16 ربيع الثاني 9 هـ
5 آب 630 م
سريّة الإمام علي بن أبي طالب لهدم الفُلس صنم طيء: اليوم الحادي عشر

وفي ليلته أمسى الإمام علي بن أبي طالب ومن معه عند #~~~الشُّقَيْق~~~# متوجهين لهدم صنم #~~~الفُلس~~~#، …

فصلوا المغرب والعشاء وأقاموا أوّل الليل، وقال لهم دليلهم في الطّريق -حريث-: “بينكم وبين الحيّ الذي تريدون يوم تامّ، وإن سرناه بالنّهار وطئنا أطرافهم ورِعاءهم فأنذَروا الحيّ فتفرّقوا فلم تصيبوا منهم حاجتكم، ولكن نُقيم يومنا هذا في موضعنا حتى نُمسي، ثم نسري ليلتنا على متون الخيل فنجعلها غارة حتى نصبّحهم في عماية الصُّبح”، فوافق الإمام علي رضي الله عنه على هذا الرأي وقال: “هذا الرّأي”، فعسكروا وسرّحوا الإبل، وبعث الإمام علي منهم من يستقصي ما حولهم، فبعث أبو قتادة، والحُباب بن المُنذر وأبو نائلة على الخيل يطوفون حول المُعسكر، فأمسكوا غُلامًا أسود، فقالوا: “ما أنت؟”، قال: “أطلب بُغيتي”، فأتوا به إلى علي عليه السلام، فقال: “ما أنت؟”، قال: “باغ!”، فأغلظوا عليه، فاعترف قائلًا: “أنا غُلام لرجُل من طيء من بني نبهان أمروني بهذا الموضع، وقالوا: إن رأيت خيل محمد فطِر إلينا فأخبرنا، وأنا لا أُدرِك أسرًا، فلمّا رأيتكم أردت الذهاب إليهم، ثم قُلت: لا أعجل حتى آتي أصحابي بخبر بيِّن من عددكم وعدد خيلكم ورِكابكم ولا أخشى ما أصابني، فلكأنّي كُنت مقيّدًا حتى أخذتني طلائعكم”، قال علي عليه السلام: “اصدقنا، ما وراءك؟”، قال: “أوائل الحيّ على مسيرة ليلة طويلة، تُصَبِّحُهُم الخيل ومغارها حين غدوا“، قال علي عليه السلام لأصحابه: “ما ترون؟”، قال جبّار بن صخر رضي الله عنه: “نرى أن ننطلق على متون الخيل ليلتنا حتى نُصَبِّح القوم وهم غارّون فنُغير عليهم ونخرج بالعبد الأسود ليلًا ونُخَلِّف حُريثًا -الدليل- مع العسكر حتى يلحقوا إن شاء الله”، قال علي عليه السلام: “هذا الرأي”، فخرجوا بالعبد الأسود والخيل، يتناوبون الرّكوب عليها.

 

فركبوا الخيل وساروا حوالي 21 كم في ساعة ونصف تقريبًا حتى وصلوا #~~~دليهان~~~#، ثم حوالي 25 كم في ساعة ونصف أخرى تقريبًا حتى تجاوزوا #~~~موقق~~~# بحوالي 7 كم تقريبًا، يقودهم جاسوس طيء الذي أمسكوه، فشعروا أنّه يتلاعب بهم، فعنّفوه فقال لهم: “قد أخطأت الطريق وتركتها ورائي”، قال علي عليه السلام: “فارجع إلى حيث أخطأت”، فعاد بهم حوالي 2 كم في عشر دقائق تقريبًا، ثم قال: “أنا على خطأ”، فقال علي عليه السلام: “إنا منك في خُدعة، ما تريد إلا أن تُثنينا عن الحيّ، قدِّموه، لتصدُقَنّ أو لنضربنّ عُنُقك”، فقدّموه وسُلَّ السيف على رأسه، فلمّا رأى ذلك خاف وقال: “أرأيت إن صدقتكم أينفعني؟”، قالوا: “نعم”، قال: “فإني صنعت ما رأيتم إنّه أدركني ما يُدرك الناس من الحياء، فقُلت لنفسي: أقبلت بالقوم أدلّهم على الحيّ من غير محنة ولا حقّ فآمنُهُم، فلمّا رأيت منكم ما رأيت وخِفت أن تقتولني كان لي ذلك عُذر!، فأنا أحملك على الطريق!”، قالوا: “اصدقنا”، قال: “الحيّ قريب منكم…”، فخرج معهم حتى وصلوا قريب من الحيّ فسمعوا نُباح الكِلاب وحركة الماشية والأغنام، فقال العبد: “هذا الحيّ الذي تريدون وهم على فرسخ -حوالي 5 كم تقريبًا-، فنظروا إلى بعضهم وقالوا: “فأين آل حاتم؟”، قال العبد: “هُم بين القوم”، فقالوا لبعضهم: “إن أفزعنا الحيّ تصايحوا وأفزعوا بعضهم بعضًا فتغيّب عنّا أحزابهم في سواد الليل، ولكن نمهلهم حتى يطلع الفجر، فقد قرب طلوعه، فنُغير عليهم، فإن أنذر بعضهم بعضًا لم يخف علينا أين يذهبون، وليس عندهم خيل يهربون عليها، ونحن على الخيل”، فوافق علي عليه السلام على هذا الرأي، وأقاموا ينتظرون طلوع الفجر.

 

فلمّا طلع الفجر صلّوه، ثم أغاروا عليهم، فقتلوا وأسروا منهم، وأخذوا النساء والأطفال، وجمعوا الماشية والأغنام، ولم يستطع أحد الهروب منهم لمّا طلع النّهار، وكان في الأسرى فتاة رأت العبد الأسود -واسمه أَسْلَم- الذي دل المسلمين على مكان القبيلة، فقالت الفتاة: “أسلم هو من أتى بهم، ودلهم عليكم!، لا سَلِم”، قال أسلم: “أقصري يا ابنة الأكارم، ما دللتهم حتى كانوا سيقتلونني”، وكان في الأسرى بعض آل حاتم الطائي، فيهم بنته سفَّانة، ففصلوا آل حاتم في ناحية، وقال أسلَم -العبد- لعليّ عليه السلام: “ما تنتظر بإطلاقي؟”، قال علي: “تشهد أن لا إلاه إلا الله، وأن محمدًا رسول الله”، قال العبد: “أنا على دين قومي هؤلاء الأسرى، ما صنعوا صنعت”، قال عليّ: “ألا تراهم موثقين؟!، فتحب أن نربطك معهم؟”، قال أسلم: “نعم، أنا مع هؤلاء موثقًا أحبّ إليّ من أن أكون مع غيرهم مُطلقًا!، يصيبني ما أصابهم”، فضحك منه أهل السريّة، وربطوه معهم، قال العبد: “أنا معهم حتى تروا ما تفعلون بهم!”، فانقسم الأسرى بين مُرَحِّب به وبين نافِر منه يقولون: “لا مرحبًا بك أنت جئتنا بهم”، وآخرون يقولون: “مرحبًا بك وأهلًا، ما كان عليك أكثر مما صنعت لو أصابنا الذي أصابك لفعلنا الذي فعلت وأشدّ منه، ثم آسيت بنفسك”.

 

وقَرَّب رِجال السريّة الأسرى منهم، وعرضوا عليهم الإسلام، فمن أسلم تُرِك ومن رفض أعدموه، حتى جاء دور أسلم -العبد- فعرضوا عليه الإسلام فقال: “والله إن الجزع من السيف للؤم وما من خلود”، فناداه رجل ممن أسلم من الأسرى يقول: “يا عجبًا منك، ألا كان هذا حيث أُخِذت فلمّا قُتِل من قُتِل وأُسِر من أُسِر منّا، وأسلم من أسلم راغبًا في الإسلام تقول ما تقول!، ويحك!، أسلِم واتّبع دين محمد!”، قال أسلم -العبد-: “فإنّي أُسْلِم وأتبع دين محمد”، فأسلم وتُرِك وحسُنَ إسلامه فيما بعد.

 

وأمر عليًّا عليه السلام أبو قتادة ومع مجموعة أن يتولو مسئوليّة الأسرى ومتابعتهم حتى عودتهم للمدينة المنورة، وعبد الله بن عتيك في مجموعة معه لقيادة المشاية والأغنام وما أُخذ من أثاث ومتاع وضِع عليها، وغربت الشمس وهم هناك.