64 هـ
683 م
سنة أربع وستين

قرئ على ابن بكير وأنا أسمع عن الليث قال: توفي أمير المؤمنين يزيد في سنة أربع وستين ليلة البدر في شهر ربيع الأول. …

وفيها أحرقت الكعبة يوم السبت لثلاث خلون من شهر ربيع الآخر.
وفيها بويع أمير المؤمنين مروان في ذي القعدة في الجابية، وفيها كانت وقيعة راهط في ذي الحجة بعد الأضحى بليلتين.
وفيها فتح لزهير المغرب يوم قتل إكسيل.
زاد حرملة في روايته عن ابن بكير: وأقام ابن الزبير الحج.
قال ابن عياش: ولما مات يزيد بن معاوية، انصرف أهل الشام مع الحصين، وانصرف من انصرف من أصحاب ابن الزبير.
فقالت الخوارج بعضها لبعض: ألا تسألونه عن عثمان ما قوله فيه ؟ فأتوه فقالوا له: ما قولك في عثمان ؟ فالتفت فرأى في أصحابه قلة، فقال: روحوا إلي العشية.
وأمر أصحابه أن يحضروا، وحضرت الخوارج فقالوا: ما قولك في عثمان ؟ قال: أتولاه حيا وميتا. قالوا: برئ الله منك.
ثم انصرفوا، فخرج نجدة باليمامة وخرج نافع بن الأزرق بالبصرة، وتفرقت الخوارج.
كتب إلي بكار عن محمد بن عائذ قال: توفي يزيد بن معاوية في النصف من شهر ربيع الأول سنة أربع وستين، وكانت خلافته ثلاث سنين وثمانية أشهر.
قال محمد: وحدثني عبد الأعلى: أن يزيد بن معاوية مات وهو ابن ثمان وثلاثين.
قال محمد بن عائذ: وأغزى يزيد بن معاوية يزيد بن أسد أرض الروم.

حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير قال: أمر يزيد على المدينة عمرو بن سعيد بن العاصي، وحج عمرو بالناس سنة ستين، السنة التي بويع فيها يزيد بن معاوية، وبويع في رجب سنة ستين، ثم نزع عمرا عن المدينة وأمر الوليد بن عتبة على المدينة، فحج الوليد بالناس سنة إحدى وستين، ثم حج الوليد بن عتبة أيضا سنة اثنتين وستين، ثم نزع الوليد وأمر عثمان بن محمد أبي سفيان، فأخرجه أهل المدينة وأخرجوا من كان بالمدينة من بني أمية، وأقام عبد الله بن الزبير للناس الحج سنة ثلاث وستين قبل أن يبايع له.

حدثنا ابن نمير قال: توفي يزيد بن معاوية لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأول، فكانت خلافته ثلاث سنين وتسعة أشهر.
حدثنا ابن نمير قال: ثم بايع أهل الشام مروان فعاش تسعة أشهر.
حدثنا ابن نمير قال: وبويع ابن الزبير سنة أربع وستين، وحرقت الكعبة يوم السبت لثلاث خلون من ربيع الأول سنة أربع وستين، وحج عبد الله بن الزبير بالناس ثماني حجج ولاء، من سنة أربع وستين إلى إحدى وسبعين.
قال خليفة: فيها مات مسلم بن عقبة المري لا رحمه الله ولعنه، وقد كان سار بالناس، وهو ثقيل في الموت نحو مكة حتى إذا صدر عن الأبواء ثقل، فلما عرف أن الموت قد نزل به دعا حصين بن نمير الكندي، فقال: قد دعوتك فما أدري أستخلفك على الجيش أو أقدمك فأضرب عنقك قال: أصلحك الله، سهمك فارم بي حيث شئت.
قال: إنك أعرابي جلف جاف، وإن هذا الحي من قريش لم يمكنهم أحد قط من أذنيه إلا غلبوه على رأيه، فسر بهذا الجيش، فإذا لقيت القوم فإياك ألا تمكنهم من أذنيك، لا يكونن إلا الوقاف ثم الثقاف ثم الانصراف.
فمضى حصين بن نمير بجيشه ذلك، فلم يزل جيشه محاصرا لأهل مكة حتى هلك يزيد، فبلغت ابن الزبير وفاة يزيد قبل أن تبلغ حصينا، فناداهم ابن الزبير: على ما تقاتلون، وقد مات صاحبكم ؟ قالوا: نقاتل لخليفته.
قال: إنه لم يعهد إلى أحد، قال حصين: إن يكن ما تقول حقا فما أسرع الخبر.

ومات مسلم بن عقبة في صفر سنة أربع وستين، وكان حصار حصين خمسين يوما حتى مات يزيد.
ونصب حصين المجانيق على الكعبة وحرقها يوم الثلاثاء لخمس خلون من شهر ربيع الآخر سنة أربع وستين.
وفي الحصار قتل المسور بن مخرمة، ومات مصعب بن عبد الرحمن بن عوف.
وفيها مات يزيد بن معاوية بحوارين من بلاد حمص، وصلى عليه ابنه معاوية بن يزيد بن معاوية ليلة البدر في شهر ربيع الأول، وأمه ميسون ابنة بحدل الكلبية، ومات وهو ابن ثمان وثلاثين سنة، وقالوا: ابن بضع وأربعين سنة.
وكانت ولايته ثلاث سنين وتسعة أشهر واثنين وعشرين يوما، واستخلف ابنه معاوية بن يزيد بن معاوية فأقر عمال أبيه ولم يول أحدا، ولم يزل مريضا حتى مات وهو ابن إحدى وعشرين سنة، ويقال: عشرين سنة، وصلى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وكانت ولايته نحوا من شهر ونصف.
و يقال: مات معاوية بعد أبيه يزيد بأربعين يوما وهو ابن ثمان عشرة سنة.
القضاة في خلافة يزيد قال خليفة: على البصرة: عبد الرحمن بن أذينة العبدي حتى وقعت الفتنة وشريح على الكوفة.

وعلى المدينة: عبد الله بن عثمان التيمي من قبل عمرو بن سعيد.
وفي ولاية ابن زياد العراق كان أمر مرداس بن أدية.
وهو مرداس بن حدير من بني ربيعة بن حنظلة، خرج في أربعين رجلا فلم يقتل أحدا، ولم يعرض للسبيل ولا للمال حتى نفد زادهم ونفدت نفقاتهم وأرملوا حتى جعلوا يتصدقون، فبعث إليهم ابن زياد جيشا فهزمهم، وكان على الجيش عبد الله بن حصن الثعلبي، وقتلوا في أصحابه، فبعث عباد بن أخضر، فقتلهم على شاطئ ميسان أجمعين.
قال: فحدثني من كان في قافلة بريد فارس قال: لقيناهم وخيلهم تقاد، فتكلم أبو بلال فقال: قد رأيتم ما كان يؤتى إلينا، ولعلنا لو صبرنا كان خيرا لنا، وقد أصابتنا خصاصة، فتصدقوا فإن الله يجزي المتصدقين.
قال: فجاء التجار بالبدور فوضعوها بين يديه فقال: لا إلا درهمين لكل رجل، فلعلها لا نأكلها حتى نقتل، فأخذ ثمانين درهما له ولأصحابه، فبعث إليهم أهل البصرة جندا فقتلوهم.

فخرج نافع بن الأزرق فاعترض الناس، فخرج إليه ابن عبيس، فقتل نافع وقتل ابن عبيس، قال: قتلنا منهم خمسة أمراء، وقتلوا منا خمسة أمراء، قتل ابن عبيس فرأست أهل البصرة ربيعة السليطي، وقتل ابن الأزرق فرأست الخوارج عبد الله بن ماحوز، فقتلا جميعا، فرأست أهل البصرة حارثة بن بدر الغداني، ورأست الخوارج الزبير بن ماحوز فانحاز حارثة بالناس، وسار الزبير إلى المدائن.

وقال معاوية بن قرة المزني: خرجنا مع ابن عبيس نحوا من عشرين ألفا فخطبنا ابن عبيس فقال: (أيها الناس إنا إنما خرجنا حسبة، فمن كان منكم على مثل رأينا فليمعن معنا ومن لا فليقعد عنا غير حرج).
قال: فحلصنا في ألفين، فلقيناه بدستوا، فاقتتلنا فقتل منا خمسة أمراء وقتلنا منهم خمسة أمراء، وقتل أبي قرة، فحملت على قاتل أبي فقتلته، فلما أمسينا بقيت شرذمة منهم، وكانت الحرورية نحوا من خمس مائة، وقتل ابن الأزرق وابن عبيس فقمنا وقاموا ينظرون إلينا وننظر إليهم ما منا رجل يبسط يده إلى قتال من اللغوب.

فقال الناس: لو أمسكنا عنهم حتى يسود الليل، وقال بعضهم: لا تقيلوهم العثرة فأحب الناس الهوينا فطرقهم مدد من اليمامة، فما ملكنا أنفسنا أن انهزمنا حتى دخلنا البصرة، ثم غلبوا وبايعوا ابن الماحوز، وغلبوا على الأهواز وفارس وجبوا المال.
وفيها مات همام بن الحارث، وأبو ميسرة.

وفي سنة أربع وستين دعا ابن الزبير إلى نفسه، وذلك بعد موت يزيد بن معاوية، فبويع في رجب لسبع خلون من سنة أربع وستين، ولم يكن يدعو إليها ولا يدعى لها حتى مات يزيد.
قال: وكان أبو حرة صاحب العباء رجلا من الموالي شجاعا شاعرا مقاتلا فقال: يا بن الزبير ما سفكنا الدماء ولا قتلنا الناس إلا في ملكك، قال: فمن تبايعون سواي ؟ قال: فهلا انتظرت حتى نكون نحن ندعوك ؟ ففارقه، ثم أنشأ يقول:

إن الموالي أمست وهي عاتبة، *** على الموالي تشكى الجوع والحربا
ماذا علينا وما ذا كان يرزؤنا *** أي الملوك على ما خولوا غلبا

نعاهد الله عهدا لا نخيس به *** لا نسأل الدهر شورى بعد ما ذهبا

وإنما كان ابن الزبير يدعو قبل ذلك إلى أن تكون شورى بين الأمة، فلما كان بعد ثلاثة أشهر من وفاة يزيد بن معاوية دعا إلى بيعة نفسه، فبويع له بالخلافة لتسع خلون من رجب سنة أربع وستين.
وقد كان ابن زياد خطب الناس فنعى يزيد، وقال: اختاروا لأنفسكم.
فقال الأحنف: نحن بك راضون حتى يجتمع الناس.
فقال: ابن زياد: أغدوا على أعطياتكم، وفوضع الديوان، وأعطى العطاء، فخرج سلمة بن ذؤيب الرياحي، فدعا إلى بيعة ابن الزبير بناحية المربد، فرفع ابن زياد العطاء، وشاور إخوته وأهل بيته في قتال من عصاه وخالفه، فأشاروا عليه بالكف عن ذلك فتنحى وصار إلى مسعود في جمادى الآخرة سنة أربع وستين، وأقام عنده أكثر من شهرين، وإنما صار إلى الدار في شعبان.
ويقال: أقام ابن زياد عند مسعود أربعون يوما، ويقال: أقام عنده ثلاثة أشهر فانتهبت دار الإمارة، وجاء الأحنف فقال: لا يدخل دار ابن زياد أحد وأنا حي، فمنعها، وبعث إلى بيت المال والسجن والديوان واجتمع أهل البصرة ليؤمروا عليهم أميرا، فاجتمع رأيهم على عبد الله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب، وأمه بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية، فانطلق مالك بن مسمع وسويد بن منجوف إلى مسعود بن عمرو ليحالفوه ويردا ابن زياد إلى دار الإمارة، وقال ابن زياد لعباد بن زياد: أكد بينهم الحلف.
فكتبوا كتابا بينهم، وختمه مسعود بخاتمه، وكتب لمالك بن مسمع كتابا وختمه بخاتمه، دفع الكتابين إلى ذراع أبي هارون بن ذراع النميري، فوضعوهما على يده، ثم قالوا لابن زياد: انطلق حتى نردك إلى دار الإمارة.
فقال لهم ابن زياد: انطلقوا فمسعود عليكم، فإن ظفرتم رأيتم حينئذ رأيكم.
فسار مسعود وأصحابه يريدون الدار، فدخل أصحاب مسعود المسجد، وقتلوا قصارا كان في رحبة المسجد، وبلغ الأحنف، فبعث حين علم بذلك إلى بني تميم فجاءوا وجاء رجل من بني تميم إلى مسعود وهو واقف على بغلة في رحبة بني سليم فقتله، ورمت الأساورة بالنشاب فقتلوا في المسجد، وهرب مالك بن مسمع، فجاء إلى بني عدي، وانهزم الناس.
وخرج طواف بن المعلى السدوسي، فحكم عند قصر أوس، فرماه الناس بالحجارة فاحتمله فرسه فقذفه في فيض البصرة.

وبعث عبد الله بن الزبير على صلاة الكوفة عبد الله بن يزيد الخطمي وعلى الخراج ابراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله، وذلك في شهر رمضان سنة أربع وستين.
وأقر عبد الله بن الحارث على البصرة أربعين يوما، ثم كتب إلى أنس بن مالك يصلي بالناس.
وبايع الناس مروان بن الحكم في النصف من ذي القعدة سنة أربع وستين، وأمه آمنة بنت عقمة بن صفوان الكناني.
وفيها وقعة راهط بالشام، وقد كان أهل الشام بايعوا ابن الزبير، ما خلا أهل الجابية ومن كان من بني أمية ومواليهم وابن زياد  وبايعوا مروان بن الحكم ومن بعده لخالد بن يزيد بن معاوية، وذلك للنصف من ذي القعدة، ثم ساروا إلى الضحاك، فالتقوا بمرج راهط، فاقتتلوا عشرين يوما، ثم كانت الهزيمة على الضحاك بن قيس، فقتل الضحاك وأصحابه، ومع مروان ثلاثة عشر ألفا، والضحاك في ستين ألفا.
فأقاموا عشرين يوما يقتتلون في كل يوم.
فقال ابن زياد لمروان: إن الضحاك في فرسان قيس، ولن ننال منهم ما نريد إلا بمكيدة، فسلهم الموادعة، واكفف عن القتل، وأعد الخيل، فإذا كفوا فارمهم بها، فمشت بينهم السفراء، فكف الضحاك عن القتال، فشد عليهم مروان في الخيل، ففزعوا إلى رايتهم من غير تعبئة، فقتل الضحاك، وقتل من فرسان قيس جماعة، وأصيب يومئذ ثلاثة بنين لزفر بن الحارث، وفي ذلك يقول زفر بن الحارث:

لعمري لقد أبقت وقيعة راهط *** لمروان صدعا بيننا متنابيا
أريني سلاحي لا أبا لك إنني *** أرى الحرب لا تزداد إلا تماديا
أبعد بني عمرو بن معن تتابعا *** و مقتل همام أمنى الأمانيا
وتذهب كلب لم تنلها رماحنا *** وتترك قتلى راهط هي ماهيا

فلم تر مني نبوة قبل هذه *** فراري وتركي صاحبي ورائيا
عشية أجرى بالفريقين لا أرى *** من الناس إلا من علي ولا ليا
أ يذهب يوم واحد إن أساته ***بصالح أيامي وحسن بلائيا
فلا صلح حتى تنحط الخيل في القنا*** وتثأر من نسوان كلب نسائيا
فقد ينبت المرعى على دمن الثرى***وتبقى حزازات النفوس كماهيا

وفي سنة أربع وستين هدم ابن الزبير الكعبة وبناها، وأدخل فيها نحوا من سبعة أذرع من الحجر.
وبعد وفاة يزيد بن معاوية انتقض أهل الري فوجه عامر بن مسعود عامل الكوفة محمد بن عمير بن عطارد فهزموه، فوجه عتاب بن ورقاء الرياحي، فقتل البرجان وانهزم المشركون.
وفيها ولد يونس بن عبيد.
وفيها جدد مروان البيعة لنفسه ولابنه من بعده عبد الملك بن مروان ثم عبد العزيز بن مروان، وذلك في أول سنة خمس وستين.