا، وَأَشَدَّهَا شَوْكَةً، وَكَانَ صَاحِبُهُ يُحَارِبُ الْعَرَبَ فِي الْبَرِّ وَالْهِنْد فِي الْبَحْرِ.
قَالَ -وَشَارَكَهُ الْمُهَلَّبُ بْنُ عُقْبَةَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سِيَاهٍ الأَحْمَرِيُّ، الَّذِي تُنْسَبُ إِلَيْهِ الْحَمْرَاءُ، فَيُقَالُ: حَمْرَاءُ سِيَاهٍ- قَالَ: لَمَّا قَدِمَ كِتَابُ خَالِدٍ عَلَى هُرْمُزَ كَتَبَ بِالْخَبَرِ إِلَى شِيرَى بْنِ كِسْرَى وَإِلَى أَرْدَشِيرَ بْنِ شِيرَى وَجَمَعَ جُمُوعَهُ، ثُمَّ تَعَجَّلَ إِلَى الْكَوَاظِمِ فِي سَرَعَانِ أَصْحَابِهِ لِيَتَلَقَّى خَالِدًا، وَسَبَقَ حَلَبَتَهُ فَلَمْ يَجِدْهَا طَرِيقَ خَالِدٍ، وَبَلَغَهُ أَنَّهُمْ تَوَاعَدُوا الْحَفِيرَ، فَعَاجَ يُبَادِرُهُ إِلَى الْحَفِيرِ فَنَزَلَهُ، فَتَعَبَّى بِهِ، وَجَعَلَ عَلَى مُجَنِّبَتِهِ أَخَوَيْنِ يُلاقِيَانِ أَرْدَشِيرَ وَشِيرَى إِلَى أَرْدَشِيرَ الأَكْبَرِ، يُقَالُ لَهُمَا: قُبَاذُ وانو شجان، وَاقْتَرَنُوا فِي السَّلاسِلِ، فَقَالَ مَنْ لَمْ يَرَ ذَلِكَ لِمَنْ رَآهُ: قَيَّدْتُمْ أَنْفُسَكُمْ لِعَدُوِّكُمْ، فَلا تَفْعَلُوا، فَإِنَّ هَذَا طَائِرُ سُوءٍ، فَأَجَابُوهُمْ وَقَالُوا: اما أنتم فحدثوننا أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ الْهَرَبَ فَلَمَّا أَتَى الْخَبَرُ خَالِدًا بِأَنَّ هُرْمُزَ فِي الْحَفِيرِ أَمَالَ النَّاسَ إِلَى كَاظِمَةَ، وَبَلَغَ هُرْمُزَ ذَلِكَ فَبَادَرَهُ إِلَى كَاظِمَةَ فَنَزَلَهَا وَهُوَ حَسِيرٌ، وَكَانَ مِنْ أَسْوَإِ أُمَرَاءِ ذَلِكَ الْفَرْجِ جِوَارًا لِلْعَرَبِ، فَكُلُّ الْعَرَبِ عَلَيْهِ مُغَيَّظٌ، وَقَدْ كَانُوا ضَرَبُوهُ مَثَلا فِي الْخُبْثِ حَتَّى قَالُوا: أَخْبَثُ مِنْ هُرْمُزَ، وَأَكْفَرُ مِنْ هرمز وتعبى هُرْمُزُ وَأَصْحَابُهُ وَاقْتَرَنُوا فِي السَّلاسِلِ، وَالْمَاءِ فِي أَيْدِيهِمْ وَقَدِمَ خَالِدٌ عَلَيْهِمْ فَنَزَلَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَقَالُوا لَهُ فِي ذَلِكَ، فَأَمَرَ مُنَادِيهِ، فَنَادَى: أَلا انْزِلُوا وَحُطُّوا أَثْقَالَكُمْ، ثُمَّ جَالَدُوهُمْ عَلَى الْمَاءِ، فَلَعَمْرِي لَيَصِيرَنَّ الْمَاءُ لأَصْبَرِ الْفَرِيقَيْنِ، وَأَكْرَمِ الْجُنْدَيْنِ، فَحُطَّتِ الأَثْقَالُ وَالْخَيْلُ وُقُوفٌ، وَتَقَدَّمَ الرَّجُلُ، ثُمَّ زَحَفَ إِلَيْهِمْ حَتَّى لاقاهم، فاقتتلوا، وارسل الله سحابه فاغزرت مَا وَرَاءِ صَفِّ الْمُسْلِمِينَ، فَقَوَّاهُمْ بِهَا، وَمَا ارْتَفَعَ النَّهَارُ وَفِي الْغَائِطِ مُقْتَرِنٌ.
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله، قال: حدثني عمي، عن سيف، عن عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَطَاءٍ الْبَكَّائِيِّ، عَنِ الْمُقَطِّعِ بْنِ الْهَيْثَمِ الْبَكَّائِيِّ بِمِثْلِهِ، وَقَالُوا: وَأَرْسَلَ هُرْمُزُ أَصْحَابَهُ بِالْغَدِ لِيَغْدُرُوا بِخَالِدٍ، فَوَاطَئُوهُ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ خَرَجَ هُرْمُزَ، فَنَادَى رَجُلٌ وَرَجُلٌ: أَيْنَ خَالِدٌ؟ وَقَدْ عَهِدَ إِلَى فِرَسَانِهِ عَهْدَهُ، فَلَمَّا نَزَلَ خَالِدٌ نَزَلَ هُرْمُزُ، وَدَعَاهُ إِلَى النِّزَالِ فَنَزَلَ خَالِدٌ فَمَشِيَ إِلَيْهِ، فَالْتَقَيَا فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ، واحتضنه خالد، وَحَمَلَتْ حَامِيَةُ هُرْمُزَ وَغَدَرَتْ، فَاسْتَلْحَمُوا خَالِدًا، فَمَا شَغَلَهُ ذَلِكَ عَنْ قَتْلِهِ وَحَمَلَ الْقَعْقَاعُ بْنُ عَمْرٍو وَاسْتَلْحَمَ حُمَاةُ هُرْمُزَ فَأَنَامُوهُمْ، وَإِذَا خَالِدٌ يُمَاصِعُهُمْ، وَانْهَزَمَ أَهْلُ فَارِسَ، وَرَكِبَ الْمُسْلِمُونَ أَكْتَافَهُمْ إِلَى اللَّيْلِ، وَجَمَعَ خَالِدٌ الرِّثَاثَ وَفِيهَا السَّلاسِلُ، فكانت وقر بعير، الف رطل، فسميت ذات السلاسل، وافلت قباذ وانو شجان.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني عمي، عن سيف، عن عمرو بن محمد، عن الشعبي، قَالَ: كَانَ أَهْلُ فَارِسَ يَجْعَلُونَ قَلانِسَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَحْسَابِهِمْ فِي عَشَائِرِهِمْ، فَمَنْ تَمَّ شَرَفُهُ فَقِيمَةُ قَلَنْسُوَتِهِ مِائَةُ أَلْفٍ فَكَانَ هُرْمُزُ مِمَّنْ تَمَّ شَرَفُهُ، فَكَانَتْ قِيمَتُهَا مِائَةَ أَلْفٍ، فَنَفَّلَهَا أَبُو بَكْرٍ خَالِدًا، وَكَانَتْ مُفَصَّصَةً بِالْجَوْهَرِ، وَتَمَامُ شرف احدهم ان يكون من بيوتات السبعة.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني عمي، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ نُوَيْرَةَ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ زِيَادِ بْنِ حَنْظَلَةَ، قَالَ: لَمَّا تَرَاجَعَ الطَّلَبُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ، نَادَى مُنَادِي خَالِدٍ بِالرَّحِيلِ، وَسَارَ بِالنَّاسِ، وَاتَّبَعَتْهُ الأَثْقَالُ، حَتَّى يَنْزِلَ بِمَوْضِعِ الْجِسْرِ الأَعْظَمِ مِنَ الْبَصْرَةِ الْيَوْمَ، وَقَدْ أَفْلَتَ قُبَاذُ وَأَنُوشَجَانُ، وَبَعَثَ خَالِدٌ بِالْفَتْحِ وَمَا بَقِيَ مِنَ الأَخْمَاسِ وَبِالْفِيلِ، وَقَرَأَ الْفَتْحَ عَلَى النَّاسِ وَلَمَّا قَدِمَ زِرُّ بْنُ كُلَيْبٍ بِالْفِيلِ مَعَ الأَخْمَاسِ، فَطِيفَ بِهِ فِي الْمَدِينَةِ لِيَرَاهُ النَّاسُ، جَعَلَ ضَعِيفَاتُ النِّسَاءِ يَقُلْنَ: أَمِنْ خَلْقِ اللَّهِ مَا نَرَى! وَرَأَيْنَهُ مَصْنُوعًا، فَرَدَّهُ أَبُو بَكْرٍ مَعَ زِرٍّ قَالَ: وَلَمَّا نَزَلَ خَالِدٌ مَوْضِعَ الْجِسْرِ الأَعْظَمِ الْيَوْمَ بِالْبَصْرَةِ، بَعَثَ الْمُثَنَّى بْنَ حَارِثَةَ فِي آثَارِ الْقَوْمِ، وَأَرْسَلَ مَعْقِلَ بْنَ مُقَرِّنٍ الْمُزَنِيَّ إِلَى الأُبُلَّةِ لِيَجْمَعَ لَهُ مَالَهَا وَالسَّبْيَ، فَخَرَجَ مَعْقِلُ حَتَّى نَزَلَ الأُبُلَّةَ فَجَمَعَ الأَمْوَالَ وَالسَّبَايَا.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذِهِ الْقِصَّةُ فِي أَمْرِ الأُبُلَّةِ وَفَتْحِهَا خِلافُ مَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ السِّيَرِ، وَخِلافُ مَا جَاءَتْ بِهِ الآثَارُ الصِّحَاحُ، وَإِنَّمَا كَانَ فَتْحُ الأُبُلَّةِ أَيَّامَ عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَعَلَى يَدِ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ فِي سَنَةِ أَرْبَعَ عَشَرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَسَنَذْكُرُ أَمْرَهَا وَقِصَّةَ فَتْحِهَا إِذَا انْتَهَيْنَا إِلَى ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
رَجَعَ الْحَدِيثُ إِلَى حَدِيثِ سَيْفٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ نُوَيْرَةَ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ زِيَادٍ، قَالَ: وَخَرَجَ الْمُثَنَّى حَتَّى انْتَهَى إِلَى نَهْرِ الْمَرْأَةِ، فَانْتَهَى إِلَى الْحِصْنِ الَّذِي فِيهِ الْمَرْأَةُ، فَخَلَّفَ الْمُعَنَّى بْنُ حَارِثَةَ عَلَيْهِ، فَحَاصَرَهَا فِي قَصْرِهَا، وَمَضَى الْمُثَنَّى إِلَى الرَّجُلِ فَحَاصَرَهُ ثُمَّ اسْتَنْزَلَهُمْ عَنْوَةً، فَقَتَلَهُمْ وَاسْتَفَاءَ أَمْوَالَهُمْ، وَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْمَرْأَةَ صَالَحَتِ الْمُثَنَّى وَأَسْلَمَتْ، فَتَزَوَّجَهَا الْمُعَنَّى، وَلَمْ يُحَرِّكْ خَالِدٌ وَأُمَرَاؤُهُ الفلاحين في شيء من فتوحهم لِتَقَدُّمِ أَبِي بَكْرٍ إِلَيْهِ فِيهِمْ، وَسَبَى أَوْلادَ الْمُقَاتِلَةِ الَّذِينَ كَانُوا يَقُومُونَ بِأُمُورِ الأَعَاجِمِ، وَأَقَرَّ مَنْ لَمْ يَنْهَضْ مِنَ الْفَلاحِينَ، وَجَعَلَ لَهُمُ الذِّمَّةَ، وَبَلَغَ سَهْمُ الْفَارِسِ فِي يَوْمِ ذَاتِ السَّلاسِلِ وَالثَّني أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَالرَّاجِلِ عَلَى الثُّلُثِ من ذلك.

ذكر وقعه المذار
قَالَ: وَكَانَتْ وَقْعَةُ الْمذَارِ فِي صَفَرٍ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشَرَةَ، وَيَوْمَئِذٍ قَالَ النَّاسُ:
صَفَرُ الأَصْفَارِ، فِيهِ يُقْتَلُ كُلُّ جَبَّارٍ، عَلَى مَجْمَعِ الأَنْهَارِ.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني عمي، عن سَيْفٍ، عَنْ زِيَادٍ وَالْمُهَلَّبِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن سِيَاهٍ الأَحْمَرِيِّ.
وَأَمَّا فِيمَا كَتَبَ بِهِ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، فَإِنَّهُ عَنْ سيف، عن المهلب بن عقبة وزياد بن سَرْجِسَ الأَحْمَرِيِّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سِيَاهٍ الأَحْمَرِيِّ وَسُفْيَانَ الأَحْمَرِيِّ، قَالُوا: وَقَدْ كَانَ هُرْمُزُ كَتَبَ إِلَى أَرْدَشِيرَ وَشِيرَى بِالْخَبَرِ بِكِتَابِ خَالِدٍ إِلَيْهِ بِمَسِيرِهِ مِنَ الْيَمَامَةِ نَحْوَهُ، فَأَمَدَّهُ بِقَارِنِ بْنِ قريانسَ، فَخَرَجَ قَارِنٌ مِنَ الْمَدَائِنِ مُمِدًّا لِهُرْمُزَ، حَتَّى إِذَا انْتَهَى إِلَى الْمذارِ بَلَغَتْهُ الْهَزِيمَةُ، وَانْتَهَتْ إِلَيْهِ الْفُلالُ فَتَذَامَرُوا، وَقَالَ فُلَّالُ الأَهْوَازِ وَفَارِسَ لِفُلالِ السَّوَادِ وَالْجَبَلِ: إِنِ افْتَرَقْتُمْ لَمْ تَجْتَمِعُوا بَعْدَهَا أَبَدًا، فَاجْتَمَعُوا عَلَى الْعَوْدِ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَهَذَا مَدَدُ الْمَلِكِ وَهَذَا قَارِنٌ، لَعَلَّ اللَّهَ يُديلنَا وَيُشْفِينَا مِنْ عَدُوِّنَا وَنُدْرِكُ بَعْضَ مَا أَصَابُوا مِنَّا فَفَعَلُوا وَعَسْكَرُوا بِالمذارِ، وَاسْتَعْمَلَ قَارِنٌ عَلَى مُجَنِّبَتِهِ قُبَاذُ وَأَنُوشَجَانُ، وَأَرَزَ الْمُثَنَّى وَالْمُعَنَّى إِلَى خَالِدٍ بِالْخَبَرِ، وَلَمَّا انْتَهَى الْخَبَرُ إِلَى خَالِدٍ عَنْ قَارِنٍ قَسَّمَ الْفَيْءَ عَلَى مَنْ أَفَاءَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَنَفَّلَ مِنَ الْخُمسِ مَا شَاءَ اللَّهُ، وَبَعَثَ بِبَقِيَّتِهِ وَبِالْفَتْحِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَبِالْخَبَرِ عَنِ الْقَوْمِ وَبِاجْتِمَاعِهِمْ إِلَى الثني المغيث والمغاث، مع الوليد ابن عُقْبَةَ -وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ نَهْرٍ الثّنِيَّ- وَخَرَجَ خَالِدٌ سَائِرًا حَتَّى يَنْزِلَ الْمذارَ عَلَى قَارِنٍ فِي جُمُوعِهِ، فَالْتَقَوْا وَخَالِدٌ عَلَى تَعْبِيَتِهِ، فَاقْتَتَلُوا عَلَى حَنَقٍ وَحَفِيظَةٍ، وَخَرَجَ قَارِنٌ يَدْعُو لِلْبِرَازِ، فَبَرَزَ لَهُ خَالِدٌ وَأَبْيَضُ الرُّكْبَانِ مَعْقِلُ بْنُ الأَعْشَى بْنِ النَّبَّاشِ، فَابْتَدَرَاهُ، فَسَبَقَهُ إِلَيْهِ مَعْقِلٌ، فَقَتَلَهُ وَقَتَلَ عَاصِمٌ الأَنُوشَجَانَ، وَقَتَلَ عَدِيُّ قُبَاذَ وَكَانَ شَرَفُ قَارِنٍ قَدِ انْتَهَى، ثَمَّ لَمْ يقاتل الْمُسْلِمُونَ بَعْدَهُ أَحَدًا انْتَهَى شَرَفُهُ فِي الأَعَاجِمِ، وَقُتِلَتْ فَارِسُ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً، فَضَمُّوا السُّفُنَ، وَمَنَعَتِ الْمِيَاهُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ طَلَبِهِمْ، وَأَقَامَ خَالِدٌ بِالمذارِ، وَسلَّمَ الأَسْلابَ لِمَنْ سَلَبَهَا بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، وَقَسَّمَ الْفَيْءَ وَنَفَّلَ مِنَ الأَخْمَاسِ أَهْلَ الْبَلاءِ، وَبَعَثَ بِبَقِيَّةِ الأَخْمَاسِ، وَوَفَّدَ وَفْدًا مَعَ سَعِيدِ بْنِ النُّعْمَانِ أَخِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني عمي، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عن أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: قُتِلَ لَيْلَةَ المذارِ ثَلاثُونَ أَلْفًا سِوَى مَنْ غَرِقَ، وَلَوْلا الْمِيَاهُ لأُتِيَ عَلَى آخِرِهِمْ، وَلَمْ يُفْلِتْ مِنْهُمْ مَنْ أَفْلَتَ إِلا عُرَاةً وَأَشْبَاهَ الْعُرَاةِ.
قَالَ سَيْفٌ، عَنْ عَمْرٍو وَالْمُجَالِدِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَانَ أَوَّلُ مَنْ لَقِيَ خَالِدٌ مَهْبَطَهُ الْعِرَاقِ هُرْمُزَ بِالْكَوَاظِمِ، ثُمَّ نَزَلَ الْفُرَاتَ بِشَاطِئِ دِجْلَةَ، فَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا، وَتَبَحْبَحَ بِشَاطِئِ دِجْلَةَ، ثُمَّ الثَّنِيِّ، وَلَمْ يَلْقَ بَعْدَ هُرْمُزَ أَحَدًا إِلا كَانَتِ الْوَقْعَةُ الآخِرَةُ أَعْظَمَ مِنَ الَّتِي قَبْلَهَا، حَتَّى أَتَى دَوْمَةَ الْجَنْدَلِ، وَزَادَ سَهْمُ الْفَارِسِ فِي يَوْمِ الثَّنِيِّ عَلَى سَهْمِهِ فِي ذَاتِ السَّلاسِلِ.
فَأَقَامَ خَالِدٌ بِالثَّنِيِّ يُسْبِي عِيَالاتِ الْمُقَاتِلَةِ وَمَنْ أَعَانَهُمْ، وَأَقَرَّ الْفَلاحِينَ وَمَنْ أَجَابَ إِلَى الْخَرَاجِ مِنْ جميع الناس بعد ما دُعُوا، وَكُلُّ ذَلِكَ أُخِذَ عَنْوَةً وَلَكِنْ دُعُوا إِلَى الْجَزَاءِ، فَأَجَابُوا وَتَرَاجَعُوا، وَصَارُوا ذِمَّةً، وَصَارَتْ أَرْضُهُمْ لَهُمْ، كَذَلِكَ جَرَى مَا لَمْ يُقَسَّمْ، فَإِذَا اقْتَسَمَ فَلا.
وَكَانَ فِي السَّبْيِ حَبِيبٌ أَبُو الْحَسَنِ- يَعْنِي أَبَا الْحَسَنِ الْبَصْرِيَّ- وَكَانَ نَصْرَانِيَّا، وَمَافِنَةُ مَوْلَى عُثْمَانَ، وَأَبُو زِيَادٍ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ.
وَأَمَّرَ عَلَى الْجُنْدِ سَعِيدَ بْنَ النُّعْمَانِ، وَعَلَى الْجَزَاءِ سُوَيْدَ بْنَ مُقَرِّنٍ الْمُزَنِيَّ، وَأَمَرَهُ بِنُزُولِ الْحَفِيرِ، وَأَمَرَهُ بِبَثِّ عُمَّالِهِ ووضع يده في الجبايه، واقام لعدوه يتجسس الاخبار.

ذكر وقعه الولجة
ثُمَّ كَانَ أَمْرُ الْولجَةِ فِي صَفَرٍ مِنْ سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشَرَةَ، وَالولجة مِمَّا يَلِي كَسْكَرٍ مِنَ الْبَرِّ.
حَدَّثَنَا عبيد اللَّه، قال: حَدَّثَنِي عمي، قال: حدثني سيف، عن عمرو والمجالد، عن الشعبي قال لما فرغ خالد من الثني واتى الخبر أردشير، بعث الاندرزغر، وكان فارسيا من مولدي السواد.
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ الله، قال: حدثني عمي، قال: حدثني سيف، عَنْ زِيَادِ بْنِ سَرْجِسَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سِيَاهٍ، قَالَ -وَفِيمَا كَتَبَ بِهِ إِلَيَّ السري، قال: حدثنا شعيب قال: حدثنا سيف، عَنِ الْمُهَلَّبِ بْنِ عُقْبَةَ وَزِيَادِ بْنِ سَرْجِسَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سِيَاهٍ- قَالُوا: لَمَّا وَقَعَ الْخَبَرُ بِأَرْدَشِيرَ بِمُصَابِ قَارِنٍ وَأَهْلِ الْمذارِ، أَرْسَلَ الأندرزغر، -وَكَانَ فَارِسِيًّا مِنْ مَوْلِدِي السَّوَادِ وَتَنَائِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ مِمَّنْ وُلِدَ فِي الْمَدَائِنِ وَلا نَشَأَ بِهَا- وَأَرْسَلَ بهمن جَاذُوَيْهِ فِي أَثَرِهِ فِي جَيْشٍ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْبُرَ طَرِيقَ الأندرزغرِ، وَكَانَ الأندرزغرُ قَبْلَ ذَلِكَ عَلَى فَرْجِ خُرَاسَانَ، فَخَرَجَ الأندرزغرُ سَائِرًا مِنَ الْمَدَائِنِ حَتَّى أَتَى كَسْكَرٍ، ثُمَّ جَازَهَا إِلَى الْولجةِ، وَخَرَجَ بهمنُ جَاذُوَيْهِ فِي أَثَرِهِ، وَأَخَذَ غَيْرَ طَرِيقِهِ، فَسَلَكَ وَسْطَ السَّوَادِ، وَقَدْ حُشِرَ إِلَى الأندرزغرِ مِنْ بَيْنَ الْحِيرَةِ وَكَسْكَرٍ مِنْ عَرَبِ الضَّاحِيَةِ وَالدَّهَّاقِينِ فَعَسْكَرُوا إِلَى جَنْبِ عَسْكَرِهِ بِالولجةِ، فَلَمَّا اجْتَمَعَ لَهُ مَا أَرَادَ وَاسْتَتَمَّ أَعْجَبَهُ مَا هُوَ فِيهِ، وَأَجْمَعَ السَّيْرَ إِلَى خَالِدٍ، وَلَمَّا بَلَغَ خَالِدًا وَهُوَ بِالثَّنِيِّ خَبَرُ الأندرزغرِ وَنُزُولِهِ الْولجةَ، نَادَى بِالرَّحِيلِ، وَخَلَّفَ سُوَيْدَ بْنَ مُقَرِّنٍ، وَأَمَرَهُ بِلُزُومِ الْحَفِيرِ، وَتَقَدَّمَ إِلَى مَنْ خُلِّفَ فِي أَسْفَلِ دِجْلَةَ، وَأَمَرَهُمْ بِالْحَذَرِ وَقِلَّةِ الْغَفْلَةِ، وَتَرْكِ الاغْتِرَارِ، وَخَرَجَ سَائِرًا فِي الْجُنُودِ نَحْوَ الْولجةِ، حَتَّى يَنْزِلَ عَلَى الأندرزغرِ وَجُنُودِهِ وَمَنْ تَأَشَّبَ إِلَيْهِ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالا شَدِيدًا، هُوَ أَعْظَمُ مِنْ قتال الثني حدثنا عبيد الله، قال: حدثني عمي، عن سَيْفٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عُثْمَانَ، قَالَ: نَزَلَ خَالِدٌ عَلَى الأندرزغرِ بِالولجةِ فِي صَفَرٍ، فَاقْتَتَلُوا بِهَا قِتَالا شَدِيدًا، حَتَّى ظَنَّ الْفَرِيقَانِ ان الصبر قد فرغ، وَاسْتَبْطَأَ خَالِدٌ كَمِينَهُ، وَكَانَ قَدْ وَضَعَ لَهُمْ كَمِينًا فِي نَاحِيَتَيْنِ، عَلَيْهِمْ بُسْرُ بْنُ أَبِي رُهْمٍ وَسَعِيدُ بْنُ مُرَّةَ الْعِجْلِيُّ، فَخَرَجَ الْكَمِينُ فِي وَجْهَيْنِ، فَانْهَزَمَتْ صُفُوفُ الأَعَاجِمِ وَوَلَّوْا، فَأَخَذَهُمْ خَالِدٌ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَالْكَمِينُ مِنْ خَلْفِهِمْ، فَلَمْ يَرَ رَجُلٌ مِنْهُمْ مَقْتَلَ صَاحِبِهِ، وَمَضَى الأندرزغرُ فِي هَزِيمَتِهِ، فَمَاتَ عَطَشًا وَقَامَ خَالِدٌ فِي النَّاسِ خَطِيبًا يُرَغِّبُهُمْ فِي بِلادِ الْعَجَمِ، وَيُزَهِّدُهُمْ فِي بِلادِ الْعَرَبِ، وَقَالَ: أَلا تَرَوْنَ إِلَى الطَّعَامِ كَرَفْغِ التُّرَابِ وَبِاللَّهِ لَوْ لَمْ يُلْزِمْنَا الْجِهَادُ فِي اللَّهِ وَالدُّعَاءُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَمْ يَكُنْ إِلا الْمَعَاشُ لَكَانَ الرَّأْيُ أَنْ نُقَارِعَ عَلَى هَذَا الرِّيفِ حَتَّى نَكُونَ أَوْلَى بِهِ، وَنُوَلِّي الْجُوعَ وَالإِقْلالِ مَنْ تَوَلاهُ مِمَّنِ اثَّاقَلَ عَمَّا أَنْتُمْ عَلَيْهِ وَسَارَ خَالِدٌ فِي الْفَلاحِينَ بِسِيرَتِهِ فَلَمْ يَقْتُلْهُمْ، وَسَبَى ذَرَارِيَّ الْمُقَاتِلَةِ وَمَنْ أَعَانَهُمْ، وَدَعَا أَهْلَ الأَرْضِ إِلَى الْجَزَاءِ وَالذِّمَّةِ، فَتَرَاجَعُوا.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ -وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، قال: حدثني عمي، عن سيف- عن عمرو، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: بَارَزَ خَالِدٌ يَوْمَ الولجةِ رَجُلا مِنْ أَهْلِ فَارِسَ يَعْدِلُ بِأَلْفِ رَجُلٍ فَقَتَلَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ اتَّكَأَ عَلَيْهِ، وَدَعَا بِغَدَائِهِ وَأَصَابَ فِي أُنَاسٍ مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ ابْنًا لِجَابِرِ بْنِ بُجَيْرٍ وَابْنًا لِعَبْدِ الأَسْوَدِ.

خبر أليس، وهي على صلب الفرات
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ وَطَلْحَةَ بْنِ الأَعْلَمِ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عُتَيْبَةَ وَأَمَّا السَّرِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ: حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله عن أَبِي عُثْمَانَ، وَطَلْحَةَ بْنِ الأَعْلَمِ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عُتَيْبَةَ، قَالا: وَلَمَّا أَصَابَ خَالِدٌ يَوْمَ الولجةِ مَنْ أَصَابَ مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ مِنْ نَصَارَاهُمُ الَّذِينَ أَعَانُوا أَهْلَ فَارِسٍ غَضَبَ لَهُم نَصَارَى قَوْمِهِمْ، فَكَاتَبُوا الأَعَاجِمَ وَكَاتَبَتْهُمُ الأَعَاجِمُ، فَاجْتَمَعُوا إِلَى أُلَيْسَ، وَعَلَيْهِمْ عَبْدُ الأَسْوَدِ الْعِجْلِيُّ، وَكَانَ أَشَدَّ النَّاسِ عَلَى أُولَئِكَ النَّصَارَى مُسْلِمُو بَنِي عِجْلٍ: عُتَيْبَةُ بْنُ النَّهَّاسِ وَسَعِيدُ بْنُ مُرَّةَ وَفُرَاتُ بْنُ حَيَّانَ وَالْمُثَنَّى بْنُ لاحِقٍ ومذعور ابن عَدِيٍّ وَكَتَبَ أَرْدشِيرُ إِلَى بهمنَ جَاذُوَيْهِ، وَهُوَ بقسيانا -وَكَانَ رَافِدَ فَارِسَ فِي يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ شَهْرِهِمْ وَبَنَوْا شُهُورَهُمْ كُلَّ شَهْرٍ عَلَى ثَلاثِينَ يَوْمًا، وَكَانَ لأَهْلِ فَارِسَ فِي كُلِّ يَوْمٍ رَافِدٌ قَدْ نُصِّبَ لِذَلِكَ يَرْفُدُهُمْ عِنْدَ الْمَلِكِ، فكان رافدهم بهمن روز- أَنْ سِرْ حَتَّى تَقْدِمَ أُلَيْسَ بِجَيْشِكَ إِلَى مَنِ اجْتَمَعَ بِهَا مِنْ فَارِسَ وَنَصَارَى الْعَرَبِ فقدم بهمن جَاذُوَيْهِ جَابَانَ وَأَمَرَهُ بِالْحَثِّ، وَقَالَ: كَفْكِفْ نَفْسَكَ وَجُنْدَكَ مِنْ قِتَالِ الْقَوْمِ حَتَّى أَلْحَقَ بِكَ إِلا أَنْ يَعْجَلُوكَ. فَسَارَ جَابَانُ نَحْوَ أُلَيْسَ، وَانْطَلَقَ بهمنُ جَاذُوَيْهِ إِلَى أردشيرَ لِيحدثَ بِهِ عَهْدًا، وَلِيَسْتَأْمِرَهُ فِيمَا يُرِيدُ أَنْ يُشِيرَ بِهِ، فَوَجَدَهُ مَرِيضًا، فَعَرَجَ عَلَيْهِ، وَأَخْلَى جَابَانُ بِذَلِكَ الْوَجْهِ، وَمَضَى حَتَّى أَتَى أُلَيْسَ، فَنَزَلَ بِهَا فِي صَفَرٍ، وَاجْتَمَعَتْ إِلَيْه الْمَسَالِحُ الَّتِي كَانَتْ بِإِزَاءِ الْعَرَبِ، وَعَبْدُ الأَسْوَدِ فِي نَصَارَى الْعَرَبِ مِنْ بَنِي عِجْلٍ وَتَيْمِ اللاتِ وَضُبَيْعَةَ وَعَرَبِ الضَّاحِيَةِ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ، وَكَانَ جَابِرُ بْنُ بُجَيْرٍ نَصْرَانِيًّا، فَسَانَدَ عَبْدَ الأَسْوَدِ، وَقَدْ كَانَ خَالِدٌ بَلَغَهُ تَجَمُّعُ عَبْدِ الأَسْوَدِ وَجَابِرٍ وَزُهَيْرٍ فيمن تأشب اليهم، فنهدلهم وَلا يَشْعُرُ بِدُنُوِّ جَابَانَ، وَلَيْسَتْ لِخَالِدٍ هِمَّةٌ إِلا مَنْ تَجَمَّعَ لَهُ مِنْ عَرَبِ الضَّاحِيَةِ وَنَصَارَاهُمْ، فَأَقْبَلَ فَلَمَّا طَلَعَ عَلَى جَابَانَ بِأُلَيْسَ، قالت الأعاجم لجابان: انعاجلهم أم نغدى الناس ولا نُرِيهِمْ إِنَّا نَحْفَلُ بِهِمْ، ثُمَّ نُقَاتِلُهُمْ بَعْدَ الْفَرَاغِ؟ فَقَالَ جَابَانُ: إِنْ تَرَكُوكُمْ وَالتَّهَاوُنَ بِكُمْ فتهاونوا، ولكن ظني بهم ان سيعجلونكم ويعجلونكم عَنِ الطَّعَامِ فَعَصَوْهُ وَبَسَطُوا الْبُسُطَ وَوَضَعُوا الأَطْعِمَةَ، وتداعوا إليها، وتوافوا عليها فَلَمَّا انْتَهَى خَالِدٌ إِلَيْهِمْ، وَقَفَ وَأَمَرَ بِحَطِّ الأَثْقَالِ، فَلَمَّا وُضِعَتْ تَوَجَّهَ إِلَيْهِمْ، وَوَكَّلَ خَالِدٌ بنفسه حوامى يحمون ظهره، ثم بدر أَمَامَ الصَّفِّ، فَنَادَى: أَيْنَ أَبْجَرُ؟ أَيْنَ عَبْدُ الأَسْوَدِ؟ أَيْنَ مَالِكُ بْنُ قَيْسٍ؟
رجل من جذرة، فَنَكَلُوا عَنْهُ جَمِيعًا إِلا مَالِكًا، فَبَرَزَ له، فقال له خالد: يا بن الْخَبِيثَةِ، مَا جَرَّأَكَ عَلَيَّ مِنْ بَيْنِهِمْ، وَلَيْسَ فِيكَ وَفَاءٌ! فَضَرَبَهُ فَقَتَلَهُ، وَأَجْهَضَ الأَعَاجِمَ عَنْ طَعَامِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَأْكُلُوا، فَقَالَ جَابَانُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ يَا قَوْمُ! أَمَا وَاللَّهِ مَا دَخَلَتْنِي مِنْ رَئِيسٍ وَحْشَةٌ قَطُّ حَتَّى كَانَ الْيَوْمُ، فَقَالُوا حَيْثُ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الأَكْلِ تَجَلُّدَا: نَدَعَهَا حَتَّى نَفْرُغَ مِنْهُمْ، وَنَعُودَ إِلَيْهَا.
فَقَالَ جَابَانُ: وَأَيْضًا أَظُنُّكُمْ وَاللَّهِ لَهُمْ وَضَعْتُمُوهَا وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ، فَالآنَ فَأَطِيعُونِي، سِمُّوهَا، فَإِنْ كَانَتْ لَكُمْ فَأَهْوَنُ هَالِكٍ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْكُمْ كُنْتُمْ قَدْ صَنَعْتُمْ شَيْئًا، وَأَبْلَيْتُمْ عُذْرًا فَقَالُوا: لا، اقتدارا عَلَيْهِمْ فَجَعَلَ جَابَانُ عَلَى مُجَنِّبَتَيْهِ عَبْدَ الأَسْوَدِ وابجر، وخالد على تعبئته فِي الأَيَّامِ الَّتِي قَبْلِهَا، فَاقْتَتَلُوا قِتَالا شَدِيدًا، وَالْمُشْرِكُونَ يَزِيدُهُمْ كَلَبًا وَشِدَّةً مَا يَتَوَقَّعُونَ مِنْ قُدُومِ بهمنَ جَاذُوَيْهِ، فَصَابَرُوا الْمُسْلِمِينَ لِلَّذِي كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنْ يُصَيِّرَهُمْ إِلَيْهِ، وَحَرِبَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ خَالِدٌ: اللَّهُمَّ إِنَّ لَكَ عَلَيَّ إِنْ مَنَحْتَنَا أَكْتَافَهُمْ أَلا أَسْتَبْقِي مِنْهُمْ أَحَدًا قَدَرْنَا عَلَيْهِ حَتَّى أُجْرِيَ نَهْرَهُمْ بِدِمَائِهِمْ! ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَشَفَهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ، وَمَنَحَهُمْ أَكْتَافَهُمْ، فَأَمَرَ خَالِدٌ مُنَادِيَهُ، فَنَادَى فِي النَّاسِ: الأَسْرَ الأَسْرَ! لا تَقْتُلُوا إِلا مَنِ امْتَنَعَ، فَأَقْبَلَتِ الْخُيُولُ بِهِمْ أَفْوَاجًا مُسْتَأْسَرِينَ يُسَاقُونَ سَوْقًا، وَقَدْ وَكَّلَ بِهِم رِجَالا يَضْرِبُونَ أَعْنَاقَهُمْ فِي النَّهْرِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَطَلَبُوهُمُ الْغَدَ وَبَعْدَ الْغَدِ، حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى النَّهْرَيْنِ، وَمِقْدَارِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ جَوَانِبِ أُلَيْسَ فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ، وَقَالَ لَهُ الْقَعْقَاعُ وَأَشْبَاهٌ لَهُ: لَوْ أَنَّكَ قَتَلْتَ أَهْلَ الأَرْضِ لَمْ تَجْرِ دِمَاؤُهُمْ، إِنَّ الدِّمَاءَ لا تَزِيدُ عَلَى أَنْ تَرَقْرَقَ مُنْذُ نَهَيْتَ عَنِ السَّيَلانِ، وَنُهِيَتِ الأَرْضُ عَنْ نَشْفِ الدِّمَاءِ، فَأَرْسِلْ عَلَيْهَا، الْمَاءَ تَبَرَّ يَمِينُكَ وَقَدْ كَانَ صَدَّ الْمَاءَ عَنِ النَّهْرِ فَأَعَادَهُ، فَجَرَى دَمًا عَبِيطًا فَسُمِّيَ نَهْرَ الدَّمِ لِذَلِكَ الشَّأْنِ إِلَى الْيَوْمِ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ بَشِيرُ بْنُ الْخَصَّاصِيَّةِ، قَالَ: وَبَلَغَنَا أَنَّ الأَرْضَ لَمَّا نَشَّفَتْ دَمَ ابْنِ آدَمَ نُهِيَتْ عَنْ نَشْفِ الدِّمَاءِ، وَنُهِيَ الدَّمُ عَنِ السَّيَلانِ إِلا مِقْدَارَ برْدِهِ.
وَلَمَّا هُزِمَ الْقَوْمُ وَأُجْلَوْا عَنْ عَسْكَرِهِمْ، وَرَجَعَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ طَلَبِهِمْ وَدَخَلُوهُ، وَقَفَ خَالِدٌ عَلَى الطَّعَامِ، فَقَالَ: قَدْ نَفَّلْتُكُمُوهُ فَهُوَ لَكُمْ وَقَالَ: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا أَتَى عَلَى طَعَامٍ مَصْنُوعٍ نَفَّلَهُ فَقَعَدَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ لِعَشَائِهِمْ بِاللَّيْلِ، وَجَعَلَ مَنْ لَمْ يَرَ الأَرْيَافَ وَلا يَعْرِفَ الرِّقَاقَ يَقُولُ: مَا هذه الرقاق الْبِيضِ! وَجَعَلَ مَنْ قَدْ عَرَفَهَا يُجِيبُهُمْ، وَيَقُولُ لَهُمْ مَازِحًا: هَلْ سَمِعْتُمْ بِرَقِيقِ الْعَيْشِ؟ فَيَقُولُونَ: نعم، فيقول: هُوَ هَذَا، فَسُمِّيَ الرِّقَاقُ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ تُسَمِّيهِ، الْقَرَى.
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، قال: حَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَمَّنْ حَدَّثَ، عَنْ خَالِدٍ، أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نَفَلَ النَّاسَ يَوْمَ خَيْبَرَ الْخُبْزَ وَالطَّبِيخَ وَالشِّوَاءَ، وَمَا أَكَلُوا غَيْرَ ذَلِكَ فِي بُطُونِهِمْ غَيْرَ مُتَأَثِّلِيهِ.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: كَانَتْ عَلَى النَّهْرِ أَرْحَاءُ، فَطَحَنتْ بِالْمَاءِ وَهُوَ أَحْمَرُ قُوتَ الْعَسْكَرِ، ثَمَانِيَةَ عَشْرَ أَلْفًا أَوْ يَزِيدُونَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَبَعَثَ خَالِدٌ بِالْخَبَرِ مَعَ رَجُلٍ يدعى جَنْدَلا مِنْ بَنِي عِجْلٍ، وَكَانَ دَلِيلا صَارِمًا، فَقَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ بِالْخَبَرِ، وَبِفَتْحِ أُلَيْسَ، وَبِقَدْرِ الْفَيْءِ وَبِعِدَّةِ السَّبْيِ، وَبِمَا حَصَلَ مِنَ الأَخْمَاسِ، وَبِأَهْلِ الْبَلاءِ مِنَ النَّاسِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَرَأَى صَرَامَتَهُ وَثَبَاتَ خَبَرِهِ، قَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: جَنْدَلٌ، قَالَ: وَيْهًا جَنْدلُ!

نَفْسُ عِصَامٍ سَوَّدَتْ عِصَامًا *** وَعَوَّدَتْهُ الْكَرَّ وَالإِقْدَامَا

وَأَمَرَ لَهُ بِجَارِيَةٍ مِنْ ذَلِكَ السَّبْيِ، فَوَلَدَتْ لَهُ.
قَالَ: وَبَلَغَتْ قَتْلاهُمْ مِنْ أُلَيْسَ سَبْعِينَ أَلْفًا جُلَّهُمْ مِنْ أَمْغِيشِيَا.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: قَالَ لَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ: قَالَ عَمِّي: سَأَلْتُ عَنْ أَمْغِيشْيَا بِالْحِيرَةِ فَقِيلَ لِي: مَنِشيَا، فَقُلْتُ لِسَيْفٍ، فَقَالَ: هَذَانِ اسْمَانِ.

حديث أمغيشيا
في صفر، وأفاءها اللَّه عز وجل بغير خيل. حَدَّثَنَا عبيد اللَّه، قال: حدثني عمي، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عن أبي عُثْمَان وطلحه، عن المغيره، قال: لما فرغ خالد من وقعة أليس، نهض فأتى أمغيشيا، وقد أعجلهم عما فيها، وقد جلا أهلها، وتفرقوا في السواد، ومن يومئذ صارت السكرات في السواد، فأمر خالد بهدم أمغيشيا وكل شيء كان في حيزها، وكانت مصرا كالحيرة، وكان فرات بادقلى ينتهي إليها، وكانت أليس من مسالحها، فأصابوا فيها ما لم يصيبوا مثله قط.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ بَحْرِ بْنِ الفُرَاتِ العِجْلِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمْ يُصِبِ الْمُسْلِمُونَ فِيمَا بَيْنَ ذَاتِ السَّلاسِلِ وَأَمْغِيشِيَا مِثْلَ شَيْءٍ أَصَابُوهُ فِي أَمْغِيشِيَا، بَلَغَ سَهْمُ الْفَارِسِ ألفا وخمسمائة، سِوَى النَّفَلِ الَّذِي نَفَلَهُ أَهْلُ الْبَلاءِ وَقَالُوا جَمِيعًا: قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ حِينَ بَلَغَهُ ذَلِكَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، يُخْبِرُهُمْ بِالْذِي أَتَاهُ: عَدَا أَسَدُكُمْ عَلَى الأَسَدِ فَغَلَبَهُ عَلَى خراذيله، أعجزت النساء ان ينسلن مِثْلَ خَالِدٍ!

حديث يوم المقر وفم فرات بادقلى
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد، عن أَبِي عُثْمَانَ وَطَلْحَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ: أَنَّ الآزَاذبَةَ كَانَ مَرْزُبَانَ الْحِيرَةِ أَزْمَانَ كِسْرَى إِلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ، فَكَانُوا لا يَمُدُّ بَعْضَهُمْ بَعْضًا إِلا بِإِذْنِ الْمَلِكِ، وَكَانَ قَدْ بَلَغَ نِصْفَ الشَّرَفِ، وَكَانَ قِيمَةُ قَلَنْسُوَتِهِ خَمْسِينَ أَلْفًا، فَلَمَّا أَخْرَبَ خَالِدٌ أَمْغِيشِيَا، وَعَادَ أَهْلُهَا سكراتٍ لِدَهَاقِينِ الْقُرَى عَلِمَ الآزَاذبَةَ أَنَّهُ غَيْرُ مَتْرُوكٍ، فَأَخَذَ فِي أَمْرِهِ وَتَهَيَّأَ لِحَرْبِ خَالِدٍ، وَقَدَّمَ ابْنَهُ ثُمَّ خَرَجَ فِي أَثَرِهِ حَتَّى عَسْكَرَ خَارِجًا مِنَ الْحِيرَةِ، وَأَمَرَ ابْنَهُ بِسَدِّ الْفُرَاتِ، وَلَمَّا اسْتَقَلَّ خَالِدٌ مِنْ أَمْغِيشِيَا وَحَمَلَ الرَّجُلَ فِي السُّفُنِ مع الانفال والانقال، لَمْ يَفْجَأْ خَالِدٌ إِلا وَالسُّفُنُ جَوَانِحٌ، فَارْتَاعُوا لِذَلِكَ، فَقَالَ الْمَلاحُونَ: إِنَّ أَهْلَ فَارِسَ فَجَّرُوا الأَنْهَارَ، فَسَلَكَ الْمَاءُ غَيْرَ طَرِيقِهِ، فَلا يَأْتِينَا الْمَاءُ إِلا بِسَدِّ الأَنْهَارِ، فَتَعَجَّلَ خَالِدٌ فِي خَيْلٍ نَحْوَ ابْنِ الآزَاذبَةَ، فَتَلَقَّاهُ عَلَى فَمِ العتيق خيل من خيله، فجاهم وَهُمْ آمِنُونَ لِغَارَةِ خَالِدٍ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ، فَأَنَامَهُمْ بِالْمِقَرِّ، ثُمَّ سَارَ مِنْ فَوْرِهِ وَسَبَقَ الأَخْبَارَ إِلَى ابْنِ الآزَاذبَةَ حَتَّى يَلْقَاهُ وَجُنْدَهُ عَلَى فَمِ فُرَاتِ بَادِقْلَى، فَاقْتَتَلُوا فَأَنَامَهُمْ، وَفَجَّرَ الْفُرَاتَ وَسَدَّ الأَنْهَارِ وَسَلَكَ الْمَاءُ سَبِيلَهُ.
كَتَبَ إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد، عن أبي عثمان وطلحة عن المغيرة، وَبَحْرٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالُوا وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، قال: حدثني عمي، قال: حدثنا سيف، عن محمد عن أبي عثمان، وطلحة عن المغيرة، قَالا: لَمَّا أَصَابَ خَالِدٌ ابْنَ الآزَاذبَةَ عَلَى فَمِ فُرَاتِ بَادِقْلَى، قَصَدَ لِلْحِيرَةِ، وَاسْتَلْحَقَ أَصْحَابَهُ، وَسَارَ حَتَّى يَنْزِلَ بَيْنَ الْخَوَرْنَقِ وَالنَّجَفِ، فَقَدِمَ خَالِدٌ الْخَوَرْنَقَ، وَقَدْ قَطَعَ الآزَاذبَةَ الْفُرَاتَ هَارِبًا مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ، وَإِنَّمَا حَدَاهُ عَلَى الْهَرَبِ أَنَّ الْخَبَرَ وَقَعَ إِلَيْهِ بِمَوْتِ أَرْدَشِيرَ وَمُصَابِ ابْنِهِ، وَكَانَ عَسْكَرُهُ بَيْنَ الْغَرِيَّيْنِ وَالْقَصْرِ الأَبْيَضِ وَلَمَّا تَتَامَّ أَصْحَابُ خَالِدٍ إِلَيْهِ بِالْخَوَرْنَقِ خَرَجَ مِنَ الْعَسْكَرِ حَتَّى يُعَسْكِرَ بِمَوْضِعِ عَسْكَرِ الآزَاذبَةَ بَيْنَ الْغَرِيَّيْنِ وَالْقَصْرِ الأَبْيَضِ، وَأَهْلِ الْحِيرَةِ مُتَحَصِّنُونَ، فَأَدْخَلَ خَالِدٌ الْحِيرَةَ الْخَيْلَ مِنْ عَسْكَرِهِ، وَأَمَّرَ بِكُلِّ قَصْرٍ رَجُلا مِنْ قُوَّادِهِ يُحَاصِرُ أَهْلَهُ وَيُقَاتِلُهُمْ، فَكَانَ ضِرَارُ بْنُ الأَزْوَرِ مُحَاصِرًا الْقَصْرَ الأَبْيَضَ، وَفِيهِ إِيَاسُ بْنُ قُبَيْصَةَ الطَّائِيُّ، وَكَانَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطَّابِ مُحَاصِرًا قَصْرَ الْعَدْسِيِّينَ وَفِيهِ عَدِيُّ بْنُ عَدِيٍّ الْمَقْتُولُ، وَكَانَ ضِرَارُ بْنُ مُقَرِّنٍ الْمُزَنِيُّ عَاشِرَ عَشَرَةِ إِخْوَة لَهُ مُحَاصِرًا قَصْرَ بَنِي مَازِنٍ، وَفِيهِ ابْنُ أَكَّالٍ، وَكَانَ الْمُثَنَّى مُحَاصِرًا قَصْرَ ابْنِ بقيله وفيه عمرو ابن عَبْدِ الْمَسِيحِ، فَدَعَوْهُمْ جَمِيعًا، وَأَجلُوهُمْ يَوْمًا، فَأَبَى أَهْلُ الْحِيرَةِ وَلَجُّوا، فَنَاوَشَهُمُ الْمُسْلِمُونَ.
حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، عَنْ سَيْفٍ، عَنِ الْغُصْنِ بْنِ الْقَاسِمِ، رَجُلٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ -قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: هَكَذَا قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ وَقَالَ السَّرِيُّ فِيمَا كَتَبَ بِهِ إِلَيَّ: حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنْ سَيْفٍ، عَنِ الْغُصْنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ- قَالَ: عَهَدَ خَالِدٌ إِلَى أُمَرَائِهِ أَنْ يَبْدَءُوا بِالدُّعَاءِ، فَإِنْ قَبِلُوا قَبِلُوا مِنْهُمْ وَإِنْ أَبَوْا أَنْ يُؤَجِّلُوهُمْ يَوْمًا، وَقَالَ: لا تُمَكِّنُوا عَدُوَّكُمْ مِنْ آذَانِكُمْ، فَيَتَرَبَّصُوا بِكُمُ الدَّوَائِرَ، وَلَكِنْ نَاجِزُوهُمْ ولا ترددوا الْمُسْلِمِينَ عَنْ قِتَالِ عَدُوِّهِمْ فَكَانَ أَوَّلُ الْقُوَّاد أَنْشَبَ الْقِتَالَ بَعْدَ يَوْمٍ أَجَّلُوهُمْ فِيهِ ضِرَارَ بْنَ الأَزْوَرِ، وَكَانَ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الْقَصْرِ الأَبْيَضِ، فَأَصْبَحُوا وَهُمْ مُشْرِفُونَ، فَدَعَاهُمْ إِلَى إِحْدَى ثَلاثٍ: الإِسْلامِ، أَوِ الْجَزَاءِ، أَوِ الْمُنَابَذَةِ، فَاخْتَارُوا الْمُنَابَذَةَ وَتَنَادَوْا: عَلَيْكُمُ الْخَزَازِيفُ، فَقَالَ ضِرَارٌ: تَنَحَّوْا لا يَنَالُكُمُ الرَّمْيُ، حَتَّى نَنْظُرَ فِي الَّذِي هَتَفُوا بِهِ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنِ امْتَلأَ رَأْسُ الْقَصْرِ مِنْ رِجَالٍ مُتَعَلِّقِي الْمَخَالِي، يَرْمُونَ الْمُسْلِمِينَ بِالْخَزَازِيفِ -وَهِيَ الْمَدَاحِي مِنَ الْخَزَفُ- فَقَالَ ضِرَارٌ: ارْشقُوهُمْ، فَدَنَوْا مِنْهُمْ فَرَشَقَوُهُمْ بِالنَّبْلِ، فَأَعْرَوْا رُءُوسَ الْحِيطَانِ، ثُمَّ بَثُّوا غَارَتَهُمْ فِيمَنْ يَلِيهِمْ، وَصَبَحَ أَمِيرُ كُلِّ قَوْمٍ أَصْحَابَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَافْتَتَحُوا الدُّورَ وَالدِّيرَاتِ، وَأَكْثَرُوا الْقَتْلَ، فَنَادَى الْقِسِّيسُونَ وَالرُّهْبَانُ: يَا أَهْلَ الْقُصُورِ، مَا يَقْتُلُنَا غَيْرُكُمْ فَنَادَى أَهْلُ الْقُصُورِ: يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ، قَدْ قَبِلْنَا وَاحِدَةً مِنْ ثَلاثٍ، فَادْعُوا بِنَا وَكُفُّوا عَنَّا حَتَّى تُبَلِّغُونَا خَالِدًا فَخَرَجَ إِيَاسُ بْنُ قَبِيصَةَ وَأَخُوهُ إِلَى ضِرَارِ بْنِ الأَزْوَرِ، وَخَرَجَ عَدِيُّ بْنُ عَدِيٍّ وَزَيْدُ بْنُ عَدِيٍّ إِلَى ضِرَارِ بْنِ الْخَطَّابِ -وَعَدِيٌّ الأَوْسَطُ الَّذِي رَثَتْهُ أُمُّهُ وَقُتِلَ يَوْمَ ذِي قَارٍ- وَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْمَسِيحِ وَابْنُ أَكَّالٍ، هَذَا إِلَى ضِرَارِ بْنِ مُقَرِّنٍ، وَهَذَا إِلَى الْمُثَنَّى بْنِ حَارِثَةَ، فَأَرْسَلُوهُمْ إِلَى خَالِدٍ وَهُمْ عَلَى مَوَاقِفِهِمْ.
كَتَبَ إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد عن أبي عثمان، وطلحة عن المغيرة، قالا: كَانَ أَوَّلُ مَنْ طَلَبَ الصُّلْحَ عَمْرَو بْنَ عبد المسيح ابن قَيْسِ بْنِ حَيَّانَ بْنِ الْحَارِثِ وَهُوَ بُقَيْلَةُ -وَإِنَّمَا سُمِّيَ بُقَيْلَةَ لأَنَّهُ خَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي بُرْدَيْنِ أَخْضَرَيْنِ، فَقَالُوا: يَا حَارِ مَا أَنْتَ إِلا بُقَيْلَةٌ خَضْرَاءُ- وَتَتَابَعُوا عَلَى ذَلِكَ، فَأَرْسَلَهُمُ الرُّؤَسَاءُ إِلَى خَالِدٍ، مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ ثِقَةٌ، لِيُصَالِحَ عَلَيْهِ أَهْلَ الْحِصْنِ، فَخَلا خَالِدٌ بِأَهْلِ كُلِّ قَصْرٍ مِنْهُمْ دُونَ الآخَرِينَ، وَبَدَأَ بِأَصْحَابِ عَدِيٍّ، وَقَالَ: وَيْحَكُمْ! مَا أَنْتُمْ! أَعَرَبٌ؟ فَمَا تَنْقِمُونَ مِنَ الْعَرَبِ! أَوْ عَجَمٌ؟ فَمَا تَنْقِمُونَ مِنَ الإِنْصَافِ وَالْعَدْلِ! فَقَالَ لَهُ عَدِيٌّ: بَلْ عَرَبٌ عَارِبَةٌ وَأُخْرَى مُتَعَرِّبَةٌ، فَقَالَ: لَوْ كُنْتُمْ كَمَا تَقُولُونَ لَمْ تُحَادُّونَا وَتَكْرَهُوا أَمْرَنَا، فَقَالَ لَهُ عَدِيٌّ: لِيَدُلُّكَ عَلَى مَا نَقُولُ أَنَّهُ لَيْسَ لَنَا لِسَانٌ إِلا بِالْعَرَبِيَّةِ، فَقَالَ: صَدَقْتَ وَقَالَ: اخْتَارُوا وَاحِدَةً مِنْ ثَلاثٍ: أَنْ تَدْخُلُوا فِي دِينِنَا فَلَكُمْ مَا لَنَا وَعَلَيْكُمْ مَا عَلَيْنَا إِنْ نَهَضْتُمْ وَهَاجَرْتُمْ وَإِنْ أَقَمْتُمْ فِي دِيَارِكُمْ، أَوِ الْجِزْيَةَ، أَوِ الْمُنَابَذَةَ وَالْمُنَاجَزَةَ، فَقَدْ وَاللَّهِ أَتَيْتُكُمْ بِقَوْمٍ هُمْ عَلَى الْمَوْتِ أَحْرَصُ مِنْكُمْ عَلَى الْحَيَاةِ فَقَالَ: بَلْ نُعْطِيكَ الْجِزْيَةَ، فَقَالَ خَالِدٌ: تَبًّا لَكُمْ، وَيْحَكُمْ! إِنَّ الْكُفْرَ فَلاةٌ مُضِلَّةٌ، فَأَحْمَقُ الْعَرَبِ مَنْ سَلَكَهَا فَلَقِيَهُ دَلِيلانِ: أَحَدُهُمَا عَرَبِيٌّ فَتَرَكَهُ وَاسْتَدَلَّ الأَعْجَمِيَّ. فَصَالَحُوهُ عَلَى مِائَةِ أَلْفٍ وَتِسْعِينَ أَلْفًا، وَتَتَابَعُوا عَلَى ذَلِكَ، وَأَهْدُوا لَهُ هَدَايَا، وَبَعَثَ بِالْفَتْحِ وَالْهَدَايَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعَ الْهُذَيْلِ الْكَاهِلِيِّ، فَقَبِلَهَا أَبُو بَكْرٍ مِنَ الْجَزَاءِ، وَكَتبَ إِلَى خَالِدٍ أَنِ احْسِبْ لَهُمْ هَدِيَّتَهُمْ مِنَ الْجَزَاءِ، إِلا أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَزَاءِ، وَخُذْ بَقِيَّةَ مَا عَلَيْهِمْ فَقُوِّ بِهَا أَصْحَابَكَ: وَقَالَ ابْنُ بُقَيْلَةَ:

أبعد المنذرين ارى سواما *** تروح بالخورنق والسدير!
وبعد فوارس النعمان أرعى *** قلوصا بين مرة والحفير
فصرنا بعد هلك أبي قبيس *** كجرب المعز في اليوم المطير
تقسمنا القبائل من معد *** علانية كأيسار الجزور
وكنا لا يرام لنا حريم *** فنحن كضرة الضرع الفخور
نؤدي الخرج بعد خراج كسرى *** وخرج من قريظة والنضير
كذاك الدهر دولته سجال *** فيوم من مساءه او سرور

كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عَنِ الْغُصْنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، وَيُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ بِنَحْوٍ مِنْهُ، وَقَالا: فَكَانُوا يَخْتَلِفُونَ إِلَيْهِ وَيُقَدِّمُونَ فِي حَوَائِجِهِمْ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ الْمَسِيحِ، فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ: كَمْ أَتَتْ عَلَيْكَ مِنَ السِّنِينَ قَالَ: مئو سنين، قَالَ: فَمَا أَعْجَبُ مَا رَأَيْتَ؟
قَالَ: رَأَيْتُ الْقُرَى مَنْظُومَةً مَا بَيْنَ دِمَشْقَ وَالْحِيرَةِ، تَخْرُجُ الْمَرْأَةُ مِنَ الْحِيرَةِ فَلا تَزَوَّدُ إِلا رَغِيفًا فَتَبَسَّمَ خَالِدٌ، وَقَالَ: هَلْ لَكَ من شيخك الا عمله؟
خَرِفْتَ وَاللَّهِ يَا عَمْرُو! ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَهْلِ الْحِيرَةِ فَقَالَ: أَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّكُمْ خَبَثَةٌ خَدَعَةٌ مَكَرَةٌ! فَمَا لَكُمْ تَتَنَاوَلُونَ حَوَائِجَكُمْ بِخَرِفٍ لا يُدْرَى مِنْ أَيْنَ جَاءَ! فَتَجَاهَلَ لَهُ عَمْرٌو، وَأَحَبَّ أَنْ يُرِيَهُ مِنْ نَفْسِهِ مَا يَعْرِفُ بِهِ عَقْلُهُ، وَيَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ مَا حَدَّثَهُ بِهِ، فَقَالَ: وَحَقِّكَ أَيُّهَا الأَمِيرُ، إِنِّي لأَعْرِفُ مِنْ أَيْنَ جِئْتُ؟ قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ جِئْتَ؟ قَالَ: أَقْرَبُ أَمْ أَبْعَدُ؟ قَالَ: مَا شِئْتَ، قَالَ: مِنْ بَطْنِ أُمِّي، قَالَ: فَأَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أَمَامِي، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: الآخِرَةَ قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ أَقْصَى أَثَرِكَ؟ قَالَ: مِنْ صُلْبِ أَبِي، قَالَ: فَفِيمَ أَنْتَ؟ قَالَ: فِي ثِيَابِي، قَالَ: أَتَعْقِلُ؟ قَالَ: إِي وَاللَّهِ وأقيدُ قَالَ: فَوَجَدَهُ حِينَ فره عضا، وَكَانَ أَهْلُ قَرْيَتِهِ أَعْلَمَ بِهِ- فَقَالَ خَالِدٌ: قَتَلَتْ أَرْضٌ جَاهِلَهَا، وَقَتَلَ أَرْضًا عَالِمُهَا، وَالْقَوْمُ أَعْلَمُ بِمَا فِيهِمْ فَقَالَ عَمْرٌو: أَيُّهَا الأَمِيرُ النَّمْلَةُ أَعْلَمُ بِمَا فِي بَيْتِهَا مِنَ الْجَمَلِ بِمَا فِي بَيْتِ النَّمْلَةِ وَشَارَكَهُمْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ هَذَا الْمَكَانِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّفَرِ، عَنْ ذِي الْجَوْشَنِ الضَّبَابِيِّ، وَأَمَّا الزُّهْرِيُّ فَإِنَّهُ حَدَّثَنَا بِهِ، فَقَالَ: شَارَكَهُمْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ رَجُلٌ مِنَ الضَّبَابِ.
قَالُوا: وَكَانَ مَعَ ابْنِ بُقَيْلَةَ مُنْصِفٌ لَهُ فَعَلَّقَ كِيسًا فِي حَقْوِهِ، فَتَنَاوَلَ خَالِدٌ الْكِيسَ، وَنَثَرَ مَا فِيهِ فِي رَاحَتِهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا يَا عَمْرُو؟ قَالَ: هَذَا وَأَمَانَةِ اللَّهِ سُمُّ سَاعَةٍ، قَالَ: لم تَحْتَقِبِ السُّمَّ؟ قَالَ: خَشِيتُ أَنْ تَكُونُوا عَلَى غَيْرِ مَا رَأَيْتُ، وَقَدْ أَتَيْتُ عَلَى أَجَلِي، وَالْمَوْتُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مَكْرُوهٍ أُدْخِلُهُ عَلَى قَوْمِي وَأَهْلِ قَرْيَتِي فَقَالَ خَالِدٌ: إِنَّهَا لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتَّى تَأْتِيَ عَلَى أَجَلِهَا، وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ خَيْرِ الأَسْمَاءِ، رَبِّ الأَرْضِ وَرَبِّ السَّمَاءِ، الَّذِي لَيْسَ يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ دَاءٌ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَأَهْوَوْا إِلَيْهِ لِيَمْنَعُوهُ مِنْهُ، وَبَادَرَهُمْ فَابْتَلَعَهُ، فَقَالَ عَمْرٌو: وَاللَّهِ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ لَتَمْلُكُنَّ مَا أَرَدْتُمْ مَا دَامَ مِنْكِم أَحَدٌ أَيُّهَا الْقرن وَأَقْبَلَ عَلَى أَهْلِ الْحِيرَةِ، فَقَالَ: لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ أَمْرًا أَوْضَحَ إِقْبَالا!
وَأَبَى خَالِدٌ أَنْ يُكَاتِبَهَمُ إِلا عَلَى إِسْلامِ كَرَامَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمَسِيحِ إِلَى شُوَيْلٍ، فَثَقَلَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَتْ: هَوِّنُوا عَلَيْكُمْ وَأَسْلِمُوني، فَإِنِّي سَأَفْتَدِي.
فَفَعَلُوا، وَكَتَبَ خَالِدٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ كِتَابًا:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا عَاهَدَ عَلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَدِيًّا وَعَمْرًا ابْنَيْ عَدِيٍّ، وَعَمْرَو بْنَ عَبْدِ الْمَسِيحِ وَإِيَاسَ بْنِ قَبِيصَةَ وَحيريَّ بْنِ أَكَّالٍ، وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: جبرى -وَهُمْ نُقَبَاءُ أَهْلِ الْحِيرَةِ، وَرَضِيَ بِذَلِكَ أَهْلُ الْحِيرَةِ، وَأَمَرُوهُمْ بِهِ- عَاهَدَهُمْ عَلَى تِسْعِينَ وَمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ، تُقْبَلُ فِي كُلِّ سَنَةٍ جَزَاءً عَنْ أَيْدِيهِمْ فِي الدُّنْيَا، رُهْبَانِهِمْ وَقِسِّيسِهِمْ، إِلا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ عَلَى غَيْرِ ذِي يَدٍ، حَبِيسًا عَنِ الدُّنْيَا، تَارِكًا لَهَا -وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: إِلا مَنْ كَانَ غَيْرَ ذِي يَدٍ حَبِيسًا عَنِ الدُّنْيَا، تَارِكًا لَهَا- أَوْ سَائِحًا تَارِكًا لِلدُّنْيَا، وَعَلَى الْمَنْعَةِ، فَإِنْ لَمْ يَمْنَعْهُمْ فَلا شَيْءَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَمْنَعَهُمْ، وَإِنْ غَدَرُوا بِفِعْلٍ أَوْ بِقَوْلٍ فَالذِّمَّةُ مِنْهُمْ بَرِيئَةٌ وَكَتَبَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، وَدَفَعَ الْكِتَابَ إِلَيْهِمْ.
فَلَمَّا كَفَرَ أَهْلُ السَّوَادِ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي بَكْرٍ اسْتَخَفُّوا بِالْكِتَابِ، وَضَيَّعُوهُ، وَكَفَرُوا فِيمَنْ كَفَرَ، وَغَلَبَ عَلَيْهِمْ أَهْلُ فَارِسَ، فَلَمَّا افْتَتَحَ الْمُثَنَّى ثَانِيَةً، أَدْلَوا بِذَلِكَ، فَلَمْ يُجِبْهُمْ إِلَيْهِ، وَعَادَ بِشَرْطٍ آخَرَ، فَلَمَّا غَلَبَ الْمُثَنَّى عَلَى الْبِلادِ كَفَرُوا وَأَعَانُوا وَاسْتَخَفُّوا وَأَضَاعُوا الْكِتَابَ فَلَمَّا افْتَتَحَهَا سَعْدٌ، وَأَدْلَوا بِذَلِكَ سَأَلَهُمْ وَاحِدًا مِنَ الشَّرْطَيْنِ، فَلَمْ يَجِيئُوا بِهِمَا، فَوَضَعَ عَلَيْهِمْ وَتَحَرَّى مَا يَرَى أَنَّهُمْ مطيقون، فوضع عليهم أربعمائة أَلْفٍ سِوَى الْحَرَزةِ.
قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: سِوَى الْخرزةِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، عن سيف -والسري، عن شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ- عن الغصن بن الْقَاسِم الْكِنَانِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ وَيُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالا: كَانَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مِمَّنْ خَرَجَ مَعَ خَالِدِ بْنِ سعيد بن العاصي إِلَى الشَّامِ، فَاسْتَأْذَنَ خَالِدًا إِلَى أَبِي بَكْرٍ لِيُكَلِّمَهُ فِي قَوْمِهِ وَلِيَجْمَعَهُمْ لَهُ، وَكَانُوا أَوْزَاعًا فِي الْعَرَبِ، وَلِيَتَخَلَّصَهُمْ، فَأَذِنَ لَهُ، فَقَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، فَذَكَرَ لَهُ عِدَةً مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَتَاهُ عَلَى الْعِدَةِ بِشُهُودٍ، وَسَأَلَهُ إِنْجَازَ ذَلِكَ، فَغَضِبَ أَبُو بَكْرٍ، وَقَالَ لَهُ: تَرَى شُغْلَنَا وَمَا نَحْنُ فِيهِ بِغَوْثِ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ بِإِزَائِهِمْ مِنَ الأَسَدَيْنِ فَارِسَ وَالرُّومِ، ثُمَّ أَنْتَ تُكَلِّفُنِي التَّشَاغُلَ بِمَا لا يُغْنِي عَمَّا هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ! دَعْنِي وَسِرْ نَحْوَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ حَتَّى أَنْظُرَ مَا يَحْكُمُ اللَّهُ فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ.
فَسَارَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى خَالِدٍ وَهُوَ بِالْحِيرَةِ، وَلَمْ يَشْهَدْ شَيْئًا مِمَّا كَانَ بِالْعِرَاقِ إِلا مَا كَانَ بَعْدَ الْحِيرَةِ، وَلا شَيْئًا مِمَّا كَانَ خَالِدٌ فِيهِ مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ وَقَالَ الْقَعْقَاعُ بْنُ عَمْرٍو فِي أَيَّامِ الْحِيرَةِ:

سَقَى اللَّهُ قَتْلَى بِالْفُرَاتِ مُقِيمَةً *** وَأُخْرَى باثباج النِّجَافِ الْكَوَانِفِ
فَنَحْنُ وَطِئْنَا بِالْكَوَاظِمِ هُرْمُزًا *** وَبِالثَّنِيِّ قَرْنَيْ قَارِنٍ بِالْجَوَارِفِ
وَيَوْمَ أَحَطْنَا بِالْقُصُورِ تَتَابَعَتْ ***على الحيرة الروحاء إِحْدَى الْمَصَارِفِ
حَطَطْنَاهُمْ مِنْهَا وَقَدْ كَادَ عَرْشُهُمْ ***يَمِيلُ بِهِمْ، فِعْلَ الْجَبَانِ الْمُخَالِفِ
رَمَيْنَا عَلَيْهِمْ بِالْقَبُولِ وَقَدْ رَأَوْا *** غَبُوقَ الْمَنَايَا حَوْلَ تِلْكَ الْمَحَارِفِ
صَبِيحَةَ قَالُوا نَحْنُ قَوْمٌ تَنَزَّلُوا ***إِلَى الرِّيفِ مِنْ أَرْضِ الْعُرَيْبِ الْمَقَانِفِ

خبر ما بعد الحيرة

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ جَمِيلٍ الطَّائِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا أُعْطِيَ شُوَيْلٌ كَرَامَةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمَسِيحِ قُلْتُ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: أَلا تَعْجَبَ مِنْ مَسْأَلَةِ شُوَيْلٍ كَرَامَةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمَسِيحِ عَلَى ضَعْفِهِ! قَالَ: كَانَ يَهْرِفُ بِهَا دَهْرَهُ، قَالَ: وذلك انى لما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ مَا رُفِعَ لَهُ مِنَ الْبُلْدَانِ، فَذَكَرَ الْحِيرَةَ فِيمَا رُفِعَ لَهُ، وَكَأَنَّ شُرَفَ قُصُورِهَا أَضْرَاسُ الْكِلابِ، عَرَفَتْ أَنْ قَدْ أُرِيهَا، وَأَنَّهَا ستفتح، فلقيته مَسْأَلَتَهَا.
وَحدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، عَنْ سَيْفٍ، قال: قَالَ لِي عَمْرٌو وَالْمُجَالِدُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ -وَالسَّرِيِّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنِ الْمُجَالِدِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ- قَالَ: لَمَّا قَدِمَ شُوَيْلٌ إِلَى خَالِدٍ، قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ فَتْحَ الْحِيرَةَ، فَسَأَلْتُهُ كَرَامَةً، فَقَالَ: «هِيَ لَكَ إِذَا فُتِحَتْ عَنْوَةً» وَشَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ، وَعَلَى ذَلِكَ صَالَحَهُمْ، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهَا وَأَهْلِ قَرْيَتِهَا مَا وَقَعَتْ فِيهِ، وَأَعْظَمُوا الْخَطَرَ، فَقَالَتْ: لا تَخْطُرُوهُ، وَلَكِنِ اصْبِرُوا، مَا تَخَافُونَ عَلَى امْرَأَةٍ بَلَغَتْ ثَمَانِينَ سَنَةً! فَإِنَّمَا هَذَا رَجُلٌ أَحْمَقُ رَآنِي فِي شَبِيبَتِي فَظَنَّ أَنَّ الشَّبَابَ يَدُومُ.
فَدَفَعُوهَا إِلَى خَالِدٍ، فَدَفَعَهَا خَالِدٌ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: مَا أَرَبُكَ إِلَى عَجُوزٍ كَمَا تَرَى! فَادَنِي، قَالَ: لا، إِلا عَلَى حُكْمِي، قَالَتْ: فَلَكَ حُكْمُكَ مُرْسَلا فَقَالَ: لَسْتِ لأُمِّ شُوَيْلٍ إِنْ نَقَصْتُكِ مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ! فَاسْتَكْثَرَتْ ذَلِكَ لِتَخْدَعَهُ، ثُمَّ أَتَتْهُ بِهَا فَرَجَعَتْ إِلَى أَهْلِهَا، فَتَسَامَعَ النَّاسُ بِذَلِكَ، فَعَنَّفُوهُ، فَقَالَ: مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ عَدَدًا يَزِيدُ عَلَى أَلْفٍ! فَأَبَوْا عَلَيْهِ إِلا أَنْ يُخَاصِمَهُمْ فَخَاصَمَهُمْ، فَقَالَ: كَانَتْ نِيَّتِي غَايَةَ الْعَدَدِ، وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الْعَدَدَ يَزِيدُ عَلَى أَلْفٍ، فَقَالَ خَالِدٌ: أَرَدْتَ أَمْرًا وَأَرَادَ اللَّهُ غَيْرَهُ، نَأْخُذُ بِمَا يَظْهَرُ وَنَدَعْكَ وَنِيَّتَكَ، كَاذِبًا كُنْتَ أَوْ صَادِقًا.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عن سيف، عن عمرو، عن الشعبي، قال: لَمَّا فَتَحَ خَالِدٌ الْحِيرَةَ صَلَّى صَلاةَ الْفَتْحِ ثَمَانِي رَكَعَاتٍ لا يُسَلِّمُ فِيهِنَّ، ثُمَّ انْصَرَفَ، وَقَالَ: لَقَدْ قَاتَلْتُ يَوْمَ مُؤْتَةَ فَانْقَطَعَ فِي يدي تسعه أَسْيَافٍ، وَمَا لَقِيتُ قَوْمًا كَقَوْمٍ لَقِيتُهُمْ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ، وَمَا لَقِيتُ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ قَوْمًا كَأَهْلِ أُلَيْسَ! حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ عَمْرٍو وَالْمُجَالِدِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: صَلَّى خَالِدٌ صَلاةَ الْفَتْحِ، ثُمَّ انْصَرَفَ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ السَّرِيِّ.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني عمي، عن سيف -والسري، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ- عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ -وَكَانَ قَدِمَ مَعَ جَرِيرٍ عَلَى خَالِدٍ- قَالَ: أَتَيْنَا خَالِدًا بِالْحِيرَةِ وَهُوَ مُتَوَشِّحٌ قَدْ شَدَّ ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ يُصَلِّي فِيهِ وَحْدَهُ، ثُمَّ انْصَرَفَ، فَقَالَ: انْدَقَّ فِي يَدِي تِسْعَةُ أَسْيَافٍ يَوْمَ مُؤْتَةَ، ثُمَّ صَبَرَتْ فِي يَدِي صَفِيحَةٌ يَمَانِيَّةٌ، فَمَا زَالَتْ مَعِي.
حَدَّثَنَا عبيد الله، قال: حدثني عمي، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عن أبي عُثْمَانَ وَطَلْحَةَ بْنِ الأَعْلَمِ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عتيبة والغصن ابن الْقَاسِمِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ وَسُفْيَانَ الأحمري عن ماهان، قال: وَلَمَّا صَالَحَ أَهْلُ الْحِيرَةِ خَالِدًا خَرَجَ صَلُوبَا بْنُ نسطُونَا صَاحِبُ قِسِّ النَّاطِفِ، حَتَّى دَخَل عَلَى خَالِدٍ عَسْكَرَهَ، فَصَالَحَهُ عَلَى بَانِقْيَا وَبسمَا، وَضَمَنَ لَهُ مَا عَلَيْهِمَا وَعَلَى أَرْضَيْهِمَا مِنْ شَاطِئِ الْفُرَاتِ جَمِيعًا، وَاعْتَقَدَ لِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَقَوْمِهِ عَلَى عَشَرَةِ آلافِ دِينَارٍ سِوَى الْخرزةِ، خرزةِ كِسْرَى، وَكَانَتْ عَلَى كُلِّ رَأْسٍ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ، وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا فَتَمُّوا وَتَمَّ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ عَلَيْهِ فِي حَالِ غَلَبَةِ فَارِسَ بِغَدْرٍ، وَشَارَكَهُمُ الْمُجَالِدُ فِي الْكِتَابِ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا كِتَابٌ مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لِصَلُوبَا بْنِ نسطونَا وَقَوْمِهِ، إِنِّي عَاهَدْتُكُمْ عَلَى الْجِزْيَةِ وَالْمَنْعَةِ، عَلَى كُلِّ ذِي يَدٍ، بَانِقْيَا وبسما جَمِيعًا، عَلَى عَشَرَةِ آلافِ دِينَارٍ سِوَى الْخرزةِ، القوى على قَدْرِ قُوَّتِهِ، وَالْمُقِلُّ عَلَى قَدْرِ إِقْلالِهِ، فِي كُلِّ سَنَةٍ وَإِنَّكَ قَدْ نَقَبْتَ عَلَى قَوْمِكَ، وَإِنَّ قَوْمَكَ قَدْ رَضُوا بِكَ، وَقَدْ قَبِلْتُ وَمَنْ مَعِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَرَضِيتُ وَرَضِيَ قَوْمُكَ، فَلَكَ الذِّمَّةُ وَالْمَنْعَةُ، فَإِنْ مَنَعْنَاكُمْ فَلَنَا الْجِزْيَةُ، وَإِلا فلا حَتَّى نَمْنَعَكُمْ شَهِدَ هِشَامُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَالْقَعْقَاعُ بْنُ عَمْرٍو، وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحِمْيَرِيُّ، وَحَنْظَلَةُ بْنُ الرَّبِيعِ وَكَتَبَ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فِي صَفَرٍ.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عن شعيب، عن سيف، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مِكْنَفٍ، وَطَلْحَةَ عَنِ الْمُغِيرَةِ، وَسُفْيَانَ عَنْ مَاهَانَ وَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عن أبي عُثْمَان، وَطَلْحَةَ عَنِ الْمُغِيرَةِ، قَالَ: كَانَ الدَّهَّاقِينُ يَتَرَبَّصُونَ بِخَالِدٍ وَيَنْظُرُونَ مَا يَصْنَعُ أَهْلُ الْحِيرَةِ فَلَمَّا اسْتَقَامَ مَا بَيْنَ أَهْلِ الْحِيرَةِ وَبَيْنَ خَالِدٍ، وَاسْتَقَامُوا لَهُ أَتَتْهُ دَهَّاقِينُ الْمِلْطَاطَيْنِ، وَأَتَاهُ زَاذُ بْنُ بهيشٍ دِهْقَانُ فُرَاتِ سريا، وَصلوبَا بْنُ نسطونَا بْنِ بصبهرى، هَكَذا فِي حَدِيثِ السَّرِيِّ، -وقال عبيد الله: صلوبا بْنُ نسطونَا ونسطونا- فَصَالَحُوهُ عَلَى مَا بَيْنَ الْفَلالِيجِ إِلَى هرمزجرد عَلَى أَلْفَيْ أَلْفٍ -وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فِي حَدِيثِهِ: عَلَى أَلْفِ أَلْفٍ ثَقِيلٍ- وَأَنَّ لِلْمُسْلِمِينَ مَا كَانَ لآلِ كِسْرَى وَمَنْ مَالَ مَعَهُمْ عَنِ الْمُقَامِ فِي دَارِهِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي الصُّلْحِ وَضَرَبَ خَالِدٌ رِوَاقَهُ فِي عَسْكَرِهِ، وَكَتَبَ لهم كتابا:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا كِتَابٌ مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لِزَاذَ بْنِ بهيش وصلوبا بن نسطونا، لَكُمُ الذِّمَّةَ وَعَلَيْكُمُ الْجِزْيَةَ، وَأَنْتُمْ ضَامِنُونَ لِمَنْ نَقَبْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْبَهْقَبَاذِ الأَسْفَلِ وَالأَوْسَطِ -وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: وَأَنْتُمْ ضَامِنُونَ جِزْيَةَ مَنْ نقبتم عليه- على الفى الف ثقيل في كل سنه، عن كُلّ ذِي يَدٍ سِوَى مَا عَلَى بَانِقْيَا وَبسمَا وَإِنَّكُمْ قَدْ أَرْضَيْتُمُونِي وَالْمُسْلِمِينَ، وَإِنَّا قَدْ أَرْضَيْنَاكُمْ وَأَهْلَ الْبَهْقَبَاذِ الأَسْفَلِ، وَمَنْ دَخَلَ مَعَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَهْقَبَاذِ الأَوْسَطِ عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لَيْسَ فِيهَا مَا كَانَ لآلِ كِسْرَى وَمَنْ مَالَ مَيْلَهُمْ شَهِدَ هِشَامُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَالْقَعْقَاعُ بْنُ عَمْرٍو، وَجَرِيرُ بْنُ عبد الله الحميرى، وبشير بن عبيد اللَّهِ بْنِ الْخَصَّاصِيَّةِ، وَحَنْظَلَةُ بْنُ الرَّبِيعِ وَكَتَبَ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فِي صَفَرَ وَبَعَثَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عُمَّالَهُ وَمَسَالِحَهُ، فَبَعَثَ فِي الْعِمَالَةِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ وَثِيمَةَ النَّصْرِيَّ، فَنَزَلَ فِي أَعْلَى الْعَمَلِ بِالْفَلالِيجِ عَلَى الْمَنْعَةِ وَقَبَضَ الْجِزْيَةَ، وَجَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى بَانِقْيَا وَبسمَا، وَبَشِيرَ بْنَ الْخَصَّاصِيَّةِ عَلَى النَّهْرَيْنِ فَنَزَلَ الْكُوَيْفَةَ ببانبورا، وسويد بن مقرن المزنى الى نستر، فَنَزَلَ الْعَقْرَ -فَهِيَ تُسَمَّى عَقْرَ سُوَيْدٍ إِلَى الْيَوْمِ، وَلَيْسَتْ بِسُوَيْدٍ الْمِنْقَرِيِّ سُمِّيَتْ- وأَطَّ بْنَ أَبِي أَطٍّ إِلَى روذمستانَ، فَنَزَلَ مَنْزِلا عَلَى نَهْرٍ سُمِّيَ ذَلِكَ النَّهْرُ بِهِ- وَيُقَالُ لَهُ: نَهْرُ أَطٍّ إِلَى الْيَوْمِ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ، فَهَؤُلاءِ كَانُوا عُمَّالَ الْخَراجِ زَمَنَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ.
وَكَانَتِ الثُّغُورُ فِي زَمَنِ خَالِدٍ بِالسَّيْبِ، بَعَثَ ضِرَارَ بن الأزور وضرار ابن الْخَطَّابِ وَالْمُثَنَّى بْنَ حَارِثَةَ وَضِرَارَ بْنَ مُقَرِّنٍ وَالْقَعْقَاعَ بْنَ عَمْرٍو وَبُسْرَ بْنَ أَبِي رُهْمٍ وَعُتَيْبَةَ بْنَ النَّهَّاسِ، فَنَزَلُوا عَلَى السَّيْبِ فِي عَرْضِ سُلْطَانِهِ فَهَؤُلاءِ أُمَرَاءُ ثُغُورِ خَالِدٍ وَأَمَرَهُمْ خَالِدٌ بِالْغَارَةِ وَالإِلْحَاحِ، فَمَخَرُوا مَا وَرَاءَ ذَلِكَ إِلَى شَاطِئِ دِجْلَةَ.
قَالُوا: وَلَمَّا غَلَبَ خَالِدٌ عَلَى أَحَدِ جَانِبَيِ السَّوَادِ، دَعَا مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ بِرَجُلٍ، وَكَتَبَ مَعَهُ إِلَى أَهْلِ فَارِسَ وَهُمْ بِالْمَدَائِنِ مُخْتَلِفُونَ مُتَسَانِدُونَ لِمَوْتِ أَرْدَشِيرَ، إِلا أَنَّهُمْ قَدْ أَنَزَلُوا بهمنَ جَاذُوَيْهِ بِبَهُرَسِيرَ، وَكَأَنَّهُ عَلَى الْمُقَدِّمَةِ، وَمَعَ بهمنَ جَاذُوَيْهِ الآزَاذبَةَ فِي أَشْبَاهٍ لَهُ، وَدَعَا صَلُوبَا بِرَجُلٍ، وَكَتَبَ مَعَهُمَا كِتَابَيْنِ، فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَإِلَى الْخَاصَّةِ وَأَمَّا الآخَرُ فَإِلَى الْعَامَّةِ، أَحَدُهُمَا حِيرِيٌّ وَالآخَرُ نِبْطِيٌّ.
وَلَمَّا قَالَ خَالِدٌ لِرَسُولِ أَهْلِ الْحِيرَةِ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: مُرَّةٌ، قَالَ: خُذِ الْكِتَابَ فَأْتِ بِهِ أَهْلَ فَارِسَ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُمِرَّ عَلَيْهِمْ عَيْشَهُمْ، أَوْ يُسْلِمُوا، أَوْ يُنِيبُوا وَقَالَ لِرَسُولِ صلُوبَا: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: هِزْقِيلُ، قَالَ: فَخُذِ الْكِتَابَ. وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَزْهِقْ نُفُوسَهُمْ.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ مُجَالِدٍ وَغَيْرِهِ، بِمِثْلِهِ. وَالْكِتَابَانِ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى مُلُوكِ فَارِسَ، أَمَّا بَعْدُ، فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي حَلَّ نِظَامَكُمْ، وَوَهَنَ كَيْدَكُمْ، وَفَرَّقَ كَلِمَتَكُمْ، وَلَوْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بِكُمْ كَانَ شَرًّا لَكُمْ، فَادْخُلُوا فِي أَمْرِنَا نَدَعْكُمْ وَأَرْضَكُمْ، وَنُجَوِّزْكُمْ إِلَى غَيْرِكُمْ، وَإِلا كَانَ ذَلِكَ وَأَنْتُمْ كَارِهُونَ عَلَى غَلَبٍ، عَلَى أَيْدِي قَوْمٍ يُحِبُّونَ الْمَوْتَ كَمَا تُحِبُّونَ الْحَيَاةَ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى مَرَازِبَةِ فَارِسَ، أَمَّا بَعْدُ فَأَسْلِمُوا تَسْلَمُوا، وَإِلا فَاعْتَقِدُوا مِنِّي الذِّمَّةَ، وَأَدُّوا الْجِزْيَةَ، وَإِلا فَقَدْ جِئْتُكُمْ بِقَوْمٍ يُحِبُّونَ الْمَوْتَ، كَمَا تُحِبُّونَ شُرْبَ الْخَمْرِ.
حَدَّثَنِي عبيد الله، قال: حدثني عمي، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ مُحَمَّد بْن نويرة، عن أبي عثمان والسري، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عن مُحَمَّد بْن عبد اللَّه، عن أبي عثمان والمهلب بْن عقبة وزياد بْن سرجس، عن سياه وسفيان الأحمري، عن ماهان: أن الخراج جبي إلى خالد في خمسين ليلة، وكان الذين ضمنوه والذين هم رءوس الرساتيق رهنا في يده، فأعطى ذلك كله للمسلمين، فقووا به على أمورهم وكان أهل فارس بموت أردشير مختلفين في الملك، مجتمعين على قتال خالد، متساندين، وكانوا بذلك سنة، والمسلمون يمخرون ما دون دجلة، وليس لأهل فارس فيما بين الحيرة ودجلة أمر، وليست لأحد منهم ذمة إلا الذين كاتبوه واكتتبوا منه، وسائر أهل السواد جلاء، ومتحصنون، ومحاربون واكتتب عمال الخراج، وكتبوا البراءات لأهل الخراج، من نسخة واحدة:
بسم اللَّه الرحمن الرحيم براءة لمن كان من كذا وكذا من الجزية التي صالحهم عليها الأمير خالد بْن الوليد، وقد قبضت الذي صالحهم عليه خالد، وخالد والمسلمون لكم يد على من بدل صلح خالد، ما أقررتم بالجزية وكففتم أمانكم أمان، وصلحكم صلح، نحن لكم على الوفاء وأشهدوا لهم النفر من الصحابة الذين كان خالد أشهدهم: هشاما، والقعقاع، وجابر بْن طارق، وجريرا، وبشيرا، وحنظلة، وأزداذ، والحجاج بْن ذي العنق، ومالك بْن زيد.
حَدَّثَنَا عبيد اللَّه، قال: حَدَّثَنِي عمي، عن سيف، عن عطية بن الحارث، عن عبد خير، قال: وخرج خالد وقد كتب أهل الحيرة عنه كتابا: إنا قد أدينا الجزية التي عاهدنا عليها خالد العبد الصالح والمسلمون عباد اللَّه الصالحون، على أن يمنعونا وأميرهم البغي من المسلمين وغيرهم.
وأما السري، فإنه قال في كتابه إلي: حَدَّثَنَا شعيب، عن سيف، عن عطية بن الحارث، عن عبد خير، عن هشام بْن الوليد، قال: فرغ خالد.
ثم سائر الحديث مثل حديث عبيد اللَّه بْن سعد.
حَدَّثَنَا عبيد اللَّه، قال: حدثني عمي، عن سيف -والسري، عن شعيب عن سيف- عن عبد العزيز بن سياه، عن حبيب بْن أبي ثابت، عن ابن الهذيل الكاهلي نحوا منه، قالوا: وأمر الرسولين اللذين بعثهما أن يوافياه بالخبر، وأقام خالد في عمله سنة، ومنزله الحيرة، يصعد ويصوب قبل خروجه إلى الشام، وأهل فارس يخلعون ويملكون، ليس إلا الدفع عن بهرسير، وذلك أن شيرى بْن كسرى قتل كل من كان يناسبه إلى كسرى بْن قباذ، ووثب أهل فارس بعده وبعد أردشير ابنه، فقتلوا كل من بين كسرى بْن قباذ وبين بهرام جور، فبقوا لا يقدرون على من يملكونه ممن يجتمعون عليه.
حدثنا عبيد الله، قال: حدثني عمي، قال: حدثني سيف، عن عمرو والمجالد، عن الشعبي، قَالَ: أَقَامَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِيمَا بَيْنَ فَتْحِ الْحِيرَةِ إِلَى خُرُوجِهِ إِلَى الشَّامِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ، يُعَالِجُ عَمَلَ عِيَاضٍ الَّذِي سُمِّيَ لَهُ، وَقَالَ خَالِدٌ لِلْمُسْلِمِينَ: لَوْلا مَا عَهِدَ إِلَيَّ الْخَلِيفَةُ لَمْ أَتَنَقَّذْ عِيَاضًا، وَكَانَ قَدْ شَجِيَ وَأَشْجَى بِدُومَةٍ، وَمَا كَانَ دُونَ فَتْحِ فَارِسَ شَيْءٌ، إِنَّهَا لَسُنَّةٌ كَأَنَّهَا سنة نساء وَكَانَ عَهِدَ إِلَيْهِ أَلا يَقْتَحِمَ عَلَيْهِمْ وَخَلْفَهُ نِظَامٌ لَهُمْ وَكَانَ بِالْعَيْنِ عَسْكَرٌ لِفَارِسَ وَبِالأَنْبَارِ آخَرُ وَبِالْفَرَاضِ آخَرُ وَلَمَّا وَقَعَتْ كُتُبُ خَالِدٍ إِلَى أَهْلِ الْمَدَائِنِ تَكَلَّمَ نِسَاءُ آلِ كِسْرَى، فَوَلِيَ الْفَرْخَزَاذُ بْنُ الْبَنْدَوَانِ إِلَى أَنْ يَجْتَمِعَ آلُ كِسْرَى عَلَى رَجُلٍ إِنْ وَجَدُوهُ.
كَتَبَ إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عن أبي عثمان، وَطَلْحَةَ عَنِ الْمُغِيرَةِ، وَالْمُهَلَّبِ عَنْ سِيَاهٍ، وَسُفْيَانَ عَنْ مَاهَانَ، قَالُوا: كَانَ أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ عَهِدَ إِلَى خَالِدٍ أَنْ يَأْتِيَ الْعِرَاقَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهَا، وَإِلَى عِيَاضٍ أَنْ يَأْتِيَ الْعِرَاقَ مِنْ فَوْقِهَا، وَأَيُّكُمَا مَا سَبَقَ إِلَى الْحِيرَةِ فَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْحِيرَةِ، فَإِذَا اجْتَمَعْتُمَا بِالْحِيرَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَدْ فَضَضْتُمَا مَسَالِحَ مَا بَيْنَ الْعَرَبِ وَفَارِسَ وَأَمِنْتُمْ أَنْ يُؤْتَى الْمُسْلِمُونَ مِنْ خَلْفِهِمْ فَلْيَقُمْ بِالْحِيرَةِ أَحَدُكُمَا، وَلْيَقْتَحِمِ الآخَرُ عَلَى الْقَوْمِ، وَجَالِدُوهُمْ عَمَّا فِي أَيْدِيهِمْ، وَاسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاتَّقُوهُ، وَآثِرُوا أَمْرَ الآخِرَةِ عَلَى الدُّنْيَا يَجْتَمِعَا لَكُمْ، وَلا تُؤْثِرُوا الدُّنْيَا فَتُسْلَبُوهُمَا.
وَاحْذَرُوا مَا حَذَّرَكُمُ اللَّهُ بِتَرْكِ الْمَعَاصِي وَمُعَاجَلَةِ التَّوْبَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالإِصْرَارَ وَتَأْخِيرَ التَّوْبَةِ.
فَأَتَى خَالِدٌ عَلَى مَا كَانَ أُمِرَ بِهِ، وَنَزَلَ الْحِيرَةَ، وَاسْتَقَامَ لَهُ مَا بَيْنَ الْفَلالِيجِ إِلَى أَسْفَلِ السَّوَادِ، وَفَرَّقَ سَوَادَ الْحِيرَةِ يَوْمَئِذٍ عَلَى جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحِمْيَرِيِّ.
وَبَشِيرِ بْنِ الْخَصَّاصِيَّةِ، وَخَالِدِ بْنِ الْوَاشِمَةِ، وَابْنِ ذِي الْعُنُقِ، وَأَطٍّ، وَسُوَيْدٍ وَضِرَارٍ، وَفَرَّقَ سَوادَ الأُبُلَّةِ عَلَى سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ، وَحَسْكَةَ الْحبطِيِّ، وَالْحُصَيْنِ بْنِ أَبِي الْحُرِّ، وَرَبِيعَةَ بْنِ عَسَلٍ، وَأَقَرَّ الْمَسَالِحَ على ثغورهم، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْحِيرَةِ الْقَعْقَاعَ بْنَ عَمْرٍو وَخَرَجَ خَالِدٌ فِي عَمَلِ عِيَاضٍ لِيَقضيَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، وَلإِغَاثَتِهِ، فَسَلَكَ الْفَلُّوجَةَ حَتَّى نَزَلَ بِكَرْبلاءَ وَعَلَى مَسْلَحَتِهَا عَاصِمُ بْنُ عَمْرٍو، وَعَلَى مُقَدِّمَةِ خَالِدٍ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، لأَنَّ الْمُثَنَّى كَانَ عَلَى ثَغْرٍ مِنَ الثُّغُورِ الَّتِي تَلِي الْمَدَائِنَ، فَكَانُوا يُغَاوِرُونَ أَهْلَ فَارِسَ، وَيَنْتَهُونَ إِلَى شَاطِئِ دِجْلَةَ قَبْلَ خُرُوجِ خَالِدٍ مِنَ الْحِيرَةِ وَبَعْدِ خُرُوجِهِ فِي إِغَاثَةِ عِيَاضٍ.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عن شعيب، عن سيف، عن أبي روق، عَمَّنْ شَهِدَهُمْ بِمِثْلِهِ، إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَقَامَ خالد على كربلاء ايام، وَشَكَا إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَثِيمَةَ الذُّبَابَ، فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ: اصْبِرْ فَإِنِّي إِنَّمَا أريد أَنْ أَسْتَفْرِغَ الْمَسَالِحَ الَّتِي أَمَرَ بِهَا عِيَاضٌ فَنُسْكِنَهَا الْعَرْبَ، فَتَأْمَنَ جُنُودُ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُؤْتَوْا مِنْ خَلْفِهِمْ، وَتَجَيئَنَا الْعَرَبُ أمَنَةً وَغَيْرَ مُتَعْتَعَةٍ، وَبِذَلِكَ أَمَرَنَا الْخَلِيفَةُ، وَرَأْيُهُ يَعْدِلُ نَجْدَةَ الأُمَّةِ وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَشْجَعَ فِيمَا حَكَى ابْنُ وَثِيمَةَ:

لَقَدْ حُبِسَتْ فِي كَرْبِلاءِ مَطِيَّتِي *** وَفِي العين حتى عاد غثا سمينها
إذا زحلت مِنْ مَبْرَكٍ رَجَعَتْ لَهُ *** لَعَمْرُ أَبِيهَا إِنَّنِي لأُهِينُهَا
وَيَمْنَعُهَا مِنْ مَاءِ كُلِّ شَرِيعَةٍ *** رِفَاقٌ مِنَ الذِّبَّانِ زُرْقٌ عُيُونُهَا

حديث الأنبار- وهي ذات العيون- وذكر كلواذى
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة وَأَصْحَابِهِمَا، قَالُوا: خَرَجَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي تَعْبِيَتِهِ الَّتِي خَرَجَ فِيهَا مِنَ الْحِيرَةِ، وَعَلَى مُقَدِّمَتِهِ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ فَلَمَّا نَزَلَ الأَقْرَعُ الْمَنْزِلَ الَّذِي يُسَلِّمُهُ إِلَى الأَنْبَارِ أَنْتَجَ قَوْمٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِبِلَهُمْ، فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا الْعَرَجَةَ، وَلَمْ يَجِدُوا بُدًّا مِنَ الإِقْدَامِ، وَمَعَهُمْ بَنَاتُ مُخَاضٍ، تَتْبَعُهُمْ فَلَمَّا نُودِيَ بِالرَّحِيلِ صَرُّوا الأُمَّهَاتِ، وَاحْتَقَبُوا الْمَنْتُوجَاتِ، لأَنَّهَا لَمْ تُطِقِ السَّيْرَ، فَانْتَهُوا رُكْبَانًا إِلَى الأَنْبَارِ، وَقَدْ تَحَصَّنَ أَهْلُ الأَنْبَارِ، وَخَنْدَقُوا عَلَيْهِمْ، وَأَشْرَفُوا مِنْ حِصْنِهِمْ، وَعَلَى تِلْكَ الجنود شيرزاد صَاحِبُ سَابَاطَ -وَكَانَ أَعْقَلَ أَعْجَمِيٍّ يَوْمَئِذٍ وَأَسْوَدَهُ وَأَقْنَعَهُ فِي النَّاسِ: الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ- فَتَصَايَحَ عَرَبُ الأَنْبَارِ يَوْمَئِذٍ مِنَ السُّورِ، وَقَالُوا: صبح الأنبار شر، جمل يحمل جميلة وجمل تربه عوذ فقال شيرزاد: مَا يَقُولُونَ؟ فَفَسَّرَ لَهُ، فَقَالَ: أَمَّا هَؤُلاءِ فَقَدْ قَضَوْا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ الْقَوْمَ إِذَا قَضَوْا عَلَى أَنْفُسِهِمْ قَضَاءً كَادَ يُلْزِمُهُمْ، وَاللَّهِ لَئِنْ لَمْ يَكُنْ خَالِدٌ مُجْتَازًا لأُصَالِحَنَّهُ، فبينا هم كَذَلِكَ قَدِمَ خَالِدٌ عَلَى الْمُقَدِّمَةِ، فَأَطَافَ بِالْخَنْدَقِ، وَأَنْشَبَ الْقِتَالَ، وَكَانَ قَلِيلَ الصَّبْرِ عَنْهُ إِذَا رَآهُ أَوْ سَمِعَ بِهِ، وَتَقَدَّمَ إِلَى رُمَاتِهِ، فَأَوْصَاهُمْ وَقَالَ:
إِنِّي أَرَى أَقْوَامًا لا عِلْمَ لَهُمْ بِالْحَرْبِ، فَارْمُوا عُيُونَهُمْ وَلا تَوَخُّوا غَيْرَهَا، فَرَمَوْا رَشْقًا وَاحِدًا، ثُمَّ تَابَعُوا، فَفُقِئَ أَلْفُ عَيْنٍ يَوْمَئِذٍ، فَسُمِّيَتْ تِلْكَ الْوَقْعَةُ ذَاتَ الْعُيُونِ، وَتَصَايَحَ الْقَوْمُ: ذَهَبَتْ عُيُونُ أَهْلِ الأَنْبَارِ! فَقَالَ شِيرَزَاذُ: مَا يَقُولُونَ؟
فَفَسَّرَ لَهُ، فَقَالَ: آباذ آباذ فَرَاسَلَ خَالِدًا فِي الصُّلْحِ عَلى أَمْرٍ لَمْ يَرْضَهُ خَالِدٌ، فَرَدَّ رُسُلَهُ، وَأَتَى خَالِدٌ أَضْيَقَ مَكَانٍ فِي الْخَنْدَقِ بِرَذَايَا الْجَيْشِ فَنَحَرَهَا، ثُمَّ رَمَى بِهَا فِيهِ فَأَفْعَمَهُ، ثُمَّ اقْتَحَمَ الخندق -والردايا جُسُورُهُمْ- فَاجْتَمَعَ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ فِي الْخَنْدَقِ وَأَرَزَ القوم الى حصنهم، وراسل شيرزاد خَالِدًا فِي الصُّلْحِ عَلَى مَا أَرَادَ، فَقَبِلَ مِنْهُ عَلَى أَنْ يُخَلِّيَهُ وَيُلْحِقَهُ بِمَأْمَنِهِ فِي جَرِيدَةِ خَيْلٍ، لَيْسَ مَعَهُمْ مِنَ الْمَتَاعِ وَالأَمْوَالِ شيء، فخرج شيرزاد، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى بهمنَ جَاذُوَيْهِ، فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ لامَهُ، فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ فِي قَوْمٍ لَيْسَتْ لَهُمْ عُقُولٌ، وَأَصْلُهُمْ مِنَ الْعَرَبِ، فَسَمِعْتُهُمْ مَقْدَمَهُمْ عَلَيْنَا يَقْضُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَقَلَّمَا قَضَى قَوْمٌ عَلَى أَنْفُسِهِمْ قَضَاءً إِلا وَجَبَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ قاتلهم الجند، فَفَقَئُوا فِيهِمْ وَفِي أَهْلِ الأَرْضِ أَلْفَ عَيْنٍ، فَعَرَفْتُ أَنَّ الْمُسَالَمَةَ أَسْلَمُ وَلَمَّا اطْمَأَنَّ خَالِدٌ بِالأَنْبَارِ وَالْمُسْلِمُونَ، وَأَمِنَ أَهْلَ الأَنْبَارِ وَظَهَرُوا، رَآهُمْ يَكْتُبُونَ بِالْعَرَبِيَّةِ وَيَتَعَلَّمُونَهَا، فَسَأَلَهُمْ: مَا أَنْتُمْ؟ فَقَالُوا: قَوْمٌ مِنَ الْعَرَبِ، نَزَلْنَا إِلَى قَوْمٍ مِنَ الْعَرَبِ قَبْلَنَا -فَكَانَتْ أَوَائِلَهُمْ نَزَلُوهَا أَيَّامَ بُخْتَنَصَّرَ حِينَ أَبَاحَ الْعَرَبُ، ثُمَّ لَمْ تَزَلْ عَنْهَا- فَقَالَ: مِمَّنْ تَعَلَّمْتُمُ الْكِتَابَ؟ فَقَالُوا: تَعَلَّمْنَا الْخَطَّ مِنْ إِيَادٍ، وَأَنْشَدُوهُ قَوْلَ الشَّاعِرِ:

قَوْمِي إِيَادٌ لَوْ أَنَّهُمْ أَمَمُ *** أَوْ لَوْ أَقَامُوا فَتُهْزَلُ النَّعَمُ
قَوْمٌ لَهُمْ بَاحَةُ الْعِرَاقِ إِذَا *** سَارُوا جَمِيعًا وَالْخَطُّ وَالْقَلَمُ

وَصَالَحَ خَالِدٌ مَنْ حَوْلَهُمْ، وَبَدَأَ بِأَهْلِ الْبَوَازِيجِ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ أَهْلُ كَلْوَاذَى وعقد لَهُمْ، فَكَاتَبَهُمْ فَكَانُوا عيبته مِنْ وَرَاءِ دِجْلَةَ ثُمَّ إِنَّ أَهْلَ الأَنْبَارِ وَمَا حَوْلَهَا نَقَضُوا فِيمَا كَانَ يَكُونُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ مِنَ الدُّوَلِ مَا خَلا أَهْلُ الْبَوَازِيجِ، فَإِنَّهُمْ ثَبَتُوا كَمَا ثَبَتَ أَهْلُ بَانِقْيَا.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عن شعيب، عن سيف، عن عبد العزيز -يعني ابن سياه- عن حبيب بْن أبي ثابت، قال: ليس لأحد من أهل السواد عقد قبل الوقعة إلا بني صلوبا -وهم أهل الحيرة- وكلواذى، وقرى من قرى الفرات، ثم غدروا حتى دعوا إلى الذمة بعد ما غدروا.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عن مُحَمَّد بْن قيس، قال: قلت للشعبي: أخذ السواد عنوة؟ قال: نعم، وكل أرض إلا بعض القلاع والحصون، فإن بعضهم صالح به، وبعضهم غلب فقلت: فهل لأهل السواد ذمة اعتقدوها قبل الهرب؟ قال: لا، ولكنهم لما دعوا ورضوا بالخراج وأخذ منهم صاروا ذمة.

خبر عين التمر
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة والمهلب وَزِيَادٍ، قَالُوا: وَلَمَّا فَرَغَ خَالِدٌ مِنَ الأَنْبَارِ، وَاسْتُحْكِمَتْ لَهُ، اسْتَخْلَفَ عَلَى الأَنْبَارِ الزِّبْرَقَانَ بْنَ بَدْرٍ، وَقَصَدَ لِعَيْنِ التَّمْرِ، وَبِهَا يَوْمَئِذٍ مِهْرَانُ بْنُ بَهْرَامَ جوبين فِي جَمْعٍ عَظِيمٍ مِنَ الْعَجَمِ، وَعَقَّةُ بْنُ أَبِي عَقَّةَ فِي جَمْعٍ عَظِيمٍ مِنَ الْعَرَبِ مِنَ النَّمِرِ وَتَغْلِبَ وَإِيَادٍ وَمَنْ لافَهُمْ فَلَمَّا سَمِعُوا بِخَالِدٍ قَالَ عَقَّةُ لِمِهْرَانَ: إِنَّ الْعَرَبَ أَعْلَمُ بِقِتَالِ الْعَرَبِ، فَدَعْنَا وَخَالِدًا، قَالَ: صَدَقْتَ، لَعَمْرِي لأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِقِتَالِ الْعَرَبِ، وَإِنَّكُمْ لَمِثْلُنَا فِي قِتَالِ الْعَجَمِ فَخَدَعَهُ وَاتَّقَى بِهِ، وَقَالَ: دُونَكُمُوهُمْ وَإِنِ احْتَجْتُمْ إِلَيْنَا أَعَنَّاكُمْ فَلَمَّا مَضَى نَحْوَ خَالِدٍ قَالَتْ لَهُ الأَعَاجِمُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تَقُولَ هَذَا الْقَوْلَ لِهَذَا الْكَلْبِ! فَقَالَ: دَعُونِي فَإِنِّي لَمْ أَرُدَّ إِلا مَا هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَشَرٌّ لَهُمْ، إِنَّهُ قَدْ جَاءَكُمْ مَنْ قَتْلَ مُلُوكَكُمْ، وَفَلَّ حَدَّكُمْ، فَاتَّقَيْتُهُ بِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ عَلَى خَالِدٍ فَهِيَ لَكُمْ، وَإِنْ كَانَتِ الأُخْرَى لَمْ تَبْلُغُوا مِنْهُمْ حَتَّى يَهِنُوا، فَنُقَاتِلَهُمْ وَنَحْنُ أَقْوِيَاءُ وَهُمْ مُضْعَفُونَ.
فَاعْتَرَفُوا لَهُ بِفَضْلِ الرَّأْيِ، فَلَزَمَ مِهْرَانُ الْعَيْنَ، وَنَزَلَ عَقَّةُ لِخَالِدٍ عَلَى الطَّرِيقِ، وَعَلَى مَيْمَنَتِهِ بُجَيْرُ بْنُ فُلانٍ أَحَدُ بَنِي عُتْبَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُهَيْرٍ، وَعَلَى ميسرته الهذيل ابن عِمْرَانَ، وَبَيْنَ عَقَّةَ وَبَيْنَ مِهْرَانَ رَوْحَةٌ أَوْ غَدْوَةٌ، وَمِهْرَانُ فِي الْحِصْنِ فِي رَابِطَةِ فَارِسَ، وَعَقَّةُ عَلَى طَرِيقِ الْكَرْخِ كَالْخَفِيرِ فَقَدِمَ عَلَيْهِ خَالِدٌ وَهُوَ فِي تَعْبِئَةِ جُنْدِهِ، فَعَبَّى خَالِدٌ جُنْدَهُ وَقَالَ لِمُجَنِّبَتَيْهِ: اكْفُونَا مَا عِنْدَهُ، فَإِنِّي حَامِلٌ، وَوَكَّلَ بِنَفْسِهِ حَوَامِي، ثُمَّ حَمَلَ وَعَقَّةُ يُقِيمُ صُفُوفَهُ، فَاحْتَضَنَهُ فَأَخَذَهُ أَسِيرًا، وَانْهَزَمَ صَفَّهُ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ، فَأَكْثَرُوا فِيهِمُ الأَسْرَ، وَهَرَبَ بُجَيْرٌ وَالْهُذَيْلُ، وَاتَّبَعَهُمُ الْمُسْلِمُونَ وَلَمَّا جَاءَ الْخَبَرُ مِهْرَانَ هَرَبَ فِي جُنْدِهِ، وَتَرَكُوا الْحِصْنَ وَلَمَّا انْتَهَتْ فِلالُ عَقَّةَ مِنَ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ إِلَى الْحِصْنِ اقْتَحَمُوهُ وَاعْتَصَمُوا بِهِ، وَأَقْبَلَ خَالِدٌ فِي النَّاسِ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَى الْحِصْنِ وَمَعَهُ عَقَّةُ أَسِيرٌ وَعَمْرُو بْنُ الصَّعِقِ، وَهُمْ يَرْجُونَ أَنْ يَكُونَ خَالِدٌ كَمَنْ كَانَ يُغِيرُ مِنَ الْعَرَبِ، فَلَمَّا رَأَوْهُ يُحَاوِلُهُمْ سَأَلُوهُ الأَمَانَ، فَأَبَى إِلا عَلَى حُكْمِهِ فَسَلِسُوا لَهُ بِهِ فَلَمَّا فَتَحُوا دَفَعَهُمْ إِلَى الْمُسْلِمِينَ فَصَارُوا مساكًا، وَأَمَرَ خَالِدٌ بِعَقَّةَ وَكَانَ خَفِيرَ الْقَوْمِ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ لِيُوئْسِ الأُسَرَاءَ مِنَ الْحَيَاةِ، وَلَمَّا رَآهُ الأُسَرَاءُ مَطْرُوحًا عَلَى الْجِسْرِ يَئِسُوا مِنَ الْحَيَاةِ، ثُمَّ دَعَا بِعَمْرِو بْنِ الصَّعِقِ فَضَرَبَ عُنُقَهُ، وَضَرَبَ أَعْنَاقَ أَهْلِ الْحِصْنِ أَجْمَعِينَ وَسَبَى كُلَّ مَنْ حَوَى حِصْنُهُمْ، وَغَنِمَ مَا فِيهِ، وَوَجَدَ فِي بَيْعَتِهِمْ أَرْبَعِينَ غُلامًا يَتَعَلَّمُونَ الإِنْجِيلَ، عَلَيْهِمْ بَابٌ مُغْلَقٌ، فَكَسَرَهُ عَنْهُمْ، وَقَالَ: مَا أَنْتُمْ؟ قَالُوا: رُهُنٌ، فَقَسَمَهُمْ فِي أَهْلِ الْبَلاءِ، مِنْهُمْ أَبُو زِيَادٍ مَوْلَى ثَقِيفٍ، وَمِنْهُمْ نُصَيْرٌ أَبُو مُوسَى بْنُ نُصَيْرٍ، وَمِنْهُمْ أَبُو عَمْرَةَ جَدُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى الشَّاعِرِ، وَسِيرِينُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ سِيرِينَ، وَحُرَيْثٌ، وَعُلاثَةُ فصار ابو عمره لشرحبيل ابن حَسَنَةَ، وَحُرَيْثٌ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي عَبَّادٍ، وَعُلاثَةُ للمعنى، وَحُمْرَانُ لِعُثْمَانَ وَمِنْهُمْ عُمَيْرٌ وَأَبُو قَيْسٍ، فَثَبَتَ عَلَى نَسَبِهِ مِنْ مَوَالِي أَهْلِ الشَّامِ الْقُدَمَاءِ، وَكَانَ نُصَيْرٌ يُنْسَبُ إِلَى بَنِي يَشْكُرَ، وَأَبُو عَمْرَةَ إِلَى بَنِي مُرَّةَ وَمِنْهُمُ ابْنُ أُخْتِ النَّمِرِ.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ وَأَبِي سُفْيَانَ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالْمُهَلَّبِ بْنِ عُقْبَةَ، قَالُوا: وَلَمَّا قَدِمَ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ مِنْ عِنْدِ خَالِدٍ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ بِمَا بَعَثَ بِهِ إِلَيْهِ مِنَ الأَخْمَاسِ وَجَّهَهُ إِلَى عِيَاضٍ، وَأَمَدَّهُ بِهِ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ الْوَلِيدُ، وَعِيَاضٌ مُحَاصِرُهُمْ وَهُمْ مُحَاصِرُوهُ، وَقَدْ أَخَذُوا عَلَيْهِ بِالطَّرِيقِ، فَقَالَ لَهُ: الرَّأْيُ فِي بَعْضِ الْحَالاتِ خَيْرٌ مِنْ جُنْدٍ كَثِيفٍ، ابْعَثْ إِلَى خَالِدٍ فَاسْتَمِدَّهُ فَفَعَلَ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ رَسُولُهُ غب وَقْعَةِ الْعَيْنِ مُسْتَغُيثًا، فَعَجَلَ إِلَى عِيَاضٍ بِكِتَابِهِ: مِنْ خَالِدٍ إِلَى عِيَاضٍ إِيَّاكَ أُرِيدُ.

لبث قَلِيلا تَأْتِكَ الْحَلائِبُ *** يَحْمِلْنَ آسَادًا عَلَيْهَا الْقَاشِبُ
كَتَائِبٌ يتبعها كتائب

خبر دومة الجندل
قالوا: ولما فرغ خالد من عين التمر خلف فيها عويم بْن الكاهل الأسلمي، وخرج في تعبيته التي دخل فيها العين، ولما بلغ أهل دومة مسير خالد إليهم بعثوا إلى أحزابهم من بهراء وكلب وغسان وتنوخ والضجاعم، وقبل ما قد أتاهم وديعة في كلب وبهراء، ومسانده ابن وبرة بْن رومانس، وأتاهم ابن الحدرجان في الضجاعم، وابن الأيهم في طوائف من غسان وتنوخ، فأشجوا عياضا وشجوا به.
فلما بلغهم دنو خالد، وهم على رئيسين: أكيدر بْن عبد الملك والجودي ابن ربيعة، اختلفوا، فقال أكيدر: أنا أعلم الناس بخالد، لا أحد أيمن طائرا منه، ولا أحد في حرب، ولا يرى وجه خالد قوم أبدا قلوا أو كثروا إلا انهزموا عنه، فأطيعوني وصالحوا القوم فأبوا عليه، فقال: لن أمالئكم على حرب خالد، فشأنكم.
فخرج لطيته، وبلغ ذلك خالدا، فبعث عاصم بْن عمرو معارضا له، فأخذه فقال: إنما تلقبت الأمير خالدا، فلما أتى به خالدا أمر به فضربت عنقه، وأخذ ما كان معه من شيء، ومضى خالد حتى ينزل على أهل دومة، وعليهم الجودي بْن ربيعة، ووديعة الكلبي، وابن رومانس الكلبي، وابن الأيهم وابن الحدرجان، فجعل خالد دومة بين عسكره وعسكر عياض، وكان النصارى الذين أمدوا أهل دومة من العرب محيطين بحصن دومة، لم يحملهم الحصن، فلما اطمأن خالد خرج الجودي، فنهض بوديعة فزحفا لخالد، وخرج ابن الحدرجان وابن الأيهم إلى عياض، فاقتتلوا، فهزم اللَّه الجودي ووديعة علي يدي خالد، وهزم عياض من يليه، وركبهم المسلمون، فأما خالد فإنه أخذ الجودي أخذا، وأخذ الأقرع بْن حابس وديعة، وأرز بقية الناس إلى الحصن، فلم يحملهم، فلما امتلأ الحصن، أغلق من في الحصن الحصن دون أصحابهم، فبقوا حوله حرداء، وقال عاصم بْن عمرو: يا بني تميم، حلفاؤكم كلب، آسوهم واجيروهم، فإنكم لا تقدرون لهم على مثلها، ففعلوا وكان سبب نجاتهم يومئذ وصية عاصم بني تميم بهم، وأقبل خالد على الذين أرزوا إلى الحصن فقتلهم حتى سد بهم باب الحصن، ودعا خالد بالجودي فضرب عنقه، ودعا بالأسرى فضرب أعناقهم إلا أسارى كلب، فإن عاصما والأقرع وبني تميم قالوا: قد آمناهم، فأطلقهم لهم خالد، وقال: ما لي ولكم! أتحفظون أمر الجاهلية وتضيعون أمر الإسلام! فقال له عاصم: لا تحسدهم العافية، ولا يحوزهم الشيطان ثم أطاف خالد بالباب، فلم يزل عنه حتى اقتلعه، واقتحموا عليهم، فقتلوا المقاتلة، وسبوا الشرخ، فأقاموهم فيمن يزيد، فاشترى خالد ابنة الجودي وكانت موصوفة، وأقام خالد بدومة ورد الأقرع إلى الأنبار.
ولما رجع خالد إلى الحيرة -وكان منها قريبا حيث يصبحها- أخذ القعقاع أهل الحيرة بالتقليس، فخرجوا يتلقونه وهم يقلسون، وجعل بعضهم يقول لبعض: مروا بنا فهذا فرج الشر! كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ عَنْ سَيْفٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ وَالْمُهَلَّبِ، قَالُوا: وَقَدْ كَانَ خَالِدٌ أَقَامَ بِدومَةَ، فَظَنَّ الأَعَاجِمُ بِهِ، وَكَاتَبَهُمْ عَرَبُ الْجَزِيرَةِ غَضَبًا لِعَقَّةَ، فَخَرَجَ، زرمهرُ مِنْ بَغْدَادَ وَمَعَهُ رَوْزبَهْ يُرِيدَانِ الأَنْبَارَ، وَاتَّعَدَا حَصِيدًا وَالْخَنَافِسَ، فَكَتَبَ الزِّبْرِقَانُ وَهُوَ عَلَى الأَنْبَارِ إِلَى الْقَعْقَاعِ بْنِ عَمْرٍو وَهُوَ يَوْمَئِذٍ خَلِيفَةُ خَالِدٍ عَلَى الْحِيرَةِ، فَبَعَثَ الْقَعْقَاعُ أَعْبَدَ بْنَ فَدكيٍّ السَّعْدِيَّ وَأَمَرَهُ بِالْحَصِيدِ، وَبَعَثَ عُرْوَةَ بْنَ الْجَعْدِ الْبَارِقِيَّ وَأَمَرَهُ بِالْخَنَافِسِ، وَقَالَ لَهُمَا: إِنْ رَأَيْتُمَا مقدما فَأَقْدِمَا فَخَرَجَا فَحَالا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الرِّيفِ، وَأَغْلَقَاهُمَا، وَانْتَظَرَ رُوزْبَهْ وزرمهرُ بِالْمُسْلِمِينَ اجْتِمَاعَ مَنْ كَاتَبَهُمَا مِنْ رَبِيعَةَ، وَقَدْ كَانُوا تَكَاتَبُوا وَاتَّعَدُوا، فَلَمَّا رَجَعَ خَالِدٌ مِنْ دُومَةَ إِلَى الْحِيرَةِ عَلَى الظهرِ وَبَلَغَهُ ذَلِكَ وَقَدْ عَزَمَ عَلَى مُصَادَمَةِ أَهْلِ الْمَدَائِنِ، كَرِهَ خِلافَ أَبِي بَكْرٍ، وَأَنْ يَتَعَلَّقَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، فَعَجَلَ الْقَعْقَاعُ ابن عَمْرٍو وَأَبُو لَيْلَى بْنُ فَدكِيٍّ إِلَى رُوزْبَهْ وَزرمهرُ، فَسَبَقَاهُ إِلَى عَيْنِ التَّمْرِ، وَقَدِمَ عَلَى خَالِدٍ كِتَابُ امْرِئِ الْقَيْسِ الْكَلْبِيِّ، أَنَّ الْهُذَيْلَ بْنَ عِمْرَانَ قَدْ عَسْكَرَ بِالْمصيخِ، وَنَزَلَ رَبِيعَةُ بْنُ بُجَيْرٍ بِالثَّنِيِّ وَبِالبشرِ فِي عَسْكَرٍ غَضَبًا لِعَقَّةَ، يُرِيدَانِ زرمهر وروزبه فَخَرَجَ خَالِدٌ وَعَلَى مُقَدُّمَتِهِ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْحِيرَةِ عِيَاضَ بْنَ غَنْمٍ، وَأَخَذَ طَرِيقَ الْقَعْقَاعِ وَأَبِي لَيْلَى إِلَى الْخَنَافِسِ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْهِمَا بِالْعَيْنِ، فبعث القعقاع الى حصيد، وَأَمَّرَهُ عَلَى النَّاسِ، وَبَعَثَ أَبَا لَيْلَى إِلَى الخنافس، وقال: زجياهم ليجتمعوا ومن استثارهم، وَإِلا فَوَاقِعَاهُمْ فَأَبَيَا إِلا الْمَقَامِ.

خبر حصيد
فلما رأى القعقاع أن زرمهر وروزبه لا يتحركان سار نحو حصيد، وعلى من مر به من العرب والعجم روزبه ولما رأى روزبه أن القعقاع قد قصد له استمد زرمهر، فأمده بنفسه، واستخلف على عسكره المهبوذان، فالتقوا بحصيد، فاقتتلوا، فقتل اللَّه العجم مقتلة عظيمة، وقتل القعقاع زرمهر، وقتل روزبه، قتله عصمة بْن عبد اللَّه أحد بني الحارث بْن طريف، من بني ضبة، وكان عصمه من البررة -وكل فخذ هاجرت بأسرها تدعى البررة، وكل قوم هاجروا من بطن يدعون الخيرة- فكان المسلمون خيرة وبررة وغنم المسلمون يوم حصيد غنائم كثيرة وأرز فلال حصيد إلى الخنافس فاجتمعوا بها.

الخنافس
وسار أبو ليلى بْن فدكي بمن معه ومن قدم عليه نحو الخنافس، وقد أرزت فلال حصيد إلى المهبوذان، فلما أحس المهبوذان بقدومهم هرب ومن معه وأرزوا إلى المصيخ، وبه الهذيل بْن عمران، ولم يلق بالخنافس كيدا، وبعثوا إلى خالد بالخبر جميعا.

مصيخ بني البرشاء
قالوا: ولما انتهى الخبر إلى خالد بمصاب أهل الحصيد وهرب أهل الخنافس كتب إليهم، ووعد القعقاع وأبا ليلى وأعبد وعروة ليلة وساعة يجتمعون فيها إلى المصيخ -وهو بين حوران والقلت- وخرج خالد من العين قاصدا للمصيخ على الإبل يجنب الخيل، فنزل الجناب فالبردان فالحنى، واستقل من الحنى، فلما كان تلك الساعة من ليله الموعد اتفقوا جميعا بالمصيخ، فأغاروا على الهذيل ومن معه ومن أوى إليه، وهم نائمون من ثلاثة أوجه، فقتلوهم وأفلت الهذيل في أناس قليل، وامتلأ الفضاء قتلى، فما شبهوا بهم إلا غنما مصرعة، وقد كان حرقوص بْن النعمان قد محضهم النصح، وأجاد الرأي، فلم ينتفعوا بتحذيره، وقال حرقوص بن النعمان قبل الغارة:

الا سقيانى قبل خيل أبي بكر

الأبيات وكان حرقوص معرسا بامرأة من بني هلال تدعى أم تغلب، فقتلت تلك الليلة، وعبادة بْن البشر وامرؤ القيس بْن بشر وقيس بْن بشر، وهؤلاء بنو الثورية من بني هلال وأصاب جرير بْن عبد اللَّه يوم المصيخ من النمر عبد العزى بْن أبي رهم بْن قرواش أخا أوس مناة، من النمر، وكان معه ومع لبيد بْن جرير كتاب من أبي بكر بإسلامهما، وبلغ أبا بكر قول عبد العزى، وقد سماه عبد اللَّه ليلة الغارة، وقال: سبحانك اللهم رب مُحَمَّد.
فوداه وودى لبيدا  -وكانا أصيبا في المعركة- وقال: أما إن ذلك ليس علي إذ نازلا أهل الحرب، وأوصى بأولادهما، وكان عمر يعتد على خالد بقتلهما إلى قتل مالك -يعني ابن نويرة- فيقول أبو بكر: كذلك يلقى من ساكن أهل الحرب في ديارهم وقال عبد العزى:

أقول إذ طرق الصباح بغارة *** سبحانك اللهم رب مُحَمَّد
سبحان ربي لا إله غيره *** رب البلاد ورب من يتورد

كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ عَطِيَّةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: أَغَرْنَا عَلَى أَهْلِ المُصَيَّخِ، وإذا رجل يدعى باسمه حرقوص ابن النُّعْمَانِ، مِنَ النَّمِرِ، وَإِذَا حَوْلَهُ بَنُوهُ وَامْرَأَتُهُ، وَبَيْنَهُمْ جَفْنَةٌ مِنْ خَمْرٍ، وَهُمْ عَلَيْهَا عُكُوفٌ يَقُولُونَ لَهُ: وَمَنْ يَشْرَبُ هَذِهِ السَّاعَةَ وَفِي أَعْجَازِ اللَّيْلِ! فَقَالَ: اشْرَبُوا شُرْبَ وَدَاعٍ، فَمَا أَرَى أَنْ تَشْرَبُوا خَمْرًا بَعْدَهَا، هَذَا خَالِدٌ بِالْعَيْنِ وَجُنُودُهُ بِحَصِيدٍ، وَقَدْ بَلَغَهُ جَمْعُنَا وَلَيْسَ بِتَارِكِنَا، ثُمَّ قَالَ:

أَلا فَاشْرَبُوا مِنْ قَبْلِ فأصمه الظَّهْرِ *** بُعَيْدِ انْتِفَاخِ الْقَوْمِ بِالعكرِ الدثرِ
وَقَبْلَ مِنَايَانَا الْمُصِيبَة بِالْقَدَرِ *** لِحِينٍ لَعَمْرِي لا يَزِيدُ وَلا يَحْرِي

فَسَبَقَ إِلَيْهِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْخَيْلِ، فَضَرَبَ رَأْسَهُ، فَإِذَا هُوَ فِي جَفْنَتِهِ، وَأَخَذْنَا بَنَاتِهِ وَقَتَلْنَا بَنِيهِ.

الثني والزميل
وقد نزل ربيعة بْن بجير التغلبي الثني والبشر غضبا لعقة، وواعد روزبه وزرمهر والهذيل فلما أصاب خالد أهل المصيخ بما أصابهم به، تقدم إلى القعقاع وإلى أبي ليلى، بأن يرتحلا أمامه، وواعدهما الليلة ليفترقوا فيها للغارة عليهم من ثلاثة أوجه، كما فعل بأهل المصيخ ثم خرج خالد من المصيخ، فنزل حوران، ثم الرنق، ثم الحماة -وهي اليوم لبني جنادة بْن زهير من كلب- ثم الزميل، وهو البشر والثني معه -وهما اليوم شرقي الرصافة- فبدأ بالثني، واجتمع هو وأصحابه، فبيته من ثلاثة أوجه بياتا ومن اجتمع له وإليه، ومن تأشب لذلك من الشبان، فجردوا فيهم السيوف، فلم يفلت من ذلك الجيش مخبر، واستبى الشرخ، وبعث بخمس اللَّه إلى أبي بكر مع النعمان بْن عوف بْن النعمان الشيباني، وقسم النهب والسبايا، فاشترى علي بْن ابى طالب عليه السلام بنت ربيعه ابن بجير التغلبي، فاتخذها، فولدت له عمر ورقية، وكان الهذيل حين نجا أوى إلى الزميل، إلى عتاب بْن فلان، وهو بالبشر في عسكر ضخم، فبيتهم بمثلها غارة شعواء من ثلاثة أوجه سبقت إليهم الخبر عن ربيعة، فقتل منهم مقتلة عظيمة لم يقتلوا قبلها مثلها، وأصابوا منهم ما شاءوا، وكانت على خالد يمين: ليبغتن تغلب في دارها، وقسم خالد فيئهم في الناس، وبعث بالأخماس إلى أبي بكر مع الصباح بْن فلان المزني، وكانت في الأخماس ابنة مؤذن النمري، وليلى بنت خالد، وريحانة بنت الهذيل بْن هبيرة ثم عطف خالد من البشر إلى الرضاب، وبها هلال بْن عقة، وقد ارفض عنه أصحابه حين سمعوا بدنو خالد، وانقشع عنها هلال فلم يلق كيدا بها.

حديث الفراض
ثم قصد خالد بعد الرضاب وبغتته تغلب إلى الفراض -والفراض: تخوم الشام والعراق والجزيرة- فأفطر بها رمضان في تلك السفرة التي اتصلت له فيها الغزوات والأيام، ونظمن نظما، أكثر فيهن الرجاز إلى ما كان قبل ذلك منهن.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عن سيف، عن محمد وطلحه -وشاركهما عمرو بْن مُحَمَّد، عن رجل من بني سعد، عن ظفر بْن دهى- والمهلب بْن عقبة، قالوا: فلما اجتمع المسلمون بالفراض، حميت الروم واغتاظت، واستعانوا بمن يليهم من مسالح أهل فارس، وقد حموا واغتاظوا واستمدوا تغلب واياد والنمر، فأمدوهم، ثم ناهدوا خالدا، حتى إذا صار الفرات بينهم، قالوا: إما أن تعبروا إلينا وإما أن نعبر إليكم قال خالد: بل اعبروا إلينا، قالوا: فتنحوا حتى نعبر، فقال خالد: لا نفعل، ولكن اعبروا أسفل منا وذلك للنصف من ذي القعدة سنة اثنى عشرة فقالت الروم وفارس بعضهم لبعض: احتسبوا ملككم، هذا رجل يقاتل على دين، وله عقل وعلم، وو الله لينصرن ولنخذلن ثم لم ينتفعوا بذلك، فعبروا أسفل من خالد، فلما تتاموا قالت الروم: امتازوا حتى نعرف اليوم ما كان من حسن أو قبيح، من أينا يجيء! ففعلوا، فاقتتلوا قتالا شديدا طويلا ثم إن اللَّه عز وجل هزمهم، وقال خالد للمسلمين: ألحوا عليهم ولا ترفهوا عنهم، فجعل صاحب الخيل يحشر منهم الزمرة برماح أصحابه، فإذا جمعوهم قتلوهم، فقتل يوم الفراض في المعركة وفي الطلب مائة ألف، وأقام خالد على الفراض بعد الوقعة عشرا، ثم أذن في القفل إلى الحيرة لخمس بقين من ذي القعدة، وأمر عاصم بْن عمرو أن يسير بهم، وأمر شجرة بْن الأعز أن يسوقهم، وأظهر خالد أنه في الساقة.

حجة خالد
قال أبو جعفر: وخرج خالد حاجا من الفراض لخمس بقين من ذي القعدة، مكتتما بحجه، ومعه عدة من أصحابه، يعتسف البلاد حتى أتى مكة بالسمت، فتأتى له من ذلك ما لم يتأت لدليل ولا رئبال، فسار طريقا من طرق أهل الجزيرة، لم ير طريق أعجب منه، ولا أشد على صعوبته منه، فكانت غيبته عن الجند يسيرة، فما توافى إلى الحيرة آخرهم حتى وافاهم مع صاحب الساقة الذي وضعه فقدما معا، وخالد وأصحابه محلقون، لم يعلم بحجه إلا من أفضى إليه بذلك من الساقة، ولم يعلم أبو بكر رحمه اللَّه بذلك إلا بعد، فعتب عليه وكانت عقوبته إياه أن صرفه إلى الشام وكان مسير خالد من الفراض أن استعرض البلاد متعسفا متسمتا، فقطع طريق الفراض ماء العنبري، ثم مثقبا، ثم انتهى إلى ذات عرق، فشرق منها، فأسلمه إلى عرفات من الفراض، وسمي ذلك الطريق الصد، ووافاه كتاب من أبي بكر منصرفه من حجه بالحيرة يأمره بالشام، يقاربه ويباعده.
قال أبو جعفر: قالوا: فوافى خالدا كتاب أبي بكر بالحيرة، منصرفه من حجه: أن سر حتى تأتي جموع المسلمين باليرموك، فإنهم قد شجوا وأشجوا، وإياك أن تعود لمثل ما فعلت، فإنه لم يشج الجموع من الناس بعون الله شجاك، ولم ينزع الشجى من الناس نزعك، فليهنئك أبا سليمان النية والحظوة، فأتمم يتمم الله لك، ولا يدخلنك عجب فتخسر وتخذل، وإياك أن تدل بعمل، فإن الله له المن، وهو ولي الجزاء.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن عبد الملك بن عطاء بْن البكائي، عن المقطع بْن الهيثم البكائي، عن أبيه، قال: كان أهل الأيام من أهل الكوفة يوعدون معاوية عند بعض الذي يبلغهم، ويقولون: ما شاء معاوية! نحن أصحاب ذات السلاسل ويسمون ما بينها وبين الفراض ما يذكرون ما كان بعد احتقارا لما كان بعد فيما كان قبل.
وَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن مُحَمَّدٍ بِالإِسْنَادِ الَّذِي قَدْ مَضَى ذِكْرُهُ، أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ أَتَى الأَنْبَارَ فَصَالَحُوهُ عَلَى الجلاء، ثم اعطوه شيئا رضى به، وَأَنَّهُ أَغَارَ عَلَى سُوقِ بَغْدَادَ مِنْ رُسْتَاقِ الْعَالِ، وَأَنَّهُ وَجَّهَ الْمُثَنَّى فَأَغَارَ عَلَى سُوقٍ فِيهَا جَمْعٌ لِقُضَاعَةَ وَبَكْرٍ، فَأَصَابَ مَا فِي السُّوقِ، ثُمَّ سَارَ إِلَى عَيْنِ التَّمْرِ، فَفَتَحَهَا عَنْوَةً، فَقَتَلَ وَسَبَى، وَبَعَثَ بِالسَّبْيِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَ أَوَّلَ سَبْيٍ قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنَ الْعَجَمِ، وَسَارَ إِلَى دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ، فَقَتَلَ أكيدرَ، وَسَبَى ابْنَةَ الْجُودِي، وَرَجَعَ فَأَقَامَ بِالْحِيرَةِ.
هَذَا كله سنه اثنتى عشره.

حوادث متفرقة
وَفِيهَا تَزَوَّجَ عُمَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَاتِكَةَ بِنْتَ زَيْدٍ وَفِيهَا مَاتَ أَبُو مَرْثَدٍ الْغَنَوِيُّ.
وَفِيهَا مات ابو العاصي بْنُ الرَّبِيعِ فِي ذِي الْحِجَّةِ، وَأَوْصَى إِلَى الزبير، وتزوج على عليه السلام ابْنَتَهُ وَفِيهَا اشْتَرَى عُمَرُ أَسْلَمَ مَوْلاهُ.
وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ حَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَجَّ بِهِمْ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ.

ذكر من قال ذلك:
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إِسْحَاقَ، عَنِ الْعَلاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ، مَوْلَى الْحُرَقَةَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَهْمٍ، عَنِ ابْنِ مَاجِدَةَ السَّهْمِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: حَجَّ أَبُو بَكْرٍ فِي خِلافَتِهِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، وَقَدْ عَارَمْتُ غُلامًا مِنْ أَهْلِي، فَعَضَّ بِأُذْنِي فَقَطَعَ مِنْهَا -أَوْ عَضَضْتُ بِأُذْنِهِ فَقَطَعْتُ مِنْهَا- فَرَفَعَ شَأْنَنَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِمَا إِلَى عُمَرَ فَلْيَنْظُرْ، فَإِنْ كَانَ الْجَارِحُ قَدْ بَلَغَ فَلْيقد مِنْهُ فَلَمَّا انْتَهَى بِنَا إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَعَمْرِي لَقَدْ بَلَغَ هَذَا! ادْعُوا لِي حَجَّامًا قَالَ: فَلَمَّا ذَكَرَ الْحَجَّامَ، قَالَ: أَمَا إِنِّي قد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «قد اعطيت خالتي غلاما، وانا أرجو أَنْ يُبَارِكَ اللَّهُ لَهَا فِيهِ، وَقَدْ نَهَيْتُهَا أَنْ تَجْعَلَهُ حَجَّامًا أَوْ قَصَّابًا أَوْ صَائِغًا، فَاقْتَصَّ مِنْهُ».
وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي وَجْزَةَ يَزِيدَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَجَّ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: حَجَّ بِالنَّاسِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ.

ذكر من قال ذلك:
حَدَّثَنَا ابن حميد، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: بعض الناس يقول: لم يحج أبو بكر في خلافته، وأنه بعث سنة اثنتي عشرة على الموسم عمر بْن الخطاب، أو عبد الرحمن بْن عوف.