44 هـ
665 م
سنة أربع وأربعين (ذكر الخبر عما كَانَ فِيهَا من الأحداث)

فمما كَانَ فِيهَا من ذَلِكَ دخول الْمُسْلِمِينَ مع عبد الرَّحْمَن بن خَالِد بن الْوَلِيد بلاد الروم ومشتاهم بِهَا، وغزو بسر بن أبي أرطاة البحر …

عزل عبد الله بن عامر عن البصره
وفي هَذِهِ السنة عزل مُعَاوِيَة عَبْد اللَّهِ بن عَامِر عن الْبَصْرَة.

ذكر الخبر عن سبب عزله:
كَانَ سبب ذَلِكَ أن ابن عَامِر كَانَ رجلا لينا كريما، لا يأخذ عَلَى أيدي السفهاء، ففسدت الْبَصْرَة بسبب ذَلِكَ أيام عمله بِهَا لمعاوية فَحَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: شَكَا ابْنُ عَامِرٍ إِلَى زِيَادٍ فَسَادَ النَّاسِ وَظُهُورَ الْخَبَثِ، فَقَالَ: جَرِّدْ فِيهِمُ السَّيْفَ، فَقَالَ: إِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُصْلِحَهُمْ بِفَسَادِ نَفْسِي.
حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: قَالَ أَبُو الْحَسَنِ: كَانَ ابن عَامِر لينا سهلا، سهل الولاية، لا يعاقب فِي سلطانه، وَلا يقطع لصا، فقيل لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ:
أنا أتألف الناس، فكيف أنظر الى رجل قد قطعت أباه وأخاه! حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَسْلَمَةُ بْنُ مُحَارِبٍ، قَالَ:
وَفَدَ ابْنُ الْكَوَّاءِ، وَاسْمُ ابْنُ الْكَوَّاءِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَسَأَلَهُ عَنِ النَّاسِ، فَقَالَ ابْنُ الْكَوَّاءِ: أَمَّا أَهْلُ الْبَصْرَةِ فَقَدْ غَلَبَ عَلَيْهَا سُفَهَاؤُهَا، وَعَامِلُهَا ضَعِيفٌ، فَبَلَغَ ابْنَ عَامِرٍ قول ابن الكواء، فاستعمل طفيل ابن عَوْفٍ الْيَشْكُرِيَّ عَلَى خُرَاسَانَ، وَكَانَ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ الْكَوَّاءِ مُتَبَاعِدًا، فَقَالَ ابْنُ الْكَوَّاءِ: إِنَّ ابْنَ دَجَاجَةَ لَقَلِيلُ الْعِلْمِ فِيَّ، أَظُنُّ أَنَّ وِلايَةَ طُفَيْلٍ خُرَاسَانَ تَسُوءُنِي! لَوَدَدْتُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي الأَرْضِ يَشْكُرِيٌّ إِلا عَادَانِي، وَأَنَّهُ وَلاهُمْ فَعَزَلَ مُعَاوِيَةُ ابْنَ عَامِرٍ، وَبَعَثَ الْحَارِثَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَزْدِيَّ قَالَ:
وَقَالَ الْقَحْذَمِيُّ: قَالَ ابْنُ عَامِرٍ: أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ عَدَاوَةً لابْنِ الْكَوَّاءِ؟ قَالُوا:
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْخٍ، فَوَلاهُ خُرَاسَانَ، فَقَالَ ابْنُ الْكَوَّاءِ مَا قَالَ.
وَذُكِرَ عَنْ عُمَرَ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ ثَقِيفٍ وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَصْبَهَانِيِّ، أَنَّ ابْنَ عَامِرٍ أَوْفَدَ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَفْدًا، فَوَافَقُوا عِنْدَهُ وَفْدَ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَفِيهِمُ ابْنُ الْكَوَّاءِ الْيَشْكُرِيُّ، فَسَأَلَهُمْ مُعَاوِيَةُ عَنِ الْعِرَاقِ وَعَنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ خَاصَّةً، فَقَالَ لَهُ ابْنُ الْكَوَّاءِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ أَكَلَهُمْ سُفَهَاؤُهُمْ، وَضَعُفَ عَنْهُمْ سُلْطَانُهُمْ، وَعَجَزَ ابْنُ عَامِرٍ وَضَعَّفَهُ.
فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: تَكَلَّمُ عَنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَهُمْ حُضُورٌ! فَلَمَّا انْصَرَفَ الْوَفْدُ إِلَى الْبَصْرَةِ بَلَّغُوا ابْنَ عَامِرٍ ذَلِكَ، فَغَضِبَ، فَقَالَ: أَيُّ أَهْلِ الْعِرَاقِ أَشَدُّ عَدَاوَةً لابْنِ الْكَوَّاءِ! فَقِيلَ لَهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْخٍ الْيَشْكُرِيُّ، فَوَلاهُ خُرَاسَانَ، وَبَلَغَ ابْنَ الْكَوَّاءِ ذَلِكَ فَقَالَ مَا قَالَ.
حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ، قَالَ: لَمَّا ضَعُفَ ابْنُ عَامِرٍ عَنْ عَمَلِهِ، وَانْتَشَرَ الأَمْرُ بِالْبَصْرَةِ عَلَيْهِ، كَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ يَسْتَزِيرُهُ، قَالَ عُمَرُ: فَحَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ، وَأَنَّهُ اسْتَخْلَفَ عَلَى الْبَصْرَةِ قَيْسَ ابن الْهَيْثَمِ، فَقَدِمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَرَدَّهُ عَلَى عَمَلِهِ، فَلَمَّا وَدَّعَهُ قَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: إِنِّي سَائِلُكَ ثَلاثًا، فَقُلْ: هُنَّ لَكَ قَالَ: هُنَّ لَكَ وَأَنَا ابْنُ أُمِّ حَكِيمٍ، قَالَ:
تَرُدَّ عَلَيَّ عَمَلِي وَلا تَغْضَبْ، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، قَالَ: وَتَهَبُ لِي مَالَكَ بِعَرَفَةَ، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ قَالَ: وَتَهَبُ لِي دُورَكَ بِمَكَّةَ، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، قَالَ:
وَصَلَتْكَ رَحِمٌ! قَالَ: فَقَالَ ابْنُ عَامِرٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي سَائِلُكَ ثَلاثًا فَقُلْ: هُنَّ لَكَ، قَالَ: هُنَّ لَكَ وَأَنَا ابْنُ هِنْدٍ، قَالَ: تَرُدَّ عَلَيَّ مَالِي بِعَرَفَةَ، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، قَالَ: وَلا تُحَاسِبْ لِي عَامِلا، وَلا تَتَّبِعْ لِي أَثَرًا.
قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، قَالَ: وَتُنْكِحَنِي ابْنَتَكَ هِنْدًا، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ.
قَالَ: وَيُقَالُ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لَهُ: اخْتَرْ بَيْنَ أَنْ أَتَتَبَّعَ أَثَرَكَ وَأُحَاسِبَكَ بِمَا صَارَ إِلَيْكَ، وَأَرُدَّكَ إِلَى عَمَلِكَ، وَبَيْنَ أَنْ أُسَوِّغَكَ مَا أَصَبْتَ، وَتَعْتَزِلَ، فَاخْتَارَ أَنْ يسوغه ذلك ويعتزل

استلحاق معاويه نسب زياد ابن سميه بابيه
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ اسْتَلْحَقَ مُعَاوِيَةُ نَسَبَ زِيَادِ بن سُمَيَّةَ بِأَبِيهِ أَبِي سُفْيَانَ فِيمَا قِيلَ.
حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، قَالَ: زَعَمُوا أَنَّ رَجُلا مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ كَانَ مَعَ زِيَادٍ لَمَّا وَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ لِزِيَادٍ: إِنَّ لابْنِ عَامِرٍ عِنْدِي يَدًا، فَإِنْ أَذِنْتَ لِي أَتَيْتُهُ، قَالَ: عَلَى أَنْ تُحَدِّثَنِي مَا يَجْرِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، قَالَ:
نَعَمْ، فَأَذِنَ لَهُ فَأَتَاهُ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَامِرٍ: هِيهٍ هِيهٍ! وَابْنُ سُمَيَّةَ يُقَبِّحُ آثَارِي، وَيُعَرِّضُ بِعُمَّالِي! لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آتِيَ بِقَسَامَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ يَحْلِفُونَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ لَمْ يَرَ سُمَيَّةَ، قَالَ: فَلَمَّا رَجَعَ سَأَلَهُ زِيَادٌ، فَأَبَى أَنْ يُخْبِرَهُ، فَلَمْ يَدَعْهُ حَتَّى أَخْبَرَهُ، فَأَخْبَرَ ذَلِكَ زِيَادٌ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لِحَاجِبِهِ:
إِذَا جَاءَ ابْنُ عَامِرٍ فَاضْرِبْ وَجْهَ دَابَّتِهِ عَنْ أَقْصَى الأَبْوَابِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِ، فَأَتَى ابْنُ عَامِرٍ يَزِيدَ، فَشَكَا إِلَيْهِ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ: هَلْ ذَكَرْتَ زِيَادًا؟ قَالَ:
نَعَمْ، فَرَكِبَ مَعَهُ يَزِيدُ حَتَّى أَدْخَلَهُ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ قَامَ فَدَخَلَ، فَقَالَ يَزِيدُ لابْنِ عَامِرٍ: اجْلِسْ فَكَمْ عَسَى أَنْ تَقْعُدَ فِي الْبَيْتِ عَنْ مَجْلِسِهِ! فَلَمَّا أَطَالا خَرَجَ مُعَاوِيَةُ وَفِي يَدِهِ قَضِيبٌ يَضْرِبُ بِهِ الأَبْوَابَ، ويتمثل:

لَنَا سِيَاقٌ وَلَكُمْ سِيَاقُ *** قَدْ عَلِمَتْ ذَلِكُمُ الرفاق

ثم قعد فقال: يا بن عَامِرٍ، أَنْتَ الْقَائِلُ فِي زِيَادٍ مَا قُلْتَ! أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمَتِ الْعَرَبُ أَنِّي كُنْتُ أَعَزُّهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَنَّ الإِسْلامَ لَمْ يَزِدْنِي إِلا عِزًّا، وَأَنِّي لَمْ أَتَكَثَّرْ بِزِيَادٍ مِنْ قِلَّةٍ، وَلَمْ أَتَعَزَّزْ بِهِ مِنْ ذِلَّةٍ، وَلَكِنْ عَرَفْتُ حَقًّا لَهُ فَوَضَعْتُهُ مَوْضِعَهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، نَرْجِعُ إِلَى مَا يُحِبُّ زِيَادٌ، قَالَ:
إِذًا نَرْجِعُ إِلَى مَا تُحِبُّ، فَخَرَجَ ابْنُ عَامِرٍ إِلَى زِيَادٍ فَتَرَضَّاهُ.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَالِحٍ، قَالَ:
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ هَاشِمٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ بَشِيرٍ الْهَمْدَانِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، أَنَّ زِيَادًا لَمَّا قَدِمَ الْكُوفَةَ، قَالَ: قَدْ جئتكم في امر ما طلبته الا إليكم، قَالُوا: ادْعُنَا إِلَى مَا شِئْتَ، قَالَ: تُلْحِقُونَ نَسَبِي بِمُعَاوِيَةَ، قَالُوا: أَمَّا بِشَهَادَةِ الزُّورِ فَلا، فَأَتَى الْبَصْرَةَ، فَشَهِدَ لَهُ رَجُلٌ.
وَحَجَّ بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ مُعَاوِيَةُ.
وَفِيهَا عَمِلَ مَرْوَانُ الْمَقْصُورَةَ، وَعَمِلَهَا- أَيْضًا فِيمَا ذُكِرَ- مُعَاوِيَةُ بِالشَّامِ.
وَكَانَتِ الْعُمَّالُ فِي الأَمْصَارِ فِيهَا الْعُمَّالُ الَّذِينَ ذَكَرْنَا قَبْلُ أَنَّهُمْ كَانُوا الْعُمَّالَ فِي سَنَةَ ثَلاثٍ وَأَرْبَعِينَ.